لجريدة عمان:
2024-11-23@22:16:56 GMT

سؤال البدايات

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

هنالك مشروعيّة تاريخيّة وحضاريّة وجغرافيّة تُسوِّغ لوجود ظاهرة أدبيّة هي الرواية الخليجيّة، ولا جدوى من تقليب المفاهيم وتختيلها، مثل إجراء عبارة «الرواية العربيّة في الخليج»، فلقد توفّرت شروط عرقيّة وجغرافيّة وإثنيّة تُمنطق خصوصيّة نوع أدبي في منطقةٍ من هذا العالم الوسيع، فالرواية الخليجيّة تختلف مرجعيّاتها ومعاجمها ووقائعها وملامح شخصيّاتها عن الرواية في موريتانيا، ولا شراكة تجمعهما غير شراكة إعْمال اللّغة العربيّة، وقياسا عليه، فهل الرواية الهنديّة يُمكن نَسْبها إلى الرواية الإنجليزيّة لأنّ الهندي والإنجليزي يكتبان بلغة الإنجليز!؟ خَلَلان تنظيريان قاتلان يُرافقان دراسة الرواية الخليجيّة ويؤثّران في تناولها النقدي، الخلل الأوّل ماثلٌ في مقايستها بالرواية العربية على مستوى النشأة والنمو والتدرّج، والحديث على أنّها روايةٌ حديثة المنشأ وما زالت تمرّ بالمراحل الأولى التي مرّت بها الرواية العربيّة، وهي مقايسةٌ خاطئة، أوّلا، لأنّ مراحل تاريخ الأدب لا تقتضي التدرّج والتأني، وثانيّا، وهذا الأهمّ لأنّ الرواية العربيّة ليست هي المرجعيّة الوحيدة للرواية الخليجيّة، والخلل الثاني كامن في تحديد الآخر الذي مثّل ركنا مكينا في الرواية العربيّة، وشكّل مرجعيّة في التأسيس ومرجعيّة في الإنشاء الروائي، هذا الآخر كان في نشأة الرواية العربيّة مقتصرا على الغربيّ، الأبيض، وكانت المرجعيّات الرئيسة بلزاك وفلوبير وغيرهما، في حين شكّل «الآخر» صُورا متعدّدة في المرجعيّات الخليجيّة، نظرا إلى وقائع ومقامات مختلفة، فهو الغربيّ الأوروبي، وهو أيضا الهندي والآسيوي، الذي أثّرت ثقافتهما بشكل مباشر أو غير مباشر في تشكيل الأرضيّة المعرفيّة للكاتب الخليجي، وبالتالي فإنّ هذه الأرضيّة الشرقيّة تحمل أيضا معها مرجعيّاتها الحكائيّة المختلفة، وتؤثّر في بناء خطاب روائيّ مختلف.

سؤال التأسيس في الرواية الخليجيّة سؤال مهمّ، وقد حلّ وقت الانتهاء منه بحثا، ولا ينبغي على الدارس أن يقع في الأخطاء المعرفيّة التي وقع فيه العرب في تأريخ نشأة الرواية المشرقيّة في مصر وبلاد الشام، من تنازع البحث عن اسمٍ كانت معه البدايات الأولى للرواية، فكان التنازع حول محورين أساسيين، محور التقليد ومحور مصر وبلاد الشام، أمّا محور التقليد، فقد اختصّ بدراسة هل نُسلّم فضل السبق لمن قصّ حكاية طويلة بشكل تقليدي عربي مثل المويلحي في «حديث عيسى بن هشام» أو نردّ السبق إلى من قلّد نماذج الرواية الغربيّة مثل محمد حسين هيكل في «زينب»؟.

