لجريدة عمان:
2025-03-05@04:08:52 GMT

الحياة في ظل كورونا

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

الحياة في ظل كورونا

لم ينسَ العالم بعد الأشهر الصِعاب التي عرفتها البشرية في بدايات عام 2020، مع انتشار وباء كورونا، الذي غيّر علاقتنا بالحياة جذريا-: الرعب من كلّ شيء، تبدل رؤيتنا للأشياء المحيطة بنا، الأزمات الاقتصادية التي أصابت غالبية المرافق ،علاقتنا بالآخر، الصداقات المُنهارة، وبالتأكيد، «مديح الابتعاد» والانزواء بعيدا عن الآخرين.

عاد العالم يومها إلى التوحد، أصبح كل شخص يرتجي عزلته، والهاجس بالتقاط الفايروس طغى على أي هاجس آخر. لذا لا بدّ أن نسأل: هل أنجب هذا الوباء أدبا؟

لو عدنا بالذاكرة إلى تاريخ الأدب، لوجدناه يحفل بموضوعات تناولت إشكاليات الأوبئة؛ مثلا: الكوليرا (في رواية غوركي «الزوجان أورلوف» كما في قصيدة لنازك الملائكة)، الإيدز («أحياء الشتاء» لجان نويل بانكرازي و«فن الحرب» للبناني ربيع علم الدين)، انفلونزا الطيور («عطر آدم» لجان كريستوف روفان)، وحتى «الحرب الأهلية»، عدّها الراحل جبور الدويهي، بمثابة وباء آخر انتشر قبل الكورونا في لبنان؛ أيضا: الإنفلونزا الإسبانية (كتب عنها كثيرا في الغرب وعربيا في رواية ربيع جابر، «أميركا»)، الطاعون (عند كامو، كما في رسالة الشاعر المملوكي ابن الوردي (1292 ــ 1349) «النبأ عن الوباء» الذي أصاب مدينة حلب السورية ومن ضمنها بالطبع «معرة النعمان» (مدينة المعري، الكبير)، ويقول فيها:

رأى المعرّة عينا زانها حَوَرٌ

لكنّ حاجبها بالجور مقرونُ

فما الذي يصنع الطاعونُ في بلدٍ

في كلِّ يوم له بالظلم مطعونُ

بهذا المعنى الذي يستعمله ابن الوردي، ألا يمكننا أن نتحدث عن «الطاعون الإسرائيلي»؟ أليس هو الوباء الأكبر الذي يجتاح أمتنا منذ عقود طويلة؟

ليست غاية مقالتي هذه تفنيد الحروب والسياسية، بل هي تستعيد كتابا من أدب كورونا الذي بدأ يظهر إلى العيان، وهو «يوميات الطاعون» (وإن كان يتحدث عن كوفيد 19، مترجم إلى الفرنسية عن «منشورات لافون»)، للروائي البرتغالي غونزالو تافاريش (ترجمت مجموعة رواياته «سلسلة الحيّ» وصدرت عن «الخان ـ الكويت»).

بين شهري مارس ويونيو، كتب تافاريش كل يوم، نصا «كما لو كان الأخير»، مثلما يقول في المقدمة، «ليس لأنني اعتقدت أنني سأموت، أو أن نهاية العالم تقترب بالطبع، ولكن بمعنى أنني أضع كلّ طاقتي اليوم في النص من دون توفير الذخيرة لليوم التالي: إما أن يكون الآن أو لا يكون أبدًا». بهذه الطريقة كتب تافاريش تسعين نصًا مركبًا، في خضم الجائحة، ليشكل في النهاية «يوميات الطاعون».

