لجريدة عمان:
2025-04-28@20:51:37 GMT

النزاهة...ومؤشر مدركات الفساد

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

مؤشر مدركات الفساد (Corruption Perceptions Index) يعدّ واحدا من المؤشرات المهمة المضمنة رؤية عمان 2040، وأيضا من المؤشرات التي يشرف على متابعتها المكتب الوطني للتنافسية. هذا المؤشر يندرج ضمن المؤشرات التي تعنى بالحوكمة وتصدره منظمة الشفافية الدولية حيث يغطي (180) دولة حول العالم من بينها سلطنة عمان.

تُقيّم الدول في هذا المؤشر عن طريق جمع البيانات والمعلومات من أكثر من جهة أو منظمة محايدة وذلك باستخدام نموذج استطلاعات الرأي التي تكون تحت إشراف مؤسسات مستقلة.

وفي المرحلة الأخيرة من جمع تلك البيانات تقوم منظمة الشفافية الدولية بإعطاء تقييمٍ مكونٍ من (0 إلى 100) درجة، بمعنى أن الدرجة المرتفعة تعطي انطباعًا بأن الدولة أقل فسادًا والحصول على الدرجة المنخفضة بأن الدولة تعدّ أكثر فسادًا.

وحسب التقييم السنوي لعام (2022) لمؤشر مدركات الفساد، حصلت سلطنة عمان على (44) درجة بانخفاض قدره (8) درجات عن عام (2021م) وفي المرتبة (69) دوليا والرابع خليجيا. علّقت منظمة الشفافية الدولية على التقرير بالقول، إن المتوسط العالمي للفساد لم يتغير خلال عقد من الزمن حيث كان عند (43) درجة، كما أن أكثر من ثلثي دول العالم حققت درجات أقل من (50) بالرغم من الدعوات المتكررة لمحاربة الفساد، أيضا هناك ما يقرب من (155) دولة لم تحقق أي تقدم يذكر أو انخفضت درجاتها منذ عام (2012م). كما أن الفساد ليس له علاقة بالتقدم الصناعي للدول، فمن ضمن ترتيب الدول العشر الأوائل في المؤشر حصلت ألمانيا فقط على المركز (9)، بينما جاءت كل من اليابان والمملكة المتحدة في المركز (18) مكرر، والولايات المتحدة في المركز (24) والصين وروسيا في المركزين (65) و(137) على التوالي.

وتتنوع المجالات التي يتمحور حولها الفساد، حيث تأتي الرشوة في المقدمة والمحسوبية في التعيين في القطاعات العامة واستخدام المسؤولين وظائفهم العامة لخدمة المصالح الشخصية مع الإفلات من العقاب، والروتين المفرط في أنشطة العمل بالقطاع العام وعدم تبسيط الإجراءات، ومدى التمكن من الحصول على المعلومات من القطاعات العامة والخاصة.

وتهتم منظمة الشفافية الدولية بأولويات محددة لمحاربة الفساد ويأتي مصطلح النزاهة السياسية (Political Integrity) في قمة هذه الأولويات. بحيث يكون كل شخص يشغل منصبا حكوميا أو أعطى صلاحيات تنفيذية يمارس هذه الصلاحيات وفق ما تقتضيه وظيفته ولا يكرس عمله من أجل زيادة ثرائه المالي أو التمكن من ممارسة سلطته الوظيفية في غير المحدد له قانونا. ويمكن تعزيز قيم النزاهة السياسية عن طريق وضع أنظمة واضحة للتعيينات والانتخابات، بحيث يكون اختيار الموظفين وخاصة المناصب العليا بعيدًا عن تأثيرات المصالح المتبادلة.

وعلى وجه العموم ممكن أن تتضمن النزاهة السياسية آليات وصول القيادات العليا للوظائف بالقطاع العام، وآليات انتخاب أعضاء مجالس الغرف التجارية والصناعية، وانتخابات أعضاء المجالس البرلمانية. وبالتالي المقصد ليس فقط آليات الانتخابات وإنما أيضًا مدى إمكانية محاسبة المسؤولين الذين يتحكمون في القرارات التي تمس الجوانب الاقتصادية وطرق إرساء المناقصات والعقود في حال تلبسهم بأية مخالفات تتعلق بالوحدات التي يشرفون عليها. وحسب تقديرات عام (2010م) فإن الدول النامية تخسر سنويا ما بين 20 إلى 40 مليار دولار بسبب الفساد. هذه المبالغ كان من الأحرى استثمارها في تقديم الخدمات العامة والقضاء على الفقر ورفع مستويات معيشة المواطنين بتلك الدول.

