جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-30@21:37:04 GMT

مُذَكّرَة أُمْ مُجْتَهِدَة

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

مُذَكّرَة أُمْ مُجْتَهِدَة

 

فاطمة اليمانية

"أنتَ مسؤول عن السَعي، لا النتيج"!

 

***

    

         قالت بصوتٍ ساخطٍ بعد معرفة درجات ابنها:

 لم تكن أتوقع أنْ أحصلَ على هذه النتيجة؟!

لكن تقطيبة جبينها تلاشَت حال سماع ضحكةِ شقيقتها عليها!

سلامات!

وانتبهت إلى أنّها تقمّصت الدور! وبأنّ ابنها هو الذي اجتاز الاختبارات، وهو من حصلَ على النتيجة!

ولو تمّ سؤالها عن مستواها العلمي؛ فإنّها لا شك ستقول:

في الصف الخامس!

أمّا ابنها، فكان فَرِحًا بتفوقه، ورقصَ رقصًا غريبًا حال سماعه نتيجة الفصل الدراسي الأول، تلك الرقصة التي يخترعها الأطفال دون انسجام أو تنسيق أو مغزى! وقالت له بعد أنْ شعرت بدوار، وهي تتابع حركاته:

ماذا تفعل؟ أرقص رقصة الهنود الحمر! لا يرقصون هكذا! بلى، قبيلة من قبائل الهنود الحمر يرقصون هكذا؟!

لكنّ شعورها بالأسى على درجة إحدى المواد جعلها تتراجع عن جداله، فهي تذكر أنّهما ذاكرَا جيدًا! فأينَ الخلل؟

طلبت منه الجلوس قربها، وتصفحت ورقة الاختبار مرّة أخرى، وقالت له:

أنتَ أخطأت هنا؟! نعم.

.. كتبت اسم (ابن حُذَيم) في خانة ملوك عمان قديمًا! لكنّه طبيب! وما يدريك أنّ كاتب التاريخ لم يكذب بشأنه؟ ولماذا يكذب؟! لكنّك قلت سابقًا بأنّ معظم التاريخ محرّف! قلت لخالتك، لصديقتي! لأيّ شيطان أهذي معه! لم أقل لكَ ذلك أبدًا! اعتبريه ملك الأطبّاء وافرحي!

وتدخلت شقيقتها لفضّ الجدال بينهما، وطالبته بالخروج إلى باحة المنزل للعلب، فخرج وهو يقلد عواء الذئب، ويتنطط -كالهنود الحمر- كما يعتقد!

كان غيظها شديدًا على واضع اختبار تلك المادّة، كيف يفكر؟ وماذا يتوقع أنْ تكون إجابة الطالب على أسئلة مبهمة! وتحتمل أكثر من تفسير! ولماذا تكون نماذج الاختبارات بعيدة كلّ البعد عن الاختبار الفعلي الذي يقدّم للطلبة؟! وعن نمط الأسئلة الموجودة في الكتاب؟!

وشطح بها الخيال للتفكير في نتيجة تشريح دماغ بعض واضعي الاختبارات! وهل ستكون تركيبة أدمغتهم مختلفة؟ وهذا الاختلاف هل هو سبب صياغتهم لأسئلة معقّدة؟

لكنّ ابنها لم يخطئ في سؤال واحد كما يبدو! وليس في اعتبار الطبيب ملكًا! أو اعتبار المدرسة وطنًا! أو الخطأ في حساب التوقيت لدقائق تزيد عن الساعة! رغم ذلك كان مسرورًا بالنتيجة، ووعدها بأنْ يجتهد أكثر من ذلك في الفصل المقبل!

وطالبها بهدية النجاح والتفوق... ولم ترد عليه! حتّى بعد تصفيق شقيقتها لفكرة إقامة حفل بسيط! لأنّها انشغلت بذكريات الدراسة في زمنٍ عتيق خارج إطار الزمن! حين كانت تدرس مع طالبات يعتبرن النجاح هو عدم الحصول على دائرة حمراء في الشهادة، ويوزعن الحلويات والبارد على الجيران، ولم يعبأن كثيرًا بمن حصل على المركز الأول، أو الثاني، أو الأخير!

