أكد خبراء علم النفس والاجتماع أن المشردين لهم حق أصيل فى المجتمع وهو ما تقوم الدولة على منحه لهم خلال السنوات الماضية من خلال إنشاء دور رعاية تتولى أمورهم، وكلفت عدداً كبيراً من قطاعاتها بضرورة تقديم الدعم لهم، مشيرين إلى أن التشرد ظاهرة اجتماعية لا يمكن أن تقتصر على مكان دون غيره لكونها تتسم بالتغير والتنقل، ولها العديد من التبعات الاجتماعية والأمنية والإنسانية.

وقالت د. إقبال السمالوطى، عميد المعهد العالى للخدمة الاجتماعية الأسبق، إن هناك اختلافاً كبيراً حول تعريف ظاهرة التشرد وأسبابها لأن هناك عدداً كبيراً من المواطنين يفترشون الأرصفة لأسباب مختلفة، فمنهم مَن على خلاف مع أسرته ومنهم من جاء من محافظة أخرى، وهناك عدد كبير منهم لديه إعاقة ذهنية أو عقلية، أو من يتخذ التسول وسيلة لكسب العيش، وهؤلاء لا بد من التصدى لهم.

وأكدت عميد المعهد العالى للخدمة الاجتماعية أن الدولة تقوم بجهود كبيرة فى هذا الملف لإنقاذ أكبر عدد من المشردين ولا يقتصر دورها على إيداعهم دور الرعاية التابعة لها بل تذهب بعيداً إلى حيث الاهتمام بمعرفة أسباب التشرد ومحاولة الصلح بينه وبين أسرته فى حالة أن يكون سبب التشرد خلافاً عائلياً، مضيفة: «الدولة عملت جهود لحصرهم لمعرفة حالتهم الاجتماعية والاقتصادية، وأسست بيوتاً لهم بها كافة سبل الرعاية، بخلاف دورها المهم فى دعم المواطنين محدودى الدخل من خلال تكافل وكرامة ودى من أهم العوامل اللى ممكن تقلل من ظاهرة التشرد، لأنها فى الأساس مرجعها اقتصادى».

وأرجعت «السمالوطى» ظاهرة التشرد بشكل أساسى إلى انحراف القيم فى المجتمع الذى أدى بدوره إلى إهمال المسنين بعد أن كان الجميع يعمل على خدمتهم، وهذا ما يفسر وجود عدد كبير من كبار السن مشردين فى الشوارع، وتابعت: «كنا نرعى المسنين ونعتبر أن أداء الواجب تجاههم أمر مسلم به، أصبحنا الآن نضحى بهم ونتركهم فى الشوارع».

«فرويز»: يفتقدون العاطفة

وقال د. جمال فرويز، أستاذ علم النفس، إن دور الرعاية التى أسستها الدولة وتشرف عليها تلعب دوراً مهماً فى دعم المشردين وإنقاذهم من خلال العمل على توفير رعاية لاحقة لهم بعد إنقاذهم، وهذا الأمر مفيد من الناحية النفسية لمن لا مأوى لهم، وتابع: «المشرد شخص يفتقد العاطفة وهذا سبب تشرده، لأنه دوماً يبحث عنها من خلال التجول فى الشوارع وعلى دور الرعاية أن تولى اهتماماً بحالتهم النفسية وأن تسمع قصصهم بإمعان شديد».

وأضاف: «لتحسين الحالة النفسية للمشردين بعد الإنقاذ من الشارع لا بد أن يكون هناك اهتمام كبير بمعرفة السبب الذى أدى إلى التشرد، ومحاولة حل المشكلة سواء من خلال التنسيق والتواصل مع أهل المشرد أو من خلال تكثيف جلسات النقاش الجماعى لتنمية مهارات التواصل لديه وكل ما تزود العاطفة كل ما يكون إنساناً صالحاً فى المجتمع، لأنهم أناس لديهم عاطفة زائدة يريدون تفريغها وأثمن جهود الدولة فى هذا الملف وأرى أن التعامل مع المشردين الآن هو تعامل إيجابى».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: التضامن القيادة السياسية حياة كريمة من خلال

إقرأ أيضاً:

من عدالتنا الاجتماعية (2 من 4)

في الجزء الأول من هذا المقال حاولت تسليط الضوء على معنى العدالة الاجتماعية من منظور إسلامي والإجابة على السؤال: ما هي أهم مبادئ العدالة الاجتماعية؟ أما في هذا الجزء فسأحاول التركيز على أهم واجبات الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية.

