طهران وإدلب- في خطوة متوقعة لمتابعي الشأن الإيراني عقب تهديدات طهران بالانتقام لضحايا تفجيري كرمان قبل 12 يوما، فقد قصف الحرس الثوري الإيراني فجر اليوم الثلاثاء ما سماها "مراكز تجسس وتجمعات لجماعات إرهابية مناهضة لإيران" في العراق وسوريا.

وعلى النقيض من العمليات الانتقامية السابقة حيث دأبت طهران على تنفيذ ضرباتها الصاروخية من محافظة كرمنشاه غربي البلاد، فقد حرصت المؤسسة العسكرية الإيرانية هذه المرة على أن تطلق صواريخها الباليستية من مناطق مختلفة شرقي البلاد نحو الأهداف المحددة مسبقا.

من ناحيته كشف قائد قوات الجوفضائية في الحرس الثوري العميد أمير علي حاجي زاده أنه تم إطلاق 15 صاروخا باليستيا دقيقا في المرحلة الأولى من العملية، وأن نحو 9 أجسام طائرة ستستهدف المجموعة الثانية من "التكفيريين وعناصر داعش" خلال الساعات القليلة المقبلة.

عاجل | حرس الثورة الإسلامية في بيان رقم 3:

قصفنا طال أحد المقار الرئيسية للموساد الإسرائيلي في إقليم كردستان العراق. pic.twitter.com/CpjxYgNGwT

— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) January 15, 2024

ساعة الصفر

وأوضح القائد العسكري الإيراني أن 4 صواريخ من طراز خيبر شكن (كاسر خيبر) الباليستية أطلقت من محافظة خوزستان (جنوب غرب) واستهدفت المجموعة التكفيرية في إدلب السورية، وأن 4 صواريخ أطلقت من محافظة كرمنشاه (غرب) و7 صواريخ أخرى من محافظة أذربيجان الشرقية (شمال غرب) على "المقر الصهيوني" في أربيل شمالي العراق.

وفي السياق، علمت الجزيرة نت -من مصدر أمني مقرب من الحرس الثوري- أن طهران تعمدت تحديد "منتصف الليل للدلالة على ساعة الصفر بتوقيت الجمهورية الإسلامية" لتنفيذ العملية التي استخدمت فيها صواريخ باليستية من طرازي خيبرشكن وفاتح 110 لتنهال بالتزامن تقريبا على أهدافها، رغم اختلاف مسافاتها من الأراضي الإيراني.

ورأى المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، في اختيار 3 نقاط لعملية الحرس الثوري رسائل متفاوتة لأكثر من جهة، بدءا من جنوبي البلاد حيث تطال الصواريخ الإيرانية مسافات شاسعة من المياه الإقليمية والدولية، ثم كرمنشاه القريبة جدا من العديد من القواعد الأجنبية في المنطقة، وصولا إلى شمال غربي البلاد حيث منطقة القوقاز، والتي تراقب طهران فيها أي تحرك أمني أجنبي قرب حدودها.

نفى الشامي القيادي في غرفة عمليات الفتح المبين المعارضة بسوريا أن يكون الموقع المستهدف عسكريا وإنما "موقع مدني". (الجزيرة) رسائل متفاوتة

وعلی غرار المصدر المطلع الذي يرى في الهجوم الصاروخي رسائل مختلفة لجهات أجنبية على علاقة مباشرة بتطورات المنطقة، فإن شريحة كبيرة من المراقبين في طهران يتناولون الحدث في سياق معركة غزة وتداعياتها على الأمن الإقليمي.

من جهته، يعتقد الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية محمد مهدي ملكي أن "استهداف مواقع جماعات داعش وتحرير الشام والحزب التركستاني في إدلب السورية يأتي انتقاما لتفجيري كرمان"، أما الصواريخ التي استهدفت ما وصفه "مقرا للموساد الإسرائيلي" شمالي العراق، فإنها رد على عمليات صهيوأميركية استهدفت قادة عسكريين من الحرس الثوري وفصائل المقاومة في العراق وسوريا ولبنان، على حد قوله.

وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني اعتبر الهجوم الصاروخي بأنه "يأتي في سياق الدفاع المقتدر عن سيادة البلاد وأمنها ومكافحة الإرهاب، وهو جزء من العقاب العادل من قبل الجمهورية الإسلامية ضد المتطاولين على أمنها"، علی حد تعبيره.

وفي حديثه للجزيرة نت، وصف عملية -فجر اليوم الثلاثاء- بأنها الأبعد مدى نفذتها بلاده حتى اليوم خارج حدودها، وأن مسافة أكثر من 1200 كيلومتر تحمل رسالة واضحة لتل أبيب، مؤكدا أن العملية تبرهن عن القدرة التخريبية الهائلة للصواريخ الإيرانية ودقتها، وأنها تظهر التنسيق الناجح بين الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية في إيران.

???? كنعاني: الهجمات الصاروخية على مقر الموساد والإرهابيين جزء من العقاب العادل ضد المعتدين

????صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية "ناصر كنعاني" بأن الإرهاب يشكل تهديدا عالميا منتشرا وإيران عازمة في تصميمها لمكافحة الإرهاب في إطار التعاون الإقليمي والدولي المشترك. pic.twitter.com/NHHlK1T9iz

— جريدة الوفاق (@alvefagh) January 16, 2024

 

اجتماع سري 

وبشأن الاتفاق الأمني بين طهران وبغداد القاضي بإيقاف طهران عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية، يقول ملكي إن الجانب العراقي لم ينفذه بالكامل، ولم ينزع سلاح الجماعات الكردية المعارضة ما عدا الأسلحة الثقيلة، وبالتالي فإنه من حق إيران التحرك لتحييد الأخطار المحدقة بأمنها القومي وفقا للمادة 51 لميثاق الأمم المتحدة.

وخلص إلى أن الصواريخ الباليستية الإيرانية قد قطعت مسافات طويلة فوق القواعد الأميركية في العراق وسوريا، وأن المضادات الجوية لتلك القواعد لم تتمكن من رصدها، مضيفا أن البيانات الإيرانية تفيد باستهداف عناصر مهمة من الموساد وعدد من الإرهابيين خلال اجتماعهم السري في غرفة العمليات المخصصة لاستهداف إيران.

نفي سوري

وفي سوريا، فقد أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ دويّ انفجارات عنيفة سُمع في مدينة حلب وريفها، مشيرا إلى سقوط "ما لا يقل عن 4 صواريخ جاءت من اتجاه البحر الأبيض المتوسط" وسقطت في ريف حلب.

وعلى ضوء الصمت الذي تلتزمه حكومة دمشق حيال الاستهداف الإيراني لأراضي الشمال السوري، فقد نفى نبهان الشامي القيادي العسكري في "غرفة عمليات الفتح المبين" المعارضة أن يكون الموقع المستهدف عسكريا، وإنما "موقع مدني فحسب".

وفي حديث للجزيرة نت، قال الشامي إن الصواريخ الإيرانية سقطت بين منازل المدنيين الآمنيين في جبل السماق بريف إدلب، مستهدفة مركزا صحيا، كما نفى أي وجود لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في إدلب.

وفي حين توعد القيادي العسكري في المعارضة السورية بـ"رد قاس" بحق ما أسماها "المليشيات الإيرانية"، كشف عبد الحليم شهاب متطوع في "الدفاع المدني السوري" عن إصابة مدنيين اثنين إثر الهجوم الصاروخي الإيراني.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح شهاب أن عمليات البحث والإنقاذ للدفاع المدني السوري أظهرت استهداف مستوصف في قرية تلتيتا -توقف العمل فيه منذ فترة طويلة- بـ3 صواريخ دمرت 60% تقريبا من الموقع.