كما يندرج هذا النوع من الفساد بمصطلح تضارب المصالح، وهو التلاعب بالقواعد والإجراءات التي يمارسها المسؤولون الحكوميون أو صنّاع القرار السياسي ومدى قدرتهم على استغلال مناصبهم الوظيفية لتحقيق منافع خاصة.

وعلى الصعيد الوطني، فإن قانون حماية المال العام وتجنب تضارب المصالح حظر على المسؤول الحكومي استغلال المنصب لتحقيق أي منفعة شخصية، كما أن من أهداف عمل جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة هو تجنب وقوع تضارب المصالح حيث منح الجهاز اختصاصًا في البحث في أية شكاوى قد ترد إليه عن الإهمال أو مخالفة القوانين واللوائح والقرارات المعمول بها.

ومجال آخر قد يدخل فيه الفساد وهو مصطلح النزاهة التجارية (Business Integrity) والتي تعدّ من أهم المبادئ لممارسة الأعمال وعقد الصفقات التجارية بين الأطراف سواء القطاعات العامة أو الخاصة أو بين الدول بعضها البعض. وبالتالي تطبيق مبادئ النزاهة التجارية في بنود المناقصات والمشتريات ذات العقود الكبيرة من شأنه أن يعمل على كبح ومنع الفساد على مستوى الدول. وتتضمن النزاهة التجارية أيضا بالتهرب الضريبي والتلاعب بالقوائم المالية وإنشاء الشركات العابرة للحدود، أو الدول التي تتخذ ملاذات آمنة للتهرب الضريبي لأنه يؤثر سلبًا على عدم المساواة في المعاملات الضريبية وأصبح منتشرا حتى في الدول التي تحصل على درجات أعلى في مؤشر مدركات الفساد. فعلى سبيل المثال، الولايات المتحدة لديها أفضل الممارسات في تطبيق سيادة القانون، ولكن تكثر فيها حالات التهرب الضريبي بشكل واسع في الشركات حتى التي يملكها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المتهمة بالتهرب الضريبي، الأمر الذي يعزى لغياب النزاهة التجارية والسياسية.

وعلى المستوى الوطني فإن هناك تشريعات وأدلة صدرت خلال الفترة الماضية تتضمن ما يتصل بمنع ومكافحة الفساد جاءت في أحد عشر مرجعا، منها ما يتعلق بالانضمام لاتفاقيات دولية وعربية، وبعض منها يتعلق بالقوانين الوطنية على سبيل المثال، قانون الرقابة المالية والإدارية للدولة وقانون حماية المال العام وتجنب تضارب المصالح والذي هو في طور التعديل لكي يتوافق مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي انضمت إليها سلطنة عمان في (2013م). كما يلاحظ بأن هناك تطورًا في صياغة التقارير السنوية التي يصدرها جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة عند مقارنة تقريري (2020 و2022)، من حيث البعد عن العموميات في سرد الملحوظات والمخالفات إلى الإفصاح الاسمي للجهات التي تخصها تلك المخالفات. هذا التغيير يتوافق مع مبادئ الإفصاح كما أنه يعطي مشاركة أفراد المجتمع لتقييم الخدمات الحكومية ومدى تمسكها بالأنظمة وأيضًا لمتخذي القرار لقيامهم بمتابعة تلك الملحوظات والتأكد من استيفائها حسب درجة خطورة كل ملحوظة.

في المقابل فإن انخفاض مؤشر سلطنة عمان في مؤشر مدركات الفساد بمقدار (8) درجات عام (2022)، قد لا يتوافق مع شمولية إجراءات الضبط المالي وإعادة هيكلة الجهاز الحكومي. وقد يكون هذا التراجع سببه الحاجة إلى إعطاء جوانب الشفافية في مستوى البيانات التي يتم تبادلها مع المنظمات والجهات التقييمية لكي تكون تلك الجهات على اطلاع مستمر بالجهود التي تبذل في هذا المجال.

كما أن الخطة الوطنية للنزاهة (2022 - 2030) التي يشرف عليها جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، بها مرئيات وأهداف جيدة ومؤشرات تتكامل مع رؤية عمان. ولكن قد يكون من المناسب أيضًا التحديث المستمر لهذه الخطة لمعرفة أين وصلنا في مؤشرات مكافحة الفساد ومعرفة أين يكمن الخلل في أسباب ذلك التراجع في مؤشر مدركات الفساد والذي لا يتناسب كما أشرنا والجهود المبذولة على المستوى الوطني، لكي نصل للأداء المستهدف بنهاية (2030م) وهي الوصول للدرجة (63) في مؤشر مدركات الفساد أو من أفضل (30) دولة على مستوى العالم.

