التصعيد يتواصل في البحر الأحمر وينذر بعواقب وخيمة وسط تباين المواقف اليمنية والدولية (تحليل)
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
يتواصل التصعيد العسكري في البحر الأحمر، منذرا بعواقب وخيمة، وانعكاسات باهظة التكلفة على اليمن أولا، والمجتمع الدولي ثانيا.
الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت استئناف ضرباتها لأهداف تابعة لجماعة الحوثي في اليمن، بعد تصريحها أن ضرباتها انتهت، عقب تنفيذها لجملة من الغارات في الثاني عشر من يناير الجاري، وهي تلك التي نفذتها بالاشتراك مع القوات المسلحة البريطانية.
عودة الهجمات الأمريكية جاء – وفقا لتصريحات مسؤولين أمريكيين – بسبب استئناف جماعة الحوثي للهجمات على السفن في البحرين الأحمر والعربي، وبدا واضحا أن الهجمات الأمريكية لم تكن كافية لردع الحوثيين.
رد الحوثيين على الهجمات الأمريكية والبريطانية على مواقعهم داخل اليمن جاء أيضا بنتائج معاكسة، وأعلنوا في بيان للناطق العسكري للجماعة اعتبار جميع السفن الأمريكية والبريطانية أهدافا مشروعة ومعادية، وهي المرة الأولى التي يضعون فيها سفن الدولتين في قائمة أهدافهم لاستهدافها بشكل مباشر.
وعقب هذا البيان جاء استهداف الحوثيين لسفينة أمريكية في خليج عدن، لكنها لم تصاب بأي أضرار، وفقا للقيادة الأمريكية الوسطى، التي كشفت أيضا أنها عاودت استهداف مواقع الحوثيين، وهو ما لم تعلن عنه الجماعة، التي تكتمت أيضا عن حجم الأضرار التي خلفتها تلك الهجمات، ونشرت وسائل إعلامها خبرا يتيما عن تشييع ضحايا سقطوا في الهجمات.
بالنسبة للحوثيين فقد أكدوا تمسكهم بمطالبهم المتمثلة بإدخال المساعدات لقطاع غزة المحاصر، لكنهم مؤخرا رفعوا سقف مطالبهم حين اشترطوا توقف العدوان الكامل على غزة، كشرط لوقف هجماتهم، وفقا لتصريح نائب رئيس دائرة التوجيه المعنوي في صنعاء لأحد المواقع التابعة للجماعة.
أمريكا من جهتها تبدو في حالة من عدم اليقين الكامل في حربها مع جماعة الحوثي، فهي تواجه انتقادات على مستوى الكونجرس والنواب، حول صلاحيات شن الحرب خارج حدودها، وتصر بنفس الوقت على الدفاع عن نفسها، وتصرح أيضا أن لا نية لها في مهاجمة الحوثيين.
هذا الموقف الأمريكي المرتبك تزامن مع عزوف أوروبي من الانخراط مع واشنطن في حربها البحرية قرب اليمن، فالبرلمان البريطاني رفض منح الحكومة المتحالفة مع أمريكا تصريح الدخول في الحرب، وأحجمت دولا عديدة عن مساندة واشنطن كفرنسا وإيطاليا، وغيرهما، وهو ما يجعل أمريكا وحيدة في هذه الحرب باستثناء الدول التي أعلنت مساندتها عند الهجمات الأولى كبريطانيا، وكندا، وأستراليا، وهولندا.
غير أن الورقة الرابحة بيد واشنطن هي إعادة إحياء ملف تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، وهو ما كشفته صحيفة الفايننشال تايمز، وهو قرار إن اتخذته واشنطن فمن شأنه أن يوجه ضربة مؤلمة للجماعة، لكنه سيولد العديد من التداعيات، على المستوى الإنساني والاقتصادي.
الهجمات الأمريكية والإصرار الحوثي على المواجهة ولد انقساما داخليا في اليمن، خاصة لدى الطرف الأخر، ممثلا بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، التي تدين بالولاء للمملكة العربية السعودية، عندما اتهمت الحوثيين بالمخاطرة بالوضع في اليمن، وجر البلاد إلى ساحة مواجهة عسكرية لأغراض دعائية بدعاوى مضللة لا علاقة لها حقيقة بنصرة الأشقاء في فلسطين المحتلة، بل وطالبت بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وهو ما ينذر بعودة الصراع الداخلي المسلح، وينسف مشروع السلام الأممي في مهده الأول.
هذا التعليق الحكومي جاء متطابقا أيضا مع تصريحات رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي العضو في مجلس القيادة الرئاسي الذي طالب بدعم للقوات التابعة له، والتي تمولها الإمارات لتنفيذ عمل بري ضد جماعة الحوثي، وفقا لما جاء في تصريحاته لصحيفة الجارديان البريطانية.
