الثورة / أنور سلامة
لم تكن قد مضت أيام قليلة على معركة «طوفان الأقصى»، عندما فتحت «فيسبوك» صفحاتها أمام حملة إسرائيلية منظّمة لترويج كذبة قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء وقتل كبار السن في مستوطنات غلاف غزة.
حرب رقمية
لم يكن ذلك حدثاً عابراً بالنسبة لشركة «ميتا» الأمريكية المالكة لمنصة «فيسبوك»، بل سياسة نشر مدروسة قرّرت الشركة انتهاجها في كل تطبيقاتها لترويج الأخبار الكاذبة، في حربها على المقاومة والقضية الفلسطينية.

وخلال أيام كانت كل منصات «ميتا» مثل «انستاغرام» و»ماسنجر» و»ثريدز» تنتهج سياسة تحيّز وترويج أخبار ملفّقة وتلاعب بمعايير النشر وخنق حرية التعبير، في خضمّ حرب رقمية مفتوحة على الفلسطينيين، وكل المناصرين لقضيتهم حول العالم. كانت هذه الحرب تُشنّ بالتوازي مع اندفاع الدبابات والطائرات الإسرائيلية لارتكاب واحدة من أكبر المجازر في تاريخ فلسطين. إنها حرب الأكاذيب.
مراقبة وتضييق وتجسس
لكن على الرغم من أن منصة مارك زوكربرغ كانت تبدو وكأنها تقود حرب الإعلام الرقمي ضد فلسطين بسبب حضورها الإعلامي الرقمي الواسع، إلا أن «محور الشرّ» التكنولوجي الحقيقي الأكبر، كان يشنُّ الحرب ضد غزة من مكان آخر كلياً وبأساليب مختلفة ومعقدة. هذا المحور مُكوّن من مجموعة شركات التكنولوجيا الأمريكية المتورّطة في مشاريع أجهزة الأمن والجيش الإسرائيلي منذ زمن، سواء في الضفة الغربية لمراقبة وملاحقة أفراد المقاومة وعائلاتهم، أو في القدس للتضييق على السكان الفلسطينيين ودفعهم لترك منازلهم، أو في غزة للتجسّس على حركة «حماس» وباقي الفصائل الفلسطينية المقاومة.
شركة «إنتل» الأمريكية على سبيل المثال لا الحصر، هي واحدة من كُبرى الشركات الداعمة لإسرائيل في حربها على غزة. لقد وقّعت هذه الشركة المتخصّصة في صناعة أشباه الموصلات والمعالجات الرقمية في يونيو الماضي، اتفاقية مع حكومة الاحتلال بقيمة 25 مليار دولار، تحضيراً لتطوير مصنعها المتخصّص في أشباه الموصلات. ويقع المصنع في مدينة كريات غات المبنية على أنقاض قرية عراق المنشية الفلسطينية قرب غزة. أشباه الموصلات التي تصنعها هذه الشركة تُشكّل أحد أهم مصادر المكوّنات المُستخدمة في بعض الأسلحة التي تعتمدها إسرائيل منذ زمن بعيد، خصوصاً أن الشراكة بين «إنتل» وحكومة الاحتلال تعود إلى العام 1974م.
ويمكن القول إنه من دون شرائح «إنتل» لا يمكن الحصول على صواريخ وقنابل ذكية، ويُرجّح خبراء استخدام شرائح «إنتل» في دبابات «الميركافا» (ميركافا – 4 باراك) التي تُصنّعها إسرائيل، وبالتالي تُوفّر لها مجموعة من الميزات القتالية. ويُستخدم هذا النوع من الشرائح في دبابات «الميركافا» ضمن نظام الكتروني مُكرّس للحماية من الصواريخ خصوصاً منها المُوجّه، والصواريخ التقليدية المضادة للدبابات. كذلك يُستخدم هذا النوع من الشرائح لتوفير نظام حماية يعمل على رصد التهديدات وإطلاق الإنذارات، بالإضافة إلى نظام حماية من الصواريخ التي تُطلق من الجو.
نظام »نيمبوس«
