يتواصل التصعيد العسكري في البحر الأحمر، منذرا بعواقب وخيمة، وانعكاسات باهظة التكلفة على اليمن أولا، والمجتمع الدولي ثانيا.

 

الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت استئناف ضرباتها لأهداف تابعة لجماعة الحوثي في اليمن، بعد تصريحها أن ضرباتها انتهت، عقب تنفيذها لجملة من الغارات في الثاني عشر من يناير الجاري، وهي تلك التي نفذتها بالاشتراك مع القوات المسلحة البريطانية.

 

عودة الهجمات الأمريكية جاء – وفقا لتصريحات مسؤولين أمريكيين – بسبب استئناف جماعة الحوثي للهجمات على السفن في البحرين الأحمر والعربي، وبدا واضحا أن الهجمات الأمريكية لم تكن كافية لردع الحوثيين.

 

رد الحوثيين على الهجمات الأمريكية والبريطانية على مواقعهم داخل اليمن جاء أيضا بنتائج معاكسة، وأعلنوا في بيان للناطق العسكري للجماعة اعتبار جميع السفن الأمريكية والبريطانية أهدافا مشروعة ومعادية، وهي المرة الأولى التي يضعون فيها سفن الدولتين في قائمة أهدافهم لاستهدافها بشكل مباشر.

 

وعقب هذا البيان جاء استهداف الحوثيين لسفينة أمريكية في خليج عدن، لكنها لم تصاب بأي أضرار، وفقا للقيادة الأمريكية الوسطى، التي كشفت أيضا أنها عاودت استهداف مواقع الحوثيين، وهو ما لم تعلن عنه الجماعة، التي تكتمت أيضا عن حجم الأضرار التي خلفتها تلك الهجمات، ونشرت وسائل إعلامها خبرا يتيما عن تشييع ضحايا سقطوا في الهجمات.

 

بالنسبة للحوثيين فقد أكدوا تمسكهم بمطالبهم المتمثلة بإدخال المساعدات لقطاع غزة المحاصر، لكنهم مؤخرا رفعوا سقف مطالبهم حين اشترطوا توقف العدوان الكامل على غزة، كشرط لوقف هجماتهم، وفقا لتصريح نائب رئيس دائرة التوجيه المعنوي في صنعاء لأحد المواقع التابعة للجماعة.

 

أمريكا من جهتها تبدو في حالة من عدم اليقين الكامل في حربها مع جماعة الحوثي، فهي تواجه انتقادات على مستوى الكونجرس والنواب، حول صلاحيات شن الحرب خارج حدودها، وتصر بنفس الوقت على الدفاع عن نفسها، وتصرح أيضا أن لا نية لها في مهاجمة الحوثيين.

 

هذا الموقف الأمريكي المرتبك تزامن مع عزوف أوروبي من الانخراط مع واشنطن في حربها البحرية قرب اليمن، فالبرلمان البريطاني رفض منح الحكومة المتحالفة مع أمريكا تصريح الدخول في الحرب، وأحجمت دولا عديدة عن مساندة واشنطن كفرنسا وإيطاليا، وغيرهما، وهو ما يجعل أمريكا وحيدة في هذه الحرب باستثناء الدول التي أعلنت مساندتها عند الهجمات الأولى كبريطانيا، وكندا، وأستراليا، وهولندا.

 

غير أن الورقة الرابحة بيد واشنطن هي إعادة إحياء ملف تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، وهو ما كشفته صحيفة الفايننشال تايمز، وهو قرار إن اتخذته واشنطن فمن شأنه أن يوجه ضربة مؤلمة للجماعة، لكنه سيولد العديد من التداعيات، على المستوى الإنساني والاقتصادي.

 

الهجمات الأمريكية والإصرار الحوثي على المواجهة ولد انقساما داخليا في اليمن، خاصة لدى الطرف الأخر، ممثلا بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، التي تدين بالولاء للمملكة العربية السعودية، عندما اتهمت الحوثيين بالمخاطرة بالوضع في اليمن، وجر البلاد إلى ساحة مواجهة عسكرية لأغراض دعائية بدعاوى مضللة لا علاقة لها حقيقة بنصرة الأشقاء في فلسطين المحتلة، بل وطالبت بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وهو ما ينذر بعودة الصراع الداخلي المسلح، وينسف مشروع السلام الأممي في مهده الأول.

 

هذا التعليق الحكومي جاء متطابقا أيضا مع تصريحات رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي العضو في مجلس القيادة الرئاسي الذي طالب بدعم للقوات التابعة له، والتي تمولها الإمارات لتنفيذ عمل بري ضد جماعة الحوثي، وفقا لما جاء في تصريحاته لصحيفة الجارديان البريطانية.

