تتنقل الحاجّة انتصار في سوق الخضار بمدينة رفح تستفسر عن أسعار الخضار والبقوليات، تقول لقد عدت بخفي حنين فلم أستطع شراء متطلبات الخيمة الضرورية، الأسعار خيالية جدًا، لا يستطيع الشراء سوى من يمتلك المال فما بالك بنا نحن الذين نزحنا من بيوتنا من شمال قطاع غزة منذ أكثر من 100 يوم دون أن نجلب شيئًا فاضطررنا لشراء الكثير من المستلزمات الضرورية بصعوبة وبأسعار مضاعفه كالأغطية والفراش وبعض أدوات وأواني المطبخ، الحياة قاسية جدا ولقد زاد البرد القارس من صعوبتها علينا وعلى أطفالنا الصغار الذين يعانون من أوضاع صحية ومعيشية بسبب الأمراض التنفسية المنتشرة منذ أن وطأت أقدامنا مدينة رفح، طوال الليل نستمع لسعال الأطفال والنساء والشيوخ الذي يصل إلينا من الخيام المجاورة، أما عن الأدوية فالصيدليات جميعها شبه فارغة ولا يوجد بها حتى المسكنات، العيادات الحكومية والأهلية والمستشفيات عاجزة عن توفير احتياجات المرضي بسبب الازدحام الشديد في هذه المدينة المكتظة بالنازحين، أما عن العيادات التابعة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الأونروا فهي تستقبل أعدادًا محددة ولا يتوفر فيها العلاج الكافي أيضًا.

استطردت قائلة حياتنا أصبحت جحيم وهي عبارة عن طوابير للمياه، والعلاج، والدقيق، الحمام الطوابير تطول يومًا بعد يوم ولا أُفقَ لحل قضيتنا وعودتنا لبيوتنا.

لم يختلف رأي الشاب حاتم عن رأي الحاجّة انتصار وقد أضاف إلى أن المساعدات الإنسانية التي تصل مدينة رفح تُباع بالأسواق بأسعار جنونية دون أن توزع على النازحين خصوصًا بعد أن أعلن المستودع التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا عن إيقاف تسجيل النازحين قسرًا القادمين إليه منذ منتصف شهر ديسمبر 2023 م، أي في الفترة التي تم فيها نزوح أهالي محافظة خانيونس إلى المنطقة التي ادعى فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنها آمنة.

آلاف العائلات التي نزحت من منطقة خانيونس ومنطقة الوسطي(ديرالبلح، المغازي، البريج، النصيرات والزوايدة ) يعانون من انعدام المساعدات الإنسانية والمواد التموينية والإغاثية وحتى العلاج. ثم تسائل كيف تقطع السلعة من القاهرة إلى معبر رفح 500 كيلو بسعرها القديم. وعندما تقطع 3 كيلو فقط بعد المعبر يزيد ثمنها أضعاف مضاعفة ؟

أين الرقابة ؟ أين دور حكومة أرض الواقع؟ أين وزارة الاقتصاد؟ هل الحرب تبرر كل هذا الاستغلال والجشع المحلي من قبل الباعة المتجولين والتجار؟ لماذا تختفي بعض السلع الأساسية ثم تعود بعد أيام بأسعار جنونية ؟ ماذا يفعل الناس، ومن أين يأتون بالمال ليسدوا طمع التجار؟

ثم استطرد قائلًا "أنا على يقين أن بعض تجار الحروب المتكرشين. يدعون الله ليل نهار ألا تتوقف الحرب حتى لا تتوقف صنابير الأموال التي تصب في جيوبهم من دماء الغلابة".

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بدوره قال: إن مناطق مدينة غزة وشمال القطاع تواجه مأساة مروعة ناتجة عن الشح الكارثي في مصادر المياه الصالحة الشرب، ومنع وصولها، بما يمثل حكمًا بالإعدام الفعلي، ما يشكل جريمة حرب، بالإضافة إلى كونه شكلًا من أشكال الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" ضد على السكان المدنيين في القطاع منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي.

العطش يغزو مناطق مدينة غزة وشمالها بشكل صادم بسبب قطع إمدادات المياه عن قطاع غزة والقصف "الإسرائيلي" المنهجي والمتعمد لآبار ومصادر المياه، إلى جانب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات تحويل وتوزيع المياه.

لقد فشلت سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة فشلًا ذريعًا في تسعير السلع والحاجيات الأساسية وضبط الأسواق منذ اليوم الأول للحرب، وحماية المدنيين العزل وممتلكاتهم. رغم أن وزارة الاقتصاد الوطني التابعة للحكومة في محافظة رفح قد أعلنت أكثر من مرة عن آليات جديدة لضبط الأسعار في الأسواق منعًا للاحتكار والاستغلال لكن هذا لم يطبق على أرض الواقع. في حين اعترف برنامج الأغذية العالمي بأن: 9 من كل 10 فلسطينيين في شمال غزة يتناولون أقل من وجبة واحدة في اليوم.

