جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-31@00:57:08 GMT

فرص إدانة إسرائيل وتداعياتها

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

فرص إدانة إسرائيل وتداعياتها

 

 

مرتضى بن حسن بن علي

 

نلسون مانديلا، والحائز على جائزة نوبل للسلام، مناضلٌ عظيمٌ من جنوب إفريقيا عاش حياة صعبة؛ إذ حُكم عليه بالسجن مدى الحياة وقضى 27 عامًا فيه قبل أن يُطلق سراحه ليكون رئيسًا لبلده، وكان رفيقًا لجمال عبدالناصر بالفكر، لأن الاثنين لم يلتقيا في الحياة، وفي خطبة له في جامعة القاهرة أثناء تكريمه له ذكر "إنِّه كان لديه موعد تأخر ربع قرن مع رجل رفع رأسه من بعيد لكي يراه، ثم حالت ظروف قاهرة بينه وبين لقياه، وحين جاء إلى مصر فقد كان من سوء حظه أن جمال عبد الناصر لم يعد هناك".

جنوب أفريقيا لم تنس مشاعر الدعم لنضالها ضد التمييز العنصري من البلدان العربية ومنها مصر والعراق وسوريا والجزائر، ولذلك لابُد من توجيه شكر خاص لجنوب إفريقيا بسبب رفعها دعوة لمحاكمة إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وسيسجل التاريخ موقفها بأحرف من نور. واستمرار إسرائيل في ارتكاب الجرائم المختلفة هو إحساسها بأنها "دولة" فوق القانون"، بسبب التخاذل الغربي، وعدم اتخاذه أية خطوات عملية لمحاسبتها وإلزامها بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي وإمدادها بشتّى أنواع الأسلحة الفتّاكة والدعم السياسي والمالي والاقتصادي والاستخباراتي.

تجد إسرائيل نفسها اليوم أمام معضلة قانونية ضخمة، بسبب رفع جنوب إفريقيا دعوة لمحاكمتها بتهمة ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية وما قد ينجم عنها من عواقب عديدة في حالة إدانتها، علامات القلق واضحة على مسؤوليها خوفًا من إدانتها. ولحين البت في القضية، طلبت جنوب إفريقيا من المحكمة الدولية، إصدار أمر مؤقت عاجل لإسرائيل بتعليق فوري لعملياتها العسكرية في غزة.

لكن ما هي فرص قيام المحكمة الدولية بإصدار قرار إدانة إسرائيل بطريقة صريحة لا لبس فيها ولا غموض ولا يمكن تأويله؟

بعض وسائل الإعلام العالمية تتحدث عن وجود ضغوط قوية خلف الكواليس على قضاة المحكمة تصل إلى حد التهديدات الصريحة ضدهم إذا أدانوا إسرائيل. الإدانة تضع الغرب في مأزق، لأن الغرب يسلح إسرائيل ويقدم كل أنواع الدعم لها ويمنع صدور أي قرار لوقف إطلاق النار، ولذلك فإن الغرب سيستخدم نفوذه لمنع صدور حكم قاطع ضد إسرائيل لأنه سيحمله المشاركة في الإبادة الجماعية، علما بأنه ذاته الذي يمطرنا بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

رئيسة محكمة العدل الدولية هي القاضية الأمريكية "جوان دونوغيو"، الموظفة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، وقد تتعرض إلى ضغوط قوية من الخارجية الأمريكية لاستخدام نفوذها لصالح إسرائيل ومعارضة إدانتها.

الأكاديمي الإسرائيلي " فينكلشتاين" أوضح في مداخلة له عبر قناة الجزيرة أنه يعتقد أن ضغوطًا قوية ستُمارس على كل عضو من طرف دولته، ومن اللوبيات اليهودية رغم أن مصداقية المحكمة وقضاتها سوف تتأثر إذا لم يصدر حكم واضح ضد إسرائيل. ولذلك فربما ستقوم المحكمة بإصدار حكم مليء بعبارات مطاطية مثل "دعوة إسرائيل إلى بذل كل الجهود لحماية المدنيين" أو "بوقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن" أو "بذل جهود إضافية لإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة".

هذه الأحكام مطاطية، وتتمكن كل جهة تفسيرها بطريقتها الخاصة.

المحكمة الجنائية الدولية ومنذ عام 2009، رفضت إصدار أحكام بخصوص القضايا المرفوعة ضد إسرائيل، وفي ظل ثلاثة مدعين عامين مختلفين، ومنذ ذلك التاريخ، تلطخت أيدي المحكمة الجنائية الدولية بدماء جميع الفلسطينيين الذين قتلوا بالرصاص الإسرائيلي.

