عربي21:
2024-09-19@18:55:42 GMT

أين اختفى الشعب التونسي؟

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

كان الحديث عن فلسطين يوفر لنا دوما مهربا من الانكباب على همومنا القُطرية، وكان يوفر لنا دوما فرصة بطولات وهمية نعوض بها خيباتنا في أقطارنا، وحتى معركة الطوفان كانت لنا مهربا مارسنا فيه محبتنا لفلسطين وتخفّينا بها عن سؤال ممض عن مصير الثورة التونسية التي أوهمتنا بتغيير العالم ففرحنا بالوهم وروّجناه.

ويوم الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير مرت ذكرى الثورة الثالثة عشرة بلا بهرجة ولا احتفاليات، سوى مظاهرة حزينة كررت شعارات الثورة ولم يبلغ صداها الشوارع المجاورة لشارع الثورة الذي استعاد اسمه القديم لتختفي كلمة الثورة من القاموس.

وصار لزاما طرح السؤال عن مصير الشعب التونسي الذي اختفى من المشهد العام كأنه لم يعد شعبا ولم ينجز ثورة؛ فأين اختفى الشعب العظيم الذي أوشك أن يغير العالم ثم عاد إلى صورته قبل الثورة، جماعة بشرية بائسة ويائسة وتلتفت على جنبيها إذا عنَّ لها الحديث في الشأن العام؟

الشفاء من حب تونس حتى حين
في تونس قوم يقفون مع السيسي وهو يغلق المعبر ويخجلون أن يسموا المقاومة باسمها الحقيقي، وهذا الموقف في جوهره موقف محدد طبقا للوضع الداخلي، ومنه يمكن أن نفهم سبب فشل الثورة التونسية التي كان لها شرف إدخال حكومة عربية إلى غزة ذات حرب من حروبها الكثيرة
يمكن للفلسطيني أن يشفى من الاحتلال بسلاحه ويمكنه أن يشفى أيضا من مرض حبه لتونس ويطمئن الشاعر أن تونس تخلت عنه في معركته الفاصلة. يبدو أنه كان حبا من جانب واحد؛ حديث التونسي النخبوي هذه الأيام عن فلسطين نفاق بيِّن، ففي تونس قوم يقفون مع السيسي وهو يغلق المعبر ويخجلون أن يسموا المقاومة باسمها الحقيقي، وهذا الموقف في جوهره موقف محدد طبقا للوضع الداخلي، ومنه يمكن أن نفهم سبب فشل الثورة التونسية التي كان لها شرف إدخال حكومة عربية إلى غزة ذات حرب من حروبها الكثيرة.

اسم المقاومة يخفي في الخلفية حماس والجهاد، وهما فصيلان مصنفان في الإسلام السياسي، أي أنهما في العمق يسيران في خط سياسي ونضالي مقاوم أسسه الإخوان المسلمون منذ ما قبل النكبة (دون غوص في التفاصيل)، وأي نصر يحققه هذا التيار في أي مكان يرفضه كل من عادى الإخوان باسم الحداثة أو التقدمية أو اليسارية والقومية، وأي نصر في غزة يصب في مصلحة هذا التيار في كل قُطر عربي على المدى المتوسط والبعيد، لذلك تحدد المواقف على هذا الأساس. ولم يكن ممكنا لكثيرين تجاهل المقاومة، لكنهم ينافقونها تحت اسم المقاومة نفسه.

الموقف من المقاومة (بخلفيتها الاسلامية) مصدره الموقف من الديمقراطية في تونس (ونقيس على مصر خاصة والمغرب والجزائر بالتبعية).. إذا نجحت الديمقراطية وفّرت مكانا آمنا للإسلاميين في كل قُطر، فإذا أمنوا شاركوا وحكموا وضيّقوا على ملاك السلطة الذين أسقطتهم الثورة، وهنا نعثر على مفتاح القراءة الأهم: لا يجب أن تنجح الثورة حتى لا ينجح الإسلاميون ولا ينالوا حقا من بلدانهم (مهما كان ضئيلا)، ولا يجب أن تنتصر المقاومة فيفوز الإسلاميون بفخر التحرير. هنا نفهم أين اختفى الشعب التونسي.