وأمّا محور التنازع المصري الشامي حول التأسيس، فقد بدا في ردّ الفضل إلى أعمال أولى سبقت محمد حسين هيكل مثل أعمال جورجي زيدان التي لم يُعتَرَف بانتسابها إلى الرواية، أو رواية «غابة الحقّ» لفرانسيس فتح الله مراش التي يعدّها بعض النقّاد ومؤرّخي الأدب الحديث العمل الروائي العربي الأوّل، وقد صدرت في طبعتها الأولى 1865، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رواية سليم البستاني «الهيام في بلاد الشام»، التي صدرت سنة 1870. وعلى ذلك فإنّي في مقاربتي لأسس نشأة الرواية الخليجية سأتحدّث عن ظواهر شكّلت مسارا حدّد ملامح هذا الشكل الذي انتهينا إليه اليوم، هذه الظواهر قد تبدو في فُرقةٍ على مستوى التأثير، فالأصول الأولى التي مثّلت الرواية الخليجيّة لا تُشكّل أرضيّة مرجعيّة لكاتب الرواية اليوم، فإلى أيّ مدى يُمكن أن يُمثّل عبد اللّه الطائي في عُمان أو عبد القدّوس الأنصاري في السعودية أو فرحان راشد الفرحان في الكويت، مرجعيّة لكُتّاب الرواية في الخليج، كما مثّل بلزاك وفلوبير أرضيّة مرجعيّة في الأدب الروائي الأوروبي؟ أوّلا، هنالك مرحلة أولى أو ظاهرة أولى هي مرحلة «إحلال التوافق» بين القِيَم العربيّة والشكل الروائيّ الحادث، وهي مرحلة الرواية الأخلاقيّة القيميّة والوطنيّة، وصْلا للأدب بالمنفعة وابتعادا عمّا يشغل النّاس من لهْو الدنيا، فلم يكن في نيّة الأوائل كتابة رواية، ولم يكن مقصدهم استدعاء الشكل الغربي الوافد، بل كان مقصدهم استثمار نمطٍ في الأدب يُمكن فيه أن تُحكي حكايةً طويلة بغاية الإفادة والتعليم أو بغاية التوثيق والتأريخ، وتعليم الناشئة القيم والأخلاق، ولذلك كانت رواية عبد القدوس الأنصاري -التي يُمكن أن أتّخذها مثالا لهذه الظاهرة- «التوأم» خير مثال على هذه النشأة الموصولة بقديم الأدب أكثر من صلتها بالرواية في شكلها التاريخي. يُعَدُّ عبد القدّوس الأنصاري مؤسّس الحكاية الطويلة في حديث السرد الخليجي وصاحب رواية «التوأم» التي صدرت سنة 1930، ولكن حقيقةً يصعب أن يكون نصّه رواية تامّة الملامح.

لقد تقاربت أعمالُ البدايات الأولى التي كانت ضروريّة لفتح السبيل للدخول في كتابة الرواية بشكلها ومضمونها، يُمكن أن نجد هذه الظاهرة أيضا في ما كتبه عبد اللّه الطائي في روايتين عُدّتا من الروايات المؤسّسة، وهما «ملائكة الجبل الأخضر» و«الشراع الكبير»، وفي الرواية المؤسسة التي كتبها فرحان راشد الفرحان «آلام صديق» سنة 1948، يُمكن الإقرار بالتشابه بين هذه البدايات الأولى في أغلب مناطق الخليج الكُبرى التي دخلت في إنتاج الرواية طيلة خمسة عقود، في أعمالٍ، متناثرة، متفرّقة، ومن الطبيعيّ ألاّ تكون ناضجة فنيّا، وأن تضمّ محاولات بصدد التشكّل، وأن تبذر النوى الأولى للدخول في كتابة الرواية. ويُمكن أن نأخذ نموذجا عُدّ مبكّرا هو عبد القدوس الأنصاري «الموظف بديوان إمارة المدينة المنورة»، في رواية «التوأم»، وقد أرفق صفحة الغلاف بملاحظات تدلّ على نمط القارئ الذي يتخوّف منه كاتب هذا الشكل الجديد، ويعمل على بيان موقفه السلبيّ من الرواية الغربيّة، فعمل على توثيق ملاحظات في الصفحة الأولى للرواية تُبين أنّها عملٌ مزجّه للناشئة بغاية تفتيح العقول والمحافظة على التقاليد.

