قلم مانديلا.. وسيف اليمن لنجدة فلسطين
تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT
حمد بن سالم العلوي
أتعلمون لماذا جنوب أفريقيا هي من عرف الطريق إلى محاكمة إسرائيل في محكمة العدل الدولية؟ أولًا؛ لأنَّ الزعيم الراحل نيلسون مانديلا كان يقول: إن تحرُّر جنوب أفريقيا من الفصل العنصري، يُعد تحررًا ناقصًا طالما ظلّت فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني، وثانيًا؛ لأنَّ الفصل العنصري قد بدأ عام 1948م وهو نفس العام الذي سلمت فيه بريطانيا فلسطين للعصابات الصهيونية، هذا من حيث الالتزام بالمبدأ.
أما من حيث المشاعر، فإنَّ جنوب أفريقيا قاست من ويلات الفصل العنصري، والسجن والظلم على الشعب في جنوب أفريقيا وزعمائها، وهناك حكمة تقول: "لا يشعر بالشيء شعورًا قويًا إلا من يجربه" إذن؛ فجنوب أفريقيا قد جربت وذاقت الأمرين من المحتل الغربي (بريطانيا)؛ فقد أذاقوا الأفارقة الذل والمهانة، وكافة ضروب القسوة والتنكيل بالسكان الأصليين، ولو أنهم استطاعوا إبادتهم كما فعلوا مع الهنود الحمر في القارة الأمريكية، لما ترددوا لحظة واحدة، ولكن وجدوا أنفسهم وسط بحر متلاطم من الأفارقة، فعندئذ صعب عليهم أمر القيام بالإبادة الجماعية، وحتى الزعيم نيلسون مانديلا لم يستطيعوا التخلص منه، وذلك بمقادير ربانية ليُرينا الله فيهم ملكوته وحكمته وقدرته في تسيير الأمور، فأبقوه في السجن الانفرادي على مدى 27 عامًا، وأُفرِج عنه في 1990م. وفي عام 1994م انتخب رئيسًا لجنوب أفريقيا، وهذا تقدير من الله وحكمة منه لخلقه، بأنه هو المسير لهذا الكون، يحكم بما يريد، ولا دخل للظالمين في ذلك.
المقاطعة الدولية كان لها الأثر الكبير في خلاص جنوب أفريقيا من الفصل العنصري؛ حيث ضاق الخناق على الطُغاة، وتحت ضغط قرارات الأمم المتحدة التي لم يكن مسيطراً عليها أمريكيًا كما هو الحال مع إسرائيل، فقد خرج الزعيم مانديلا من السجن نتيجة لتضافر الجهود الدولية، ورغم أنف بريطانيا "الصغرى" التي هيأت نفسها لقهر شعوب العالم وإذلالهم، ونهب ثروات البلدان بضعف وفرقة منهم، وذلك نتيجة لنهجها المعروف "فرق تسد" وقوتها الغاشمة الغادرة.
جنوب أفريقيا- إذن- بإقدامها على رفع الشكوى أمام المحكمة الدولية ضد إسرائيل، لاقترافها إبادة جماعية، وتطهيرا عرقيا في غزة مع سبق الإصرار والتصميم، تفعل ذلك أولًا لرد الجميل للدول العربية التي ساندتها في شدتها، وكان العرب حين ذاك عربًا غير مدجنين كما هو حالهم اليوم. وثانيًا؛ جنوب أفريقيا تمثل جانب الحياد الدولي اليوم، وهي تنطلق من موقعها ومكانتها الدولية، فهي الأمضى بهذه الشكوى، وهي لن تحاكم إسرائيل وحدها، وإنما تحاكم العالم أجمع، هذا العالم الذي يزعم أنه يحمي حقوق الإنسان، وينشر الديموقراطية والحرية حول العالم، فاتضح كذبه ومزاعمه بأنه مجرد بهرجة إعلامية لا أساس لها من الصحة، فالغرب الذي تتزعمه أمريكا، ورغم أنهم يسمون العرب بالأصدقاء، وأنهم يحمونهم من الأعداء؛ بل يحمون مصالحهم بالسيطرة على الثروات العربية، والحقيقة كانوا يحاصرون العرب ليمنعوهم من الذهاب إلى غيرهم، وذلك عندما يجدون مصالحهم مع روسيا والصين، ولكن عندما يأتي الأمر لإقامة الحق والعدل، فإنه لا حق ولا عدل للعرب في حضور بني صهيون.