أما مسؤول إعلام مكتب اليونيسف للشرق الأوسط وشمال إفريقيا "سليم عويس" فقد صرح أن: "الأطفال في قطاع غزة يواجهون خطر الموت بسبب نقص المياه والغذاء"

أما الكاتب فايز أبو شمالة فقد كتب تغريدة على منصة التواصل الاجتماعي كان نصها كالتالي "رفح أكبر سجن على وجه الأرض أوجدته إسرائيل بهدف ترويع الناس، وتجويعهم، انتقامًا من فعل المقاومة"

لم يكن هذا حال مدينة رفح وحدها إنما امتد الغلاء إلى كافة محافظات غزة الخمس ومخيماتها الثمانية، لقد وصلت أسعار السلع ولا سيما الأساسية منها لأرقام فلكية جراء عدم إدخال المساعدات الإنسانية بالشكل المطلوب لمدينة غزة وشمال القطاع للشهر الرابع على التوالي، حتى جاوزت أسعار السلع الأساسية أسعارها المعروفة بأضعاف مضاعفة ومنها على سبيل المثال، سعر كيلو دقيق القمح خمس دولارات، والبقوليات تجاوزت الثلاث دولارات للكيلو الواحد، فيما غابت العديد من الخضروات والفواكه عن المشهد منذ بداية الحرب حتى تم استيرادها قبل أيام حتى وصل التفاح وتجاوز الست دولارات للكيلو الواحد، أما سعر كيلو اللحم الطازج للعجول فقدر بنحو 20 دولارًا، والمجمد لنحو 10 دولارات، فيما تجاوز سعر أنبوبة غاز الطهي وزن 12 كيلو حاجز ال100 دولار إن وجدت.

إن الغلاء الفاحش في أسعار السلع والمواد الغذائية والتي طالت السلع الأساسية والتي يقودها تجار الحروب واللصوص وتتحمل مسؤوليتها الأولى قوات الاحتلال الإسرائيلية التي صنعت الفلتان الأمني وتحاول بكافة الطرق العمل على دفع النازحين لخلق ثورة جياع داخل غزة وتحاول أيضًا أن تضع العراقيل أمام إدخال المساعدات الإنسانية التي تعتبر نقطة في بحر من احتياج القطاع، وكذلك تتحمل سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة التي فشلت في تسعير السلع والحاجيات الأساسية وضبط الأسواق، وحماية المدنيين العزل وممتلكاتهم.

وبحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فإن عدد سكان مدينة رفح الأصلي يقدر بحوالي 300 ألف نسمة في مساحة 55 كيلو متر مربع. فيما أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا أن عدد النازحين في مراكز إيواء وكالة الغوث وصل إلى 713 ألف نسمة، أما عدد النازحين فبلغ في الساحات والشوارع بلغ ب 268 ألف نسمة.

بمعنى يوجد في مدينة رفح الآن ما يقارب 1.900.000 نسمة ومع دخول اليوم ال 100 للحرب فقد أعلن المفوض العام لوكالة الأونروا أن "السماح بدخول المساعدات الإغاثية لن يكون كافيا لإيقاف المجاعة في قطاع غزة".

وزارة الصحة في غزة صرحت بأنه لا زال هناك عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم فيما ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 23.968 شهيد و 60.582 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي وأن الإبادة الجماعية جعلت واحدًا من بين عشرين فلسطينيًا في قطاع غزة، إما شهيدًا أو جريحًا أو مفقودًا.

لقد وصلت الأوضاع الحياتية والمعيشية والإنسانية والصحية في قطاع غزه إلى ذروتها، فيما زالت جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي مستمرة ومتواصلة، ورغم ازدواجية المعايير والصمت الدوليين، ورغم غياب العدالة، وهي تشاهد حجم الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين العزل والتي تصل لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية دون أن تحرك ساكنًا.

آن الأوان أن تقف شعوب ودول العالم الحر وتقوم باتخاذ خطوات فاعلة وقادرة على وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة من خلال تطبيق القوانين والمواثيق والتشريعات الأممية التي تضمن حماية المدنيين الفلسطينيين.

د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة فی قطاع غزة مدینة رفح

إقرأ أيضاً:

الذهب يلامس أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع مع صعود الدولار

الذهب يلامس أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع مع صعود الدولار

مقالات مشابهة

  • «الإغاثة الطبية»: الوضع الصحي بغزة في تدهور مستمر
  • باريس سان جيرمان يسعى إلى تجاوز جراحه الأوروبية في الدوري الفرنسي
  • الذهب يلامس أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع مع صعود الدولار
  • مسؤول أممي يروي ما رآه شمال قطاع غزة: "لا يصلح لحياة البشر"
  • انتحار شاب في صنعاء بسبب وضعه المعيشي الصعب وعجز أسرته عن توفير قيمة علاجه
  • مع اقتراب الشتاء.. "الأغذية العالمي" يحذر من مجاعة في قطاع غزة
  • رئيس مدينة بني مزار يتابع سير العمل بمنافذ بيع السلع المخفضة بحي شرق
  • الأمم المتحدة: مستويات تردي الوضع الإنساني الآن في لبنان تجاوز شدة حرب 2006
  • الوضع كارثي بالمستشفيات.. 32 يومًا وجرائم الإبادة والحصار لا تتوقف شمالي القطاع
  • ترامب: سيكون لدينا 4 سنوات من النمو مقارنة بالسنوات السابقة التي شهدت فشلا وركودا