لقد صنع عبد القدوس الأنصاري مقدّمة لروايته أبدى فيها نكرانه للرواية على النمط الغربي، وعدّها سلاحا من أسلحة الغرب لفتح بلاد العرب، يقول في تصدير روايته: «وبعد، فغير خاف ما جلبته المدنيّة الغربيّة الحديثة على الشرق عامّة، وعلى العالم العربيّ الإسلاميّ خاصّة من آفات فتّاكة، ودواه دهياء، ممّا كاد يودي ببنياننا الاجتماعي من أسّه، ويقضي على كياننا الأخلاقيّ من رأسه. وبديهيّ أنّ هذا الفتح الأوروبيّ إنّما اعتمد على توسّعه وانتشاره على سلاحين، الدعاية القلميّة والآلات الجهنميّة. ومعلوم ما يمتاز به الأوّل من تأثير على الضمائر والشواعر. لذلك نظّم قوّاد حركة استعمار الشرق حملته تنظيما فائقا، إذ جهّزوها بما لديهم من أنفذ الوسائل وأفعل الأساليب. كان من أهمّ هذه وأمْكنها إلى قرارات النفوس تحبير تلك الروايات التي أُلبست أكسية جذّابة من الإغراء الشائن بالفظائع والانسلاخ من قويم الآداب وشريف الأخلاق»، وفعلا، فقد كانت روايته «الأدبيّة العلميّة الاجتماعيّة» حسب وصفه، مؤسّسة لهذه الأبعاد القيميّة، فهي لا تنحو منحى الرواية بقدر ما تنحو نحو الوعظ المكشوف، من خلال حكاية التوأمين الذي يتشبّث أحدهما بالتقاليد، فيفوز بحياته نعيما وراحةَ بالٍ، ويحيد الثاني عن قويم السبيل ويتّبع الأوروبي «الكافر» «الضالّ المضلّ»، فيفْقِد الخطْو وينتهي به الأمر إلى الانبتات والضياع والتسكّع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الروایة العربی ة ة الروایة ی مکن أن مرجعی ة

إقرأ أيضاً:

سؤال يؤرق واشنطن.. صنع في المكسيك أم الصين؟

في عام 2023، أظهرت بيانات التجارة الخارجية الأميركية تحولا واضحا، ولأول مرة منذ عشرين عاما تتخطى المكسيك الصين، وتصبح أكبر مصدر للولايات المتحدة، بقيمة وصلت إلى 475 مليار دولار.

هذا التفوق المكسيكي، يأتي في سياق أوسع عنوانه حرب تجارية بين واشنطن وبكين، لتحصد المكسيك مكاسب هذا النزاع بعدما وقعت اتفاقية تجارة حرة بداية عام 2020 مع الولايات المتحدة وكندا.

هذه الاتفاقية جعلت الاستثمارات الأجنبية تتدفق لولايات البلد اللاتيني، إذ وجد الصينيون عبر المكسيك طريقا معفى من الجمارك نحو الولايات المتحدة.

برنامج "الحرة تتحرى"، الذي تثبه قناة "الحرة" رصد مساعي بكين للالتفاف على رسوم الجمارك الأميركية، وكيفية التفاف الشركات الصينية وإخفاء بلد المنشأ لبضاعتها، للتحايل على اتفاق التجارة الحرة بين دول أميركا الشمالية.

الباحث الاقتصادي في جامعة جورج مايسون الأميركية، أومود شكري يقول إنه خلال إدارتي دونالد ترامب الأولى، وجو بايدن وبهدف حماية الصناعة الأميركية فرضت واشنطن رسوما جمركية عالية على الواردات من الصين كالسيارات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية.

وأضاف أن الصين تحاول تجاوز التعريفات الجمركية، ونقلت مصانعها قرب الحدود الأميركية، لتصدر منتجاتها إلى الولايات المتحدة بشعار "صنع في المكسيك".

ديفيد غانتس، محام في التجارة الدولية وزميل جامعة أريزونا قال إن هذا يسمى بـ "النقل القريب، بأن تنقل الشركات الأميركية أو الأوروبية أو الآسيوية، مصانعها إلى المكسيك حيث تكاليف العمالة منخفضة وسهولة الشحن للسوق الأميركية شديدة القرب، هذه ممارسة مستمرة في المكسيك منذ أكثر من 30 ثلاثين عاما وفي السنوات الأخيرة، اتبعتها شركات صينية كثيرة.

وعلى مدى العقدين الماضيين، بذلت بكين جهودا كبيرة للاستثمار حول العالم، وأينما تشرق الشمس، يوجد استثمار صيني، الذي سيستفيد بالطبع من موقع المكسيك، شديد القرب من السوق الأميركية، على ما يؤكد جيانغ جي شي وهو أستاذ شؤون أميركا اللاتينية بجامعة شنغهاي الصينية.

