بريطانيا تدين الضربات الإيرانية "غير المقبولة" على كردستان العراق
تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT
بريطانيا تدين الضربات الإيرانية "غير المقبولة" على كردستان العراق.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
إقرأ أيضاً:
لكنّ صنعاء لا بواكي لها!
يمانيون/ كتابات/ السيد شبل*
المشهد العسكري في اليمن، يكشف أن القيادة الأميركية لم تدّخر وُسعاً في استعراض قوتها، لكنها في الوقت ذاته لم تتمكن من إسقاط القدرات القتالية لليمنيين، بل دفعتهم إلى إبداع تكتيكات غير مسبوقة.
باستثناء بعض وسائل الإعلام المحسوبة على المقاومة ومحورها، فإن الأخبار التي تناقش أبعاد وثمار الضربات الأميركية البريطانية على اليمن، تكاد تكون غير موجودة؛ فثمة عزوف عام عن الإشارة إلى الضريبة القاسية التي يُسددها اليمنيون من دمائهم بعد سقوط عشرات الشهداء والمصابين خلال الأسابيع الماضية، بسبب رفضهم الصمت على ما يجري من عدوان إسرائيلي على الأبرياء في قطاع غزة، وإصرارهم على المشاركة في القتال، حتى تتوقف حكومة الاحتلال عن حرب الإبادة التي تشنها منذ أكتوبر/ تشرين 2023 ضد الفلسطينيين.
رغم حالة الحصار الإعلامي، فإن الشارع العربي ينظر بتقدير وفخر إلى العمل العسكري الذي تقوم به حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية منذ اندلاع أحداث ما بعد “طوفان الأقصى”، ويتمحور إعجاب المواطن العربي بالمقاومة اليمينية حول أربعة أمور:
الأول، القدرة على إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة لتعبر مسافة أكثر من 2000 كم بطول البحر الأحمر، لتسقط داخل الأراضي المحتلة، مُسببةً العديد من الخسائر. واللافت أن الصواريخ اليمنية غالباً ما نتجت عنها خسائر بشرية وأضرار مادية للإسرائيليين، إن لم يكن بسبب القذيفة ذاتها، يكون بسبب الشظايا الناتجة عن اعتراضها أو بسبب الاندفاع إلى الملاجئ بعد سماع صفارات الإنذار؛ وفي أكثر من مرة نجحت الصواريخ اليمنية في إرغام حكومة الاحتلال على إيقاف حركة الطيران وإغلاق مطار بن غوريون بعد استهدافه.
الثاني، فرض حالة حصار بحري شبه كامل على التجارة الإسرائيلية، فمنذ نوفمبر 2023، جرى استهداف السفن المرتبطة بـ”إسرائيل” في البحرين الأحمر والعربي، ما أثر سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي. وقد نتج عن تلك الهجمات تقليل حركة الشحن بشكل كبير إلى ميناء إيلات (أم الرشراش المحتلة)، إذ انخفض النشاط بنسبة 85% بحلول مارس/آذار 2024، وفي صيف العام ذاته، أعلن الميناء إفلاسه رسمياً، وطلب دعماً من الحكومة، كما شهد بعض السفن الإسرائيلية زيادة بنسبة 250% في تكاليف التأمين، في حين لم تتمكن سفن أخرى من الحصول على تأمين.
الثالث، إصرار الساحة اليمنية على مواصلة القتال ضد العدو الإسرائيلي رغم المستجدات كافة التي طرأت على ساحات المقاومة الأخرى، وأعاقت استمرارها في توجيه ضرباتها نحو “إسرائيل”؛ كذلك يثير صمود صنعاء في مواجهة الضربات الأميركية إعجاب المواطنين العرب البسطاء، خاصة أولئك الذين لم تنجح وسائل الإعلام الغربية أو العربية الموجهة في تلويث أفكارهم.
الرابع، حكمة القيادة اليمنية، والتي تمثلت في وقف القتال والإفراج عن طاقم سفينة “غالاكسي ليدر” الإسرائيلية في يناير/ كانون الثاني الماضي، وذلك دعماً لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة؛ ثم استئناف حظر عبور السفن الإسرائيلية، وإطلاق الصواريخ تجاه الأراضي المحتلة مرة أخرى، بمجرد انقلاب نتنياهو على الاتفاق، وعدم السماح للمساعدات بدخول القطاع مع بداية شهر آذار/ مارس الماضي، ثم اللجوء مرة أخرى إلى العمل العسكري الوحشي في 18 من الشهر ذاته.
لماذا تزداد أهمية اليمن اليوم؟الحديث عن المقاومة اليمنية، هو حديث ذو شجون، يماثل الحديث عن مقاومة أبناء جنوب لبنان أو جنوب العراق، ذلك بسبب الثمار الخبيثة التي نتجت عن التحريض الطائفي، الذي ترعاه بعض الأنظمة التابعة للولايات المتحدة الأميركية، وتقوم على تنفيذه بعض الجماعات الدينية المتشددة؛ اللافت في الأمر أن تلك الساحات هي وحدها التي وقفت مع الشعب الفلسطيني، عندما شرعت حكومة الاحتلال في تنفيذ عدوانها الهمجي على قطاع غزة، وهي وحدها التي فقدت خيرة أبنائها وصفوة قادتها شهداء على طريق القدس.