يبدو أداء الكتابة اليومي عند تافاريش وكأنه «بروتوكول»، وطقوس ضرورية لتجنب الإصابة بالجنون، في هذه «الأوقات الغريبة» عندما «لمس شخص ما آلة العالم وأوقف الصوت». البارز في الكتاب، قبل أي شيء آخر، تدفق المعلومات التي يلتقطها الكاتب ويسجلها. يمتلئ النص بالأخبار الحرفية المتنوعة، القادمة من زوايا العالم الأربع «المحاصر». معلومات مثيرة للقلق، بداية: معدلات البطالة، عدد الوفيات (حسب البلد) الآخذة في الارتفاع؛ موت الأحباب: (رحيل الكاتبة ماريا فيليو دا كوستا)؛ كذلك المعلومات التي «لا نعرف ماذا نفعل بها»: إصابة بوريس جونسون بالفايروس، الأخبار السياسية البرازيلية المقلقة في عهد بولسونارو. بعدها، المعلومات التي لم نسمع بها: في عدد 28 مارس من صحيفة «لاريبوبليكا» (الإيطالية) نجد أن «الأجداد اختفوا في لومبارديا»؛ في 13 أبريل: «الجنازات خطيرة على الأحياء»؛ 2 مايو: «ممنوع الجلوس على المقاعد العامة المخصصة للجلوس». جُمل تحمل أخبارا مستحيلة بالمعنى الدقيق للكلمة، لكنها شوهدت أو سُمعت خلال ربيع 2020. اختلف كثيرون على صحتها. وعبر تواترها السريع، يسجل تافاريش تلك التحديات التي تواجه اللغة، كما يسجل تغيّرات العالم التي تحوله إلى «عالم مؤلم».

ليست «يوميات الطاعون»، يوميات حميمية أو مذكرات شخصية. إنها، لنقل، صحيفة خاصة ونشرة معلومات عامة في الوقت عينه. الكتاب أيضا بمثابة يوميات من الخارج، مع أن هذا الخارج مرفوض وممنوع على من يكتبه: «من يأتي من الخارج لا يستطيع الدخول. الجميع عدو محتمل». لأن الحجر لم يكن معزولا بل متصل بالعالم بأسره. لذا يحمل الخبر أثرا عميقا: «يشكل البشر دائرة حول الأخبار. وكأن المعلومات هي نار القرن الجديدة، والعصر أصبح باردا». من هنا، تتجسد تدفقات الأخبار وخيوطها وروابطها في الكتاب الذي يسعى، مثلما يبدو، إلى صناعة مادة، أو استباق خيوط الأحداث. تماما مثلما رغب كينيث غولدسميث ذات يوم يذكر تافاريش هذه الحادثة بأن يطبع ورقيا، كل ما يوجد من مواد على الشبكة العنكبوتية. لا شك أنه مشروع مضحك ومذهل، لولا التحذير الذي يطلقه الكاتب: «إن أي خلط بين الأخبار ذات الأهمية العالية والمنخفضة، بأقصى سرعة، هو شكل من أشكال الرقابة السريعة». لذا، لا ترغب هذه اليوميات في أن تعيد إنتاج فوضى العالم، بل تنظمها قليلا، عبر هذا «المونتاج» النقدي الذي يستعمله تافاريش.

ومثلنا جميعا، حاول الكاتب أن يتسلى خلال هذه الفترة الخارجة عن الزمن اليومي؛ ففي 25 مارس (اليوم الثاني من بداية الحجر الصحي) يجد تافاريش لعبته: «ألتقطُ ملاكا بطول عشرين سنتيمترا/ مصنوعا من مادة غريبة/ يبدو أنه رخو من الداخل/ سأحضر سكين المطبخ/ أتوقف/ أترك الملاك وسكين المطبخ جنبًا إلى جنب/ هل سيجعل السكين الملاك أكثر شراسة، أم سيحيله أكثر ليونة»؟ أن يضع ملاكا بلاستيكيا بجانب السكين ليست مجرد بدعة محدودة. يقوم الكاتب هنا بإيماءة أولية (ومثيرة للقلق بعض الشيء) لعملية مونتاج بين شيئين لا توجد أي صلة بينهما بداهة. هذه العملية متناثرة في كل مكان في النص. في الواقع، يضع تافاريش جملة واقتباساته العديدة جنبًا إلى جنب، واحدة تلو الأخرى، ليعود إلى السطر في نهاية كل منها. يمكن للتعليق أن يتبع الاقتباس الذي يتبع بدوره ملاحظة تبدأ ببيت شعري؛ يتقدم النص بهذه الطريقة. «غودار، مرة أخرى»، يقول (في يوميات شهر يونيو)، فالمخرج السويسري، الماهر في تحرير التأثيرات والتعامل مع الأشياء، لم يتوقف عن الحضور في الكتاب.

