صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية (ط1، بيروت، 2021)، كتاب "البعد المسيحي للسياسة الروسية في المشرق العربي"، للدكتور سليم هاني منصور.

يبحث هذا الكتاب في دور الدين في السياسة الروسية في المشرق العربي وتبدُّل محورية هذا الدور بحسب المراحل التاريخية المختلفة التي مرت روسيا بها منذ عهد القيصرية، مرورًا بالعهد السوفييتي الشيوعي، وصولاً إلى عهد الرئيس الحالي فلاديمير بوتين ذي التوجه القومي.



يلقي الكتاب الضوء على تشابه الأدوات التي استخدمتها روسيا في حلبة المنافسة والصراع مع الدول الغربية في المنطقة، كالإرساليات وإقامة الكنائس والمدارس، ويعرض الكتاب لعلاقة روسيا بالمسيحيين، الأرثوذكس خصوصًا، ودورها في الاهتمام بالأراضي المقدسة والدفاع عن الأرثوذكس في مواجهة المذاهب المسيحية الأخرى في المنطقة.

يتضمن الكتاب (167 صفحة) خمسة فصول، فضلاً عن المقدمة والخاتمة والمراجع والفهرس.

في الفصل الأول "روسيا والأرثوذكس"، عرض لعلاقة روسيا بالمسيحية الأرثوذكس خصوصًا، ودورها في الاهتمام بالأراضي المقدسة، ويمكن إبراز ذلك من خلال الأنشطة الآتية: "تأسيس القنصلية الروسية العامة في القدس؛ كما تأسست في أوديسا الشركة الروسية  للملاحة والتجارة لتنظيم رحلات دوروية للحج بين أوديسا ويافا؛ وتأسست في بطرسبورغ لجنة فلسطينية خاصة، وصول بعثة إلى بلاد الشام 1843 ـ 1844؛ وضع الحجر الأساس لمبنى الكاتدرائية العظمى المكرمة  على اسم الثالوث الأقدس في آب/ أغسطس 1860، لكنها لم تفتح للصلاة إلا في عام 1872؛ تجلى الاهتمام الروسي بالقدس من خلال المساعدات التي قُدمت لإنشاء الكنائس والأديرة والفنادق والملاجئ والمصاحّ في القدس وغيرها من المراكز الكبرى". والدفاع عن الأرثوذكس في مواجهة المذاهب الأخرى: الكاثوليك والبروتستانت، ومحاولتها استمالة الأقباط والأشوريين.

وفي الفصل الثاني "معاهدة كيتشوك كارينارجي (قينارجة) 1774 وما بعدها"، يشرح الكاتب معاهدة كيتشوك كارينارجي (قينارجة) 1774، وأهميتها واستخدام الروس لها للنفاذ إلى منطقة البحر المتوسط، وما قام به الروس من دور في حماية الأقليات واستغلال مشاكل السلطنة العثمانية. وتُعد هذه المعاهدة  مدخلًا فرضت فيها روسيا شروطًا للتدخل في أوضاع السلطنة العثمانية، ثم بعد ذلك التسلسل لحماية الأقليات وإيجاد موطئ قدم لرعاية الأرثوذكس ومساندتهم بطرائق مختلفة، منها بناء الكنائس والمدارس والمراكز الاجتماعية أو إيجاد الامتيازات للبطاركة والرهبان في مواجهة المذاهب الأخرى، البروتستانت والكاثوليك.

وكان الحضور السياسي الروسي من خلال الأرثوذكس واضحًا في لبنان في زمن القائمقاميتين حين سعت روسيا لإنشاء قائمقامية أرثوذكسية، وكذلك في زمن المتصرفية حين إنشاء مديرية الكورة إرضاءً لها. ويُبرز الكاتب أهم الأنشطة التي قام بها الروس خلال العهد العثماني نصرة للأرثوذكس من الدعم المالي والخدمات المختلفة.

وقد خُصّص المؤلف الفصل الثالث "الجمعية الإمبراطورية الفلسطينية ـ الروسية"، للحديث عن الجمعية الإمبراطورية الفلسطينية ـ الروسية، التي كانت لها إسهامات بارزة على الصعيد التعليمي، من خلال قدرتها ونفوذها وطرائق التعليم وعلاقاتها الدينية ومجانية التعليم فيها ومميزات مدراسها، وكذلك لمواصفات خريّجي مدارسها ونشاطهم وثقافتهم الممزوجة بالسياسة، ومنها تجربة الكاتب ميخائيل نعيمة. ويتطرق الباحث في هذا الفصل أيضًا إلى إغلاق هذه المدارس بسبب الثورة البلشفية ثم إعادة إحيائها في العهود الأخيرة.