تخطى العدد التراكمي للغارات الأميركية على اليمن، منذ منتصف الشهر الماضي، حاجز الـ 330 غارة، وفق وسائل إعلام أجنبية وعربية، سقط بسببها شهداء وجرحى من المقاومة ومن المدنيين الأبرياء في صعدة وصنعاء والحديدة وذمار ومناطق أخرى، الإشكال هنا أنّ الشارع السياسي العربي لا يتذكر هؤلاء، ولا أحد حتى من المعنيين بالقضية الفلسطينية يُشير إليهم باعتبارهم شهداء ضحّوا بأرواحهم فداء للقضية، وتكاد تخلو العواصم العربية من أي مظاهرة سياسية تُدين العدوان الغربي على اليمن، وتطالب بوقفه، حتى يُخيّل إليك أن الساسة العرب إما أنهم قد تأقلموا مع التدخلات العسكرية الغربية أو أنهم يُساقون وفق أجندات مذهبية وطائفية عن وعيٍ أو من دون وعي.
المُتابع لتسلسل العدوان الأميركي البريطاني على اليمن، يدرك أنه بدأ في مطلع عام 2024، في عهد الديمقراطي جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق، واستمر، في مرحلته الأولى، حتى منتصف يناير/ كانون الثاني 2025؛ ثم عاد دونالد ترامب، ليعلن إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق مستمرة حتى الآن كمرحلة ثانية بعد تولّيه رئاسة الولايات المتحدة، وهذه الضربات تستهدف المحافظات اليمنية التي تنتشر فيها حركة أنصار الله، أي إنها موجهة ضد معظم المحافظات الموجودة في الجزء الغربي من البلاد، والمكتظة بالسكان، مع الانتباه إلى أن نحو 120 غارة تركزت على محافظة صعدة وحدها، شمال اليمن، باعتبارها المعقل الرئيسي للحركة.
خلاصة ما سبق، أن الحديث عن اليمن يكتسب أهمية مضاعفة اليوم لأربعة أسباب:
الأول، استمرار المقاومة اليمنية في عملها العسكري المساند لغزة، رغم المُتغيرات كافة التي شهدتها المنطقة خلال العامين الماضيين.
الثاني، غياب التركيز الإعلامي الذي كان يُفترض أن يقوم بدوره في حشد الجماهير لإدانة العدوان الغربي على بلد عربي.
الثالث، فضح الأفكار الطائفية، والتي يمتلكها أحياناً – ومع الأسف – بعض من يزعمون دعم القضية الفلسطينية.
الرابع، المَثل الاستثنائي الذي يضربه اليمنيون اليوم، فمعركتهم لم تعد ضد الاحتلال الصهيوني فقط، بل باتوا في مواجهة مفتوحة ومباشرة مع الأميركي والبريطاني وحلفائهما من الأوروبيين، أي مع أرباب الاستعمار العالمي، في نسختيه القديمة والجديدة، والآباء المؤسسين لـ”إسرائيل”، وهي مواجهة لم يدرك كثيرون أبعادها ونتائجها التي قد تغيّر وجه المنطقة لفترة طويلة مقبلة.
عدوانٌ غربي بلا نتائج حاسمةدخلت الغارات الجويّة الترامبيّة على اليمن أسبوعها الرابع، وبدأ العسكريون الغربيون يطرحون تساؤلات جادة بشأن مدى جدواها الاستراتيجية، في ظل استمرار القوات المسلحة اليمنية في إطلاق طائرات مسيّرة، وإسقاط المسيّرات الأميركية، بل وتوسيع دوائر النفوذ خارج حدود البلاد، فالواقع الميداني لا يتطابق مع الخطاب الرسمي للبيت الأبيض، ومع كل غارة جوية، تزداد مؤشرات التورط الأميركي/ البريطاني في صراع جديد مُعقد الأبعاد، يبدو أنه لن يُحسَم سريعاً.
المشهد العسكري في اليمن، يكشف أن القيادة الأميركية لم تدّخر وُسعاً في استعراض قوتها، عبر تكثيف الضربات الجوية، لكنها في الوقت ذاته لم تتمكن من إسقاط القدرات القتالية لليمنيين، بل دفعتهم إلى إبداع تكتيكات دفاعية وهجومية غير مسبوقة، ما أجبر قيادة العمليات العسكرية الأميركية على خفض معدل الضربات، وهو ما يمكن قراءته كمؤشر على تغير في نهج العمليات أو صعوبة الحصول على المعلومات الاستخبارية، خصوصاً بعد نجاح القوات اليمنية في إسقاط عدد من الطائرات الأميركية من طراز MQ-9.
التقارير تشير إلى أن البنتاغون لا يوافق على وصف ما يجري في اليمن بـ”الانتصار”، إذ يعتبر أن ما حصل حتى اليوم هو “نجاح محدود”، ويتمثل “نجاحهم” في اغتيال عدد من قادة حركة أنصار الله، رغم ذلك لم يتمكن الأميركيون من تدمير البنية التحت أرضية لتخزين الأسلحة، ولا يزال اليمنيون قادرين على إطلاق الطائرات وتهديد “إسرائيل”، بل وردع دول الجوار عن الإسهام في العدوان الأميركي.
تواجه الولايات المتحدة أزمة حقيقية في تحديد وضرب الأهداف بدقة، ذلك بعد نجاح المقاتلين اليمنيين في توزيع قدراتهم الجوية على الجبال، ونشر أنظمة دفاع جوي لم يسبق استخدامها، ما يعقد مهمة الرصد والهجوم، خاصة مع تقليل استخدام الصواريخ مقابل تكثيف استخدام الطائرات المسيّرة، التي يصعب تعقبها، وهو ما يُفسّر قدرتهم على استهداف الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، رغم الحصار الجوي؛ في الوقت نفسه، تواجه واشنطن صعوبات داخلية تتعلق بتمرير الميزانية المتعلقة بالعمليات، وسط اعتراضات من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء، ما يُشكك في مدى فاعلية تلك الحملة العسكرية، وإمكانية استمرارها لمدة أطول.
كاتب مصري