الحقيقة إن للدولة الحديثة واجبات عديدة لتحقيق العدالة الاجتماعية لعل من أهمها:

(1) واجب كفالة الأفراد عند الحاجة

بمعنى أن الواجب الأول للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية هو:

كفالة أفراد المجتمع مسلمين أو غير مسلمين في حالة عجزهم، أو صغر سنهم، أو عدم قدرتهم على توفير دعم أنفسهم“.

فقد روى أبو يوسف في كتابه “الخراج” أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على باب قوم وعليه ساءل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال:

من أي أهل الكتاب أنت؟

فقال: “أسال الجزية والحاجة والسن”.

فأخد عمر بيده وذهب إلى منزله فرضخ له (أي أعطاه شيئا ليس بالكثير) شيء من منزله، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال:

أنظر هذا وضرباءه, فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته

ثم نخذله عند الهرم، إنما الصدقات للفقراء والمساكين،

والفقراء هم المسلمين،

وهذا من المساكين من أهل الكتاب،

ووضع الجزية عنه وعن ضربائه“17

هذا كما روى عن الإمام علي كرم الله وجهه أنه رـى شيخا نصرانيا من أهل الذمة يتكفف الناس ويسألهم المساعدة:

فقال أمير المؤمنيين: من هذا؟

قالوا: يا أمير المؤمنيين هذا: نصرانى.

فقال أمير المؤمنيين: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال”18

(2) واجب تحقيق “حد الغناء”

أما الواجب الثاني للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية فيكمن في:

“توفير الحد الأدنى من اليسر والرفاه لكل أفراد المجتمع“.

وذلك بالارتفاع بمستويات المعيشة المنخفضة إلى الحد الذي يشعر فيه المحتاجين أنهم في غنى عن الناس، بمعنى يجب على الدولة أن تضمن لكل مواطن الحد الأدنى للمأكل والملبس والمشرب والعلاج، فلا يجوز أن يجوع، أو يعرى، أو يعطش، أو يمرض المواطن وغيره يجد حاجته وزيادة، بمعنى آخر، يجب ألا تسمح الدولة بأن يتمتع مواطن بخيرات ولذائذ الدنيا وحوله من يعاني الحاجة أو ليس لديه ما يأكل، وفي هذا الصدد يقول:

رسولنا (ص): “ليس منا من بات شبعان وجاره جائع”،

ويقول (ص): ” منلا يهمه أمر المسلمين ليس منهم”.

ويجب أن يكون من واجبات الدولة العناية بالصحة، فهي حق لكل مواطن، ويجب مكافحة الأمراض ومعالجة المرضى غير القادرين على العلاج، وأن يكون شعارها:

العقل السليم في الجسم السليم“،

والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير”.

ومن واجبات الدولة أيضا حماية الطفولة ورعاية الشباب وكفالة اليتيم استجابة:

لقول رسولنا (ص):”ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا”

وقوله (ص): “السلطان ولي من لا ولي له”

وقوله (ص): “من لم يرحم صغيرنا ولم يعرف حق كبيرنا فليس منا”

وقوله (ص) في حق اليتيم في المجتمع: “إن اليتيم إذا ضرب أهتز العرش لبكائه.”

(3)  واجب توفير فرص العمل

أما الواجب الثالث للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية فهو:

السعي من أجل توفير إمكانيات العمل وفرض الإنتاج للجميع.”

بمعنى تشخيع وإعطاء الحرية الاقتصادية للمواطنين في ممارسة نشاطاتهم الاقتصادية وتحقيق طموحاتهم المهنية.

