الجزيرة:
2024-11-15@19:39:13 GMT

في ذكرى ميلاد يحيى حقي المعلم الثاني للمبدعين العرب

تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT

في ذكرى ميلاد يحيى حقي المعلم الثاني للمبدعين العرب

في السابع عشر من "يناير ـ 1905″، كان ميلاد الكاتب المعلم "يحيى حقي " في حارة "درب الميضة " الواقعة خلف "مسجد وضريح السيدة زينب" بالقاهرة، وهو تركيّ الأب والأم، وكان أبواه يتكلّمان التركية والعربية ويدينان بالإسلام ويلتزمان تعاليمه.

كان "يحيى" موهوبًا في الكتابة منذ طفولته، ولكن مسار حياته الخصب المتفرد جعل منه معلمًا للمبدعين العرب، في مجال القصة القصيرة بالذات، وهو كان من بُناة "وزارة الثقافة المصرية" في خمسينيات القرن الماضي، فتولى منصبَ مدير "مصلحة الفنون" لمدة ثلاث سنوات، ومنصبَ رئيس تحرير مجلة "المجلة " لمدة ثماني سنوات "1962ـ 1970".

وهي المجلة التي تحول مقرها إلى مدرسة لتعليم فنون الكتابة الأدبية للمبدعين المصريين، وكانت الدراسات المنشورة فيها، مدرسة للمبدعين العرب في المشرق والمغرب، وهو آخر "مبدع" يتولى مواقع ثقافية من غير حَمَلة "الدكتوراه"، فالذي كان يساعده في "المجلة "، هو "الدكتور شكري عياد" الأكاديمي والناقد المعروف، والذي تولى رئاسة تحريرها بعده هو "الدكتور عبدالقادر القط"، وهو ناقد معروف أيضًا.

تطوير اللغة العربية

وفي الفترة ذاتها، كان "نجيب محفوظ " موظفًا تحت قيادته في "مصلحة الفنون"، ولما اختار ـ حسنين هيكل ـ فريقَ المبدعين ليكونوا ضمن فريق الكتّاب في " الأهرام" رفض "يحيى حقي " قَبول المهمة، واختار الكتابة في جريدة " التعاون " التي توزع على "الجمعيات الزراعية "؛ لأنه كان يعرف أن "الأهرام" ليست حرة بالدرجة التي يريدها، و"التعاون" توزع على الفلاحين، فيقرؤُها أولادهم المتعلمون، فتصل رسالته التي يريد لها أن تصل للناس من غير صدام مع " الرقيب " ـ حسنين هيكل ـ الناطق الرسمي باسم "جمال عبدالناصر" وشريكه في الحكم.

ومن يرصد المسيرة الاجتماعية للكاتب الراحل "يحيى حقي " يستوقفه أمران؛ الأول: أنه كان تركي العِرق والثقافة، لكنه أحبّ الثقافة العربية، وقرأ أصولها وما كتبه الروّاد من "الجاحظ إلى المؤرّخ عبدالرحمن الجبرتي ".

وكان له باع طويل في تطوير اللغة العربية لتواكب مستجدات العصر، بعد "طه حسين"، وهذا ما جعلنا نعتبره "المعلم الثاني "؛ لأن جيل "طه حسين وعلي عبدالرازق ومصطفى عبدالرازق" نقلوا اللغة العربية من "متحف الأزهر" إلى صخب الحياة السياسية والثقافية، وهناك مقالة مشهورة كتبها "طه حسين" نعى فيها زمن "مصطفى لطفي المنفلوطي"، ونزع عنه صفة "الأديب" وحطم مشروعه الذي كان مكتوبًا بلغة المحسنات البديعية والسجع والطباق والجناس وغير ذلك من قواعد البلاغة القديمة.

في قلب الصعيد

والأمر الثاني في مسيرة ـ حقي ـ أنه دخل المجتمع المصري من عدة أبواب، أولها: "التعليم " في المدارس الأهليّة، ثم "مدرسة الحقوق"، ومنها إلى "النيابة " و"المحاماة "، ورفض البقاء في هذا السياق، لكن الأسرة – التي كان منها موظفون كبار – ألحقته بوظيفة "معاون إدارة" في العام "1927"، وهذه الوظيفة وضعته في قلب الصعيد المصري، فعمل في "منفلوط" التابعة لمحافظة "أسيوط" حتى نهاية العام "1929".

وكانت وظيفته القانونية تفرض عليه التكييف القانوني للمخالفات والجرائم التي يرتكبها "الفلاحون " وتسهيل مهام "وكيل النيابة " والقاضي؛ لأن ضباط الشرطة في تلك الفترة كانوا من غير دارسي القانون، وكان "معاون الإدارة " يتولى عنهم صوغ الحوادث في قالب قانوني، وهذه الوظيفة كانت الميلاد الحقيقي للشاب التركي "الأفندي" المولود في "درب الميضة".

