يمثل الشرق الأوسط تحديا متعدد الأوجه بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة وأن الرأي العام الأمريكي أصبح ينتقد بشكل متزايد سلوك إسرائيل، مما يضع ضغوطا إضافية على الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته في عام حاسم قبل انتخابات يأمل أن تمنحه فترة رئاسية ثانية، بحسب استطلاع لآراء خبراء أجراه "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية" (ISPI).

بين 4 و11 يناير/ كانون الثاني الجاري، أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن جولة شملت إسرائيل وفلسطين وتركيا والسعودية والإمارات وقطر ومصر والبحرين.

وكانت هذه جولته الرابعة في الشرق الأوسط، منذ اندلاع حرب غزة بين إسرائيل وحركة "حماس"، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، "مما يسلط الضوء على الأهمية الدائمة للمنطقة في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية"، بحسب المعهد في تحليل ترجمه "الخليج الجديد".

وأضاف أنه "منذ بداية التصعيد العسكري بين إسرائيل وغزة، وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب، حيث تسعى إلى إيجاد توازن بين دعمها غير المشروط لإسرائيل وحاجتها إلى العمل مع الدول العربية بشأن خطط التهدئة الإقليمية".

اقرأ أيضاً

الجارديان: هجمات البحر الأحمر تنذر بمخاطر اقتصادية تهدد انتخاب بايدن وسوناك

تشجيع أمريكي

وفقا لعمر رحمن، زميل مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، فإنه "أي اختلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن غزة حتى الآن لم تكن كافية لإحداث تغيير ملموس في علاقتهما".

وتابع: "ورغم أن إدارة بايدن نأت بنفسها خطابيا عن التدمير الإسرائيلي المتعمد لغزة، فإن أفعالها، عبر الاستمرار في تسليح الجيش الإسرائيلي وتوفير الدعم البحري والمخابراتي ودعم إسرائيل في مجلس الأمن،  لم تسفر إلا عن تشجيع إسرائيل على الاستمرار في هذا المسار".

و"في حين يظل بايدن ملتزما شفهيا بحل الدولتين، فإن القادة الإسرائيليين أصبحوا يعلنون معارضتهم لهذه النتيجة"، كما أضاف رحمن.

وأردف أن "الولايات المتحدة تدفع ثمنا باهظا فيما يتصل بسمعتها نتيجة لدعمها غير المشروط لإسرائيل، وهو ثمن من المرجح أن يرتفع مع تدهور الوضع في غزة. ومن المؤكد أن هذا سيزيد من التوتر في العلاقة، خاصة وأن المزيد من الأمريكيين أصبحوا ينتقدون إسرائيل".

اقرأ أيضاً

ترامب يفوز بأول انتخابات تمهيدية وبايدن يعتبره الأوفر حظا لمنافسته

موقف الناخبين 

"يبدو أن نهج إدارة بايدن تجاه حرب غزة لا يزال يركز على تجنب انتشار عدم الاستقرار وتقليل العواقب طويلة المدى للحرب الإسرائيلية"، وفقا لجيانلوكا باستوري، زميل باحث مشارك في المعهد.

وتابع أنه بموازاة دعمها لإسرائيل، فإن "الولايات المتحدة تدعم أوكرانيا (ضد حرب روسية منذ 2022) بالفعل، وهو جهد سياسي واقتصادي مهم. وتظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين (الأمريكيين) سئموا منه على نحو متزايد".

ورأى أنه "من هذا المنظور، فإن (الوضع الراهن) في الشرق الأوسط يمكن أن يأتي بنتائج عكسية في الانتخابات المقبلة".

و"بينما تعرضت إدارة بايدن لانتقادات بسبب موقفها المؤيد لإسرائيل، لكن من الصعب اتخاذ مسار بديل للعمل؛ فدعم إسرائيل قضية شعبية بين الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين، ولا يستطيع الرئيس أن يتركها لخصومه، حتى على حساب خسارة دعم العناصر الأكثر تأييدا للفلسطينيين بين أنصاره""، بحسب باستوري.