إذا نجحت الديمقراطية وفّرت مكانا آمنا للإسلاميين في كل قُطر، فإذا أمنوا شاركوا وحكموا وضيّقوا على ملاك السلطة الذين أسقطتهم الثورة، وهنا نعثر على مفتاح القراءة الأهم: لا يجب أن تنجح الثورة حتى لا ينجح الإسلاميون ولا ينالوا حقا من بلدانهم (مهما كان ضئيلا)، ولا يجب أن تنتصر المقاومة فيفوز الإسلاميون
لقد اكتشف الشعب حرب الاستئصال المدمرة للديمقراطية فأعرض عن المشاركة في أي فعل سياسي بعد سنوات قليلة من الحماس والصبر والانتظار لأن المعركة ليست معركته، وهو يتذكر (كجمهور واع) دوره في إسقاط نظام بن علي ومبارك وفرض الديمقراطية، ويتذكر أيضا أنه في لحظة انتظار مكاسب ثورته وحق دماء شهدائه وجد نفسه يخوض حربا استئصال ضد مكون أساسي من مكوناته، فالنهضة كحزب إسلامي كانت حاضرة في كل مفصل من مفاصل الثورة والجمهور الواسع، وإن لم يكن منها إلا أنه ليس يعاديها لسبب لا يعرفه.

هذا الجمهور وإن لم يتفاصح بصوت نخبوي فإنه فهم دور النقابة ودور الأحزاب التي حملته وراءها في حربها لاستئصال الإسلام السياسي. وقد زادت حرب الطوفان فكشفت مقدار نفاق النقابة مثلا التي ما أصدرت يوما لائحة لا تتضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فلما بدأ الشعب في تقرير مصيره اختفت النقابة من أمام الجمهور التونسي ففهم الجمهور من كان يكذب عليه. وهكذا امتد الوعي بالنفاق النخبوي الاستئصالي في الموضوع المحلي القُطري إلى الموقف من غزة وحربها، فلم ينزل أحد إلى الشوارع ولم يمد في قوة المنافقين الذين وظفوا حماسه في حربهم التي ليست حربه.

ويتسع القياس إلى الوضع المحلي، حيث يشقى المواطن التونسي (وحتما أخوه المصري) في تدبر قوته اليومي (من خبز وزيت طعام وسكر الشاي البسيط)، وقد كان لديه سؤال عرف إجابته. حرب الاستئصال هي السبب التي أوصلته الى هذا البؤس العظيم، لكني لا أراه يخرج لحل المشكل ويفضل الصمت الموجوع.

ضيّعت النخب الثورة فاختفى الشعب والأصح أن نقول رفض أن يُخدع عن أمره مرة ثانية، وقد فعل ما عليه إذ قاطع كل مناسبات التزييف الجارية (والمقاطعة سلاحه الصامت الفعال)، ولكني لا أظنه يعول على نخب فاشلة لتفهم عزوفه وصمته.. فكل همها منافع السلطة وهي تنتظر جوع الشعب ليقدم لها السلطة مرة ثانية
في ذاكرة هذا المواطن ثورة وشهداء انتهت إلى فضيحة استئصالية، من مطالبه بالخبز والحرية والكرامة وجد نفسه يساهم في قتل الإسلاميين بلا ثمن يضعه في جيبه وفي قوت عياله فنكص على عقبيه ولسان حاله يقول: "إن شاء الله تخرب على الجميع". هكذا لم يعد إلى الشارع لأي مطلب رغم حيوية المطالب، ففي كل مسيرة يسمع شعارات ليست شعاراته ومطالب ليست مطالبه.

هنا اختفى الشعب التونسي، لقد نجا بنفسه من حرب باطلة يصب خراجها في جيب من ثار ضدهم أول مرة ودفع من لحم أولاده.

يمكن للنخب الكسولة أن تواصل عملها التقليدي بلعن الشعب الخانع، فهي مختصة في تحميله المسؤولية وانتظار دمه المسفوك لتقطف ثمراته سلطة ومجدا فرديا. حدث هذا مرة في 2011، ولا نظن الشعب من الغباء بحيث يموت مرة ثانية من أجل من يراهم الآن يتصدرون المشهد بخطاب دامع عن ضياع ثورة.

لقد ضيّعت النخب الثورة فاختفى الشعب والأصح أن نقول رفض أن يُخدع عن أمره مرة ثانية، وقد فعل ما عليه إذ قاطع كل مناسبات التزييف الجارية (والمقاطعة سلاحه الصامت الفعال)، ولكني لا أظنه يعول على نخب فاشلة لتفهم عزوفه وصمته.. فكل همها منافع السلطة وهي تنتظر جوع الشعب ليقدم لها السلطة مرة ثانية.