وتبدو تكلفة هذا التصعيد كبيرة وباهظة في حال استمراره، إذ أنه يحشد المجتمع الدولي عند حدود اليمن البحرية، ويضاعف من الخسائر داخل اليمن، ويؤجل مشوار السلام الهش أصلا، ويؤجج الأوضاع أكثر، خاصة في الجانب الاقتصادي، بعد تصاعد حالات العزوف عن عبور البحر الأحمر من السفن الدولية، رغم تأكيدات الحوثيين انحصار استهدافهم لتلك المتجهة نحو إسرائيل.
التصعيد يتجلى في بعض المؤشرات التي تسلكها واشنطن، ومن ذلك حديثها عن اكتشاف شحنة أسلحة كانت في طريقها للحوثيين، وقالت إن مصدرها إيران، وهي ذاتها التي تستخدمها جماعة الحوثي في تهديدات الملاحة بالبحر الأحمر، وهي إشارة يمكن أن تبرز إلى مدى يجري تدويل الصراع، الذي قد ينذر بتوسع دائرته في المنطقة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن أمريكا عدوان على اليمن جماعة الحوثي باب المندب الهجمات الأمریکیة جماعة الحوثی وهو ما
إقرأ أيضاً:
معهد أمريكي: تقاعس أمريكا في اليمن جعل من الحوثي تهديد استراتيجي له علاقات بخصوم واشنطن المتعددين (ترجمة خاصة)
قال معهد أمريكي إن جماعة الحوثي في اليمن تشكل الآن تهديدًا استراتيجيًا له تداعيات عالمية على الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة.
وأضاف معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة (AEI) في تحليل للباحث "بريان كارتر"، ترجم أبرز مضمونه إلى العربية "الموقع بوست" أن الولايات المتحدة وحلفاؤها فشلوا في منع إيران من تعزيز القدرات العسكرية للحوثيين منذ عام 2015.
وذكر كارتر في تحليله المعنون "تكلفة التقاعس في اليمن" أن الحوثيين تحولوا من ميليشيا صغيرة في الجبال الشمالية في اليمن إلى تهديد استراتيجي كبير له علاقات بخصوم الولايات المتحدة المتعددين.
وأفاد المعهد أن الولايات المتحدة سعت إلى "تجنب التصعيد" ردًا على التصعيدات الحوثية الدرامية منذ أكتوبر 2023 من خلال اتخاذ سلسلة من التدابير نصفية التفاعلية التي فشلت في تحقيق تأثيرات حاسمة أو تدهور القدرات العسكرية للحوثيين بشكل ملموس.
وقال "لم يردع الحوثيون وقد جمعوا رؤى مهمة حول تشغيل الدفاعات الأمريكية ضد أنظمة الهجوم الخاصة بهم من جميع الأنواع. ومن المؤكد تقريبًا أن الحوثيين سيستغلون هذه الرؤية لتحسين فعالية هجماتهم الخاصة وتقديمها لخصوم الولايات المتحدة الآخرين. وفي الوقت نفسه، ستواصل العمليات الحوثية المتواصلة في الشرق الأوسط صرف الانتباه عن الجهود الأميركية لإعطاء الأولوية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما فعلت بالفعل منذ أكثر من عام".
وتطرق التحليل إلى فشل السعودية والإمارات في الحرب على جماعة الحوثي منذ 2015 بفضل الدعم الإيراني وحزب الله اللبناني. مشيرا إلى أن إيران صممت دعمها للحوثيين لبناء منظمة قادرة على تحدي ليس فقط الجناح الجنوبي لدول الخليج ولكن أيضًا إسرائيل والقوات الأمريكية.
وأشار إلى أن إيران تزود الحوثيين بتهريب الطائرات بدون طيار والصواريخ، غالبًا على شكل قطع، سواء عن طريق البحر أو عبر البر. حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها اعتراض هذه الإمدادات منذ عام 2015، ومع ذلك، لم تحقق الجهود الأمريكية سوى نجاح محدود للغاية، وذلك بسبب المسافات المعنية والموارد الأمريكية المحدودة المخصصة لمهمة الاعتراض.
وحسب المعهد "بدأ الحوثيون حملتهم الهجومية الإقليمية الموسعة في أكتوبر 2023، مما دفع واشنطن إلى رد دفاعي محدود فقط. في 19 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق الحوثيون طائرات بدون طيار وصواريخ استهدفت إسرائيل لأول مرة، ودخلوا رسميًا حرب 7 أكتوبر دعماً لحماس وبعد التنسيق مع الميليشيات العراقية المدعومة من إيران. ولم ترد الولايات المتحدة بمحاولة تعطيل قدرة الحوثيين على مواصلة الهجمات أو ردع الجماعة.
وقال "بدلاً من ذلك، تبنت الولايات المتحدة موقفًا رد الفعل والدفاع الذي لم يتسبب في أي تغيير ملحوظ في عملية صنع القرار لدى الحوثيين. ولم ترد الولايات المتحدة إلا بضربات على اليمن في 12 يناير 2024، بعد 26 هجومًا للحوثيين استهدفت الشحن الدولي وتسع هجمات شملت سفن حربية أمريكية وحليفة".
