هل يدخل السودان في دوامة البلقنة؟
تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT
نشر موقع مركز البحوث التركي مقال رأي للكاتب سرهات أوراكشي سلط فيه الضوء على الوضع في السودان والتحديات التي يواجهها.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن السودان يشهد صراعًا داخليًا عنيفًا بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ نيسان/ أبريل الماضي. وقد فشلت وساطة كل من الولايات المتحدة والسعودية في إنهاء الصراع، ولم يتمكّن كل من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية من التوصل إلى حلول فعالة.
بالنظر إلى التوازن العسكري-السياسي في السودان، يوجد صورة معقدة وصعبة الحل في الواقع. فبعد 8 أشهر من محاولات الجيش قمع تمرد قوات الدعم السريع، أصبح الجيش أكثر وضوحًا في رد فعله على العقل الاستراتيجي الخفي الذي يقف وراء التمرد، وهو الإمارات العربية المتحدة.
يتحدّث مسؤولو الجيش في تصريحاتهم عن شحنات الأسلحة التي يتم تسليمها لقوات الدعم السريع عبر تشاد. كما تستخدم الجهات التي تمثل الدولة لغة تحذير صارمة تجاه الفاعلين الخارجيين الذين يفتحون المجال العسكري أو الدبلوماسي لقوات الدعم السريع، ويستقبلون زعيم قوات الدعم السريع بحفاوة.
ورغم الخسائر الاستراتيجية الكبيرة التي تكبدها الجيش، فإن أهم عامل يمكّنه من البقاء هو تفوقه الجوي. ويمكن للجيش، للأسف، الحفاظ على مواقعه بفضل القصف الذي يتسبب في خسائر في صفوف المدنيين.
مع ذلك، لم تكن الأشهر الأخيرة مشرقة للغاية بالنسبة للجيش المدعوم من مصر. بشكل عام، يمثل الوضع في غزة عقبةً مهمة بالنسبة للسودان والجيش. فمصر، التي تحيط بها الصراعات من ثلاث جهات (ليبيا-السودان-فلسطين)، بدأت في إهمال السودان لأنها ركزت انتباهها على الحدود مع غزة.
أما قوات الدعم السريع، فهي تتبع في الأيام الأخيرة مسارًا أكثر نشاطًا، فقد استولت على ولاية الجزيرة، وهي موقع عسكري هام، بينما تحافظ على تفوقها في أربع من ولايات دارفور الخمس. وفي ولاية الخرطوم، تستمر المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع. وبدأت قوات الدعم السريع في إطلاق الصواريخ من مدينة مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، إلى الجنوب والشرق.
وذكر الكاتب أنه في حال وقوع مدن مثل كسلا والسنار في أيدي قوات الدعم السريع، فإن ذلك سيجعل الحدود مع إثيوبيا غير آمنة. ويبدو أن الاستراتيجية المحتملة لقوات الدعم السريع هي السيطرة على الحدود مع إثيوبيا من أجل الحصول على الدعم اللوجستي الخارجي.
في المقابل، تُعد ولاية الجزيرة العمود الفقري لزراعة السودان واقتصاده القائم على الزراعة. وفي الولاية، التي تقع في حوض خصب، تضطر القرى إلى الاتفاق مع قوات الدعم السريع أو حتى تقديم جنود لها من أجل ضمان أمنها. وتستمر قوات الدعم السريع في ممارسة سياستها المعتادة في النهب في هذه الولاية، حيث تقوم بنهب مخازن الأغذية التابعة للأمم المتحدة والممتلكات المدنية. وكانت الولاية حتى الآن ملاذاً آمناً لمن يغادرون الخرطوم، ولكن هذا لم يعد ممكناً. كما أن سيطرة قوات الدعم السريع على الخط الممتد من دارفور إلى الجزيرة يعني ضعف اتصال الخرطوم بالمناطق الجنوبية وخروج مناطق الحدود مع إثيوبيا عن السيطرة.
وأشار الكاتب إلى أن مقاتلي قوات الدعم السريع، الذين قاموا بعمليات دموية في دارفور، ارتكبوا جرائم تطهير عرقي ضد السكان المحليين، حيث قتلوا من بقي منهم وأجبروا البقية على النزوح. وقد سيطرت قوات الدعم السريع على أربع مناطق من دارفور باستثناء الفاشر. وتحوّل المناخ إلى حسابات قبلية، مما جعل الوضع خطيرًا للغاية على المجموعات العرقية المختلفة غير العربية التي تعيش في دارفور.