مصدر قلق للإدارة الأميركية واشنطن زادت الرسوم الجمركية على البضائع الصينية . أرشيفية

ويشرح الباحث الاقتصادي شكري لماذا يشكل هذا الأمر مصدر قلق للولايات المتحدة، إذ أن المنتجات الصينية مثل أنظمة السيارات الكهربائية الحديثة، الصينية وغيرها، تشمل كاميرات وأجهزة استشعار، وهذا قد يمثل تهديدا للأمن القومي، فهذه الأنظمة، تجمع معلومات وبيانات، وإن كان صاحب السيارة، من موظفي الحكومة، أو أجهزة الاستخبارات، فقد يتم جمع معلومات عن مكان عمله.

وفي ربيع 2024، فرضت الإدارة الأميركية، تعريفة جمركية، على واردات صينية، بقيمة ثمانية عشر مليار دولار، والتي شملت قائمة الصلب، وأشباه الموصلات، والسيارات الكهربائية.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن حينها إنهم "أحيانا يسرقون براءات الاختراع، عبر هجمات سيبرانية، وهذا موثق ومعروف دوليا، عندما تتبع تكتيكات كهذه، فهذا غش، وليس منافسة".

بايدن لنظيره الصيني: منافسة أميركا والصين يجب ألا تتحول إلى نزاع أعلن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن السبت خلال اجتماعه الثنائي الأخير مع نظيره الصيني شي جين بينغ أنه يتعين على الولايات المتحدة والصين بذل كل ما في وسعهما لمنع المنافسة بينهما من "التحول إلى نزاع".

اتهامات واشنطن لبكين، بإغراق السوق الأميركية ببضائع مقلدة، ورخيصة الثمن، ليست جديدة.

ورسوم بايدن، جاءت كجزء من حرب تعريفات جمركية، بدأها دونالد ترامب، عام 2018، وهو العام ذاته، التي سجلت الولايات المتحدة فيه، عجزا تجاريا مع الصين، بأكثر من 400 مليار دولار.

الرئيس الأميركي، ترامب قال في تصريحات وقتها "هذا يعني أن الصين، تمثل أكثر من نصف عجزنا التجاري، وهو الأكبر، الذي تشهده أي دولة في التاريخ، وهو أمر خارج عن السيطرة، لذا سنعمل على حل هذه المشكلة".

ومن وقتها، توالى فرض التعريفات، من الجانب الأميركي.

وقال المحامي غانتس إن "الرسوم الجمركية تتراوح بين 7 و25 في المئة، على بضائع قيمتها 350 مليار دولار، من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، فرضها ترامب قبل ست سنوات، وواصلها بايدن قبل أشهر، بتعريفة تبلغ 100 في المئة، على السيارات الكهربائية المستوردة مباشرة من الصين لأميركا، وهي قليلة العدد حاليا".

رغم انتقادها لإجراءات واشنطن، ردت الصين بتعريفات على صادرات أميركية، بقيمة 100 مليار دولار، شملت منتجات من الأغذية والغاز الطبيعي، إلى السيارات والطائرات.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشون ينغ حينها إن "التصرف بعشوائية وتهور، خطأ وانعدام للمسؤولية، ما زلنا نتمنى أن يلتقي المسؤولون من الجانبين، لحل تلك القضايا، عبر الحوار البناء والتفاوض".

"الأبواب الخلفية" الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تتنامى. أرشيفية

وبعد عامين من التفاوض، أبرم الجانبان اتفاقا، لكن بكين، ووفقا لتقارير أميركية، لم تلتزم ببنوده.

ويبين تقرير لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن أنه "بموجب الاتفاق، وافقت الصين على توسيع مشترياتها من سلع وخدمات أميركية، بمقدار 200 مليار دولار، بين الأول من يناير 2020، ونهاية ديسمبر 2021، وفي النهاية، اشترت الصين 58 في المئة فقط، من مجمل ما التزمت بشرائه وفق الاتفاق".

إضافة لذلك، لجأت شركات صينية لأبواب خلفية، للوصول إلى السوق الأميركية، دون دفع رسوم جمركية.

وقال شكري إن "الحكومة الصينية، وبغرض الالتفاف على التعريفات، أنشأت مصانع جديدة في كل دول العالم، كفيتنام، لإنتاج بضائع تحمل شعار، صنع في فيتنام، ولتخطي رسوم دخول السوق الأميركية أو الأوروبية، كهدف أساسي".

هل تنجح خطة ترامب الجمركية في كبح جماح الصين؟ آراء متباينة حول تبعات السياسات الاقتصادية، وبخاصة التعريفات الجمركية، التي ينوي الرئيس المنتخب دونالد ترامب تطبيقها لدى دخوله البيت الأبيض يناير المقبل.