ولم يهتم أولياء الأمور كثيرًا بالدرجات، فالفرحة كانت تعمّ الجميع، وكلمة مبارك تسود الأجواء طوال الأسبوع، وتكون المكافأة هدايا رمزية بسيطة، أو رحلة إلى أحد الأودية، أو المدن المجاورة.

وكبرت كما كبرت فتيات الحارة على أنْ حقيقة الوجود تتمثل في تكوين أسرة سعيدة، وأنْ تكون الفتاة ربّة منزل مطيعة، وتجيد الخَبْز! ولا تعرف لماذا مسألة الخَبْز كانت عالقة في توصياتِ والدتها وجدّتها وقريباتها!

من العار ألّا تجيد الزوجة الخبز! ماذا عن المخابز المنتشرة؟! قذرة!

وتحدثن عن قصص كثيرة تدل على قذارة الخبّازين في ذلك الزمن! رغم أنّ شراء الخبز من الأفران كان روتينًا يوميًّا سواء خبزت نساء العائلة، أو لم يخبزن! ولم تشاهد إحداهن تمتنع عن تناولِ خبز الأفران! وعندما سألت والدتها:

أليس الخبّاز قَذِرًا! سَمّ الله، وكُلي بيمينك! سيصبحُ نظيفًا! اخرجي والعبي على البحر!

 

ذلك الجدال الذي كانت تطحن فيه مزاج والدتها وجدّتها، يعود لها مرّة أخرى على لسان ابنها! وذلك السخط الذي مارسته عندما كانت مجبرة على حفظ تسلسل الأسر الفرعونية الحاكمة في مصر قديمًا، يمارسه ولدها الذي يقول لها:

يسلم خالي عليكِ ويقول لكِ: لا تضغطي عليّ في المذاكرة؟!

ولم يكن ثمة ضغط، فهو كان يستريح بين الاستراحة والأخرى! ويستلقي على الكنبة، وعلى السجّاد، وعلى السرير، وعلى الطاولة إنْ كانت فارغة من دلّة الشاي! بل أصبح أكثر رشاقة في التنقل والحركة! ويسألها أثناء المذاكرة:

تريدين ماء؟! عصير! قهوة! اصمت! أمّي شريرة!

لكنّ أمّه الشريرة في حقيقة أمرها تذاكر مثله، وتحفظ الأسماء والتواريخ، وفي يوم الاختبار، وبعد وصول نسخة من الاختبار في جروب الأمّهات، طبعت نسخة ورقية، وأمسكت الورقة وأخذت تجيب على الأسئلة! وعندما شاهدتها والدتها ضحكت ساخرة منها، وقالت لها:

عقبال الصف السادس! رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فيلم وحشتيني.. سيرة ذاتية تحمل بصمة يوسف شاهين

بدأت منصة نتفليكس مؤخراً عرض فيلم "وحشتيني" من إخراج تامر روجلي، وهو الفيلم الروائي الأول لمخرجه، وقد عُرض بشكل تجاري محدود بالقاهرة قبل طرحه على المنصة، وقبلها بعدة مهرجانات سينمائية منها زيورخ وبكين.

وجمع "وحشتيني" أبطالا من عدة دول، على رأسهم نادين لبكي اللبنانية وفاني أردانت الفرنسية، ومن مصر منحة البطراوي وإنعام سالوسة وليلى عز العرب وغيرهم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2فيلم "لا تتحدث بِشر" الوصفة السحرية لإعادة إنتاج فيلم ناجحlist 2 of 2بعد تحقيقه أرقاما قياسية.. "ديدبول وولفارين" يتطلع لحصد جوائز كبرى في الأوسكارend of list

ويقدم الفيلم قصة يمكن أن نعتبرها تحمل بصمة المخرج يوسف شاهين، فهو يقارب من وجوه عدة أفلام السيرة الذاتية التي أخرجها يوسف شاهين، خصوصا "حدوتة مصرية".

الملصق الدعائي لفيلم "وحشتيني" (الجزيرة)

ويبدأ "وحشتيني" بالبطلة سو (نادين لبكي) الطبيبة النفسية التي تعمل في سويسرا عندما تأتيها مكالمة تليفونية من خالتها إنجي (منحة البطراوي) بالقاهرة تُخبرها أن والدتها مريضة وتطلب منها العودة في الحال والسفر للأسكندرية والاطمئنان عليها.

