حصيلة المئة يوم
حصيلة طويلة ومعقدة لمئة يوم من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكن العنوان الكبير لهذه الحصيلة هو الفشل الإسرائيلي الكبير.
لم تنجح إسرائيل في اقتناص أي من قادة حماس في غزة، فلا وصلت إلى الصف الأول منهم أو الصف الثاني أو مساعديهم ولا حتى القادة السياسيين.
أراد الإسرائيليون في أول أيام الحرب تهجير سكان غزة بدفعهم للهروب نحو مصر، فلم ينجح هذا المشروع في مئة يوم، ولا يبدو أنه يمكن أن ينجح في ألف يوم.
هذه الحرب غيَّرت المنطقة بأكملها، فمن كان يتوقع أن يقوم اليمنيون بإغلاق باب المندب أمام السفن المتجهة إلى إسرائيل، فيحاصروا الاحتلال كما هي غزة محاصرة؟
لم تحرر إسرائيل أي من أسراها في غزة بالقوة، ومن حاولت تحريره انتهى به الأمر قتيلاً وآخرون من الأسرى قتلوا بالقصف العشوائي وقتلت قواتها ثلاثة منهم مباشرة.
لم ينجح الإسرائيليون في سحق المقاومة وقدرتها على إطلاق الصواريخ لا تزال على حالها، بل إن التحدي الكبير والمفاجأة الأكبر أن إطلاق الصواريخ يتم من شمال القطاع.
* * *
أنهت إسرائيل مئة يوم من الحرب الضروس على غزة، وما زالت تواصل القتال، من دون تحقيق أي فوائد ومن دون جدوى على الاطلاق.. ومن دون أن تحقق أياً من الأهداف التي تحركت عسكرياً من أجل تحقيقها، وبذلك فإن هذه الحرب هي أطول الحروب على الإطلاق التي تخوضها دولة الاحتلال، منذ عام 1948، كما أنها بكل تأكيد الحرب الأعنف والأكثر شراسة، فضلاً عن أن أكثر من نصف ضحاياها من النساء والأطفال، وهي سابقة تاريخية لم يشهدها العالم من قبل على الأرجح.
في عام 1967 احتاجت القوات الإسرائيلية لستة أيام فقط، حتى تهزم ثلاث دول عربية مجتمعة، والأهم من ذلك أنها في ستة أيام احتلت من الأراضي العربية أكثر من مئتي ضعف مساحة قطاع غزة، الذي لم تتمكن من السيطرة عليه في مئة يوم!
في حرب الأيام الستة عام 1967 فقدت الأمة العربية سيناء (60 ألف كيلومتر مربع)، والجولان (1800 كلم)، والضفة الغربية (5860 كلم)، إضافة إلى القدس الشرقية وأراضٍ أردنية شرقي النهر، ومجموع هذه المساحات يتجاوز مئتي ضعف مساحة غزة (365 كيلومترا فقط).
فضلاً عن أنَّ إسرائيل تمتلك اليوم بكل تأكيد أضعاف الترسانة العسكرية التي كانت لديها قبل 57 عاماً، ولديها من التكنولوجيا اليوم ما لم يكن متوفراً في ذلك الحين، ومع ذلك فقد تمكنت من ثلاث دول عربية في ستة أيام، ولم تتمكن من غزة في مئة يوم.
ثمة حصيلة طويلة ومعقدة لمئة يوم من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكن العنوان الكبير لهذه الحصيلة هو الفشل الإسرائيلي الكبير، وهو الفشل الذي توقعناه منذ الأيام الأولى للحرب، فلا نجح الاحتلال في استعادة أي من أسراه، ولا نجح في القضاء على حركة حماس، ولا حتى في إضعاف قدرتها على توجيه الضربات، ولا نجح في تحقيق أي من الأهداف الثلاثة التي أعلنها، وإنما الشيء الوحيد الذي نجح فيه هو قتل النساء والأطفال، ومن ثم الإدعاء بأنه يقوم بالدفاع عن النفس.. وأي جيشٍ هذا الذي يُشكل الأطفالُ والنساءُ تهديداً له؟!
أما أبرز ملامح حصيلة المئة يوم الأولى من هذه الحرب الطويلة، فهو كالتالي:
أولاً: لم تنجح إسرائيل في استعادة أي من أسراها المحتجزين في قطاع غزة بالقوة، بل إن من اكتشفت مكانه وحاولت تحريره انتهى به الأمر قتيلاً، فضلاً عن عدد آخر من الأسرى قتلوا في عمليات القصف العشوائي، التي يتعرض لها القطاع، ما يعني أن الأمر لم يتوقف عند عدم تحقيق هذا الهدف، بل إنَّ الحرب فاقمت المشكلة بدلاً من حلها.