كانت فيتنام، أول تطبيق لهذه الممارسة، في بداية الأزمة، ويشير غانتس إلى أنه "إذا نظرت لبيانات التجارة الأميركية، فإن الواردات من فيتنام مثلا، والتي انتقلت إليها شركات كثيرة من الصين، زادت بشكل كبير في العامين الماضيين، ومن المؤكد أن الزيادة، بضائع بها مكونات صينية، أو هي إنتاج صيني كامل".

ووفقا لإحصاءات واشنطن الرسمية، تضاعفت صادرت البلد الآسيوي، إلى الولايات المتحدة، من 49 مليار دولار عام 2018، إلى 114 مليارا عام 2023.

لكن فيتنام، لم تكن منفذ الصينين الوحيد، باتجاه السوق الأميركية، ومنذ بداية الاشتباك الجمركي، بين واشنطن وبكين، تزايدت الاستثمارات الصينية في المكسيك، خاصة مع انضمام الأخيرة، لاتفاقية تجارة حرة، مع جارتها الشمالية.

استثمارات بالمليارات

وفي عام 2023، نشرت الحكومة المكسيكية تقريرا، يشير لتعهد بكين، باستثمارات تتعدى، 12 مليار دولار.

فيكتور غاو، محام ونائب رئيس مركز الصين للعولمة في بكين قال إن "الحكومة المكسيكية منفتحة للغاية، ما سهل جذب الاستثمارات الصينية، إضافة لذلك، ساعد كون المكسيك، جزءا من منطقة التجارة الحرة في أميركا الشمالية، ألا يقتصر الإنتاج على سوقها المحلي، بل يُصدّر للولايات المتحدة وكندا، وكذلك لكل أميركا الجنوبية".

استثمارات بكين، لم تكن أمرا جديدا، فإحصاءات الحكومة المكسيكية تشير، إلى وجود صيني ضئيل نسبيا، وصل البلاد قبل نحو 25 عاما.

وهو ما يكشفه موقع وزارة الاقتصاد المكسيكية، الذي يلفت إلى أنه "في الفترة من يناير1999، إلى يونيو 2024، تلقت المكسيك ما مجموعه 2.48 مليار دولار، كاستثمارات أجنبية مباشرة من الصين".

لكن تقارير أميركية قدرت حجم هذه الاستثمارات، بنحو خمسة مليارات دولار، ضختها بكين في المكسيك، منذ عام 2007، أي ضعف المعلن رسميا.

كيف ستؤثر عودة ترامب على العلاقة مع الصين؟ في أعقاب لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن بنظيره الصيني "شي جين-بينغ" في عاصمة البيرو قبيل انطلاق اعمال قمة العشرين، أكدت بكين أنها ستسعى جاهدة لضمان انتقال سلس في علاقاتها مع واشنطن، وأنها مستعدة للعمل مع إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.

إنريكي دوسيل بيترز، وهو أحد أبرز الاقتصاديين المكسيكيين، المؤيدين لاستثمارات الصين في بلاده، يقدر الأرقام بأعلى منذ ذلك بكثير.

ويشير بيترز وهو مدير مركز الدراسات الصينية المكسيكية "في تقريرنا، سجلنا 22 مليار دولار، من الاستثمارات الصينية في المكسيك، بين عامي 2000 و2023، في حين تسجل المصادر المكسيكية الرسمية، مليارين ونصف المليار دولار".

الفارق الكبير بين تقدير دوسيل، والأرقام الرسمية، والذي يصل لتسعة أضعاف، فسرته دراسة أممية، نشرت قبل أكثر من عشر سنوات، وأفادت بأن الكثير من الاستثمارات الصينية، تصل عبر دول وسيطة، تصنف كملاذات ضريبية.

تعد أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وجهة مهمة للاستثمار الأجنبي الصيني المباشر، والذي يتركز بشكل شبه كامل في الملاذات الضريبية، بإجمالي يبلغ 31 مليار دولار، ومع ذلك، فإن أكثر من 90 في المئة منها، تتركز في جزر كايمان وجزر العذراء البريطانية.

وقال بيترز إنه "إذا ضخ مستثمر صيني، أمواله عبر دولة ثالثة، ولتكن الولايات المتحدة، فإن المصادر الرسمية، تعتبره استثمارا أميركيا وليس صينيا، أما نحن ولأننا نعلم أنها شركة صينية، فإننا نسجلها كذلك".