 

وتبدو تكلفة هذا التصعيد كبيرة وباهظة في حال استمراره، إذ أنه يحشد المجتمع الدولي عند حدود اليمن البحرية، ويضاعف من الخسائر داخل اليمن، ويؤجل مشوار السلام الهش أصلا، ويؤجج الأوضاع أكثر، خاصة في الجانب الاقتصادي، بعد تصاعد حالات العزوف عن عبور البحر الأحمر من السفن الدولية، رغم تأكيدات الحوثيين انحصار استهدافهم لتلك المتجهة نحو إسرائيل.

 

التصعيد يتجلى في بعض المؤشرات التي تسلكها واشنطن، ومن ذلك حديثها عن اكتشاف شحنة أسلحة كانت في طريقها للحوثيين، وقالت إن مصدرها إيران، وهي ذاتها التي تستخدمها جماعة الحوثي في تهديدات الملاحة بالبحر الأحمر، وهي إشارة يمكن أن تبرز إلى مدى يجري تدويل الصراع، الذي قد ينذر بتوسع دائرته في المنطقة.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن أمريكا عدوان على اليمن جماعة الحوثي باب المندب الهجمات الأمریکیة جماعة الحوثی وهو ما

إقرأ أيضاً:

تحليل غربي: لماذا يجب على واشنطن الحفاظ على وحدة اليمن؟ (ترجمة خاصة)

دعا تحليل غربي الولايات المتحدة إلى الحفاظ على وحدة اليمن، لتفادي عودة الإرهاب وتهريب الأسلحة في بلد يشهد صراعا مذ عقد من الزمان.

 

وقال منتدى الشرق الأوسط "Middle East Forum" في تحليل للباحث إريك نافارو، مدير مبادرة أمن البحر الأحمر، ضابط عسكري مخضرم، ورائد أعمال، وخبير استراتيجي في الأمن القومي ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن اليمن الموحد وحده كفيل بمنع تحول البلاد إلى فراغ دائم للإرهاب وتهريب الأسلحة والتخريب الأجنبي.

 

وأضاف "مع استمرار العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن في إضعاف قدرات الحوثيين، لا ينبغي أن يكون مستقبل اليمن ما بعد الحوثيين شأناً ثانوياً".

 

وقال "يُقدّم التاريخ السياسي الحديث لليمن تحذيراً. خلال معظم أواخر القرن العشرين، كان اليمن دولتين منفصلتين: الجمهورية العربية اليمنية، المعروفة شعبياً باسم اليمن الشمالي، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ذات التوجه الماركسي، أو اليمن الجنوبي. وقد حجب توحيدهما عام 1990 في عهد الرئيس اليمني الشمالي علي عبد الله صالح انقسامات سياسية وقبلية واقتصادية عميقة. وقد أدى اعتماد صالح على المحسوبية والإكراه، وتهميشه لليمنيين الجنوبيين، إلى تعميق الاستياء. وقد رسّخت محاولة الانفصال الجنوبية الفاشلة عام 1994، وما تلاها من حرب أهلية، هذه الخلافات. ورغم أن صالح حافظ على وحدة اسمية، إلا أن نظامه لم يدمج الفصائل اليمنية في دولة فاعلة.

 

ينطوي التقسيم على مخاطر حسب التحليل ومن المرجح أن تندلع نزاعات حدودية حول مناطق غنية بالنفط والغاز مثل مأرب وشبوة.

 

وتطرق التحليل إلى احتجاجات الربيع العربي عام 2011 التي أجربت صالح على الاستقالة، لكنها فشلت في تحقيق إصلاح حقيقي. تلا ذلك فراغ في السلطة، مما مكّن الحوثيين المدعومين من إيران من الاستيلاء على صنعاء عام 2014 وتفكيك الحكومة الانتقالية. تصاعد الصراع إلى حرب إقليمية بالوكالة شملت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران. بعد أكثر من عقد من التشرذم، أصبحت مؤسسات اليمن اليوم في حالة خراب.

 

وطبقا للتحليل فإنها تبرز الآن رؤيتان متنافستان لمستقبل اليمن: التقسيم أو اللامركزية. يدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم من الإمارات العربية المتحدة، استقلال الجنوب. يستند هذا الاقتراح إلى سابقة ويقدم حلاً مبسطًا. قد يبدو اليمن المقسم أسهل حكمًا، وقد يسمح للمانحين الدوليين بالعمل مع سلطات إقليمية منفصلة.

 

وذكر أن التقسيم ينطوي على مخاطر. ومن المرجح أن تندلع نزاعات حدودية حول مناطق غنية بالنفط والغاز مثل مأرب وشبوة.