‏ د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الرقابة المالیة والإداریة للدولة تضارب المصالح سلطنة عمان کما أن

إقرأ أيضاً:

أنا يقظ.. منظمة تونسية تحارب الفساد

"أنا يقظ" هي منظمة رقابية تونسية تسعى لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتمكين الشباب وحماية المستهلك، وتعمل على مراقبة عمل الحكومة والمسؤولين ورجال الأعمال إلى جانب الفعاليات السياسية الحزبية والعمليات الانتخابية بكافة مراحلها. أصبحت المنظمة فرعا للمنظمة الدولية للشفافية في تونس عام 2017، وتصنف أول منظمة تونسية والثانية عربيا في مجال الرقابة السياسية.

تأسست منظمة "أنا يقظ" في 21 مارس/آذار 2011 بهدف ملاحقة مظاهر الفساد في كامل تراب الجمهورية التونسية، وكان من أولى أنشطتها إطلاق أكبر حملة سبر آراء في تونس، استهدفت بها نحو 15 ألف تونسي، من أجل تقييم عمل رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان بعد ثورة 2011.

وشاركت المنظمة في مراقبة الانتخابات التشريعية والرئاسية والاستفتاء الدستوري في مصر عامي 2011 و2012، وأقامت ورشا تدريبية عدة في مجال مراقبة الانتخابات لصالح عدد من منظمات المجتمع المدني في ليبيا، كما شاركت في مراقبة انتخابات مجلس النواب الليبي عام 2014.

وأطلقت المنظمة عام 2014 موقعا إلكترونيا للتصويت على فصول الدستور التونسي بهدف إيصال النتائج إلى نواب المجلس التأسيسي قبل مناقشتها والمصادقة على الدستور، كما نشرت مجموعة من المقاطع التفسيرية للنقاشات الدائرة في المجلس بشأن النظام السياسي والهرم التشريعي وغير ذلك.

وفي العام ذاته، أطلقت مشروعا لمراقبة أداء رئيس الحكومة آنذاك مهدي جمعة تحت عنوان "جمعة متر"، وذلك عبر مقارنة الوعود التي قدمها في خطاب نيل الثقة أمام البرلمان مع ما أنجزته حكومته بالفعل في ملف تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية نهاية عام 2014، إلى جانب ملفات الأمن والاقتصاد، وهو ما تكرر مع رؤساء الحكومة اللاحقين ورئيس الجمهورية قيس سعيد.

إعلان

وأطلقت المنظمة مشروعا لمساعدة المواطنين للتبليغ على الفساد بما يتماشى مع بنود اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهو ما ساعد في نشر تقرير سنوي عن "مؤشر مدركات الفساد" لمتابعة جهود تونس في مكافحة الفساد وتقديم التوصيات للحكومة والبرلمان.

وأقامت المنظمة منذ تأسيسها عددا من الدورات التدريبية والورشات التوعوية عن مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، بما في ذلك إقامة مسابقة للمرافعة في قضايا متعلقة بحماية المبلغين عن الفساد والإثراء غير المشروع وتضارب المصالح.

وعقدت المنظمة مؤتمرا عام 2015 بشأن الصعوبات التي تواجه الحكومة التونسية لاسترجاع الأموال المنهوبة، تلاه إطلاق حملة "رجّع الفلوس"، والدعوة لإصلاح قانون التصريح بالممتلكات للنواب بالبرلمان والوزراء ورؤساء الجمهورية، من أجل الحد من مظاهر الإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي وتهريب الأموال.

كما أطلقت المنظمة حملة "وينو الفسفاط (الفوسفات)" لتسليط الضوء على تعزيز الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية ومساءلة مسؤولي شركة "فوسفات قفصة" عن أنشطتهم وسير عمليات التنقيب والتصدير، تلا ذلك تقديم عريضة للحكومة للمطالبة بتدقيق شامل في حسابات قطاع الطاقة.

المنظمة تعقد مؤتمرا سنويا لنشر مؤشر معدلات الفساد في تونس (موقع منظمة أنا يقظ) تحقيقات وطعون وقضايا

في عام 2016 أصدرت "أنا يقظ" على موقعها الالكتروني سلسلة تحقيقات عن الفساد، تمحورت حول قضايا المال السياسي وتضارب المصالح وشخصيات ومنظمات وقنوات تلفزية بعينها، بما فيها شركة بتروفاك والاتحاد العام التونسي للشغل وغيرها.

