جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-27@16:01:48 GMT

قلم مانديلا.. وسيف اليمن لنجدة فلسطين

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

قلم مانديلا.. وسيف اليمن لنجدة فلسطين

 

حمد بن سالم العلوي

أتعلمون لماذا جنوب أفريقيا هي من عرف الطريق إلى محاكمة إسرائيل في محكمة العدل الدولية؟ أولًا؛ لأنَّ الزعيم الراحل نيلسون مانديلا كان يقول: إن تحرُّر جنوب أفريقيا من الفصل العنصري، يُعد تحررًا ناقصًا طالما ظلّت فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني، وثانيًا؛ لأنَّ الفصل العنصري قد بدأ عام 1948م وهو نفس العام الذي سلمت فيه بريطانيا فلسطين للعصابات الصهيونية، هذا من حيث الالتزام بالمبدأ.

أما من حيث المشاعر، فإنَّ جنوب أفريقيا قاست من ويلات الفصل العنصري، والسجن والظلم على الشعب في جنوب أفريقيا وزعمائها، وهناك حكمة تقول: "لا يشعر بالشيء شعورًا قويًا إلا من يجربه" إذن؛ فجنوب أفريقيا قد جربت وذاقت الأمرين من المحتل الغربي (بريطانيا)؛ فقد أذاقوا الأفارقة الذل والمهانة، وكافة ضروب القسوة والتنكيل بالسكان الأصليين، ولو أنهم استطاعوا إبادتهم كما فعلوا مع الهنود الحمر في القارة الأمريكية، لما ترددوا لحظة واحدة، ولكن وجدوا أنفسهم وسط بحر متلاطم من الأفارقة، فعندئذ صعب عليهم أمر القيام بالإبادة الجماعية، وحتى الزعيم نيلسون مانديلا لم يستطيعوا التخلص منه، وذلك بمقادير ربانية ليُرينا الله فيهم ملكوته وحكمته وقدرته في تسيير الأمور، فأبقوه في السجن الانفرادي على مدى 27 عامًا، وأُفرِج عنه في 1990م. وفي عام 1994م انتخب رئيسًا لجنوب أفريقيا، وهذا تقدير من الله وحكمة منه لخلقه، بأنه هو المسير لهذا الكون، يحكم بما يريد، ولا دخل للظالمين في ذلك.

المقاطعة الدولية كان لها الأثر الكبير في خلاص جنوب أفريقيا من الفصل العنصري؛ حيث ضاق الخناق على الطُغاة، وتحت ضغط قرارات الأمم المتحدة التي لم يكن مسيطراً عليها أمريكيًا كما هو الحال مع إسرائيل، فقد خرج الزعيم مانديلا من السجن نتيجة لتضافر الجهود الدولية، ورغم أنف بريطانيا "الصغرى" التي هيأت نفسها لقهر شعوب العالم وإذلالهم، ونهب ثروات البلدان بضعف وفرقة منهم، وذلك نتيجة لنهجها المعروف "فرق تسد" وقوتها الغاشمة الغادرة.

جنوب أفريقيا- إذن- بإقدامها على رفع الشكوى أمام المحكمة الدولية ضد إسرائيل، لاقترافها إبادة جماعية، وتطهيرا عرقيا في غزة مع سبق الإصرار والتصميم، تفعل ذلك أولًا لرد الجميل للدول العربية التي ساندتها في شدتها، وكان العرب حين ذاك عربًا غير مدجنين كما هو حالهم اليوم. وثانيًا؛ جنوب أفريقيا تمثل جانب الحياد الدولي اليوم، وهي تنطلق من موقعها ومكانتها الدولية، فهي الأمضى بهذه الشكوى، وهي لن تحاكم إسرائيل وحدها، وإنما تحاكم العالم أجمع، هذا العالم الذي يزعم أنه يحمي حقوق الإنسان، وينشر الديموقراطية والحرية حول العالم، فاتضح كذبه ومزاعمه بأنه مجرد بهرجة إعلامية لا أساس لها من الصحة، فالغرب الذي تتزعمه أمريكا، ورغم أنهم يسمون العرب بالأصدقاء، وأنهم يحمونهم من الأعداء؛ بل يحمون مصالحهم بالسيطرة على الثروات العربية، والحقيقة كانوا يحاصرون العرب ليمنعوهم من الذهاب إلى غيرهم، وذلك عندما يجدون مصالحهم مع روسيا والصين، ولكن عندما يأتي الأمر لإقامة الحق والعدل، فإنه لا حق ولا عدل للعرب في حضور بني صهيون.