كذلك يُمكن تصنيف «ألفابت» المالكة لشركة «غوغل»، كواحدة من صقور «محور الشرّ التكنولوجي» الأمريكي الداعم لدولة الاحتلال. لقد نفّذت هذه الشركة عام 2021م بالشراكة مع شركة «أمازون» مشروعاً بالغ الخطورة لمصلحة إسرائيل، جيشاً وحكومة. يتمثّل المشروع في منظومة ذكاء اصطناعي ونظام رقمي لإدارة أبراج المراقبة المخصّصة لمراقبة وقمع وقتل الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ويُرجّح البعض استخدامه أيضاً على طول الحدود مع لبنان لكن بالشراكة مع شركة «سيسكو». المشروع الذي بلغت قيمته 1.2 مليار دولار، ونفّذته الشركتان يدعى «نيمبوس»، وهو يُقدّم لحكومة العدو وجيشها نظاماً للحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلّم الآلي.
وبحسب مبادرة «لا تكنولوجيا لنظام الفصل العنصري» (NoTechforApartheid) يمكن استخدام “نيمبوس” لمراقبة واستهداف الفلسطينيين، وتسهيل عملية توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية اعتماداً على بيانات ما يُعرف باسم “إدارة الأراضي الإسرائيلية” (ILA).
وفي سبتمبر من العام 2022م نظّم ناشطون أميركيون احتجاجات في ثلاث مدن أميركية ضد “ألفابت” و”أمازون” للضغط عليهما بهدف إلغاء مشروع “نيمبوس”، الذي وصفوه بأنه عبارة عن أداة مخصّصة لتعميق سياسات الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
لكن قصة “نيمبوس” لا تنتهي هنا، إذ يتهم ناشطون شركتي “ألفابت” و”أمازون” بتنفيذ فصل غير معلن في الاتفاقية الموقعة مع حكومة الاحتلال، يتعلق بتطوير نظام ذكاء اصطناعي للمساعدة على تحديد أهداف برية للطائرات والسفن. وسرت شائعات أن نظام الذكاء الاصطناعي “حبسورا” (Gospel) الذي أعلن عنه الجيش الإسرائيلي أوائل الشهر الحالي، ليس سوى جزءاً من نظام “نيمبوس” أو على الأقل يستفيد منه بشكل كبير. سبب هذا الاتهام الذي وجّهه الناشطون هو أن مشروع “نيمبوس” يتضمن مركزاً للبيانات وأدوات لتحليل البيانات الكبيرة.
توليد الأهداف
ومن المعروف أن الذكاء الاصطناعي في عالم الجيوش يحتاج كما هو الحال في عالم الشركات التجارية، إلى مركز بيانات في الدرجة الأولى، وإلى خدمات الحوسبة السحابية بالدرجة الثانية. وعندما تتوفر هذه الخدمات، يُمكن إضافة طبقة إلى هذا النظام المُعقّد تتضمّن تطبيقات أو أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستطيع تحليل آلاف المعطيات بسرعة وإصدار توصيات حول الأهداف أو ما يُعرف بـ»توليد الأهداف». والأهداف في هذه الحال، قد تكون عناصر ومراكز المقاومة الفلسطينية أو حتى تحركات المقاومة على الحدود مع لبنان. ويستخدم هذا النوع من الذكاء العسكري، البيانات والتحليل الذكي لتحسين عمليات التخطيط العسكرية، وتحسين نظم الأمان والرصد، وتطوير تقنيات الاستشعار والتعرف على الصور، والتفاعل الذكي خلال الحروب الإلكترونية. كما تستفيد منه الروبوتات والطائرات من دون طيار.
لائحة «محور الشرّ التكنولوجي» الأميركي لا تنتهي عند «أمازون» و»ألفابت» و»إنتل»، بل تبدأ عندهم وتشمل شركات مثل «سيسكو»، «اتش بي»، «ديل»، «أوراكل»، «مايكروسوفت»، «إس أيه بي» وغيرها الكثير. والقاسم المشترك بين كل هذه الشركات خلال حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة هو دعمها التكنولوجي غير المشروط لدولة الاحتلال والمستوطنين.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الأفراح في دمشق والمناحة في القاهرة

