لا بد من أن نعترف أننا كشعوب عربية قد تفرقت لحمتنا، ولم نعد نعرف بعضنا بعضًا حق المعرفة، أصبحنا شعوبًا لا يربط بيننا سوى اللغة؛ وبالتالي فإننا نلتقي بعضنا ببعض كما لو كنا أجانب لا تربطنا هوية عميقة مشتركة. بل إن صورة أقرب الشعوب إلينا قد تكون صورة مشوهة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة، وهذا يصدق بوجه خاص على الصورة الذهنية التي راجت عن شعب فلسطين باعتباره شعبًا يحوي جماعات دينية متطرفة تُسمى حماس وسرايا القدس والجهاد الإسلامي.
إن الصورة الذهنية السلبية التي تشكلت لدى الكثيرين فيما مضى عن الفلسطيني باعتباره إما متطرفًا أو متصهينًا، هي نوع من الأخطاء الكبرى التي تنتج عن التعميم. ولكن بمرور الوقت، وبظهور المقاومة الفلسطينية على الساحة منذ عقود، خاصةً في هذه الآونة الأخيرة التي أصبحت على مرأى ومسمع من العالم بفضل الإعلام، وبفضل ما يُنقل إلينا من خلال إعلام المقاومة نفسه الذي تطور كثيرًا- بفضل ذلك كله وغيره بدأت النظرة تتغير إزاء هذا الشعب الذي ينبغي أن نضعه تاجًا فوق رؤوسنا جميعًا، وكأنه الشعب الوحيد الذي يجعلنا ندرك أن العروبة لا تزال تنبض بقوة في دمائنا. لقد بدا واضحًا بمرور الوقت أن حماس وغيرها من المنظمات ليست منظمات إرهابية كما تحب إسرائيل وأعوانها من الغرب تسميتها بهذا الاسم، وإنما هي منظمات مقاومة تدافع عن حقوقها في الأرض المكفولة بقرارات أممية، ولكن هيهات؛ فالعدوان الإسرائيلي لا يعتد بهذه القرارات الدولية ويمارس استبداده واقتطاع المزيد من أراضي فلسطين على الدوام، بل يمارس الآن نوعًا من الإبادة الجماعية لهذا الشعب بوحشية لم يسبق مثلها في التاريخ.
ومن الواضح أن وصف هذه المنظمات بأنها إرهابية هي فرية، ليس فقط لأن من يدافع عن أرضه لا يمكن وصفه بأنه إرهابي، وإنما أيضًا لأن الشعب الفلسطيني في مجمله يقف وراء هذه المنظمات التي يسميها عن حق بالمقاومة، وهو يدعم هذه المقاومة بدمائه. وهذه الحالة الأخيرة تستحق أن نتوقف عندها:
تعرض الشعب الفلسطيني لعدوان وحشي إسرائيلي يفوق وحشية النازية وكل الحروب الوحشية السابقة في التاريخ: عدوان وحشي يستهدف المدنيين ويدمر المباني التي يسكنونها لتكون قبورًا لهم: شيوخًا ورجالًا ونساءً وأطفالًا ورضَّعًا، حتى إن عدد الأطفال الذين قُتلوا في هذا العدوان الوحشي يفوق العشرة آلاف حتى الآن! ومع ذلك فإننا لم نسمع واحدًا ممن فقد ذويه- سواء كانوا آباءه أو إخوته أو أبناءه- يُلقِي باللائمة على رجال المقاومة الذين خاضوا هذه المعركة، بل إننا نجد كل واحد منهم يقول إن هؤلاء شهداء المقاومة، وكأنَّ كل فرد منهم يريد أن يدعم المقاومة ويشكل ظهيرًا قويًّا لها ولو ببذل دماء الأحباب.