إنَّ مجرد صدور حكم المحكمة الدولية، بإدانة الكيان الصهيوني المحمي من عصابة البيت الأبيض، سيمثل إنجازًا كبيرًا سيعوَّل عليه الكثير حول العالم، حتى وإن رفضت إسرائيل الانصياع للحكم، أو تصدّت له أمريكا في الأمم المتحدة، وهذا متوقع في زمن الطغيان، والظلم والاستبداد والاستكبار الأمريكي، فعندئذٍ الصورة التي صورت بها إسرائيل من أنها البلد الوحيد المُتحضِّر والديمقراطي في المنطقة، وأنها الحمل الوديع الذي يريد أن يُلقي به العرب في البحر، فسوف يخالف هذا الحكم كل الذي رَسَخَ في عقول وأذهان الغرب وعلى مدى 75 عامًا مضت، وأن العالم يتغير اليوم، وذلك بعدما بدأت تصله أنصاف الحقائق والمعلومات، وبدأ يُغيِّر مواقفه من إسرائيل، بدليل المظاهرات التي سيطرت على معظم بلدان العالم، فما بال إن صدر الحكم بإدانة إسرائيل بالإبادة الجماعية والتهجير القسري والفصل العنصري، ومنع الماء والغذاء والدواء عن شعب أعزل محتل من قبل إسرائيل نفسها، لا شك أن شعوب العالم ستقف إلى جانب حكم المحكمة الدولية، وفي صالح تحرر دولة فلسطين.

لقد عرّت ثورة السابع من أكتوبر كذب إنسانية حكومات العالم، وعلى رأسها الدول العربية والإسلامية، وأظهرت هشاشة هذه الحكومات التي لم تستطع أن تدخل الماء والغذاء لشعب غزة البطل، الذي ظل في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو يسير في الشهر الرابع من الحرب، وهو في معركة شرسة ليس مع العصابات الصهيونية وحدها، وإنما مع أعتى القتلة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ومن يقبل أن تكون فلسطين هي الثور الأبيض، فإنَّه بعد الثور الأبيض سيأتي الدور على الأسود!

لقد ظلت اليمن غير ملوثة عقولهم، وقد أعتقد بعض العرب أن اليمن الفقير في المال، لكنه غني في كل شيء، فهو شهم لا يعتدي وصبور لا يجزع، وصاحب عقل مبدع، ويعفو عند المقدرة، لكنه لا يغدر ومع ذلك لا يتنازل عن حق، والثأر عنده أمر مقدس.

وليس أدل على ذلك إلاّ أنهم أغلقوا فعلًا ميناء أم الرشراش الفلسطينية (إيلات) وأصبح مهجورًا، وقد تقدَّم قراصنة البحار الأمريكان، وأبناء عمومتهم من القراصنة البريطانيين لنجدة الكيان الصهيوني، فوصلوا إلى محيط السواحل اليمنية من جهة البحر الأحمر، وبدأوا قصف اليمن، بما تيسر لهم من قوة غاشمة، فظنوا بذلك أنهم سيرهبون الشعب اليمني، لكي ينفض عن قيادته، فأتاهم الرد بمسيرات مليونية، تزحف في شوارع صنعاء، وكانت طائرات العدوان تحلق فوق رؤوسهم، مرددين عبارة واحدة "والله لا نبالي" أنَّ الأعداء في نشوة كبرى على أنهم قد ردعوا اليمن، ولكن لم يطِل اليمنيون الانتظار، فهاجموا سفينة حاويات أمريكية في خليج عدن، وطائرات الأعداء تنسج خيوط الجبروت والشّر في الأجواء اليمانية، طبعًا هذه البداية ولن تكون النهاية، فالثأر اليمني مبيت ضد أمريكا وبريطانيا، وقد يهرب الطغاة قبل أن تسكن بوارجهم الحربية في قاع البحر الأحمر بإذن لله.