العملية الدبلوماسية
في الوقت الذي كانت تجري فيه الأحداث العسكرية، اتجهت قوات الدعم السريع أيضًا إلى عملية دبلوماسية. فقد قام محمد حمدان دقلو، الذي أُقيل من منصبه الثاني في المجلس السيادي، بزيارة دول الجوار محميًا بحصانة أمنية مقدمة من الإمارات العربية المتحدة، ويعرض صورة مؤيدة للسلام. في هذا الإطار، قام قائد قوات الدعم السريع الملقب بـ "حميدتي" بجولة أفريقية واسعة شملت غانا وأوغندا وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي وجنوب أفريقيا ورواندا.
وذكر الكاتب أن هذه الجولة الدبلوماسية كانت تطورًا بالغ الأهمية بالنسبة لحميدتي، على الرغم من ماضيه الإجرامي، حيث التقى بشخصيات مهمة في القارة مثل بول كاغامه وسيريل رامافوزا لمناقشة مستقبل السودان.
وبينما كان اجتماع حميدتي-بورهان وجهًا لوجه في جيبوتي، التي تترأس حاليًا فترة رئاسة الهيئة الحكومية الدولية للتنمية، على جدول الأعمال مرة أخرى، كان من أهم محطات الجولة لقاء حميدتي مع التشكيلات المدنية السودانية في إثيوبيا. والتقى حميدتي بتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدّم) ووقّع مع رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الذي يمثل هذه المجموعات، إعلانًا في أديس أبابا.
وأشار الكاتب إلى أن الإمارات العربية المتحدة وشركاءها يقفون وراء هذه المناورات الدبلوماسية لقوات الدعم السريع. وفي السنوات الأخيرة، اعترفت إثيوبيا، التي تتعاون بشكل وثيق مع الإمارات، بأرض الصومال التي لا تتمتع باعتراف دولي، وبدأت في محاولة فتح قاعدة عسكرية في ميناء بربرة. وتصبح الصورة المعقدة أكثر تعقيدًا عند النظر إلى علاقة الإمارات مع قوات الدعم السريع وتأثيرها في السودان.
دخول البلاد في دوامة "البلقنة"
أوضح الكاتب أن البلقنة هي استعارة جيوسياسية تشير إلى تقسيم بلد إلى أجزاء صغيرة. والسيناريو الأكثر خطورة الذي ينتظر السودان في حال عدم تمكن الأطراف من تحقيق التفوق وفشل مبادرات الوساطة هو دخول البلاد في دوامة البلقان.
وفي ظل وجود هيكل إداري يسيطر عليه الجيش ومؤيّدو النظام السابق الذين يدعمونه، من شمال الخرطوم إلى سواحل البحر الأحمر وصولاً إلى الحدود المصرية، وهيكل إداري يسيطر عليه قوات الدعم السريع والعناصر المدنية التي تتفق معها، من خط دارفور إلى كردفان وجنوب الخرطوم، وهيكل إداري عرقي آخر على خط كسلا وحدود جنوب السودان، يبدو أن السودان على شفا انقسام كامل. وبعد استقلال جنوب السودان في سنة 2011، يقف السودان الآن أمام احتمالين: إما إعادة تأسيس سيادته على الأراضي المتبقية أو التعرض لبلقنة مأساوية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية السودان دارفور حميدتي السودان دارفور الجيش السوداني حميدتي البرهان صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع الحدود مع
إقرأ أيضاً:
النازيون السمر.. الدعم السريع وهولوكوست التوحش في السودان
تُحيي منظمات الأمم المتحدة والضمير العالمي، في 27 يناير من كل عام، ذكرى ضحايا الهولوكوست، وتؤكد مجددا التزامها القاطع بمكافحة معاداة السامية والعنصرية وسائر أشكال التعصب التي من شأنها إثارة العنف ضد جماعات مستهدفة، ولكنها ـ في خضم التجاهل الدولي لما يجري في السودان حالياً ـ قد تتناسي نازيين من السمر الجدد في السودان يختلفون لوناً ولكنهم يمارسون كل أنواع العنف والتوحش ويُعمِلون كل وسائل الاستبداد والتوسع الإجرامي المحمي دون عقاب أو رادع في مواجهة فئات كبيرة من شعب أعزل.