الأمثلة على ذلك عديدة، بل إنها تطالعنا كل لحظة على شاشات التليفزيون، فنحن نشاهد الرجال والنساء والأطفال لا يذرفون الدموع، ولا يهابون الموت، وينظر كل واحد إلى نفسه بوصفه مشروع شهيد؛ وهم بذلك يبرهنون لنا على أن شعب فلسطين الحقيقي لا يمكن اختزاله في جماعات المقاومة؛ لأن الشعب بأسره -رجالًا ونساءً وأطفالًا- هم شعب مقاومة يدعم ويحتضن تلك الجماعات التي تمارس المقاومة العسكرية نيابة عن الشعب كله. وهذه هي المعضلة الكبرى التي تواجهها إسرائيل ولن تستطيع الفكاك منها، وهي أنها بإزاء شعب كامل لا يعرف سبيلًا آخر سوى المقاومة دفاعًا عن أرضه المغتصبة. ومن المدهش أن تجد أن روح هذه المقاومة لا توجد فحسب بين رجال المقاومة الذين يحملون السلاح، بل بين النساء اللاتي يحتفين بمقتل أزواجهن باعتبارهم شهداء يُزَّفون إلى الجنة، وبين الأطفال أنفسهم الذين فقدوا ذويهم ولكنهم يصرون -على حداثة سنهم- على مواصلة كفاح شهدائهم والسير في إثرهم من أجل إحياء ذكراهم وتحقيق حلمهم في النهاية بالانتصار على أعدائهم. ومن المدهش أن تجد هؤلاء الأطفال يتحدثون وكأنهم رجالًا كبارًا قد صهرتهم وأنضجتهم مآسي الحياة. هذه القوة والصلابة هي ما يجب أن نتعلمه جميعًا من الفلسطينيين؛ ولذلك فإننا يجب أن نضعهم تاجًا على رؤوسنا جميعًا، باعتبارهم تجسيدًا حقيقيًّا لمعنى الحرية، حتى وهم تحت الاحتلال: فالحرية ببساطة هي القدرة على أن نقول «لا»، وعلى رفض الظلم والعدوان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: رجال ا
إقرأ أيضاً:
الإفراج عن "أيقونة" فلسطين وبطل واقعة إذلال إسرائيل.. فيديو
وصل الأسرى الفلسطينيون إلى مدينة رام الله اليوم الخميس بعد إطلاق سراحهم كجزء من المرحلة الأولى من صفقة التبادل مع سلطات الاحتلال، من بينهم الفنان المسرحي الفلسطيني الشهير زكريا الزبيدي.
وقد غادرت حافلتان تحملان الأسرى الفلسطينيين، مساء اليوم، سجن عوفر الإسرائيلي الواقع غرب رام الله في الضفة الغربية، تمهيدًا لإطلاق سراحهم، وفقًا لما أفادت به وسائل الإعلام العربية والأجنبية.
هيئة البث الإسرائيلية تعلن موعد الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.. تفاصيل إصابة 14 فلسطينياً في اعتداء إسرائيلي على ذوي الأسرى المُحررينوبحسب الدكتور أحمد رفيق عوض، رئيس مركز الدراسات المستقبلية في جامعة القدس، فأن زكريا الزبيدي هو شخصية معروفة جدًا في فلسطين، وذلك بسبب سيرته الذاتية وعائلته ومخيمه، لقد بدأ حياته كما ذكرت في المسرح، وكان بإمكانه أن يصبح ممثلًا أو مخرجًا، لولا الاحتلال الذي فرض عليه هذا النوع من الحياة والتضحيات.
وتابع: "فقد والدته وأخاه وابنه وأبناء عمه، وقد عانى كثيرًا، فعائلة الزبيدي في مخيم جنين فقدت الكثير، وهو فتحاوي، وعضو في المجلس المركزي، وقبل اعتقاله، حصل على درجة الماجستير من جامعة بيرزيت، وناقش رسالته داخل المعتقل، عنوان رسالته كان "الصياد والتنين"، وهو يُعرف الآن بالتنين، بمعنى أنه يستطيع أن يقتل الصياد، وليس العكس".
وأكمل: “تتضمن سيرته الذاتية تفاصيل حياته ومحاولته للهروب في عام 2021، حيث بحث عن حريته. قصته تعتبر خارقة، مما زاد من شعبيته، ونحن الآن أمام أسطورة حية تعيش بيننا”.
واستطرد خلال مداخلة لقناة “الغد”: “إسرائيل تدرك أهميته، وقد ذهبت إلى عائلته قبل يومين لتحذيرهم من الاحتفال بعودته. كما سمعنا، إسرائيل لا ترغب في إعادته إلى جنين، وقد تفكر في نقله إلى مدينة أخرى، خاصة أن جنين تشهد حاليًا توترًا وحربًا، حيث تتعرض المدينة ومخيمها للتدمير والحصار فهو رمز وأيقونة فلسطين”.