وكان من بين التحركات القضائية الأولى للمنظمة تقديم طعن في نتائج تعيين الملحقين القضائيين عام 2015.

وفي عام 2019 برزت المنظمة باعتبارها طرفا مشتكيا على المرشح الرئاسي حينها ومالك قناة نسمة نبيل القروي، بعد إيداعه في السجن في قضية فساد تتعلق بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال، وهو ما أسهم في تراجع أصواته وخسارته أمام قيس سعيد الذي حصد نحو 70% من الأصوات.

إعلان

وقد رفعت المنظمة بالتزامن مع ذلك قضايا أخرى ضد رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد بتهمة رفع التجميد عن أموال مروان المبروك، صهر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وهو ما نتج عنه تراجع أصوات الشاهد في الانتخابات الرئاسية عام 2019.

كما اتهمت المنظمة حركة النهضة بتقديم مبلغ نحو 30 ألف دولار لشركة أميركية بهدف تحسين صورتها في الخارج أثناء انتخابات 2019، وهو ما يمنعه القانون التونسي. وقد نفت الحركة الاتهامات الموجهة إليها وأكدت أنها تخضع لإجراءات القانون التونسي، وأن حساباتها وعقودها تراقبها محكمة المحاسبات.

نبيل القروي خسر الانتخابات الرئاسية بفارق كبير بسبب تهم في قضية فساد (الفرنسية) استدامة مكافحة الفساد

أقامت المنظمة عددا من المشاريع المستدامة لتعزيز جهود مكافحة الفساد، منها مركز "يقظ" لدعم وإرشاد ضحايا الفساد، الذي يعمل على تقديم المساعدة للمبلغين وضحايا الفساد في صياغة الدعاوى القضائية والتحري وتقديم الأدلة بما يخدم تقصي الحقيقة.

وأطلقت المنظمة عام 2017 برنامجا تحت عنوان "آي أسيست" قدمت فيه دعما لوجيستيا وفنيا لأكثر من 80 جمعية ومنظمة جهوية في مناطق مختلفة داخل تونس، وذلك بهدف نقل خبرات المنظمة في النفاذ إلى المعلومة والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد والمساءلة.

وقدمت المنظمة حتى عام 2023 نحو 13 طعنا، ورفعت 17 دعوى قضائية وقدمت نحو 180 تبليغا عن شبهة فساد و240 مطلبا للنفاذ إلى المعلومة.

ويضم فريق منظمة "أنا يقظ" نحو 200 متطوع و24 عضوا، و46 موظفا بدوام كامل، بينما أقامت أكثر من 70 مشروعا لتعزيز الشفافية ودعم جهود مكافحة الفساد في تونس.

وتعيش المنظمة منذ عام 2023 حالة من الأخذ والرد مع السلطات في تونس، وبالأخص مع الرئيس قيس سعيد، وسط اتهامات بحصولها على تمويلات خارجية، وضحت المنظمة مصدرها في وقت لاحق عبر بيانات رسمية نشرتها على موقعها الإلكتروني، بينما تتهم سعيد بإنفاق المال العام على حملته الانتخابية عام 2024 وتشكك في قانونية قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

إعلان

مقالات مشابهة

  • دول بريكس تبحث رداً مشتركاً على سياسات ترامب التجارية
  • فوز "سامسونج" بجائزة "العلامة التجارية الأكثر ثقة في عُمان"
  • "جهاز الرقابة" يشارك بركن توعوي في معرض مسقط الدولي للكتاب
  • وزير الخارجية ونظيره الإيراني يستعرضان مستجدات المحادثات التي ترعاها سلطنة عمان
  • المخدرات "عملة بديلة" في صفقات داعش السرية
  • أنا يقظ.. منظمة تونسية تحارب الفساد
  • الفرص المتاحة: كيف يمكن للحرب التجارية بين أمريكا والصين أن تكون نعمة للدول النامية؟
  • مصر تشارك في الجلسة الإقليمية لتعزيز النزاهة في قطاع النقل العربي
  • تقلبات حادة في أسواق الأسهم مع تصعيد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة
  • الاعلام والاتصالات تبحث مع لجنة النزاهة النيابية تنظيم حرية التعبير وضبط المحتوى الإعلامي