مع تواصل احتفالات الشعب السوري بمختلف أطيافه، بنجاح ثورته بعد هروب الجزار بشار الأسد، ومع تقاطر الوفود الديبلوماسية من الغرب والشرق على سوريا الجديدة لتهنئة أهلها بالحرية، ولبحث مستقبل التعاون مع نظامها الجديد، وتبادل وجهات النظر حول مستقبل سوريا التي دمرها النظام الساقط، ومنها عدد من وفود الدول العربية من السعودية وقطر والأردن.. يواصل النظام المصري وأبواقه المناحة والعويل والصراخ وكأنهم من يتامى بشار الأسد، ويبدو أن توابع زلزال سقوط بشار هزت قصور السيسي في عاصمته الجديدة.

نظام السيسي وزع مؤخرا مادة فيلمية (برومو) تذاع على كل وسائل الإعلام المرئية التي يملكها جهاز المخابرات، وهي مقتطفات من خطاباته في اليومين السابقين تذاع في الفواصل، يقول فيها علنا بأن ما حدث في سوريا يهدف لإسقاط الدولة المصرية!! وأنهم يهدفون لكسر تماسك المصريين والوحدة بين المسيحيين والمسلمين!! وأن الاستراتيجية التي وضعوها (لا نعلم من الذي وضعها) تقول إن مصر إذا سقطت سادت الفوضى في العالم كله!!

ردود الفعل العصبية التي لم يستطع نظام السيسي التحكم فيها، تعني رفضهم الاعتراف بحق الشعب السوري في اختيار نظامه السياسي، وحقهم في تحقيق العدالة التي يستحقها الضحايا من المجرمين الذين ولغوا في دمائهم ومارسوا كل صنوف الإرهاب ضدهم
ويحذر المصريين بقوله: "خللي بالكم: مهمتهم في سوريا خلصت.. هم دمروا سوريا الان، وكل الجهود تبذل الآن لضرب الاقتصاد المصري.. وضرب السلام الاجتماعي في مصر"!!

ويضيف مهددا: "تاني.. وأرجو أن تكون هذه الرسالة واضحة للجميع، نحن لن نتردد في حماية شعبنا من الشر وأهله". ويختم بتحذيره للمصريين: "اوعوا.. انتبهوا.. وحافظوا على تماسككم".

الطغاة بعضهم أولياء بعض

السيسي يحسب أن كل صيحة عليه، ويكذب كما يتنفس، ويخيل له شيطانه أن ما حدث في سوريا هو مؤامرة دولية تستهدف إسقاط نظامه هو!! فهو نظام مرعوب رغم كل ما يمارسه من قمع غير مسبوق في تاريخ مصر.

وفي المقابل تنوح أبواقه في برامجهم التلفزيونية كل ليلة بالعويل والصراخ، وهم يسبون ثوار سوريا وحكامها الجدد ويصفونهم بالإرهابيين، رغم كل ما شاهدوه من أفراح السوريين، وما يراه العالم من خطوات ملموسة تستهدف استقرار سوريا، ورغبة شعبها في بناء مستقبل أفضل، وبدلا من أن تبادر أكبر دولة عربية بتقديم المساعدة لسوريا، وتظهر الاحترام لإرادة السوريين في التغيير، بعد أن خاب ظنهم وقد كانوا يمنون أنفسهم -للأسف- بحمامات الدم في المدن السورية، ليشمتوا ويبرروا سياسات القمع والقتل والإعدامات والانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان التي يقومون بها في مصر، فخيب الله ظنهم بالاستقرار والفرح والوحدة التي ظهر بها السوريون.