يخلق هذا المونتاج الشعري مجموعة من تأثيرات المعنى. في يونيو 2020، قُتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة، يتم إلقاء تماثيل تجار الرقيق في النهر، بعد وضع علامة عليها. تذكر اليوميات تفاصيل هذه القصة، لكنها تأتي متقطعة بكلمات بوب ديلان «النبوية» عن الوباء وعن ذكرى الرومان الذين رشقوا حجارة منقوشة بالشتائم. يؤدي تصادم هذه العناصر الثلاثة (في الصفحة) إلى ظهور صور الذعر أو الهتافات أو اللعنات. وهكذا يقدم النص دفعات من الفكر التصويري بمعان متعددة. ثم يتألق الحدث الوبائي في زمانيته الغريبة، بين الحداثة والذكريات القديمة.

«من الصعب أن نفهم مأساة بدون دماء». الطاعون الجديد، الذي يفتقر إلى الأشكال والمظاهر البصرية، يتطلب طرقًا جديدة للتعبير عنه. «إن نهاية العالم هذه لم تحدث أبدًا». عندما تأتي نهاية العالم، غالبا ما تنجب أشكالا تفاجئنا. تصوغ اليوميات، بشكل تجريبي وحرفي، الأدوات (الاقتباس والتحرير) التي تجعلنا نواكب الحدث بسرعة. تصوغ فرضيات لفهمها وتمثيلها، وبخاصة حين يصل الوباء إلى كابوسه السياسي، حيث تنطلق المخيلة في فرضيات لا يمكن تكهنها: «بدأ القرن الحادي والعشرون، الثاني، في ووهان/ أما الأول، ففي مركز التجارة العالمي، عام 2001». هل ثمة اضطرابات جديدة سيشهدها القرن (لتشكل قرنا ثالثا داخله)؟ من خلال نصوصه، يعمل تافاريش بلا كلل على تصوير ما ينجبه الوباء من عواقب. هذيانات تحيل الأزمة إلى صور مرئية كانت تحدث في عالم السياسة. لكننا نقع أحيانا على أسئلة جميلة وغامضة: «ما فائدة الجمال عندما يكون الجميع في منازلهم»؟

يوميات من اقتباسات وقراءات ومونتاج وشعر، وهي تنتمي إلى تلك الكتب المصممة في أوقات «غير لطيفة» (ولأجلها). وإذا كان جهد الكتابة أرهق كاتبها، فإنه يثير متعة واضحة في القراءة. الفرح الذي كتب عنه الشاعر الألماني هولدرلين، الذي يفتتح تافاريش كتابه به: «أنت تخبرني أن الفرح أكثر خلودا من القلق والغضب».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

جامع بهلا التاريخي .. إرث عماني يـعــود إلى الحياة

في قلب ولاية بهلا المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، يتربع جامع بهلا التاريخي القديم كواحد من أبرز المعالم الأثرية والدينية في سلطنة عُمان، وبفضل جهود وزارة التراث والسياحة، تم ترميم هذا الصرح العريق وإعادة افتتاحه للزوار بعد إغلاق دام نحو 50 عامًا، ليصبح وجهة سياحية وثقافية تروي قصة عُمان الغنية عبر العصور.

إعادة إحياء التراث

قامت شركة «مراسيم للسياحة والاستثمار»، المشغلة لقلعة بهلا المجاورة للجامع، بإدارة وتشغيل جامع بهلا التاريخي بعد ترميمه، وقال المهندس علي بن أحمد الشقصي، المدير العام للشركة: إن افتتاح الجامع يعد حدثًا تاريخيًا مهمًا، حيث تم تجهيز الموقع ليكون جاهزًا لاستقبال الزوار من خلال توفير خدمات مثل الإنارة الحديثة، وحواجز زجاجية لحماية العناصر الأثرية كالمحراب، بالإضافة إلى لوائح إرشادية تعرض أهم الاكتشافات الأثرية ومراحل الترميم، موضحًا أن الشركة تعمل على إنشاء متحف داخل الجامع لعرض المقتنيات الأثرية التي تم العثور عليها خلال عمليات الترميم، بما في ذلك عملات نقدية وأوانٍ فخارية تعود إلى 2300 عام قبل الميلاد، وقد تم توظيف عدد من الشباب العمانيين من أهالي الولاية للعمل في مجالي الإرشاد السياحي والاستقبال، مما يعزز مشاركة المجتمع المحلي في الحفاظ على التراث.