وتخوض سو رحلتين، الأولى من سويسرا إلى القاهرة ثم منها إلى الإسكندرية، والأخرى نفسية تتوغل خلالها في غابة ذكريات طفولتها ومراهقتها المؤرقة.

ولا يرى المشاهد فيروز (فاني) أردانت والدة سو إلا كوهم يلاحق ابنتها كشبح من الماضي، أو صوت يسكن رأسها يراجع كل تصرفاتها وينتقدها بشكل سلبي، يحاول التصالح معها ثم يُغضبها.

ويتناص الفيلم في رحلتيه هاتين مع الرحلة المادية والروحية التي يخوضها يحيي بطل "حدوتة مصرية" الذي يخضع لعملية جراحية خطيرة في القلب، وخلال إفاقته يتوغل في ماضيه حيث يطارده شبح والدته المرأة التي قدسها واحتقرها.

ولا يجمع بين الفيلمين فقط مواجهة الذات بل عدة تفاصيل أخرى، على رأسها "الطفل الداخلي" (The inner child) ففي "حدوتة مصرية" يظهر هذا الطفل الخيالي ليحاسب يحيي وعائلته على أخطائه التي أوصلته لهذه الحالة النفسية والصحية المتردية، بل يكاد يقتل نسخته الحقيقية الممثلة في يحيي/نور الشريف المريض عقاباً على ما اقترفته من أخطاء أدت لشعور هذا الطفل بالكبت والاختناق.

وبينما لا يتم التصريح بطبيعة هذا الطفل/الطفلة بوضوح بفيلم "وحشتيني" بل يدلف إلى حياة البطلة بشكل مفاجئ بعدما تعلم بمرض والدتها مباشرة، ويصاحبها في رحلتها النفسية والحقيقية مشاغباً في الكثير من الأحيان، وخائفاً وجلاً في أحيان أخرى، حتى تكتشف سو البطلة إنه نسخة مصغرة منها، الفتاة الصغيرة التي أجبرتها والدتها على قص شعرها حتى لا يظهر جمالها وتنافسها، وهربت من الضغوط إلى النهم العاطفي فاكتسبت الوزن الزائد الذي عيرتها به والدتها طوال حياتها، الطفلة اللا منتمية التي ما إن جاوزت سن الطفولة حتى هجرت أسرتها بلا رجعة.

ونقاط تشابه أخرى نجدها في لغة الفيلم التي تنتقل بسلاسة بين العربية والفرنسية، وطبقة أبطال الفيلم الذين يتشبثون ببقايا أرستقراطية زائلة تجعلهم يتمسكون بتقاليد هجرها الكثيرون فبقوا على هامش الزمن، بالإضافة إلى حضور الإسكندرية الراسخ التي كانت حجر الأساس لفيلمين من أفلام شاهين الذاتية هما "إسكندرية ليه؟" و"إسكندرية كمان وكمان" بينما عنوان فيلم "وحشتيني" بالإنجليزية هو (Back to Alexandria)، وتظهر نهاية الفيلم البطلة تطل على بحر الإسكندرية من النافذة في لقطة مماثلة لتلك التي يطل فيها يحيى الذي قدم دوره شاهين نفسه في فيلم "إسكندرية كمان وكمان" وهو يتأمل مدينته المفضلة.

 الفيلم يستعرض عبر الحوار بين البطلة وأحياء الفيلم وأشباحه تفاصيل طفولتها الحزينة (مواقع التواصل الاجتماعي) أسامحك ولكني لا أحبك

لا يأخذ "وحشتيني" شكل أفلام السيرة الذاتية بصراحة أفلام شاهين، غير أنه في حقيقته بالفعل أحد هذه الأفلام طبقًا لتصريحات المخرج بأن بطلته سو مقتبسة إلى حد كبير من شخصية والدته ومعاناتها في علاقتها مع عائلتها، بينما اقتبس العلاقة الملتبسة التي تجمع بين سو ووطنها الأم مصر من علاقته الشخصية بنفس البلد، فهو كمصري سويسري يشعر بخليط من الاغتراب والاشتياق لها، فيصبح عنوان "وحشتيني" موجهاً للأم المريضة وكذلك بلده.