فهي التي أركبته ظهور "الحمير"، وجعلته يعرف مواسم الزرع، والأمراض التي تفتك بالفلاحين والصراعات التي تقع بين أصحاب الأطيان الزراعية والأجراء، و"المكر الفلاحي" الذي يمارسه الفلاحون للنجاة من قسوة "الحكومة " التي تمثل العدو الأول للفلاح المصري منذ عصر المماليك الجُباة القساة الذين أكرهوا الناس، وسرقوا أقواتهم وعلموهم أن "فرس الحكومة عرجاء" لكنها قادرة على "صيد الغزال".

نظرية حتمية اللفظ

كل هذا الميراث من الكراهية رآه "يحيى حقي " فكتبه في قصصه القصيرة، ونجده في مجموعته التي حملت عنوان: "أم العواجز"، ومجموعته: "دماء وطين"، وقبل هاتين المجموعتين، لم يكن "مجتمع الصعيد" معروفًا لدى الأدباء أو القُرّاء، حتى السيرة الذاتية " الأيام " التي صوّر فيها "طه حسين " حياته في "المنيا " في شمال الصعيد ظهرت في العام 1929، وليس فيها ما يمكن اعتباره رصدًا لتفاصيل الحياة في "شمال الصعيد".

أما ـ حقي ـ فقد حقق بمجموعتَيه إنجازَين، أولهما: أنه قدّم "القصة القصيرة" في صورتها الأوروبية الراقية المتخلصة من اللغة القديمة، القائمة على تصوير "المشهد" بما يستلزمه من "سرد" و"حوار".

وفي مشروعه الإبداعي كله، انتصر لنظرية أطلق عليها "حتمية اللفظ"، وشرحها في مقالاته النقدية، فقال؛ إن "اللفظ" القادر على التعبير عن المعنى الذي يريده الكاتب هو الأَولى ووجوده "حتمي " دون النظر إلى أصله " الفصيح أو العامي ".

وكانت تلك خطوة مهمة، جعلت المبدعين العرب يغامرون باحترام "اللهجات المحكية" المحلية، باعتبارها هي التطور الطبيعي للغة، وليس "الهدم المقصود للغة "، كما رأى الأزهريون رعاة التراث الموروث من العصرَين: العباسي والأموي.

احتضان الموهوبين

وعلى المستوى الإنساني، قدَّم يحيى حقي طَوال حياته "1905ـ 1992" نموذجًا للمثقف المعلم، الذي يعلم المبدعين الشبان، ويسعى لاكتشاف الموهوبين ويعتبرهم "الثروة " الحقيقية للمجتمع، فهو من اكتشف الدكتور "جمال حمدان " عالم الجغرافيا السياسية المعروف، وجعله من كتّاب مجلة "المجلة".

وهو من رعى مواهب "جيل الستينيات "، ومن مشاهيرهم "عبدالوهاب الأسواني " و"يحيى الطاهر عبدالله " و"إبراهيم أصلان " و"محمد روميش" و"عبدالحكيم قاسم " و"جمال الغيطاني"، ولم يكتفِ بالتعليم المباشر في "شرفة مقر مجلة المجلة" بل أصدر الكتب التي تعتبر المراجع المهمة لمن يرغب في احتراف الأدب القصصي، ومن كتبه التي خصصها لهذا الغرض "أنشودة للبساطة"وفيه جمع كل ما يحتاجه الأديب الناشئ حتى يصبح قاصًّا أو روائيًّا متمكنًا من أدوات فنّ القصّ.

وهو الذي وضع خُطة للحفاظ على الفنون الشعبية، فكان أوبريت "يا ليل يا عين " الذي شارك فيه الفنانون التلقائيون هو النواة الأولى التي خرجت منها فرقة "النيل " للآلات الموسيقية الشعبية، وتأسيس معهد الفنون الشعبية في أكاديمية الفنون، وتبنّي الحكومة المصرية فرقةَ "رضا" التي قامت بمسح شامل لأقاليم مصرالمختلفة واختارت "رقصات " متوارثة، وصاغت منها لوحات، وطافت بلاد العالم معبرة عن الثقافة الشعبية المصرية.

اعتزال

ولم يكتفِ بدوره الريادي والتعليمي من خلال الكتب والمقالات، ولكنه بعد أن قال كلمته، اعتزل الكتابة الأدبية، وهذه خطوة غير مسبوقة، وشرح ذلك بقوله في مقابلات تلفزيونية وإذاعيّة أجرتها معه تلفزيونات وإذاعات عربية: إن "الكاتب " الذكي، هو من لا يكرر نفسه، ويعتزل إذا ما أحسّ بأنه لن يضيف جديدًا.

وتفضل مشكورًا بإهداء مكتبته القيمة التي تضم آلاف الكتب المهمة إلى جامعة "المنيا" في ثمانينيات القرن الماضي، وهي جامعة كانت فقيرة، وكان مقصده دعم طلابها بالمراجع التي يحتاجونها في دراساتهم وبحوثهم الأكاديمية، وهذه خطوة دالة على محبة ـ صاحب الذكرى ـ للناس وحرصه على تمليكهم المعرفة، فهذه المكتبة هي ثمرة سنوات عمره التي تزيد على ربع القرن، أنفقها في عواصم أوروبا، يبحث ويدرس ويقتني الكتب من مصادرها الموثوقة.