إنَّ مجرد صدور حكم المحكمة الدولية، بإدانة الكيان الصهيوني المحمي من عصابة البيت الأبيض، سيمثل إنجازًا كبيرًا سيعوَّل عليه الكثير حول العالم، حتى وإن رفضت إسرائيل الانصياع للحكم، أو تصدّت له أمريكا في الأمم المتحدة، وهذا متوقع في زمن الطغيان، والظلم والاستبداد والاستكبار الأمريكي، فعندئذٍ الصورة التي صورت بها إسرائيل من أنها البلد الوحيد المُتحضِّر والديمقراطي في المنطقة، وأنها الحمل الوديع الذي يريد أن يُلقي به العرب في البحر، فسوف يخالف هذا الحكم كل الذي رَسَخَ في عقول وأذهان الغرب وعلى مدى 75 عامًا مضت، وأن العالم يتغير اليوم، وذلك بعدما بدأت تصله أنصاف الحقائق والمعلومات، وبدأ يُغيِّر مواقفه من إسرائيل، بدليل المظاهرات التي سيطرت على معظم بلدان العالم، فما بال إن صدر الحكم بإدانة إسرائيل بالإبادة الجماعية والتهجير القسري والفصل العنصري، ومنع الماء والغذاء والدواء عن شعب أعزل محتل من قبل إسرائيل نفسها، لا شك أن شعوب العالم ستقف إلى جانب حكم المحكمة الدولية، وفي صالح تحرر دولة فلسطين.
لقد عرّت ثورة السابع من أكتوبر كذب إنسانية حكومات العالم، وعلى رأسها الدول العربية والإسلامية، وأظهرت هشاشة هذه الحكومات التي لم تستطع أن تدخل الماء والغذاء لشعب غزة البطل، الذي ظل في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو يسير في الشهر الرابع من الحرب، وهو في معركة شرسة ليس مع العصابات الصهيونية وحدها، وإنما مع أعتى القتلة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ومن يقبل أن تكون فلسطين هي الثور الأبيض، فإنَّه بعد الثور الأبيض سيأتي الدور على الأسود!
لقد ظلت اليمن غير ملوثة عقولهم، وقد أعتقد بعض العرب أن اليمن الفقير في المال، لكنه غني في كل شيء، فهو شهم لا يعتدي وصبور لا يجزع، وصاحب عقل مبدع، ويعفو عند المقدرة، لكنه لا يغدر ومع ذلك لا يتنازل عن حق، والثأر عنده أمر مقدس.
وليس أدل على ذلك إلاّ أنهم أغلقوا فعلًا ميناء أم الرشراش الفلسطينية (إيلات) وأصبح مهجورًا، وقد تقدَّم قراصنة البحار الأمريكان، وأبناء عمومتهم من القراصنة البريطانيين لنجدة الكيان الصهيوني، فوصلوا إلى محيط السواحل اليمنية من جهة البحر الأحمر، وبدأوا قصف اليمن، بما تيسر لهم من قوة غاشمة، فظنوا بذلك أنهم سيرهبون الشعب اليمني، لكي ينفض عن قيادته، فأتاهم الرد بمسيرات مليونية، تزحف في شوارع صنعاء، وكانت طائرات العدوان تحلق فوق رؤوسهم، مرددين عبارة واحدة "والله لا نبالي" أنَّ الأعداء في نشوة كبرى على أنهم قد ردعوا اليمن، ولكن لم يطِل اليمنيون الانتظار، فهاجموا سفينة حاويات أمريكية في خليج عدن، وطائرات الأعداء تنسج خيوط الجبروت والشّر في الأجواء اليمانية، طبعًا هذه البداية ولن تكون النهاية، فالثأر اليمني مبيت ضد أمريكا وبريطانيا، وقد يهرب الطغاة قبل أن تسكن بوارجهم الحربية في قاع البحر الأحمر بإذن لله.