ويقدم الفيلم قصة امرأة تحاول بشجاعة تجاوز ماضيها وعلاقتها المسيئة مع والدتها، وكلمة شجاعة هنا مستحقة في ظل هالة التقديس المحاطة بها شخصية الأم في الآداب الاجتماعية وحتى الأعمال الفنية.

ولا تواجه سو والدتها إلا في ذهنها كشبح تراه متمثلا لها فقط، وخلال رحلتها من القاهرة إلى الإسكندرية تجمع شذرات عن ماضي هذه الأم سواء من الخالة أو السائق يمكن أن يبرر بعض أفعال والدتها فيروز (أردانت).

وتتعاطف سو مع فيروز كامرأة تتفهم عن مأساة أخرى، فالأخيرة عاشت في ظل عائلة مسيطرة، أجبرتها على الزواج من شخص يكبرها بعدد كبير من السنوات، وحرمتها حبها الوحيد، لتعيش حياة جافة لا يعزيها سوى جمالها وأناقتها، حياة مليئة بالمرارة، في الوقت نفسه تشعر سو بالضغينة تجاه فيروز كابنة عانت طوال حياتها بسبب والدتها المؤذية.

ويستعرض الفيلم عبر الحوار بين البطلة وأحياء الفيلم وأشباحه تفاصيل طفولتها الحزينة، وهي سجينة فيلا والدتها في الإسكندرية والأخيرة تعنفها لفظياً على وزنها وذوقها السيئ في اختيار الملابس، وتدرب طائر الببغاء على مهاجمة الطفلة حتى يقطع جزءا من أذنها في إحدى المرات تاركاً علامة جسدية على هذا العنف الأسري، ثم عندما تصبح الطفلة مراهقة يتحول العنف إلى نوع آخر عندما تفرق بينها وبين حبيبها مدعية أن السبب يتمثل في الفروقات الطبقية، بينما في الحقيقة هي تنكر على صغيرتها سعادتها في الحب بينما عاشت هي (فيروز) تعيسة نتيجة رفض عائلتها لقصة حبها الشخصية.

وفي لمحات بسيطة يكتشف المشاهد وطأة هذه التفاصيل المريرة على حياة سو الأربعينية رغم كل هذه الأعوام، فتغضب عندما يسألها رجل عن سبب الندبة على أذنها، وترفض شطيرة الفول رغم جوعها خوفاً من شبح الأم الذي يذكرها بوزنها وقولونها المضطرب نتيجة الطعام في طفولتها، وتترك سيارة الأجرة بشكل مفاجئ عندما يستجيب قلبها لمغازلة السائق الوسيم الذي يذكرها بحبيبها السابق.

ويستعرض "وحشتيني" جرح العنف الأسري حتى وإن مرت عليه السنوات بشكل شديد الرقة والحميمية، فتأتي أقسى جمل الفيلم والتي تحمل خلفها كل محاولات التعافي التي انتهجتها البطلة للتخلص من هذا العبء على لسانها عندما تقول لشبح والدتها "أسامحك لكني لا أحبك".

مقالات مشابهة

  • النيابة تبدأ التحقيق في واقعة قتل سيدة علي يد ابنها بنجع حمادي
  • حلا شيحة تتضامن مع لبنان وتكشف عن أصول والدتها
  • سكب الماء على أصدقائه.. صينية تعاقب ابنها بنفس الطريقة
  • ‎روان بن حسين تروي تفاصيل هروب طليقها من ابنتهما
  • رحلة ملهمة لأم طفل مصاب بالتوحد: صبر وبحث وتعلم وعلاج مبكر
  • برسالة مؤثرة إلى والدتها.. أول تعليق من سلمى أبو ضيف بعد إعلان حملها
  • الرئيس السيسي يكرم أوائل الطلاب بأكاديمية الشرطة
  • ابنة نشوى مصطفي تكشف سبب رفضها أعمال والدتها وعدم مشاهدتها
  • فيلم وحشتيني.. سيرة ذاتية تحمل بصمة يوسف شاهين
  • مأساة أم بريطانية توفي ابنها منذ 27 عاما.. تنتظر دفن خلايا جلده الشهر المقبل