اقرأ أيضاً

الشباب الأمريكي والحرب على غزة.. على بايدن أن يقلق في الانتخابات المقبلة

هجمات الحوثيين

ومتطرقا إلى بؤرة تصعيد إضافية في الشرق الأوسط، قال سكوت رومانيوك، وهو أكاديمي بجامعة جنوب ويلز، إن كل هجوم من الحوثيين (على سفن شحن مرتبطة بإسرائيل تضامنا مع غزة) يؤدي "إلى رد فعل عسكري (بقيادة واشنطن) لاستعادة الاستقرار في البحر الأحمر ومضيق باب المندب (تمر منه 40% من التجارة العالمية)".

واستدرك: "لكن على الرغم من أن الوجود العسكري متعدد الجنسيات (في البحر الأحمر) آخذ في التطور، مما أدى بشكل فعال إلى صد هجمات الحوثيين الكبرى، إلا أنه لم ينجح بعد في ردعهم".

رومانيوك حذر من أن الوضع الراهن "يزيد من احتمال نشوب صراع يشمل دولا أخرى وجهات فاعلة غير حكومية. ومن المحتمل أن يؤدي وجود القوة واستخدامها إلى سلسلة من العواقب السلبية. وينطبق هذا بشكل خاص عندما يتم استخدام القوة (الأمريكية في هذه الحالة) بطريقة هجومية، بينما يجب أن تكون دفاعية أو وقائية".

وبالإضافة إلى الحوثيين في اليمن، شنت جماعات أخرى موالية أيضا لإيران، بينها "حزب الله" في لبنان وجماعات في الجارتين العراق وسوريا، هجمات على أهداف إسرائيلية و/ أمريكية، وهو ما ردت عليه تل أبيب وواشنطن بهجمات، وسط مخاوف من اندلاع حرب إقليمية واسعة.

اقرأ أيضاً

17 موظفا بحملة بايدن الانتخابية ينشرون رسالة احتجاج على موقفه من حرب غزة

المصدر | المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: بايدن الشرق الأوسط حرب غزة إسرائيل انتخابات الرئاسة إيران الولایات المتحدة الشرق الأوسط اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

ثمن التوسع: من أوكرانيا إلى غزة

هل هناك روابط في الفكر الاستراتيجي الليبرالي بين أوكرانيا وغزة؟ بين فكرة السيطرة على غزة، وضم كل من أوكرانيا وجورجيا إلى حلف «الناتو» ضمن عملية التوسع شرقاً؟

تعرفت على هذا النمط من التفكير عام 1997، عندما كنت أعمل أستاذاً للسياسة بجامعة جورج تاون في كلية السياسة الخارجية، حيث كانت هذه الكلية هي مرآب الخارجين من الإدارة الأميركية والمنتظرين للدخول ضمن إدارة أخرى... وكان طبيعياً أن تلتقي أنتوني ليك مستشار الأمن القومي في إدارة كلينتون، أو مادلين أولبرايت، وغيرهما من قادة التفكير بتوسعة «الناتو» في البداية ليشمل دول التشيك والمجر وبولندا من أجل ما سمَّاها ليك «توسعة المجتمع الأطلسي». ولكن كان يحسب لأنتوني ليك أنه كان يرى أن فكرة توسيع «الناتو» يجب أن تُبنَى على «التوسع والانخراط» (enlargement and engagement) وعدم انقطاع الحوار مع روسيا. كان هذا في الجزء الثاني من عقد التسعينات في القرن الماضي، وكانت الجامعة معملاً لهذه الأفكار، تستمتع فيها إلى محاضرات ونقاشات لا تنتهي، وكلها كانت دعايةً لتوسيع «الناتو»، رغم وجود قلة عاقلة من أساتذة السياسة حينها مَن حذَّروا من خطورة هذه التوسعة، ولكن القصة استمرَّت وتَوسَّع «الناتو» ليشمل دول البلقان، ومن بعدها دولاً جديدة على أعتاب روسيا مثل: إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وذلك في عام 2004.

في عام 2008، وفي مؤتمر بوخارست فُتحت شهية «الناتو» لضم كل من أوكرانيا وجورجيا للحلف رغم اعتراض دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا، ومع ذلك سار الموضوع قدماً بضغط أميركي، بعد ذلك جاء الرد الروسي بضم جزيرة القرم عام 2014، ثم الحرب الشاملة على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، والورطة مستمرة إلى الآن.