اليمن السعيد انتزع الزعامة العربية، بقوة وبجدارة، وهي له من قديم الزمان منذ أن كان يحكم الأرض نبي الله سليمان بن داود عليهما سلام الله، وذلك في أرض فلسطين بالشام، وكانت تحكم اليمن الملكة بلقيس ملكة مملكة "سبأ" ولكن اليمانيين كانوا يغضون الطرف عن حقهم في الزعامة، طالما ظل هناك من يستحق الزعامة، ويُعطيها حقها ويذود عنها، أما اليوم وقد خلت الساحة من الزعامات العربية، وقد دَجّن الغرب القادة العرب، ففصلوا لهم ملبوسا يليق بالخونة والمتخاذلين، لكي يكونوا في خدمة إسرائيل، وتوجيههم ليكونوا نصلة خنجر في قلب الدين الإسلامي الحنيف؛ فبدل البعض دين الله بأديان أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.

إذن؛ الملك سيف ابن ذي يزن اليماني، يمتشق اليوم سيف الحرب والعزة والكرامة، وينزل الساحة ليسترد ما فرط فيه بعض العرب، وتنازلوا عنه بحجة الخوف من الأمن والجوع والديون، وقد أمسوا في شتات وهلع غير مسبوقين، وأصبح الخوف من أمريكا والغرب، أولى من الخوف من الله العزيز القهار، فحق لليمن السعيد قيادة الأمة العربية، واسترداد الكرامة العربية دون منازعة من أحد..

الله أكبر والنصر من عند لله يؤتيه لعباده المخلصين، وإنه لجهاد.. نصر أو استشهاد.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الجنائية الدولية تفضح أمريكا وتضع العرب في اختبار عملي

 

 