كيف أخفت شركات صينية جنسية بضائعها؟ مصانع مكسكية تغزو المكسيك. أرشيفية - تعبيرية

في عام 2016، وقبل بدء الحرب التجارية، بين واشنطن وبكين، أسس الصينيون مدينة صناعية، باسم مجمع هوفوسان، في ولاية نويفو ليون المكسيكية، إلا أن انطلاقتها الفعلية، بدأت بعد حرب الرسوم الجمركية.

عشرات الشركات، قررت نقل خطوط إنتاجها، إلى المجمع، الذي لا يبعد سوى 200 كلم، عن الحدود الأميركية.

مدير منظمة كينترا للصناعيين بنويفو ليون، خوان بابلو غارسيا أكد أنه "واقع نلمسه، استثمارات جديدة، تتدفق من كل الدول، إلى نويفو ليون، وشركات موجودة في الولاية، تزيد استثماراتها، لمواكبة النمو والنشاط الاقتصادي، والتصدير شمالا، إلى الولايات المتحدة".

خبراء: الصين مركز جديد لغسيل أموال كارتلات المكسيك حذر خبراء خلال جلسة استماع بالكونغرس الأميركي من أن شبكات متنامية مختصة بتبييض الأموال في الصين باتت تغذي وباء الإدمان على المخدرات الذي أضحى أكبر قاتل لفئة الشباب في الولايات المتحدة، وفقا لما ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية.

وعندما دفعت طفرة التجارة، المكسيك، لأن تصبح أكبر مصدر للسوق الأميركية، عام 2023، أظهرت بيانات الملاحة الدولية، زيادة لافتة، في حركة الشحن البحري، من الصين، إلى البلد اللاتيني.

وتظهر بيانات منصة زينيتا لتحليل بيانات الشحن البحري أنه في يناير 2024 ارتفع نمو الطلب على واردات الشحن بالحاويات من الصين إلى المكسيك، بنسبة 60 في المئة، ما زاد الشكوك في أن المكسيك، أصبحت بابا خلفيا إلى الولايات المتحدة.

ويؤكد مدير مركز الدراسات الصينية المكسيكية، بيترز أن هذه "الشركات تطرح منتجاتها داخل المكسيك، وبعضها يدمج بضائعه في صادرات المكسيك، لأكثر من 100 دولة، ولكن 80 في المئة من صادرات المكسيك تذهب للولايات المتحدة بالطبع".

لكن خبراء صينيون، يدعون نبل الغاية من وراء هذه الاستثمارات، وقال أستاذ شؤون أميركا اللاتينية بجامعة شنغهاي الصينية، جيانغ جي شي "لا تشغل بالك بالقط، طالما أنه قادر على الإمساك بالفأر، أعني أن الاستثمار الصيني في المكسيك، مفيد للاقتصاد المحلي، والمكسيك الأكثر ازدهارا، ستختفي منها المخدرات والهجرة غير الشرعية، وهذا مفيد للولايات المتحدة".

ويرى الباحث شكري "أن الحكومة المكسيكية عليها أن تشعر بقلق بالغ، لأن الحكومة الأميركية، صارت تراقب باهتمام كبير، كل ما يرد إليها من بضائع صينية، عبر المكسيك".

وتحتكم هذه المراقبة الأميركية، إلى بنود اتفاق التجارة الحرة مع مكسيكو سيتي، وشروطه لإعفاء البضائع الواردة من الجنوب.

وذكر بيترز أن "اتفاقية التجارة الحرة، بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، تأخذ في عين الاعتبار، أن صناعة السيارات أو الحواسيب أو الشاشات، تحتاج إلى مئات المكونات، التي لا تنتجها المكسيك، فتستوردها من الخارج، وفي النهاية يقال إن هذا الحاسوب، صنع في المكسيك، فإذا كانت القيمة المضافة محليا من 50 إلى 80 في المئة، تدفع تعريفة واحدة، وإن كانت أقل، تضاف رسوم أخرى".