مكانة تاريخية ودينية

يقع جامع بهلا التاريخي على ربوة صخرية مرتفعة جنوب قلعة بهلا، ضمن واحة بهلا العريقة التي تضم حارات طينية قديمة ومزارع نخيل وسورًا تاريخيًا، ويعود تاريخ بناء الجامع إلى القرن الأول الهجري، وفقًا لبعض الآراء التي تشير إلى أنه بُني في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وتشير الاكتشافات الأثرية إلى أن الجامع بُني على أنقاض مبنى سابق يعود إلى الفترة الإسلامية المبكرة أو ما قبلها، وكشفت التنقيبات الأثرية عن كنوز تاريخية، بما في ذلك عملات فضية تعود إلى العصر العباسي، وأوانٍ فخارية وحجرية، بالإضافة إلى هياكل عظمية تعود إلى العصر البرونزي، وهذه الاكتشافات تؤكد أن واحة بهلا كانت مأهولة بالسكان منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، مما يجعلها واحدة من أقدم الواحات في سلطنة عُمان.

دور تعليمي وديني

لم يكن جامع بهلا مجرد مكان للعبادة، بل كان أيضًا مركزًا تعليميًا بارزًا، فقد شهد الجامع تدريس علوم الشريعة واللغة العربية، وتخرج منه العديد من العلماء والفقهاء العمانيين، ومن بين من قاموا بالتدريس فيه الشيخ ناصر بن راشد المحروقي والشيخ أحمد بن حمد الخليلي، كما يحتوي الجامع على كتابات تاريخية وأدبية محفورة على جدرانه، تمثل مصدرًا غنيًا للباحثين في تاريخ الحضارة العمانية.

مكونات معمارية فريدة

يتكون جامع بهلا من أربعة أجزاء رئيسية: قاعة الصلاة التي تضم 24 عمودًا ومحرابًا جصيًا مزخرفًا يعود إلى القرن العاشر الهجري، ومدرسة لتعليم القرآن الكريم، ومئذنة دائرية تعكس تأثيرات معمارية إيرانية، وسلم طيني خارجي مكون من 28 درجة يرمز إلى عدد حروف اللغة العربية.

الجدير بالذكر أن افتتاح جامع بهلا التاريخي يهدف إلى تعزيز السياحة الدينية والثقافية في سلطنة عُمان، مع التركيز على تعريف الزوار، خاصة غير المسلمين، بالدين الإسلامي وتاريخ الجامع العريق، كما تخطط شركة «مراسيم» لإقامة فعاليات دينية وثقافية مثل مدارس القرآن الكريم ومسابقات الحفظ، مما يعيد للجامع دوره كمنارة للعلم والمعرفة.

مقالات مشابهة

  • عودة الحياة لصفقة المعادن بين امريكا وأوكرانيا
  • الساعات الذكية قد تنهي الوباء المقبل
  • جامع بهلا التاريخي .. إرث عماني يـعــود إلى الحياة
  • يعقوبيان: الحياة السياسية في لبنان بدأت بالانتظام
  • الدور المصري الذي لا غنى عنه
  • بنزيما‬⁩: الحياة في ⁧‫جدة‬⁩ مختلفة عن ⁧‫مدريد‬⁩
  • أمل في الحياة
  • يوميات غزة.. معرض يجسّد مقولة محكومون بالأمل
  • حفل الأوسكار 2025: مورغان فريمان يكرّم الراحل جين هاكمان الذي فارق الحياة بطريقة غامضة
  • روبيو: ترامب الوحيد في العالم الذي يستطيع جلب بوتين إلى طاولة المفاوضات