شكل قرار المحكمة الجنائية الدولية القاضي بإصدار مذكرة اعتقال بحق مجرمَي الحرب الصهيونيين، نتنياهو وغالانت، سابقةً مهمة في التعاطي مع كيان، اعتاد أن يكون فوق القانون هو وراعيه الرئيسي المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن كان لافتاً أن الذي قدم الدعوة وتابعها بلد غير عربي، وأن الترحيب العربي بالقرار كان خافتاً ومقتصراً على عدة بلدان لا تتخطى عدد أصابع اليد الواحدة!.
هذا القرار لم يرحب به رسمياً من العرب سوى لبنان والعراق والجزائر والأردن، ولم تتعهد الدول التي أقامت علاقات رسمية وتطبيعاً مع الكيان مثل مصر والمغرب والإمارات والبحرين بتنفيذ القرار لو قام نتنياهو أو غالانت بزيارات محتملة بسبب وجود علاقات، رغم تعهد الاتحاد الأوروبي وعدة دول غربية بتنفيذ المذكرة.
وقد أظهرت تعليقات مجرمي الحرب، نتنياهو وغالانت على القرار مدى استخفافهما بالقانون الدولي والشرعية والعدالة والمجتمع الدولي برمته، ومدى احتقارهما واستهانتهما بالرأي العام وبالعقول وبالعرب، ما يشي أن وصف غالانت للفلسطينيين بالحيوانات البشرية، لم يكن سقطة أو زلة لسان، بل قناعة حقيقية لدى الكيان وقادته.
وهنا، لا بد من قراءة عدة دلالات لردود الأفعال الصهيونية والأمريكية:
ا- وصف نتنياهو لقرار المحكمة الجنائية الدولية بأنه “يوم أسود في تاريخ الشعوب”، معتبرًا أن المحكمة التي أُنشئت للدفاع عن الإنسانية “تحولت إلى عدو لها”، يعكس منطقاً مستهيناً بالشعوب التي خرجت لرفض حرب الإبادة وللتعاطف مع القضية الفلسطينية، وهو حصر للشعوب في القلة القليلة التي تواطأت مع الصهاينة، وهو ما يستدعي تحركات شعبية ولا سيما عربية، لمناصرة قرار المحكمة وإبراز النزية التي يتعاطى بها رئيس وزراء الكيان.
كما أن تصريح نتنياهو حول عدم اعتراف “إسرائيل” بقرار المحكمة، هو مروق صريح عن قرارات دولية شرعية، يستدعي عقوبات دولية من الدول الأعضاء بالمحكمة، ولا بد من الدفع السياسي تجاهها، وخاصة من العرب الذين وجهوا الدعوة مراراً وتكراراً للمجتمع الدولي للتحرك لوقف الحرب، وهو اختبار عملي للعرب جميعاً، إذا ما أحسنّا النوايا واعتبرنا أن مواقفهم الباهتة مجرد عجز، وبالتالي جاءتهم فرصة، ولا بد من الضغط لجعلها استحقاقاً وتكليفاً.
2- تعليق غالانت على قرار المحكمة بالقول، إن “العالم سيتذكر قرار محكمة لاهاي الذي يضع “دولة إسرائيل” وقادة حماس القتلة بنفس المكانة”، هو كشف لعوار التخلي عن المقاومة وأنها حق شرعي يكفله القانون الدولي وأن حركات المقاومة هي حركات شرعية طالما هناك احتلال، ولكن سنوات السلام المزعوم والتفريط الرسمي بخيار المقاومة الشرعي، شجع أمثال غالانت على التبجح بهكذا منطق فاجر ومخادع.
3- أثبت رد الفعل الصهيوني لجميع الفرقاء الصهاينة أنهم بمختلف تمايزاتهم مجرمو حرب، حيث اتحد الائتلاف الحاكم والمعارضة على رفض الحكم إدراجه في خانة معاداة السامية، وهو ما يؤكد المؤكد، من أنهم جميعاً قتلة ولا رهان على حكومة دون أخرى أو قائد دون آخر، إذ يحلو لبعض المطبعين أن يحصر جرائم الحرب بشخص نتنياهو، وهو ما أثبت رد الفعل الصهيوني من نتنياهو وغالانت والرئيس الصهيوني ورئيس الكنيست وغانتس وزعيم “المعارضة” لابيد، بطلانه إذ تبيَّن أن جميع هؤلاء يقفون الموقف المجرم ذاته، وأنهم متفقون على الإبادة، وأن خلافاتهم هي مجرد مكايدات سياسية وصراع على الحكم.
4- أثبتت أمريكا أنها مجرد بوق للخداع والتضليل عند الحديث عن الديمقراطية والشرعية الدولية، فهي لا تعترف بمحاكم دولية تختص بجرائم الحرب والإبادة الجماعية، لأنها أكبر مجرم حرب في التاريخ، وتشجع الكيان على الرفض والاستهزاء بها، بل وتهدد المحكمة بعقوبات.
وجدير بالذكر أنه خلال مفاوضات نظام روما، حاولت الكثير من الدول جعل المحكمة الجنائية الدولية ذات سلطة عالمية، لكن هذا الاقتراح فشل بسبب معارضة الولايات المتحدة.
والخلاصة، أن محكمة دولية أصدرت حكماً يقضي بأن قادة الكيان مجرمو حرب، وهو حكم تاريخي سيظل شاهداً على حقبة مارس فيها الكيان أبشع جرائم الحرب، وظلت فيها المقاومة صامدة تقاتل منفردة هذا الكيان والمتواطئين معه بالدعم والحماية أو بالصمت، وأن أميركا هي الراعي الرسمي للإرهاب والتي أصدرت مؤخراً فيتو لوقف الحرب، منفردة عن جميع أعضاء مجلس الأمن، رغم ادعائها الوساطة وادعائها السخيف المكشوف، بأنها منزعجة لكارثية الأوضاع الإنسانية في غزة!

مقالات مشابهة

  • سمو ولي العهد يتلقى رسالة من رئيس جنوب أفريقيا
  • «العربية لحقوق الإنسان» تدعو للانضمام الجماعي لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل
  • قبل الهدنة.. إسرائيل و"حزب الله" يتبادلان القصف
  • سمو ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جمهورية جنوب أفريقيا
  • ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جنوب أفريقيا
  • غارات جنوب وشرق لبنان وحزب الله يعلن قصف إسرائيل بـ350 صاروخا
  • اتحاد المؤرخين العرب يعقد مؤتمره السنوي 31 بعنوان "فلسطين عبر العصور"
  • رئيس البرلمان العربي: الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم 
  • رئيس البرلمان العربي: الجامعة العربية رمز وحدة العرب
  • الجنائية الدولية تفضح أمريكا وتضع العرب في اختبار عملي