في الفصل الرابع "البعد الديني للسياسة الروسية"، يعرض الباحث البعد الديني للسياسة الروسية في ظل الحكم الشيوعي (الاتحاد السوفييتي)، فلم ينسحب الدين من الميدان كما يظن البعض، بل استُخدِمَ في محطات كثيرة من جانب الحكام الشيوعيين لإظهار الانفتاح والمرونة ولتسويق النظام في الخارج ومخاطبة الغرب، وممارسة النفوذ والقيام بدعم الكنيسة الأرثوذكسية في الخارج، وهي تعاديها في الداخل، لأجل اكتساب الأصدقاء!

أما بعد سقوط الحكم الشيوعي فقد كثرت المبادرات تجاه الكنيسة، وذلك من خلال سياسة الانفتاح التي انتهجها الحكام الروس، وموجة الحرية التي نعمت بها روسيا، والسماح للدين بالعودة إلى الكنيسة ولرجال الدين بالعمل والنشاط من دون قيود أو عراقيل، وأصبح المسؤولون الروس يبحثون عن تأييد البطريركية لينالوا شرعية لحكمهم.

أما الفصل الخامس "الدين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي"، فقد خُصصه الباحث للحديث عن الدين في السياسة الروسية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ويعرض كيف عاد الدين والسلطات الدينية لإسترجاع مواقعها ومواردها ودورها في السياسة، والمدى  الذي منحته السلطة الروسية للبطريرك والكنيسة. ويشرح د. منصور كذلك مدى استغلال الدولة للدين المسيحي وللمذهب الأرثوذكسي في سياستها الخارجية وبخاصةٍ عملية التدخل في سوريا.

وأخيرًا، الكتاب يسلط الضوء على بُعد مهم في السياسة الروسية، وهو، البعد الديني، الذي يستخدم مرارًا وتكرارًا في علاقاتها الخارجية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب كتاب الدين روسيا روسيا كتاب علاقة دين كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الروسیة فی فی السیاسة من خلال

إقرأ أيضاً:

واشنطن بوست: توتر بين القوميين المتطرفين الروسييين في ظل التقارب المفاجئ مع الولايات المتحدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أنه في أعقاب التحول الكبير في سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه روسيا، يسعى القوميون المتطرفون المؤثرون في روسيا لفهم التغير المفاجئ في العلاقات مع أكبر أعداء روسيا.

وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ الهجوم الروسي الكامل على أوكرانيا قبل ثلاث سنوات، كان العديد من أفراد المجتمع الروسي، وخاصة أولئك الذين يشاركون بنشاط في الحرب، قد تم تغذيتهم بالأيديولوجيا التي يروج لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقوميون الروس، والتي تعتبر أن روسيا تخوض حربًا وجودية ضد "الغرب الجماعي" بقيادة الولايات المتحدة.

وأعطت الحرب انكشافًا كبيرًا لما يُعرف بمجتمع "Z" الروسي - المتطوعين المؤيدين للحرب، والمدونين العسكريين، والقوميين المتطرفين الذين يرغبون في رؤية إخضاع أوكرانيا تمامًا.

وقال العديد ممن تمت مقابلتهم من قبل واشنطن بوست إنهم لن يقبلوا بتسوية سلام إلا إذا تضمنت إقالة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وتغيير السلطة في كييف.

ومع تقدم المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة ببطء، سيضطر بوتين إلى مراقبة هذه الفئة الصاخبة (والمسلحة جيدًا) من المجتمع، التي أصبحت أقوى خلال الحرب وفي مرحلة ما انفجرت في تمرد مفتوح مع تمرد قائد المرتزقة يفجيني بريجوجين.

وذكرت الصحيفة أن القوميين المتطرفين لعبوا دورًا مهمًا طوال الصراع، فالعديد منهم قاتلوا في الصفوف الأمامية وتم مكافأتهم بزيادة في مكانتهم الاجتماعية في المجتمع الروسي خلال الحرب، ولعقود من الزمن، كان هؤلاء الشخصيات القومية يُنظر إليهم من قبل الرئاسة الروسية "الكرملين" كمصدر غير مستقر للمعارضة المحتملة، ولكن تم استخدامهم لدعم الرسالة الحكومية حول ضرورة هذه الحرب الدموية والمستمرة.

ومع ذلك، ظهرت هذه الفئة أيضًا كمصدر نادر للنقد تجاه بوتين وقرارات حكومته، وتم التعامل مع بعضهم عندما تجاوزوا الحدود، فلقد تم تهديد الكرملين داخليًا عندما حدث تمرد بريجوجين ومجموعة فاجنر في 2023، والذي كان يمثل أكبر تهديد داخلي في الذاكرة الحديثة. وتم احتواء تمرده، ولقي بريجوجين وقادته مصرعهم في حادث تحطم طائرة غامض.