وفي وقت سابق من يناير/كانون الثاني الجاري، وقع تفجير مزدوج بالقرب من قبر القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في محافظة كرمان الإيرانية، وأسفر عن مقتل نحو 100 شخص، وذلك بالتزامن مع اغتيال عدد من قادة الحرس الثوري في سوريا وعدد آخر من القادة العسكريين في حزب الله اللبناني وحشد الشعبي العراقي.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

كيف ينظر الشارع الإيراني إلى مسار المفاوضات مع واشنطن؟

طهران- تتجه الأنظار داخل إيران نحو تطورات ملف المفاوضات النووية مع واشنطن، وسط مؤشرات متباينة على احتمال استئناف الاتفاق النووي المبرم سنة 2015، أو صياغة تفاهم جديد قد يُخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018.

ونص الاتفاق على تخفيف العقوبات الدولية عن طهران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.

ومع كل تسريب إعلامي أو تصريح دبلوماسي، تتصاعد ردود الفعل في الداخل الإيراني في ظل واقع اقتصادي صعب وضغوط معيشية تدفع المواطنين إلى التفاعل مع أي بصيص أمل، ولو بحذر بالغ.

ترقب صامت

في طهران، كما في مشهد وأصفهان، باتت تفاصيل المفاوضات النووية تُناقش على أرصفة الأسواق وفي طوابير الخبز وعلى موائد العائلات التي تقلب الأسعار قبل أن تقرر ماذا تطبخ. وبين من يعلق آماله على انفراجة قريبة ومن يُذكّر بتجارب الخذلان، يعيش الإيرانيون حالة من الترقب الصامت، حيث الأمل لا يفارقهم، لكن الثقة لم تعد كما كانت.

"نحن تعبنا من الانتظار"، هكذا بدأ رضا، وهو موظف حكومي في الـ40 من عمره، حديثه عن التفاوض، ويضيف "منذ سنوات ونحن نمنى بأن الاتفاق سيحسن أوضاعنا. إذا كان هناك أمل حقيقي في رفع العقوبات وتحسين حياتنا، فليعودوا إلى الطاولة. لكن دون ضمانات لا معنى لأي اتفاق".

إعلان

هذه النبرة التي تمزج بين التعب والتمني، تعبر عن المزاج العام الذي رصدته الجزيرة نت خلال جولة في شوارع العاصمة الإيرانية.

أما ليلى، طالبة جامعية في كلية الاقتصاد، فتتحدث بعين على الداخل وأخرى على الخارج وتقول "لا أريد أن أعيش حياتي كلها تحت العقوبات والانغلاق. نحن نريد أن نعيش مثل باقي شعوب العالم. إذا كانت المفاوضات ستحقق ذلك، فأنا أدعمها، لكن لا أريد أن نخدع مرة أخرى".

وتجسد ليلى فئة واسعة من الشباب الإيراني الذين يرون في الاتفاق نافذة على العالم وفرصا لحياة أكثر انفتاحا، لكنهم أيضا أكثر حذرا من وعود لا تترجم على الأرض.

فقدان الثقة

يُشار إلى أن الجولة الثانية من المحادثات بين طهران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، في روما، انتهت في 19 أبريل/نيسان الجاري.

وصرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنها كانت بناءة وبأنه من المقرر عقد مفاوضات فنية عبر فرق متخصصة في سلطنة عُمان لوضع أطر عامة لاتفاق. وكشف أن طهران وواشنطن اتفقتا على استئناف المحادثات التقنية على مستوى الخبراء في الأيام القادمة.

وتوسطت مسقط المحادثات بين وزير الخارجية الإيراني والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف.

من جهته، عبّر حسن، بائع خضار في السوق الشعبي، عن غضب صريح، قائلا "نحن لا نعيش على التصريحات. كلما سمعنا خبرا عن التفاوض، قفز الدولار وارتفعت الأسعار. فقدت الناس الثقة بكل الأطراف. نريد نتائج لا شعارات".