مثلت حروب الدعم السريع منذ أبريل 2023، تحدياً وجودياً للسودان الدولة وهددت كيانها المضطرب الذي لا يكاد يطفي نيران حرب داخلية حتى تشتعل أعواد ثقاب حرب جديدة مختلفة الدوافع والأجندات.
جاءت حروب الدعم السريع مختلفة نمطاً وحيث صممت لتُخاض حرباً داخل المدن وبين السكان المدنيين الذين أتخذتهم دروعاً لحربها المقدسة متحدية كل أخلاقيات الحروب؛ حيث تتجاوز مواجهة أماكن الجيش والقوات الأمنية ـ كطرف ـ إلى الاستهداف المتعمد لكافة المواطنين في سلوكٍ لم يسبق له مثيل حتى الحرب التي دارت رحاها لعقود وتحديداً بين 1983 و2005 بين الحركة الشعبية المتمردة الرئيسية في الجنوب ـ آنذاك ـ التي كان غالبية جنودها مسيحيون ولادينيون، بمقارنتها بقوات (أي الدعم السريع) تدين بالإسلام وتدعو إلى العروبة والبحث عن الديمقراطية لكن تحت شلالات الدم والدموع والآلام والمآسي.
النازيون السمر الجد
ينظر النازيون إلى العالم أنه مقسم إلى أجناس متنافسة يناضل كل منهم من أجل البقاء والهيمنة ويعتقدون أن الخصائص الفطرية الموروثة بيولوجيا تحدد السلوك البشري، كما يذهب مذهبهم العنصري إلى أن الدم من يحدد الهوية القومية العرقية.
وتأسيساً على ذلك، تتطابق خطاب الدعم السريع معهم تجنيداً وتحشيداً وكشف عن سعي مبكر رغم دعاوي الخطاب المخادع عن الانتقال الديمقراطي لبناء دولته علي أساس إثني ضيق جداً (دولة العطاوة) وهي دعاوى تماهى معها قيادات المجتمع الأهلي التي تنتمي إلى "الجنيديين" القادمين من محطات مختلفة. وكذلك استدعي إليها، المناصرون من المهاجرين من دول الساحل والصحراء في تشاد والنيجر ومالي وأفريقيا الوسطي حيث ازدهت تلك المجموعات بالانتصارات الأولى وجبال "الغنائم" المخواة غصباً من عرق جبين السودانيين وكدهم وتعبهم لعشرات السنين مما استفزّ المشاعر الإنسانية والوطنية الجريحة وطعن كريم المعتقدات والأخلاق في مقتل.
الغيتو والإفقار الممنهج
"الغيتو" هو إسم الحي اليهودي والتي أجبرت السلطات اليهود علي العيش فيه واعتبرته منطقة مغلقة خاصة بطائفة وأجبرتهم علي العيش في ظروف قاسية وفصلْهم عنصرياً ووضعهم تحت المراقبة في انتظار الحل النهائي؛ والذي هو برنامج للقتل والتدمير المنظم ورميهم في حفرة كبيرة بعد رميهم بالرصاص أو ترحيلهم عبر القطارات إلى مراكز القتل حيث يلقون حتفهم الأخير بلا وداع عبر وحدات القتل المتنقلة ويتم استدعاؤهم إلى الموقع وإجبارهم علي خلع ثيابهم وإرغامهم علي الدخول إلى الوادي وحفر مقابر جماعية فكانت مذبحة كليس التي أدت إلى هجرة كل اليهود من ألمانيا هروباً من المذابح وغيرها من الأحوال والفظائع.