وكان في تلك الفترة يعمل في الخارجية المصرية، حتى بلغ درجة "وزير مفوض" للحكومة الملكية المصرية في "ليبيا " و"المملكة السعودية"، وتزوَّج من فنانة تشكيلية فرنسية فأُعفي من العمل في الخارجية حسَب القانون المصري، وعاد إلى الوطن وأدَّى رسالته بصدق حتى اليوم الأخيرمن حياته.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: یحیى حقی طه حسین

إقرأ أيضاً:

في ذكرى تجليسه.. قصة الكلمة الوحيدة التي لم يكملها البابا شنودة على منبر الكنيسة

تمتع البابا شنودة الثالث البطريرك الـ 17 بعد المئة من باباوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بقدرة كبيرة على إلقاء العظات والشرح والتعليم، للدرجة التي أسكنته قلوب الملايين من المسلمين والمسيحين، ليس في مصر فقط، بل الوطن العربي والعالم إجمع، حتى تُرجِمت عظاته للغاتٍ عديدة، وتم تسجيلها في عشرات الكتب، ولكن ورغم كل هذه القدرة على الحديث والإلقاء، فقد مر قداسة البابا بموقف نادر في شبابه قبل رهبته، حينما كان اسمه وقتها نظير جيد، إذ خلال إلقاء إحدى كلماته على منبر الكنيسة قطع كاهن كلمته وأنزله من فوق المنبر، وهو ما نروي أحداثه اليوم بمناسبة ذكرى تجليس البابا الـ 53 حيث جلس على الكرسي المرقسي في مثل هذا اليوم عام 1971.

قصة الكلمة الوحيدة التي لم يكملها البابا شنودة على منبر الكنيسة

ففي صباه عندما  كان نظير جيد -الاسم العلماني للبابا شنودة الثالث- في الصف الرابع الثانوي حيث كانت الثانوية العامة 4 سنوات في ذلك الوقت، توفي صديق له ليقع الاختيار عليه لإلقاء أبيات شعرية تعبر عن الحزن الرابض في قلوب محبي الميت  ليقف الشاب «نظير» ذو الـ19 عاما تقريبا على منبر الكنيسة حزينًا على رحيل المتوفي، ويلقي بعض الكلمات التي قال البابا الراحل عن واقعها على الحاضرين «قولت أول بيت والسيدات بدأت تدمع، ثاني بيت بدأن نهنهة، وفي البيت الثالث بدأت السيدات البكاء بصوت عال ليقوم كاهن الكنيسة بإنزالي قائلا كفاية كده يا ابني» منعًا لزيادة قبضة الحزن على قلوب المصليين، وحتى لا تتحول جلسة العزاء إلى حلقة صراخ وعويل.

وروى قداسة البابا شنودة هذا الموقف خلال أحد اللقاءات التلفزيونية، قائلا ممازحًا المشاهدين، قائلًا: «خايف أقولكم قلت إيه وقتها تبكوا أنتو كمان»، ليدرك من بعدها أن من يقف على المنبر ويعظ يجب أن يقول كلمات مريحة للموجودين تعزيهم في مصيبتهم.

البابا شنودة والشعر

وكان الشاب نظير جيد قد علم نفسه تنظيم الشعر منذ أن كان ابن الـ 18 عاما، إذ سار خلف شغفه بتلك الكلمات التي يستطيع أن يصفه بها مدى حبه واشتياقه لله ليعثر ذات يوم على كتاب يحمل عنوان «أهدى سبيل إلى علمي الخليل» بدار الكتب ليذهب إليها في نشاط يوميا من الصباح حتى الظهيرة ثم يعود بعد مرة آخرى ليتعلم قواعد الشعر على الرغم من صعوبته وأتقنه ليصبح بعد ذلك الاختيار الأول لأصدقائه في المناسبات الرسمية والدينية ملقيا للقصائد.

مقالات مشابهة

  • وصل الأفكار العميقة للناس بأسلوب ساخر وسلس.. ذكرى ميلاد الكاتب أحمد بهجت
  • في ذكرى ميلاد يوسف عيد.. موقف طريف جمعه مع المخرج سعيد مرزوق
  • التشكيلية الأردنية نعمت الناصر: أسوان مدينة لا تُنسى
  • في ذكرى تجليسه.. قصة الكلمة الوحيدة التي لم يكملها البابا شنودة على منبر الكنيسة
  • في ذكرى ميلاد «الطبلاوي».. مسيرة «شيخ المقرئين» بدأت ببشرى جده ورؤيا والدته
  • ذكرى ميلاد مؤسس حركة الفن الانطباعية.. الفرنسي كلود مونيه
  • ذكرى ميلاد الشيخ الطبلاوي.. صوت خالد في سماء التلاوة
  • اليوم ذكرى ميلاد الشيخ الطبلاوي.. صوت خالد في سماء التلاوة |فيديو
  • يتوسط الأقصر وأسوان.. إنشاء أول نادى ومضمار للخيول على مستوى الصعيد
  • في ذكرى ميلاد أوجست رودان...تعرف على أبرز المحطات الفنية له