بدورها، تعبّر نرجس، وهي ربة منزل في جنوب طهران، عن موقف عملي مباشر وتؤكد "لا يهمني من يوقع أو مع من. أريد فقط أن أتمكن من العيش بمستوى متوسط، وأن لا أخشى من فاتورة الكهرباء. إن كان الاتفاق يحقق ذلك، فليوقعوه اليوم قبل الغد".

ويتكرر رأي نرجس كثيرا خصوصا في المناطق التي تعاني من انعدام الأمان الاقتصادي.

إعلان آراء مختلفة

في المقابل، يرى علي، وهو ناشط سياسي شاب، أن المفاوضات ضرورية لكنها ليست كافية، ويوضح "نحن بحاجة إلى إصلاحات داخلية حقيقية. الاتفاق قد يفتح الباب لكنه لا يعالج الفساد أو سوء الإدارة. يجب أن تكون هناك إرادة داخلية لتحسين حياة الناس، لا انتظار الحلول من الخارج فقط".

وأبدى أحد طلاب الدراسات العليا في جامعة الإمام الصادق موقفا أكثر تحفظا مؤكدا "لقد جربنا الاتفاق من قبل. وقّعنا ثم انسحبوا. الثقة كانت خطأ لن نكرره. يجب أن نفاوض من موقع قوة، لا أن نقدم تنازلات بلا مقابل". وتتجلى هنا وجهة النظر المحافظة التي لا تعارض المفاوضات من حيث المبدأ، لكنها تشترط ألا تكون على حساب ما يُسمى بـ"الثوابت الوطنية".

من خلال هذه الأصوات، يتضح أن الشارع الإيراني ليس كتلة موحدة في الموقف من المفاوضات، بل خليط من التجارب الشخصية والتوجهات الفكرية والظروف الاقتصادية. تتفق الغالبية على أن الأوضاع باتت صعبة للغاية، وأن أي انفراجة ولو جزئية قد تكون محملة بالأمل الذي لا يفصح عن نفسه بسهولة، فقد غلفته السنوات الأخيرة بطبقة سميكة من الحذر.

ولا شيء يلخص موقف الشارع الإيراني أفضل من الجملة التي قالها أحد الباعة عند زاوية السوق "نحن نعيش على الأمل.. لكن لا نعيش به".

وكانت العاصمة العُمانية مسقط قد استضافت، في 12 أبريل/نيسان الجاري، الجولة الأولى من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة التقى خلالها عراقجي بالمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ويتكوف.

وتم خلالها تبادل الرسائل 4 مرات بين الوفدين اللذين كانا في قاعتين منفصلتين، وفقا لما ذكرته الخارجية الإيرانية. وأوضحت الخارجية أن الوفدين تبادلا عبر الوسيط العماني "مواقف حكومتيهما بشأن برنامج إيران النووي السلمي ورفع العقوبات غير القانونية".

وفي حين كررت واشنطن وصفها للمحادثات بأنها مباشرة، تؤكد طهران أنها غير مباشرة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • اندلاع حريق ضخم على أوتوستراد جنوبي العاصمة الإيرانية طهران (شاهد)
  • سلطان عمان يبحث مع وزير خارجية بريطانيا التطورات الإقليمية والدوليةالمصدر: الخارجية العمانية- منصة "إكس"
  • عاجل. لجنة الأمن القومي الإيراني: لا علاقة لانفجار ميناء رجائي بأنشطة قطاع الدفاع حسب التحقيقات الأولية
  • انتهاء الجولة الثالثة من المفاوضات الأميركية الإيرانية في عُمان
  • عُمان تعلن موعدا جديدا للمفاوضات الأميركية الإيرانية
  • المفاوضات الأمريكية الإيرانية تعود إلى عُمان في ثالث جولة حول برنامج طهران النووي
  • جهود عمانية متواصله.. الجولة الثالثة من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية
  • جهود عمانية تتواصل.. الجولة الثالثة من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية
  • سلطنة عُمان تحتضن الجولة الثالثة من المباحثات الإيرانية – الأمريكية غير المباشرة غدا
  • كيف ينظر الشارع الإيراني إلى مسار المفاوضات مع واشنطن؟