كأنما كانت قوات الدعم السريع تقرأ من كتاب تاريخ ممارسات الهولوكوست وتوزعه إلى جنودها المتوحشين؛ إذ كانت تهاجم القرى وتقوم بإغلاق طرقها لعدم مغادرتها، وأن يرغم سكانها قسرياً على القيام بدفع تكاليف إدارة مناطقهم ودعم هذه القوات بالمال والشباب، إضافة إلى معاناة هائلة للسكان والعقاب الجماعي..وكأنما كانت قوات الدعم السريع تقرأ من كتاب تاريخ ممارسات الهولوكوست وتوزعه إلى جنودها المتوحشين؛ إذ كانت تهاجم القرى وتقوم بإغلاق طرقها لعدم مغادرتها، وأن يرغم سكانها قسرياً على القيام بدفع تكاليف إدارة مناطقهم ودعم هذه القوات بالمال والشباب، إضافة إلى معاناة هائلة للسكان والعقاب الجماعي: من الجوع ونقص الغذاء والرعاية الصحية وانقطاع الاتصالات وخدمات الكهرباء لفترة تجاوزت العام في جل مناطق البلاد التي تأثرت بالحرب.
إضافة إلى ذلك، وفي خضم تلك السياسات النازية، بدأت المليشيا المتمردة بإفقار القرى ونهب ممتلكات المواطنين واستهدفت الممتلكات الخاصة ودمجتها في أهدافها العسكرية وخططها الميدانية لجذب واستقطاب المقاتلين عبر الإغراء بـ "التغنيم"، أي وعدهم بالغنائم التي يحصلون عليها كحافز في حد ذاته! حيث نهبت كل شيء ووسمت أسواق المنهوبات بأسم قائدهم (أسواق دقلو) الذي يمثل وصمة عار لا مدعاة للفخر. ونتيجة لذلك، انتشرت في كل دول الساحل، كما تمددت عمليات النهب المنظم والواسع النطاق، لتطال الرأسمالية الوطنية والبنوك والمصانع والمستشفيات ومن ثم إضرام النيران فيها بعد نهبها مما جعلها أفرغ من فؤاد أم موسى!
علاوة على ذلك، لم تسلم البنى التحتية ـ التي شُيدت عبر تراكم الحقب المختلفة وبقروض لاتزال تثقل كاهل السودانيين ـ فدمرتها. هذا ما يجعل المواطنين ـ ممن كُتبت لهم النجاة من القتل والسحل الذي يمارسه جنود الدعم السريع علي امتداد رقعة سيطرتهم ـ أمام بدايات جديدة من الكد والجهد في سبيل تأمين مصادر الرزق وإعادة بناء سبل العيش، إذ حولت سياسات المليشيا الإجرامية كافة المؤسسات والأعيان المدنية إلى مدن للأشباح. فالمأساة أن الغالبية العظمى من سكانها قد أجبروا على الفرار والنزوح فنُهبت ودُمرت تلك المؤسسات والأعيان. ولم يعجز عناصر وقادة المليشيات بعد على ما يبدوـ وتندراً وسخرية ـ من العثور في هذه الأماكن المدنية علي الديمقراطية أو فوق جماجم البسطاء التي توحشت في البطش والتنكيل بهم.
الهولوكست المتوحش
فما أكثر المناصرين من القوى المدنية الذين خدعتهم لافتات الدعم السريع البراقة من قبل هذه القوات التي ولغت في أنهار من الدماء واستباحت القرى النائية الوادعة والمدن الآمنة والتنكيل بالمواطنين وطلب الفدية مقابل إطلاق سراح الرهان والمحتجزين مستهينة بالقانون الدولي غير آبهة بذلك موثقة جرائمها بنفسها كما لاتخشي العقاب أو العواقب كأنما تمتلك رخصة للقتل المجاني؛ فلجأت هذه المليشيا إلى سياسة الأرض المحروقة في محاولة لكسر عزيمة السودانيين فلطخت أياديها بمزيد من الدماء المسفوحة علي الطرقات وأطراف القرى الوادعة فارتفعت أعداد الضحايا بالآلاف ومثلهم من الجرحى والمفقودين والمختطفين والمخفيين قسرياً في مأساة إنسانية ذكرت السودانيين بحملات الدفتردار الانتقامية الذي ثار لمقتل الخديوي إسماعيل باشا وحملات خليفة المهدي عبدالله التعايشي لتأديب الرافضين لحكمه وعسفه في فترة الدولة المهدية، والتي مارستها ذات قبائل العطاوة كأنما التاريخ يعيد نفسه بعد قرن من الزمن..