وأكد أن الاستجابة الأمريكية الأولية - والتي صُممت للدفاع عن الشحن فشلت دون تنفيذ ضربات "لتجنب التصعيد" - في منع التصعيد، حيث انتقل الحوثيون من الهجمات على إسرائيل في أكتوبر إلى هجمات متكررة بشكل متزايد على الشحن بدءًا من نوفمبر.
ويرى المعهد الأمريكي أن حملة الضربات التي تقودها الولايات المتحدة، والتي منعت الهجمات الحوثية الفردية ودمرت بعض البنية التحتية المستهدفة وعددًا محدودًا من الصواريخ على الأرض، فشلت في تغيير معدل هجمات الحوثيين.
وقال "كان من الممكن أن يؤدي رد فعل أمريكي أكثر قوة وجدية في أكتوبر ونوفمبر 2023 إلى تثبيط أو تعطيل هجمات الحوثيين على الشحن. لقد فشل الرد الدفاعي الأمريكي والحملة الجوية المحدودة اللاحقة، لأن هذه التهديدات لم تلحق أضرارًا كافية بقدرة الحوثيين ولم تضرب أهدافًا مهمة بما يكفي لردع إيران أو الحوثيين.
وتابع "كان من الممكن أن تؤدي الضربات المميتة وغير المميتة المتكررة على الأنظمة التي مكنت الحوثيين من استهداف وتتبع أهدافهم إلى تجريد الحوثيين من هذه القدرة. كان ينبغي أن يشمل هذا الجهد تعطيل أو تدمير سفينة التجسس الإيرانية بهشاد، والتي ساعدت الحوثيين بكل تأكيد في استهداف وتتبع الشحن من منطقة دوريتها في البحر الأحمر.
وأردف "كان من الممكن أيضًا أن تتسبب إجراءات أخرى، بما في ذلك دعم الجماعات المسلحة في اليمن أو التدابير الاقتصادية مثل إزالة البنوك في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون من نظام سويفت الدولي، في دفع الحوثيين إلى إعادة حساباتهم من خلال تحدي سيطرة الحوثيين على شمال اليمن".
يقول معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة "لا شك أن كل من هذه الخيارات تنطوي على مخاطر كبيرة، لكنها كانت لتكون أكثر عرضة لتعطيل هجمات الحوثيين وجعل الهجمات أقل فعالية أو أقل تواترا".
ودعا صناع السياسات في الولايات المتحدة لأن يدركوا، قبل كل شيء، أن النهج الأكثر تحفظًا الذي كان يهدف إلى تجنب التصعيد أدى بدلاً من ذلك إلى تسهيل التصعيد.
وأوضح أن السماح للحوثيين بإطالة أمد حملتهم التصعيدية التدريجية هو في الواقع خيار سياسي أكثر خطورة بالنسبة للولايات المتحدة في الأمد البعيد مقارنة بالجهود العسكرية الأكثر حسما.
وقال إن حملة الهجوم الحوثية التي استمرت عامًا ستوفر بيانات ودروسًا يمكن للحوثيين وخصوم الولايات المتحدة الآخرين استخدامها لتحسين فعالية هجماتهم على السفن البحرية الأمريكية والمنشآت البرية في المستقبل.
وزاد "توفر هذه الهجمات للحوثيين وربما داعميهم في طهران، على الأقل، قدرًا هائلاً من البيانات حول كيفية استجابة الدفاعات الجوية الأمريكية وحلفائها للصواريخ والطائرات بدون طيار. وبالمثل، يمكن للحوثيين مشاركة هذه البيانات مع الروس في مقابل بيانات الاستهداف الروسية للسفن في البحر الأحمر. ومن المؤكد أن الدروس المستفادة من هذه البيانات ستُستخدم ضد دفاعات البحرية الأمريكية في المستقبل ويمكن أن تفيد العمليات المعادية ضد الدفاعات البرية الأمريكية المضادة للطائرات بدون طيار والصواريخ أيضًا.
يضيف المعهد الأمريكي أن السياسة الأمريكية تجاه الحوثيين في 2023-2024 تظهر أن "إدارة التصعيد" ليست نهجًا فاشلاً وسياسة غير مستدامة. لقد "صعد" الحوثيون مرارًا وتكرارًا ولم يواجهوا سوى رد فعل أمريكي محدود لم يفعل شيئًا "لإدارة التصعيد".
وخلص معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة في تحليله بالقول "إن الدرس الذي يتعلمه الحوثيون في هذه الحرب هو أنهم قادرون على إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على السفن الحربية الأميركية والشحن العالمي وشركاء الولايات المتحدة، ولا يعانون إلا من عواقب محدودة وغير كافية. ويتعين على الولايات المتحدة أن تتعلم أن "إدارة التصعيد" في واقع الأمر تشجع التصعيد وتطيل أمد الصراعات ــ وهي مشكلة خطيرة بشكل خاص عندما يتعين على الولايات المتحدة أن تكون قادرة على التركيز على مسارح حاسمة أخرى.