ثانياً: ربما يكون الإسرائيليون قد أضعفوا حركة حماس، أو ضربوا بعض المواقع التابعة لها، لكن الأكيد أنهم لم ينجحوا في سحقها، كما أن قدرتها على إطلاق الصواريخ لا تزال على حالها، بل إن التحدي الكبير والمفاجأة الأكبر هو أن إطلاق الصواريخ يتم من شمال القطاع، أي من المنطقة التي أعلن الإسرائيليون سابقاً أنهم مسحوها وانتهوا من جزء كبير من عملياتهم العسكرية فيها.. فمن أين يخرج هؤلاء المقاتلون؟ ومن أين تنطلق هذه الصواريخ؟
ثالثاً: لم تنجح إسرائيل في اصطياد أي من قادة حماس في غزة على الإطلاق، فلا وصلت إلى الصف الأول منهم ولا حتى إلى الصف الثاني، أو مساعديهم، بل لم يتمكنوا من الوصول حتى إلى القادة السياسيين الذين عادة ما يسهل الوصول إليهم بسبب أنهم لا يتخذون الكثير من الإجراءات الأمنية.
رابعاً: أراد الإسرائيليون في الأيام الأولى للحرب تهجير سكان غزة بدفعهم إلى الهروب نحو مصر، فلم ينجح هذا المشروع في مئة يوم، ولا يبدو أنه من الممكن أن ينجح في ألف يوم، إذ تقول المعلومات بأن أعداداً كبيرة رفضوا حتى النزوح من منطقة الى أخرى داخل القطاع، وأعدادا كبيرة من الغزيين رفضوا حتى ترك منازلهم في الشمال والانتقال مؤقتاً إلى الجنوب، فضلاً عن الهروب إلى الخارج.
خامساً: هذه الحرب غيَّرت المنطقة بأكملها، فمن كان يتوقع من قبل أن يقوم اليمنيون بإغلاق مضيق باب المندب أمام السفن المتجهة إلى إسرائيل، فيحاصروا الاحتلال كما هي غزة محاصرة؟ ومن كان يتوقع هذه الهبة الشعبية من المحيط إلى الخليج لإدانة الاحتلال ونصرة الشعب الفلسطيني، وذلك بعد سنوات عجاف من التطبيع ومن محاولات طمس القضية الفلسطينية من عقول أبناء الشارع العربي؟
سادساً: لا شك في أن هذه الحرب غيرت المزاج العالمي بأسره، وفضحت الاحتلال، فهل كان أحد يتوقع بأن تمثل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة «الابادة الجماعية»؟ وهل كان أحد يتوقع أن تبدأ المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في جرائم حرب ارتكبت بحق الصحافيين الفلسطينيين؟ وهل كان أحد يتوقع أن تتولى جنوب افريقيا ملاحقة دولة الاحتلال نيابة عن العرب والمسلمين؟ وهل كان أحد يتوقع أن يخرج الملايين في كل مدن العالم للتنديد بالاحتلال ومناصرة الشعب الفلسطيني؟ كلها أحداث لم يكن أحد يتوقعها ولو في أحلامه.
هذه حصيلة مئة يوم من الحرب الإسرائيلية الخائبة على غزة، وهذا هو مسار الأحداث هناك، مع ضرورة الإشارة بطبيعة الحال إلى أن إسرائيل قتلت أكثر من 24 ألف فلسطيني خلال هذه المئة يوم أغلبهم من النساء والأطفال.
*محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل المقاومة غزة حصيلة مئة يوم الفشل الإبادة الجماعية إطلاق الصواريخ الحرب الإسرائيلية مئة یوم من الحرب إطلاق الصواریخ فی مئة یوم هذه الحرب قطاع غزة یتوقع أن لم ینجح نجح فی
إقرأ أيضاً:
إسرائيل توقف إمداد غزة بالكهرباء قبل محادثات التهدئة الجديدة
الضفة الغربية (زمان التركية)ــ أمرت إسرائيل بوقف فوري لإمدادات الكهرباء في قطاع غزة الأحد للضغط على حماس لقبول شروط جديدة في اتفاق وقف إطلاق النار، حتى في الوقت الذي تستعد فيه لإجراء محادثات جديدة حول مستقبل الهدنة مع فصائل المقاومة الفلسطينية.