إعراض الشعب عن مناصرة غزة وراء من ينافق المقاومة من جنس إعراضه عن مقارعة الانقلاب الفاشل؛ لأن من يراهم في الصورة السياسية للمعارضة هم أقرب إلى صورة عباس منهم إلى صورة أبي عبيدة.. هذه الاختفاء وعي عظيم..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الثورة التونسية المقاومة غزة الديمقراطية الإسلاميين تونس غزة الثورة المقاومة الديمقراطية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب التونسی مرة ثانیة لا یجب أن

إقرأ أيضاً:

الابيض: انها التجربة الثانية من بعد كورونا التي نجحت بها على اكمل وجه

قال وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال فراس الأبيض إن "الإعتداء الأثيم الذي حصل على الشعب اللبناني وجزء من مجتمعنا، أدى بحسب أرقام وزارة الصحة العامة إلى استشهاد 32 شخصا وإصابة الآلاف بجروح".     واعتبر في مؤتمر صحفي أن "التلاحم الذي رأيناه في مجتمعنا من خلال التضامن الكبير الذي أظهره الشعب اللبناني مع المصابين والتزام أعضاء القطاع الصحي بأطبائه وممرضيه ومسعفيه بتقديم أفضل الخدمات، شكل إشارة إيجابية وسط كل المصاعب الأخيرة"، واشار الى أن "التضامن إنسحب على أشقائنا العرب في دول الجوار".
ورحب الابيض بالمبادرة التي يقدمها اتحاد جمعيات البصريين في العالم العربي والتي أعلنتها النقيبة نسرين الأشقر، معربا عن تقديره "لكل المبادرات التي يقدمها إخواننا العرب أم أبناء لبنان في أي مركز كانوا لخدمة بلدهم ومجتمعهم".



من جهته، نوه وزير الاعلام زياد المكاري بـ"الجهود التي يبذلها وزير الصحة الذي لم يخلد الى النوم منذ 3 ايام هو وفريق عمله وسائر الأطباء والفرق الطبية الذين عملوا بالتعاون مع المستشفيات على كل الاراضي اللبنانية"، مثنيا على "التضامن الذي ابداه الشعب اللبناني مع الجرحى والمصابين وعائلاتهم"، مبديا أسفه "لأننا لا نرى مثل هذا التضامن إلا في حالات الكوارث".

ودعا المكاري الاعلام الى "توخي الدقة في نشر المعلومات، لاسيما تلك التي تولد التوتر والقلق لدى اللبنانيين، من معلومات سياسية وامنية وعسكرية وطبية"، مطالبا "المؤسسات والمنصات الاعلامية المرخصة وغير المرخصة كتلك المتعلقة بالتواصل الاجتماعي ومجموعات الـ"واتساب" التي ترمي يمينا ويسارا اخبارا بلا معنى وغير صحيحة".

وحيا المكاري وزارة الصحة العامة، "التي تبذل جهدا محترفا ودقيقا على الصعيد الانساني"، مؤكدا انها "المصدر الوحيد الذي يجب على الاعلام ان يستقي منه الخبر اليقين والدقيق، خصوصا لجهة أرقام الشهداء والمصابين".

وشكر المكاري الأشقر على مبادرتها، "لاسيما بوجود الكثير من حالات الاصابة في العيون"، محييا "الحكومة وخلية الازمة التي تعمل على تحقيق الجهوزية تجاه اي تطور دراماتيكي قد يحصل في لبنان"، مشيرا الى ان "الجهاز الطبي والتمريضي في لبنان نجح في استيعاب الاف المصابين بشكل انساني".

وطمأن المكاري اللبنانيين بـ"أن الحكومة تقوم بواجباتها بما لديها من صلاحيات وما تمتلكه من قوة لحماية الشعب من اي كارثة قد تحل عليه".

وختم متوجها الى وزير الصحة قائلا: "انها التجربة الثانية من بعد كورونا التي نجحت بها على اكمل وجه".

مقالات مشابهة

  • مسيران في مديرية بني الحارث بمناسبة العيد العاشر لثورة الـ 21 من سبتمبر المجيدة
  • مسؤولون وشخصيات لـ”الثورة نت”:الاحتفال اليمني الكبير بذكرى مولد النور تعبيراً عن الارتباط والولاء للرسول الأعظم
  • مديرية شعوب تشهد مسيراً شعبياً مسلحاً احتفاءً بالعيد العاشر لثورة الـ 21 من سبتمبر المجيدة
  • الابيض: انها التجربة الثانية من بعد كورونا التي نجحت بها على اكمل وجه
  • "لجان المقاومة" تدين العدوان الإسرائيلي واستهداف المدنيين في لبنان
  • "لجنة المقاومة" تدين العدوان الإسرائيلي واستهداف المدنيين في لبنان
  • وقفة في جامعة الحديدة تبارك عملية ” يافا” وتندد بمجازر كيان العدو الصهيوني
  • لجان المقاومة تدين التفجيرات التي استهدفت أجهزة اتصالات لبنانية
  • الحراك الثقافي في الخليج وغزة: الخَلْجَنة جدار عازل ومراوحة مذهبية (1-2)
  • جبهة الإسناد الأردنية