سلع صينية تحت المجهر الولايات المتحدة اتخذت خطوات هامة لإحياء صناعات أميركية في مواجهة الصين . تعبيرية

وتحظى سلع صينية بعينها بالاهتمام الأكبر، من جانب واشنطن، ويلفت غانتس إلى أن "الولايات المتحدة لا يساورها التخوف، بسبب الإنتاج الصيني في المكسيك عموما، ولكن ما يحظى بالاهتمام بصورة أكبر، هو السيارات الكهربائية وبطارياتها، التي قد تجمعها شركات صينية في المكسيك، وتصدرها للسوق الأميركية".

في فبراير 2024، أعلنت شركة BYD الصينية، عزمها تأسيس مصنع لإنتاج السيارات الكهربائية، في المكسيك.

جاء ذلك في وقت تهيمن فيه الصين، على سوق المركبات الكهربائية العالمية، بحسب تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس نقلا عن شركة الاستشارات والتحليل غلوبال داتا، تتفرد الصين بالمركز الأول بفارق كبير، 62 في المئة من أصل 10.4 مليون سيارة كهربائية، تم إنتاجها في جميع أنحاء العالم العام الماضي، فيما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، بحوالي مليون مركبة، أي أقل من عشرة في المئة من الإنتاج العالمي.

والعامل الحاسم وراء هذا التفوق، كان السعر، فالسيارة الصينية، تباع بنحو نصف سعر نظيرتها الأميركية.

الصين وأميركا.. توقعات باشتداد المنافسة على الذكاء الاصطناعي يتحدث الرئيس المنتخب، دونالد ترامب عن جهود لدعم التفوق الأميركي في سباق التسلح مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي.

لذلك وصف ممثلو صناعة المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة، إعلان BYD، تطورا يهدد بقاء صناعتهم.

ويقول الخبير القانوني غاو إنه "لأكثر من عشر سنوات، أظهرت الصين ثباتا، في بناء منظومات السيارات الكهربائية، وتحديدا بطارياتها، وهي متقدمة على منافسيها عالميا بخمس إلى عشر سنوات، أنت تصفها بالسيارات رخيصة الثمن، لكنك تغفل نقطة مهمة، فأسعار هذه السيارات في المتناول، ولكنها متطورة للغاية، ويمكن ربطها بسهولة بالفضاء الإلكتروني، وأنظمة الذكاء الاصطناعي".

لكن هذه التقنية، تثير مخاوف متعلقة بالأمن القومي، ويقول خبراء أميركيون إن تلك السيارات، إن دخلت السوق الأميركية، قد يكون بمقدورها، جمع صور ومعلومات من مواقع عسكرية وأمنية، إضافة إلى محطات إنتاج طاقة.

ويرى الباحث الاقتصادي شكري أنه "لا توجد ضمانة، ألا تشارك الشركات الصينية تلك المعلومات، مع حكومة بكين، التي تدعمهم ماليا، وتساعدهم على الاستثمار في الخارج، أيضا من منظور الأمن القومي، واقتصاديا كذلك، لو صنعت هذه السيارات في المكسيك، وتدفقت إلى السوق الأميركية، فهذا سيهدد مستقبل صناعة السيارات الكهربائية، في الولايات المتحدة، وخاصة كيانات مثل تسلا ولوسيد".

الالتفاف بتصدير المنتجات الحرب التجارية الأميركية الصينية. تعبيرية

وفي سبتمبر من 2024 بادرت واشنطن بخطوة وقائية وحظر البيت الأبيض استيراد السيارات الصينية، التي تقترن بأنظمة تكنولوجية خارجية، يطورها صانعوها، لدواع أمنية، ولحماية الصناعة المحلية.

وقبل ذلك بأشهر، رصدت السلطات الأميركية، تلاعبا في بضائع أخرى وصلت بالفعل، عبر المكسيك.

وقال الرئيس الأميركي، بايدن حينها "نظرا لأن الشركات الصينية تنتج كميات من الصلب، أكبر بكثير من الاحتياج المحلي، لذل فهي تغرق السوق العالمية، بكميات إضافية، وبأسعار منخفضة بشكل غير عادل، هم لا يتنافسون، بل يغشون، يغشون".

نتيجة لحرب الرسوم والتعريفات، انخفضت مبيعات الصلب الصيني للولايات المتحدة، بنحو 30 في المئة، بين عامي 2018 و2023، لكن، خلال الفترة ذاتها، سجلت صادرات الصلب الصيني للمكسيك، زيادة تقدر بـ 60 في المئة.

وفي يونيو 2024، أعلن مكتب الإحصاء الأميركي، أن 13 في المئة من الصلب الوارد من المكسيك، مصنوع خارج الجارة الجنوبية.