ردود الفعل العصبية التي لم يستطع نظام السيسي التحكم فيها، تعني رفضهم الاعتراف بحق الشعب السوري في اختيار نظامه السياسي، وحقهم في تحقيق العدالة التي يستحقها الضحايا من المجرمين الذين ولغوا في دمائهم ومارسوا كل صنوف الإرهاب ضدهم.

السيسي وبشار وجهان لعملة واحدة.. ولم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه

السيسي لم ينس يوما أنه قائد انقلاب عسكري فاشي استولى بالقوة والتآمر على كرسي الحكم في مصر، ولا يزال مسكونا بالخوف من الأغلبية التي يعتبرهم أهل الشر، ولهذا هو مرعوب مما حدث في سوريا رغم البعد الجغرافي
لا يريد السيسي استيعاب الدرس السوري، ويستمر في وصف المعارضة المصرية بأهل الشر، وهو يسجن نحو مائة ألف منها في سجونه شديدة القسوة، ويمنع كبار السياسيين المنتخبين والوزراء السابقين من رؤية عوائلهم منذ سبعة أعوام كاملة، بينما أصدر العفو عن المجرمين وأسس لهم مليشيات مسلحة، وقتل قرابة ألف معتقل في سجونه تحت التعذيب أو بسبب انعدام الرعاية الصحية، ومنهم الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي رحمه الله الذي سقط على مرأى من الجميع في قفصه الزجاجي الذي صُمم له لتكميم فمه، رغم أنه كان دائم الشكوى من سوء الرعاية الصحية ورفضهم لعلاجه.

وهناك مئات الآلاف ممن هجرهم للخارج، بينما يكمم أفواه باقي الشعب، ويصف معارضيه بأنهم أهل الشر، كما يردد نتنياهو ما جاء في سفر أشعياء: "نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام"، وهي نفسها عين الأوصاف التي كان يطلقها نظام بشار الأسد على معارضيه، لتعزيز الانقسام والطائفية السياسية التي لا تساهم إلا في تكريس الفاشية وحكم الفرد وإرهاب الدولة، كلهم ملة واحدة.

السيسي لم ينس يوما أنه قائد انقلاب عسكري فاشي استولى بالقوة والتآمر على كرسي الحكم في مصر، ولا يزال مسكونا بالخوف من الأغلبية التي يعتبرهم أهل الشر، ولهذا هو مرعوب مما حدث في سوريا رغم البعد الجغرافي.

مقالات مشابهة

  • الأفراح في دمشق والمناحة في القاهرة
  • أبو عبيدة: الكيان الصهيوني يخفي خسائره حفاظا على صورة جيشه
  • الكيان الصهيوني يُصدر أوامر بالإخلاء من عدة مناطق في الشجاعية
  • نتنياهو: ستتحرك ضد الحوثيين بقوة كما تعاملنا ضد أذرع محور الشر الإيراني
  • صمود غزة يفتك بـ “اقتصاد الكيان الصهيوني”
  • الاحتلال الصهيوني يعزز وجوده في “المنطقة العازلة” جنوب سوريا بإنشاء نقاط استراتيجية
  • الكيان الصهيوني يعتقل طفلا من مدينة البيرة مساء اليوم
  • عضو السياسي الأعلى الحوثي: منظومات الدفاع لا توفر الأمان لإرهاب الكيان الصهيوني
  • إعلام الاحتلال: أضرار كبيرة خلفها الصاروخ اليمني الذي استهدف قلب “تل أبيب” فجرًا
  • محمد علي الحوثي: حيتس لا توفر الأمان لإرهاب الكيان المؤقت أمام صاروخ فرط صوتي اليمني “فلسطين 2”