ويأتي قرار إسرائيل بعد أسبوع من منعها دخول جميع المواد الغذائية والمساعدات إلى القطاع المتضرر من الحرب، وهي الخطوة التي تذكرنا بالأيام الأولى من الحرب عندما أعلنت إسرائيل “حصارا” على غزة.
وانتهت المرحلة الأولى من الهدنة في الأول من مارس/آذار، وامتنع الجانبان عن العودة إلى الحرب الشاملة، على الرغم من العنف الإسرائيلي المتقطع، بما في ذلك غارة جوية يوم الأحد أسفرت عن مقتل ثلاثة فلسطينيين على الأقل.
قتلت إسرائيل ما لا يقل عن 120 فلسطينيًا، وأصابت 490 آخرين، وارتكبت أكثر من 400 انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار/تبادل الأسرى في غزة منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني.
ودعت حماس مرارا وتكرارا إلى البدء الفوري في المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي تفاوضت عليها الولايات المتحدة وقطر ومصر، بهدف إنهاء الحرب بشكل دائم، لكن إسرائيل ترفض وتضغط لتمديد المرحلة الأولى حتى منتصف أبريل/نيسان، وأوقفت المساعدات إلى غزة بسبب هذا المأزق.
قطع إمدادات الكهرباء.وقال وزير الطاقة إيلي كوهين في بيان مصور “لقد وقعت للتو على أمر بوقف إمداد قطاع غزة بالكهرباء على الفور”.
وأضاف “سنستخدم كل الأدوات المتاحة لدينا لإعادة الرهائن وضمان عدم بقاء حماس في غزة في اليوم التالي” للحرب.
بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قطعت إسرائيل الكهرباء عن غزة، ولن تعيدها إلا في منتصف عام 2024.
إن خط الكهرباء الوحيد بين إسرائيل وغزة يزود محطة تحلية المياه الرئيسية بالمياه، ويعتمد سكان غزة الآن بشكل أساسي على الألواح الشمسية والمولدات التي تعمل بالوقود لإنتاج الكهرباء.
وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية يوم الاثنين أن إسرائيل أعدت خططا لتكثيف الضغوط بموجب مخطط أطلق عليه “خطة الجحيم”.
وشمل ذلك متابعة منع المساعدات من خلال “تهجير السكان بالقوة من شمال قطاع غزة إلى الجنوب، ووقف إمدادات الكهرباء واستئناف القتال على نطاق واسع”.
ويعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين الآن في خيام في مختلف أنحاء غزة، حيث تنخفض درجات الحرارة ليلاً في كثير من الأحيان إلى الصفر المئوي.
والتقى ممثلون عن حماس مع وسطاء في القاهرة خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأكدوا على الحاجة الملحة لاستئناف تسليم المساعدات “دون قيود أو شروط”، بحسب بيان لحماس.
وقال المتحدث باسم الحركة حازم قاسم لوكالة فرانس برس “ندعو الوسطاء في مصر وقطر وكذلك الضامنين في الإدارة الأميركية إلى ضمان التزام الاحتلال بالاتفاق… والمضي بالمرحلة الثانية وفق البنود المتفق عليها”.
وتتضمن المرحلة الثانية تبادل الأسرى، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، ووقف إطلاق النار الدائم، وإعادة فتح المعابر الحدودية، ورفع الحصار.
وقال المتحدث باسم حماس عبد اللطيف القانوع بعد لقاء الوسطاء إن المؤشرات حتى الآن “إيجابية”.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه سيرسل مندوبين إلى الدوحة يوم الاثنين.
بين الكلاب والجرذانلقد أوقفت الهدنة إلى حد كبير أكثر من 15 شهراً من الحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة، حيث نزح كل سكان القطاع تقريباً بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية الوحشية المتواصلة.
وأسفرت المرحلة الأولى التي استمرت ستة أسابيع عن تبادل 25 أسيراً إسرائيلياً حياً وثماني جثث مقابل إطلاق سراح نحو 1800 فلسطيني محتجزين في إسرائيل.
كما سمح بدخول الغذاء والمأوى والمساعدة الطبية الضرورية.
وبعد أن قطعت إسرائيل تدفق المساعدات، اتهم خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الحكومة بـ” استغلال المجاعة كسلاح “.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة خليل الدكران “حتى الآن لم يتم السماح إلا بدخول 10% من الإمدادات الطبية المطلوبة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة”.
وقالت الأرملة الفلسطينية النازحة حنين الدرة لوكالة فرانس برس إنها قضت مع أطفالها أسابيع في الشارع “بين الكلاب والجرذان” قبل أن تحصل على خيمة.
Tags: الهدنةغزةفلسطينقطع الكهرباء