ملامح جديدة في العلاقة التجارية الأميركية الصينية بعد يناير المقبل العاصمة البيروفية ليما ربما قد تحتضن آخر لقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ.

ويشرح غانتس أن "معظم الصلب المستورد من خارج الولايات المتحدة وأميركا الشمالية، يخضع لرسوم جمركية، بنسبة 25 في المئة، ولو أمكن لشركة صينية، إرسال الصلب إلى المكسيك، وإعادة تصديره للسوق الأميركية، ستتجنب الرسوم الجمركية بالكامل، هذه ليست قضية تصنيع، بقدر ما هي قضية تحايل".

في واشنطن، حذر أربعة أعضاء بمجلس الشيوخ، من سوء استغلال اتفاقية التجارة الحرة، مع المكسيك، في خطاب إلى الرئيس، جو بايدن.

وقالوا في الخطاب "لقد أقر الكونغرس اتفاقية التجارة الحرة، مع المكسيك، وليس الصين، ولابد من اتخاذ إجراءات فورية، لمنع الحزب الشيوعي الصيني من استغلال اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، وتحويل هذه الاتفاقية التجارية المهمة إلى سلاح".

ماذا بعد 2026؟ الصين تستغل اتفاقية المكسيك مع الولايات المتحدة لصالحها. أرشيفية - تعبيرية

وبحلول عام 2026، ينتظر أن تراجع الدول الثلاث، الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، اتفاقية التجارة الحرة بينهم، إما بغرض التجديد، أو الإلغاء، أو اللجوء لخيار ثالث، أكثر احتمالا.

أستاذة السياسات الاقتصادية بجامعة كارلتون الأميركية، ميريديث ليلي قالت "إذا لم تتفق الدول الثلاث على تجديد الاتفاق في عام 2026، فإننا سننتقل إلى فترة من المراجعات السنوية، وفي اعتقادي، لا يوجد سبب على الإطلاق، يدفع السياسيين لتجديد الاتفاقية".

القواعد العسكرية الصينية الجديدة.. "جرس إنذار" للغرب أنفقت الصين عشرات المليارات من الدولارات لتحويل الحقول الزراعية والموانئ البحرية التجارية إلى مجمعات عسكرية لعرض القوة عبر آلاف الأميال من المحيطات التي تدعي أنها ملك لها.

ويسود توافق بين ممثلي الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، بأن استثمارات بكين في المكسيك، هي مجرد حيلة للتسلل إلى الأسواق الأميركية، عبر إخفاء بلد المنشأ الحقيقي، بين قوسين، وبغرض التهرب من دفع الرسوم المستحقة.

ولهذا يقترح أعضاء في الكونغرس، إيصاد ذلك الباب، بحظر منتجات الشركات الصينية، المصنوعة في الجارة الجنوبية، بينما يعول آخرون، على قدرة سلطات الجمارك، على ضبط أي تلاعب محتمل، حتى موعد مناقشة اتفاق التجارة الحرة، عام 2026.

ولم تتلق "الحرة" أي رد على طلبات التعليق من وزارة الاقتصاد المكسيكية، كما لم تستجب وزارة التجارة الصينية لسؤالنا عن مدى التزام الشركات الصينية، العاملة في المكسيك ببنود بلد المنشأ في اتفاقية التجارة الحرة لدول أميركا الشمالية.

مقالات مشابهة

  • علماء النفس يكشفون: سؤال مباشر وبسيط يكشف الشخص النرجسي في 20 ثانية!
  • كمين عيترون: الرواية الكاملة للكمين على لسان جندي صهيوني مشارك
  • عُمان تشارك في "المهرجان المسرحي الخليجي لذوي الإعاقة"
  • أنشيلوتي يرد على سؤال حول الصحة العقلية لمبابي!
  • مطربة تعتدي على زوجها الخليجي وتنقله إلى مصحة إدمان
  • “الصفحة الرسمية للجنة” رواية للكاتب حسن المرتضى
  • بريطانيا:نتنياهو وغالانت سيعتقلان إذا دخلا المملكة المتحدة
  • سؤال يؤرق واشنطن.. صنع في المكسيك أم الصين؟
  • مخيلة الخندريس . . رواية غير
  • سيف بن زايد يبحث سبل الارتقاء بمسيرة التعاون الأمني الخليجي