وكان الاحتلال الإسرائيلي أطلق قنابل الغاز تجاه عشرات الفلسطينيين الذين كانوا في استقبال الأسرى من سجن عوفر، حسبما ذكرت قناة "الجزيرة"
وقبل ساعات من بدء عملية التبادل، حذر جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" عائلات الأسرى الفلسطينيين المقرر الإفراج عنهم من الاحتفال.
واجهت عملية الإفراج عن الأسرى بعض العراقيل، حيث أعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع، يسرائيل كاتس، قد أصدرا تعليمات بتأخير الإفراج عن الفلسطينيين حتى يتم ضمان خروج آمن للرهائن من قطاع غزة. كما أشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن المستوى السياسي قرر تعليق عملية إطلاق الأسرى إلى أجل غير مسمى.
وفي وقت سابق، أفادت "القناة 12" الإسرائيلية بأن لجنة الخارجية والأمن في الكنيست تطالب بعقد جلسة طارئة بعد مشاهد إطلاق سراح أربيل يهود وجادي موزيس.
يُذكر أن عدد الأسرى الفلسطينيين المقرر الإفراج عنهم اليوم، وفقًا للقائمة التي تسلمتها حركة حماس، يبلغ حوالي 110 أشخاص، مقابل الإفراج عن 3 أسرى إسرائيليين (الذين تم الإفراج عنهم في وقت سابق اليوم).
الهروب من جلبوعيكاد يكون زكريا زبيدي، قائد كتائب شهداء الأقصى في مخيم جنين، يكون أسطورة لا تتكرر في تاريخ النضال الفلسطيني، كيف لا وهو أحد أبطال الهروب الكبير من سجن جلبوع، والذي يوصف بالتنين الذي لا يتوقف عن مطاردة الصيّاد.
ففي السادس من سبتمبر عام 2021 استفاقت إسرائيل على واحدة من أكبر صدماتها الأمنية على الإطلاق. يومها، تمكّن ستة أسرى فلسطينيين من الفرار من أكثر سجونها تحصينًا: سجن جلبوع أو "الخزنة الحديدية" كما يوصف، الذي تسجن فيه من تعتبرهم الأخطر أمنيًا من الأسرى الفلسطينيين.
كان الأسرى الستة كلهم من مدينة جنين ومخيمها، خمسة منهم من حركة الجهاد الإسلامي وهم: مناضل يعقوب انفيعات، ومحمد قاسم عارضة، ويعقوب محمود قدري، وأيهم فؤاد كممجي، ومحمود عبد الله عارضة، إضافة إلى زبيدي.
من مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى خشبة المسرح، ومنه إلى السلاح والهروب وتنفيذ هجمات انتقامية موجعة، فالسجون والهروب الأسطوري منها، كانت رحلة زكريا الزبيدي، بينما كان أحبابه يُقتلون، الأب بالسرطان، والأم برصاص قنّاص إسرائيلي خلال حصار مخيم جنين عام 2002، والأشقاء والنجل الأكبر والرفاق، كلهم، كلهم كانت إسرائيل تصطادهم على خشبة مسرح يمتد على مساحة الجغرافيا الفلسطينية بأسرها.
الحياة ليست فنًا أو عرضًا مسرحيًا بشحنة درامية عالية وحسب، بل أقسى. هذا ما عرفه الزبيدي فيما بعد.
والزبيدي، قائد ما توصف بملحمة الصمود في مخيم جنين مطلع الألفية الثانية، والذي رأى أن على التنين أن يتمرد وأن ينتصر لدمه، ولد في مخيم جنين (شمالي الضفة الغربية) عام 1976 لعائلة تتكوّن من سبعة أبناء (خمسة ذكور وابنتان). الأب كان مدرسًا للغة الإنكليزية، وعضوًا في حركة فتح، وتوفي مبكرًا تاركًا للأم (سميرة الزبيدي) مسؤولية العائلة الكبيرة.
يقول الزبيدي إنه نشأ في بيت "لا حديث فيه سوى عن الثورة والغضب من الاحتلال"، فوالده كان عضوًا في حركة فتح، وجده من طرف والدته محمد جهجاه، كان قد فر برفقة 77 أسيرًا من "سجن شطة" الإسرائيلي عام 1958، في حادثة وصفت في حينه بـ"الهروب الكبير".