اليمن السعيد انتزع الزعامة العربية، بقوة وبجدارة، وهي له من قديم الزمان منذ أن كان يحكم الأرض نبي الله سليمان بن داود عليهما سلام الله، وذلك في أرض فلسطين بالشام، وكانت تحكم اليمن الملكة بلقيس ملكة مملكة "سبأ" ولكن اليمانيين كانوا يغضون الطرف عن حقهم في الزعامة، طالما ظل هناك من يستحق الزعامة، ويُعطيها حقها ويذود عنها، أما اليوم وقد خلت الساحة من الزعامات العربية، وقد دَجّن الغرب القادة العرب، ففصلوا لهم ملبوسا يليق بالخونة والمتخاذلين، لكي يكونوا في خدمة إسرائيل، وتوجيههم ليكونوا نصلة خنجر في قلب الدين الإسلامي الحنيف؛ فبدل البعض دين الله بأديان أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.
إذن؛ الملك سيف ابن ذي يزن اليماني، يمتشق اليوم سيف الحرب والعزة والكرامة، وينزل الساحة ليسترد ما فرط فيه بعض العرب، وتنازلوا عنه بحجة الخوف من الأمن والجوع والديون، وقد أمسوا في شتات وهلع غير مسبوقين، وأصبح الخوف من أمريكا والغرب، أولى من الخوف من الله العزيز القهار، فحق لليمن السعيد قيادة الأمة العربية، واسترداد الكرامة العربية دون منازعة من أحد..
الله أكبر والنصر من عند لله يؤتيه لعباده المخلصين، وإنه لجهاد.. نصر أو استشهاد.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل لا تزال فلسطين قضية العرب الأولى؟
منذ أكثر من مائة عام، وتحديدًا، بإعلان بريطانيا من خلال وزير خارجيتها أرثر جيمس بلفور فـي ٢ نوفمبر ١٩١٧م تأييد إنشاء وطن قومي لليهود فـي فلسطين، وما تلى ذلك من قيام بريطانيا والدول الغربية والحركة الصهيونية بترحيل مئات الآلاف من اليهود من أوروبا الشرقية وغيرها من الدول إلى فلسطين، لتغيير الطبيعة الديموغرافـية لفلسطين العربية، وصولًا إلى إعلان قيام الكيان الصهيوني أو ما يسمى دولة إسرائيل فـي ١٤ مايو ١٩٤٨م، بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، والقضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، والتي خاضت خلالها عدد من الدول العربية عدة حروب لإعادة الأرض لأصحابها، وهي مغروسة فـي وجدان كل عربي كقضية عادلة لشعب عربي شقيق تم احتلال أرضه وقتل وترحيل أبنائه عن أرضهم، من خلال مؤامرة دولية كبرى. وانضمّت لهذا الصراع، عن قناعة أو أقله من باب التعاطف، العديد من دول وشعوب العالم المناصرة للعدل والسلام والرافضة للظلم والطغيان. ولكن، مع مرور الوقت وبالرغم أن القضية الفلسطينية لا تزال القضية الأولى للشعوب العربية، التي ولدت وعاشت وهي ترى حجم القتل والتنكيل فـي أشقائها الفلسطينيين، إلا أن النظام العربي الرسمي الذي بدأ تأطيره، منذ إنشاء جامعة الدول العربية فـي ٢٢ مارس ١٩٤٥م، من خلال الدول السبع المؤسسة، والتي وصلت لاحقًا إلى ٢٢ دولة عربية، يعيش مأزقًا وجوديًا فـي الوقت الراهن بسبب غياب أولوية الأمن الجماعي العربي وتباين