وفي العام الماضي، تم سجن إيجور جيركين، وهو ضابط سابق في جهاز الأمن الفيدرالي وقائد انفصاليين، لمدة أربع سنوات بتهم التطرف.

وأشارت الصحيفة إلى هناك حالة قلق أخرى من المجتمع الأرثوذكسي الروسي، الذي كان قد دعم بسرعة رواية الكرملين بأن الغزو جزء من "حرب حضارية" و"روحية" ضد الغرب الفاسد والشيطاني، وبعد البداية الحماسية لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، بدأ القلق في الظهور.

وكتب بوريس كورشيفنيكوف، مقدم برنامج على قناة "سباس" الدينية التابعة للدولة الروسية، على تليجرام الأسبوع الماضي أن الأمريكيين يرونها "صفقة" بينما هي بالنسبة لهم "حرب وتضحية من أجل مستقبل روسيا".

وأضاف أن "كلمة صفقة" مثيرة للاشمئزاز لأنها تتغاضى عن التضحية الروسية وشرف الجيش الروسي.

ومن جهة أخرى، يشعر العديد من الجنود الروس في الخطوط الأمامية أن الحرب هي أكثر من مجرد قتال ضد الأوكرانيين، حيث يعتقدون أنهم يخوضون حربًا ضد الناتو والولايات المتحدة، بعدما شهدوا بشكل مباشر الأثر المدمر للأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة إلى أوكرانيا.

وقال قائد وحدة استطلاع في تشاسيف يار إن معظم الجنود الروس "لا يهتمون" بتقارير وسائل الإعلام التي وصفوها بأنها "هراء عاطفي" كانت موجهة للاستهلاك الغربي، وقال إنه هو وزملاؤه يركزون فقط على تنفيذ الأوامر.

وأضاف "نحن نعمل، ليس لدينا وقت، ولسنا مهتمين بالأمر. كل شيء يتعلق بالنصر، النصر، النصر بالنسبة لنا".

ويعتقد بعض القوميين المتطرفين أن أي تسوية سلام ستضر بمصالحهم الوطنية. وعلى الرغم من وجود فرصة ضئيلة لقيام هؤلاء الراديكاليين في وقت لاحق بالاعتراض على صفقة سلام محتملة، إلا أنهم لا يزالون يمثلون أقلية في المجتمع الروسي، حيث يظل غالبية الروس غير مهتمين ومستعدين لدعم أي قرار يتخذه بوتين - على حد تفسير الصحيفة الأمريكية.

وقال أليكسي فيديديكتوف، رئيس تحرير محطة "إيكو موسكفي" الإذاعية، إن "السؤال دائمًا هو، ماذا نحن نقاتل من أجله؟ ومن ضد من؟ الآن أصبح الأمر مكشوفًا مجددًا أننا لا نقاتل ضد أحد، بل نحن نقاتل من أجل مكاننا تحت الشمس، والقمر، والسماء".
 

مقالات مشابهة

  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الجيش العربي السوري كان وسيبقى عماد السيادة الوطنية، واستعادة الكفاءات والخبرات العسكرية التي انشقت وانحازت للشعب في مواجهة نظام الأسد البائد والتي خاضت معارك الدفاع عن الوطن أمرٌ ضروري لتعزيز قدرات جيشن
  • 3.6 تريليون دولار الناتج المحلي الإجمالي العربي خلال 2024
  • سهيل المزروعي: في يوم الطفل الإماراتي نحتفي بمستقبل وطننا المشرق
  • المجلس المسيحي العالمي للسلام: سوريا ستكون خالية من المسيحيين في 2045
  • رغم الهدنة.. الأوكرانيون لا يعولون على أميركا ويتوقعون الأسوأ
  • البرلمان العربي للطفل: تجربة الإمارات في رعاية الطفولة نموذج يُحتذى
  • واشنطن بوست: توتر بين القوميين المتطرفين الروسييين في ظل التقارب المفاجئ مع الولايات المتحدة
  • الرؤية الروسية للفكر الاجتماعي والاشتراكية في أدب دوستويفسكي.. قراءة في كتاب
  • “الكتاب الأبيض”.. استثمارات الصناعة العسكرية والدفاع في أوروبا لدعم أوكرانيا و”ردع” روسيا
  • «الشباب العربي» يعقد ملتقاه السنوي لشركائه الاستراتيجيين