ويزيد في إعادة جارحة للمآسي والتي تهدد وتنسف كل دعاوى التعايش بين المجموعات الإثنية في السودان وأسقطت هذه المليشيا كل مشروعات مناصريها السياسين من مجموعة (تقدم) والقوى المدنية التي تحالفت معها بهدف تجميل صورتها ولكنها عجزت عن ذلك رغم خطاب قائد القوت بالخطة (ب) والتي ترجمتها قواته إلى المزيد من التوحش في الإيغال في طرد كل السكان والتنكيل بهم في عقاب جماعي وعنف مفرط واستخدمت ذات وسائل النازيين في التهجير القسري للأفراد والمجتمعات والطرد والترحيل وإطلاق النار عشوائياً في مذابح جماعية باستخدام الأسلحة الثقيلة مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إلى إدانة هذه الجرائم والتبرؤ منها، وعبروا عن صدمتهم من الجرائم الوحشية الفظيعة في حق المدنيين.
لا تحتفظ القوات بسجلات رسمية للمعتقلين أو المخفيين قسرياً والتي يختلط في سجونها العسكريون والمدنيون والأطفال والنساء وتستخدم إدارة المحتشدات سلاح التجويع مما جعل السجون مسارح للأشباح التي مات الكثيرون منهم بمضاعفات الجوع وخرج البعض منهم هياكل عظيمة تجسد وخشية وبشاعة جرائم النازيين السمر والتي تجعل من "غولاقها" ثقباً أسود يبتلع الآلاف من الضحايا الأبرياء.وفي هذا الإطار، برز إسم عمر شارون الذي يلقب نفسه بـ "شارون" قائداً لعمليات السحل والقتل الميداني وقاهراً لرموز المجتمعات الريفية في مناطق شمال الجزيرة مؤخراً.
معسكرات وسجون الأشباح
أقام النازيون في ألمانيا معسكرات اعتقال أو (دولاج) باللغة الألمانية في جميع مناطق سيطرتهم وجرى توسيع المعسكرات لاستيعاب السجناء السياسيين ومعارضي النظام وأعدائه، حيث بلغت ٤٤٠٠ سجناً مستخدمين الاحتجاز القسري والاعتقال على أساس الهوية الإثنية أو الدينية وسميت بمحتشدات الإبادة حيث كان نزلاؤها يحشدون مع بعضهم البعض ليتوفى الآلاف منهم بالإجهاد والجوع والبرد والمرض.
بالمقارنة، فقد طابقت مواصفات معسكرات الإبادة والاعتقال معسكرات وأقبية سجون الدعم السريع، حيث تنتشر مئات مراكز الاحتجاز غير المعروفة وسياسياتها أكثر تطرفاً من النازيين، فجمع الآلاف من المدنيين والعسكريين في مراكز اعتقال وسجون بعضها مقار عسكرية وبعضها مباني حكومية وبعضها منازل في أحياء سكنية تعاني من انعدام التهوية ودرجات الرطوبة العالية وانعدام الخدمات الأساسية وافتقاد أصحاب الأمراض إلى الرعاية الطبية اللازمة، مما أدى لانتشار الأمراض بسبب ضيق المساحات وانتقلت الفيروسات بين السجناء الذين تم إخضاعهم لنظام استجواب قاسي من صعق بالكهرباء وإطفاء أعقاب السجاير عليهم وتعليقهم من الأرجل ووجود مشانق في بعض المراكز مما أدى إلى وفيات لا حصر لها.
والأدهى من كل ذلك، لا تحتفظ القوات بسجلات رسمية للمعتقلين أو المخفيين قسرياً والتي يختلط في سجونها العسكريون والمدنيون والأطفال والنساء وتستخدم إدارة المحتشدات سلاح التجويع مما جعل السجون مسارح للأشباح التي مات الكثيرون منهم بمضاعفات الجوع وخرج البعض منهم هياكل عظيمة تجسد وخشية وبشاعة جرائم النازيين السمر والتي تجعل من "غولاقها" ثقباً أسود يبتلع الآلاف من الضحايا الأبرياء.
وفي ظل كل هذا التجاهل المتعمد والتواطؤ الفاضح، لا يزال العالم يتفرج على نازيين جدد أسميناهم هنا بالنازيين السمر، وهم يرتكبون كل يوم يمر منذ أبريل 2023، أهوالاً وفظائع ستظل محفورة في ذاكرة ضحاياهم كسلاح يرفعونه ضدهم ما داموا أحياءً أو أمواتا.