المواقف فـي التحديات والقضايا المشتركة بين دول النظام الرسمي العربي، من خلال هواجس أمنية متعارضة وأولويات مختلفة مع الدول الأخرى فـي هذا النظام الرسمي. ونتيجة لذلك، أصبحت القضية الفلسطينية التي توحد حولها النظام الرسمي العربي لعقود طوال خارج اهتمام بعض الدول العربية، من خلال قيام البعض منها بإبرام معاهدات سلام واتفاقيات تحالف أمني وعسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأول والداعم الأكبر للكيان الصهيوني، وكذا الأمر مع عدد من الدول الغربية. ومع تعمق الهيمنة الأمريكية والإقليمية والانقسامات الطائفـية وتسارع حركة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ظهر التحول الأكثر خطورة فـي هذا الشأن وهو تحول العديد من الأنظمة السياسية العربية من كونها طرفًا رئيسيًا فـي الصراع مع الكيان الصهيوني إلى علاقة صداقة مع هذا الكيان وأقصى ما يمكنها القيام به هو لعب دور الوسيط. وبمرور ما يقارب ٤٠٠ يوم من المجازر اليومية التي يقوم بها الكيان الصهيوني المجرم فـي حق المواطنين المدنيين العزّل فـي غزة وتدمير البنية الأساسية وقصف المستشفـيات على رؤوس المرضى والأطباء والأطقم الطبية المساعدة وهيئات الإغاثة وكان آخرها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وهي جميعها مشمولة بالحماية القانونية الدولية بموجب اتفاقيات جنيف الأربع لعام ١٩٤٩م وبروتوكولاتها الإضافـية لعام ١٩٧٧م، يستمر النظام الرسمي العربي التعاطي مع هذا المشهد الإجرامي بصمت وخذلان لم تمر به الأمة العربية من قبل. فبالرغم من حالة التعاطف العالمي -غير المسبوق- مع قضية الشعب الفلسطيني العادلة، وخروج معظم شعوب العالم فـي مظاهرات احتجاج وتنديد واسعة النطاق بجرائم الكيان الصهيوني، يعم معظم دول العالم العربي على المستوى الرسمي والشعبي منها، صمت القبور، تجاه حرب الإبادة هذه، فـي حالة من اللامبالاة لا يوجد لها تفسير، بالمخالفة لتعاليم الشريعة الإسلامية الغراء وثقافة وقيم وأخلاق الأمة العربية، التي تحرص على نصرة المظلوم ونجدة الملهوف أيا كان دينه أو مذهبه أو عرقه. الأمر الذي شجع الكيان الصهيوني على الاستمرار فـي ارتكاب هذه الجرائم والمجازر، علمًا بأن واقع المقاومة فـي غزة أثبت أن هذا الكيان الصهيوني أضعف مما كان يتصور البعض. ولولا دعم الولايات المتحدة والدول الغربية الفاعلة لكان للمقاومة الفلسطينية قول آخر. لقد أكدت أحداث غزة أن بعض الحكومات العربية لم تعد قضية فلسطين هي القضية المحورية أو المركزية بالنسبة لها، وهذا ما أكدته مواقفها وردود أفعالها تجاه ما يحدث. وأعتقد أن هذا الأمر سيكون له ما بعده، فـي علاقة هذه الأنظمة بشعوبها، التي تعد القضية الفلسطينية قضية وجدانية بالنسبة لها. وفـي ضوء هذا التخاذل المريب، يكون الأمن القومي العربي، قد خرج من التاريخ، ولا أعتقد أن عودته قريبة. |