 

وقال "قد يشجع التشرذم جماعات أخرى على السعي للحصول على الحكم الذاتي، مما يؤدي إلى مزيد من الانقسام وعدم الاستقرار. علاوة على ذلك، فإن الخوف من تفتت اليمن ما بعد الحوثيين قد يدفع صانعي السياسات إلى إعادة النظر في جدوى القضاء على الحوثيين الذين، على الرغم من دعمهم للإرهاب، يسيطرون على معظم شمال اليمن. كما أن احتمال سيطرة الحوثيين على دويلة ما بعد التقسيم يُمثل خطرًا".

 

وأكد أن اليمن الموحد اللامركزي يمثل بديلاً أكثر استقرارًا. لافتا إلى أن نقل السلطة من الحكومة المركزية إلى القادة المحليين من شأنه أن يتماشى مع الواقع القبلي والإقليمي في اليمن. كما تُقلل اللامركزية من خطر تجدد الصراع على السلطة المركزية، وتُمكّن من حوكمة وإعادة إعمار أكثر فعالية.

 

وأكد التحليل أن الحفاظ على وحدة أراضي اليمن من شأنه أيضًا أن يُعزز الهوية الوطنية، مع السماح للمجتمعات المحلية بإدارة شؤونها الخاصة. كما أنه سيضمن توزيعًا أكثر عدلًا للموارد، ويمنع إيران من الحصول على موطئ قدم في الشمال.

 

ووفقا للتحليل فإن بعض النقاد يرون أن اللامركزية لا يمكن أن تنجح في ظل ضعف مؤسسات اليمن ووجود فصائل مسلحة. في حين أن هذه المخاوف مشروعة، إلا أنها تصف الظروف الراهنة، وليست عواقب تبني اللامركزية.

 

وقال "اليمن مجزأة بالفعل لكن الإطار اللامركزي يوفر مسارًا موثوقًا لإعادة دمج فصائل البلاد في إطار هيكل وطني واحد"، مشيرا إلى أن إدراك الواقع الميداني في اليمن وبناء حوكمة من القاعدة إلى القمة يوفران سبيلًا عمليًا للمضي قدمًا.

 

ودعا منتدى الشرق الأوسط في تحليله الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية إلى التحرك بحزم لدعم هذا النموذج. وقال "ينبغي على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ومصر التنسيق للحفاظ على وحدة أراضي اليمن ومنع التدخل الأجنبي".

 

وتابع "يجب أن يركز دعم الفصائل القبلية المناهضة للحوثيين على بناء حوكمة محلية مسؤولة مع تعزيز الوحدة الوطنية".

 

"ينبغي على صانعي السياسات الأمريكيين الضغط من أجل إنشاء مجلس حكم انتقالي يضم تمثيلًا عادلًا من جميع المناطق والفصائل الرئيسية -حسب التحليل- من شأن هذا الهيكل أن يدعم عملية صنع القرار الشاملة ويساعد على استقرار حوكمة ما بعد الحرب.

 

وأكد أن هذا النهج يخدم بشكل مباشر الاستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة. فهو يُقيّد النفوذ الإيراني، ويضمن حرية الملاحة في البحر الأحمر، ويُعزّز الشركاء المتحالفين مع الغرب، ويُواجه جهود الصين لتوسيع نفوذها البحري.

 

وخلص منتدى الشرق الأوسط إلى القول "وحده اليمن الموحد قادر على منع البلاد من أن تُصبح بؤرةً دائمةً للإرهاب وتهريب الأسلحة والتخريب الأجنبي".

 

 


مقالات مشابهة

  • ترومان تفر من البحر الأحمر.. الهزيمة الأمريكية تتكرّس تحت وقع الضربات اليمنية
  • تحليل غربي: لماذا يجب على واشنطن الحفاظ على وحدة اليمن؟ (ترجمة خاصة)
  • معهد واشنطن يدعو لدعم عملية برية ضد مليشيا الحوثي في اليمن والتنسيق مع الرياض وأبوظبي ..ودعم مجلس القيادة الرئاسي
  • الخارجية الإيطالي: التصعيد في البحر الأحمر يكبد دول المنطقة خسائر كبيرة
  • موقع صهيوني :رغم الحملة الأمريكية الهجمات الصاروخية من اليمن ستستمر وتتوسع
  • تجدّد الغارات الأمريكية على معاقل الحوثي في صعدة اليمنية
  • تقرير: هجمات الحوثيين في اليمن تمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة
  • طائرات الشبح الأمريكية تُقابلها صواريخ قدس اليمنية: معادلة صنعاء التي أرعبت واشنطن
  • المعركة اليمنية تكتب شهادة وفاة الهيمنة الأمريكية: الصين ترصد التراجع الأمريكي وموسكو تراقب صعود صنعاء
  • إعادة تموضع لإيران واستراتيجية جديدة لا تتخلى فيها عن الحوثيين على وقع الضربات الأمريكية المستمرة