ولكن ما علاقة ذلك بما يجري في منطقتنا والعدوان الإسرائيلي على غزة وجيرانها؟ إضافة إلى التوسُّع على الأرض في فلسطين؟

العلاقة تبدو واضحة بالنسبة لي! بالقرب من مكتب أنتوني ليك في جورج تاون، كان هناك فريق آخر من إدارة كلينتون يتحدَّث عن حل القضية الفلسطينية على طريقة المقايضة الكبرى، التي قيل إنَّ عرفات رفضها، ولكن في غرف أخرى أو على بعد خطوات في شارعَي M ستريت، وk ستريت، كانت نقاشات أخرى تقول إنَّ الفلسطينيين حصلوا على دولتهم وهي الأردن، أما الباقي فهو إرث إسرائيل التاريخية. وكانت فكرة التوسُّع والانخراط مع بوتين هي ذاتها مع عرفات... فقط اختلاف الأماكن والتكتيك.
ما نراه اليوم في فلسفة نتنياهو من التطهير العرقي، وحوار القوة في غزة ولبنان وسوريا (التوسع) مصحوباً بمحاولة التطبيع (الانخراط في حوار مع الجوار) ينطلق من الجذور الفلسفية ذاتها التي تبنتها مجوعة إدارة كلينتون التي بدت وكأنَّها من الحمائم تجاه القضية الفلسطينية يومها.

ثم جاء 11 سبتمبر (أيلول) وعهد جورج بوش الابن، وقرَّر نتنياهو أن يحمل أجندة إسرائيل في المنطقة على العربة الأميركية أو الدبابة الأميركية التي ستشق غبار الشرق الأوسط، وبدايتها كانت في العراق عام 2003. ومن يومها ونتنياهو يقود العربة الأميركية في الشرق الأوسط.

العربة الأميركية في توسعة «الناتو» انقلبت في أوكرانيا، والتهمت الحريق الروسي الذي نراه منذ عام 2022، وذلك سيكون مصير العربة الأميركية في الشرق الأوسط، رغم عدم وجود روسيا التي تقف ضدها.

العربة الأميركية اليوم المتجهة نحو إيران لن تجد الحائط الروسي ذاته الذي صدها في أوكرانيا، وإنما ستدخل نفق الانزلاق السياسي في بيئة تتطاير فيها القذائف، وفي الوقت نفسه لا توجد قنوات دبلوماسية مغلقة تستطيع التهدئة.

في معظم الحروب، حتى الحرب الباردة، كانت دائماً هناك قنوات دبلوماسية لتقليل التوتر، هذه القنوات تكاد تكون منعدمةً في الشرق الأوسط اليوم أو فاشلة، كما رأينا في محاولات التوصُّل لوقف إطلاق نار في غزة، ومن هنا تكون فكرة الانزلاق واردةً، ويصبح انضمام أطراف، عن دون قصد، إذا ما حدثت ضربة لإيران إلى المشهد، وارداً أيضاً.

المنطقة تتَّجه إلى الانزلاق، والعربة دون كوابح، والأبواب الدبلوماسية الخلفية كلها تقريباً مسدودة.
مستقبل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط هو ذاته في أوكرانيا اليوم. فثمن التوسُّع الإسرائيلي سيكون غالياً على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وله تبعات على أعمدتها الثلاثة المعروفة، مثل أمن الطاقة، وأمن إسرائيل، ومحاربة الإرهاب. التكلفة أعلى ممَّا تتصوره أروقة السياسة في واشنطن والعواصم الأوروبية. فالغباء الاستراتيجي واحد في الحالتين.

(الشرق الأوسط اللندنية)

مقالات مشابهة

  • ثمن التوسع: من أوكرانيا إلى غزة
  • كيف غيّرت حرب صدام مع إيران وجه الشرق الأوسط واقتصاد العالم؟
  • خبير يحذر واشنطن من تعزيز قوتها العسكرية في الشرق الأوسط
  • الشرق الأوسط على حافة تقسيم جديد: إسرائيل تقترح خطة لتقاسم سوريا
  • نتنياهو يجر الشرق الأوسط إلى نكبة ثانية
  • باتيلو يدعو الناخب الأمريكي للتحرك من أجل سياسة أكثر توازنًا في الشرق الأوسط
  • باحث سياسي: واشنطن تعتبر إسرائيل قاعدة عسكرية لضمان نفوذها في المنطقة
  • سي إن إن: الولايات المتحدة تنفق نحو مليار دولار على غارات في اليمن بنتائج محدودة
  • عن إجرام المجمع الصناعي العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط
  • بلومبيرغ: "إسرائيل" هي أكثر المتضررين في الشرق الأوسط من رسوم ترامب