صدور قرار يتلاعب بالكلمات، يعطي المجال لكل جهة بتفسيره حسب مصلحتها، مثلما حصل لقرار مجلس الأمن الدولي المشهور رقم 242 الذي تم اعتماده بعد حرب حزيران 1967. ولاطلاع القارئ حول ذلك القرار، فقد وردت عبارة واحدة في القرار حوّله من «حل» إلى "مشكلة" وهي «انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضٍ احتلت" بدلاً من استعمال عبارة " الانسحاب من الأراضي المحتلة". والعبارة انطوت على أهداف بعيدة المدى لإعفاء إسرائيل من الانسحاب من "كل الأراضي المحتلة" وليس أراضي محتلة، ومنحها هامشاً للمناورة في أية مفاوضات مع الفلسطينيين والعرب، أو في أية تحرّكات دبلوماسية دولية.

في كتابه «مكان تحت الشمس» الذي صدر عام 1993، ذكر بنيامين نتانياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي) أن «إسرائيل» نفّذت فعلاً القسم الأكبر من القرار، عبر انسحابها من شبه جزيرة سيناء، وهي ضعفا مساحة فلسطين كاملة.

أداة التعريف المكونة من ثلاثة حروف "the"  (أل التعريف) توازي على الأرض كل أراضي فلسطين، طالما أن التفسير متروك لإسرائيل والغرب، وإسرائيل تعتبر أن حدودها تنتهي حيث يقف آخر جندي إسرائيلي. وإسرائيل في «وثيقة الاستقلال»، لا تُلزم نفسها بأية حدود، أي أن فلسطين والمنطقة بين نهري النيل الفرات (شيك على بياض) بالنسبة لها.

وسيكون مشروعًا التساؤل عمّا سيحصل إذا كسبت جنوب إفريقيا الدعوى التي رفعتها ضد إسرائيل؟

المحامي الأمريكي البارز في مجال حقوق الإنسان "فرانسيس بويل" الذي ساهم في إعداد لائحة الاتهام ضد الرئيس الصربي السابق (سلوبودان ميلوسيفيتش) المتهم بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في سربرنيتسا، يعتقد بوجود احتمال كبير بأن تكسب جنوب إفريقيا دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها ضد إسرائيل. وأكد فرانسيس بويل خلال مقابلة مع وكالة "الأناضول" التركية عن اعتقاده بأن جنوب أفريقيا ستكسب الدعوى القضائية ويضيف: صدور قرار بإدانة إسرائيل سيكون له عواقب وخيمة للغاية عليها، لأن العالم سيعرف أنها ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.

وتتهم جنوب إفريقيا إسرائيل بأنها تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 وتمارس الإبادة الجماعية الذي يستوجب المعاقبة حسب تلك الاتفاقية.

فما هي السيناريوهات المختلفة التي يمكن أن تنشأ إذا صدر قرار لا يمكن تأويله يدين  إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية؟

أحد التداعيات المحتملة هو توجه جنوب إفريقيا إلى مجلس الأمن الدولي لتنفيذ القرار وتعليق مشاركة إسرائيل في أنشطة الأمم المتحدة، والملاحقة القضائية، والعقوبات الاقتصادية إضافة إلى توجهها إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين أمامها، مؤديًا ذلك إلى الإضرار بمكانة إسرائيل الدولية، وخلق رأي عام دولي مناهض لها والمقاطعة الدولية وفرض عقوبات عسكرية واقتصادية عليها. ويقول المحامي الأمريكي فرانسيس بول إن "إسرائيل تدرك أن أي قرار من المحكمة الدولية ضدها سيسبب لها جروحا خطيرة لا تندمل". ويضيف: "إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن متواطئة بالتأكيد في الإبادة الجماعية الصهيونية ضد الفلسطينيين، وتساعد وتحرض على ذلك، وهذا يتعارض مع قانون تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية الذي أصدرته الحكومة الأمريكية"، وأنه "قد تم فعلا رفع دعوى قضائية ضد إدارة الرئيس بايدن في الولايات المتحدة بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية، وهذه القضية الآن في المحاكم الأمريكية".

ومن جهة أخرى، أعلن معهد "ديمقراطية إسرائيل" أن اتهامات جنوب أفريقيا تمثل تحديا كبيرا لإسرائيل، وتتعامل تل أبيب معها بجدية، وتستثمر موارد قانونية ومالية كثيرة. كما أشار المعهد "ان الدعوات التي تطلقها شخصيات عامة اسرائيلية من وقت لآخر يمكن تفسيرها حرفيا على أنها دعوات للإبادة الجماعية. وأوضح أن "خسارة القضية يمكن أن تضع إسرائيل في موقف إشكالي للغاية على الساحة الدولية" وأن الخسارة ستكون مثل "كرة ثلج خطيرة"، محذرا أن "أعداء إسرائيل سيستغلونها بالتأكيد في وسائل الإعلام المختلفة والجامعات لخلق رأي عام مناهض لاسرائيل".

كما أن صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية ذكرت أنه على الرغم من أن محكمة العدل لا تتمتع بصلاحيات تنفيذية، إلّا أن "إجراء مثل الأمر بوقف الحرب فورًا، من شأنه أن يُثبت أن إسرائيل ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية، مما يتسبب في عزلتها ومقاطعتها وفرض عقوبات عليها وعلى شركاتها". واعتبرت الصحيفة أن إدانة إسرائيل يمكن أن تؤثر حتى على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن "الداعم لتل أبيب في عدوانها على غزة إلى درجة أنها قد تقيد مبيعات أنظمة الأسلحة لإسرائيل".