وعليه على الدولة أن تقوم بتوفير فرص العمل لمن لا عمل له، وأن يكون مجال العمل مفتوح ومتاح لكل من أراده، فالكل مُيسر لما خلق له، وأن يكون الجزاء من جنس العمل، وعلى الدولة أن تُشجع المواطنيين وتذكرهم بأقوال

رسولنا (ص) عندما قال “العمل عبادة“…

وقال: “طلب كسب الحلال فريضة“…

وقال: “طلب الحلال جهاد“…

وقال: ” إن الله يحب العبد المؤمن المحترف.”19

ولعله من أهم واجبات الدولة في هذا الصدد:

حماية اليدّ العامله وتحديد الأجور

يقول رسولنا (ص): “من استاجر أجيرا فيعلمه أجره.”20

وقوله: “أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.”21

(4) واجب ترشيد الاقتصاد وتنمية وتطوير ثروات الدولة

أما الواجب الرابع للدولة فى تحقيق العدالة الاجتماعية فهو:

تشجيع وترشيد القطاع الخاصن وإطلاق المبادرة له”، ليساهم تجاريا وزراعيا وصناعيا وثقنياً في تنمية وتطوير الاقتصاد وتنمية وتطوير مصادر الطاقة والثروة وتحسين استخدامها، والسعي الجاد لتحقيق استقلالية الوطن اقتصاديا وتخليصه من التبعية الخارجية.

وهذا يعني فيما يعنيه:

أن تمنع الدولة السيطرة الاقتصادية الأجنبية على ثروات ومقدرات الشعب.

(5) واجب توفير المرافق العامة وصيانتها

أما الواجب الخامس للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية فهو: قيامها على المرافق العامة في المجتمع، ويجب ألا تسمح بأن يحتكرها فرد بحكم طبيعتها، وعليه يجب على الدولة دعم وحماية ورعاية المرافق العامة وخصوصا الخدمات الصحية، والتعليمية، والاجتماعية، والثقافية.

(6) واجب تطوير وتحسين المواصلات العامة

أما الواجب السادس للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية فهو: “تطوير وتحسين المواصلات العامة في الدولة” وذلك لتحقيق التقارب والتعاون والاتحاد بين أبناء الشعب، فلابد من قيام الدولة بتحسين طرق المواصلات البرية، والجوية، والبحرية وتقويتها بين جميع أطراف الوطن لتسهيل حركة النقل والتجارة والسكن، والعمل على توفير حرية اللقاء والتعاون بين المواطنيين، فمن الغريب أنك تجد الكثير من أبناء الوطن الواحد لا تُتح لهم فرص اللقاء والتعارف إلا في المهجر، ولعل من أهم الأسباب التي أدت لهذا هو غياب وسائل الاتصال وصعوبة الانتقال في داخل الوطن من مكان إلى آخر.

في الجزء الثالت من هذا المقال سوف أحاول الإجابة على السؤال التالي:

متى يمكن للدولة أن تتدخل؟

يتبع

والله المستعان.

هوامش

الخراج لأبى يوسف , وأنظر: د. عبد العزيز الخياط ص15917

من كتاب “التوزيع الاقتصادى فى الاسلام” (1982)  دار التوحيد. الطبعة الاولى, ص40.18

عماد الدين خليل (1979) “مقال فى العدل الاجتماعى” دار الرسالة. بيروت. الطبعة الاولى.      ص 7119

رواه البخارى20

رواه ابن ماجه 21

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • شرطة رأس الخيمة تستعد لإطلاق فعاليات برنامج أصدقاء الشرطة الصيفي
  • رئيس «التنظيم والإدارة» الأسبق: 7 زيادات في أجور الموظفين خلال 10 سنوات دليل على الاستقرار الاقتصادي
  • خدمات علاجية لـ 44 ألف مواطن على نفقة الدولة بالمنيا
  • اجتماعية قريات تناقش مساعدة الأسر المعسرة
  • «القومي للأمومة»: تنظيم مبادرات وخطط استراتيجية لمكافحة عمالة الأطفال
  • من عدالتنا الاجتماعية (2 من 4)
  • خبراء يجيبون لـ "الفجر".. كيف أنقذت ثورة 30 يونيو مصر من الانهيار؟
  • برؤى وتوجيهات سلطان.. الشارقة نموذج عالمي للمدن المراعية للمسنين
  • في يومها العالمي.. خبراء علم نفس: مواقع التواصل الاجتماعى جعلت العالم قرية صغيرة.. ويمكن استخدامها بشكل إيجابي لدعم الصحة النفسية
  • اطلاق زيادة رواتب العمال المتقاعدين في تموز.. وايقاف شمول الرعاية هذا العام