إسرائيل تخشى من أنها سوف تواجه- في حالة إدانتها- تداعيات عديدة من ضمنها: الإضرار بمكانتها الدولية، وخلق رأي عام دولي مناهض لها، وزيادة المقاطعة الدولية لها، والامتناع عن تزويدها بالأسلحة، وفرض عقوبات سياسية وعسكرية واقتصادية، والنظر إليها كدولة منبوذة.

إسرائيل تجد نفسها لأول مرة في تاريخها في قفص الاتهام بتهمة الإبادة الجماعية، وهذه المحاكمة مثلما قال السفير البريطاني السابق في أوزبكستان كريج موراي إن "إسرائيل لا تواجه المحاكمة وحدها؛ بل في الواقع فإنَّ المحكمة الدولية أيضًا أمام المُحاكَمَة".

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مقرر أممي: إسرائيل خلفت دمارا في القطاع لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية

قال المقرر الأممي المعني بالحق في السكن بالاكريشنان راجاجوبال، إن إسرائيل بارتكابها إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، "خلفت دمارا في القطاع لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية".

وأشار راجاجوبال في تصريح صحفي، اليوم الخميس 30 يناير 2025، إلى أن الدمار في قطاع غزة "غير مسبوق من حيث نطاقه ووحشيته وتأثيره الهائل على الفلسطينيين الذين يعيشون هناك".

ولفت إلى تدمير الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 80% من المنازل في غزة بالكامل، و"هو ما لا يشبه ما حدث عندما جرى تدمير مدينة دريسدن الألمانية".

وأوضح أن فلسطينيي غزة يواجهون تحديات ضخمة، مثل إنقاذ الأشياء الثمينة بين الأنقاض، وإزالة الحطام وإعادة بناء حياتهم.

وأكد أن "الأولوية في غزة الآن هي تقديم المساعدات الإنسانية حتى يتمكن الناس من العيش عند عودتهم"، وشدد على الحاجة الملحة للوصول إلى المأوى في غزة.

وذكر أنه عقب إقامة الفلسطينيين بغزة خيامهم ومنازلهم بفضل المساعدات، يجب وضع خطط إعادة الإعمار موضع التنفيذ.

وشدد على ضرورة إزالة الركام في غزة أولا، في ظل خطورة وجود ذخائر غير منفجرة.

وقال المقرر الأممي إن "ما حدث في غزة هو إبادة جماعية حقيقية لأنه يخلق ظروفا تجعل الحياة مستحيلة وتجعل غزة غير صالحة للسكن".

وأضاف: "إذا جعلت منطقة أو مكانا غير صالح للسكن للأشخاص الذين يعيشون فيه، فهذا في الواقع عمل من أعمال الإبادة الجماعية".

وشدد على أن وجود اتفاق لوقف إطلاق النار "لا يعني أن الإبادة الجماعية قد توقفت".

وأردف: "الإبادة الجماعية تستمر طالما أن غزة غير صالحة للعيش لشعبها، وطالما أن هناك ظروفا قد تؤدي إلى القضاء على الشعب الفلسطيني بالكامل أو جزء منه".

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين صحة غزة تنشر أحدث إحصائية لأعداد شهداء العدوان الأونروا: مضطرون لنقل موظفينا من القدس بعد دخول قرار إغلاق مكاتبنا حيز التنفيذ كتائب القسام تنعى 5 من عناصرها بالضفة الأكثر قراءة قصة الإسراء والمعراج بالتفصيل pdf بدءا من الأحد المقبل - الإعلام الحكومي بغزة يُفصّل آلية عودة النازحين استشهاد مواطنيْن باستهداف مدفعي إسرائيلي غرب رفح "تعرّض لاعتداء جسدي".. استشهاد أسير فلسطيني في سجون الاحتلال عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • رويترز: المحكمة الجنائية الدولية تطالب إيطاليا بتفسير إعادة نجيم إلى ليبيا
  • مقرر أممي: إسرائيل خلفت دمارا بغزة لم نره منذ الحرب العالمية الثانية
  • الرئيس الكولومبي يرد على ترامب: سأعتذر لو كنت مشاركا في الإبادة الجماعية بغزة
  • مقرر أممي: إسرائيل خلفت دمارا في القطاع لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية
  • بعد وصول ترامب للرئاسة.. مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية
  • عاجل| واشنطن بوست: يتوقع أن يبدأ مجلس الشيوخ الأمريكي اليوم التصويت على فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية
  • إسرائيل.. الاحتماء بالإبادة
  • رئيس «الدولية لدعم فلسطين»: الرئيس السيسي له موقف حاسم في إفشال مخططات تهجير الفلسطينيين
  • المحكمة الجنائية الدولية تطالب السودان بتسليم البشير
  • رئيسا جنوب إفريقيا ورواندا يبحثان تطورات الأوضاع في شرق الكونغو الديمقراطية