محمد أبوالفضل
كاتب مصري

إذا تم حل إشكالية حميدتي مع البرهان بالتراضي يمكن عبور الكثير من التعقيدات وتخفيف حدة الخسائر التي قد يتكبدها السودان لأن مؤسسة الجيش سوف تظل مؤسسة جامعة لكل الوطنيين في البلاد.
يمثل التطرق إلى السودان مشيا على الأشواك بالنسبة إليّ، فمنذ أن بدأت الاهتمام به والكتابة عنه قبل سنوات ويتم وضعي تارة في خانة الحكومة وأخرى مع المعارضة.

وصنفت في عهد الرئيس السابق عمر البشير معه وضده في آن واحد. وهذه شهادة إيجابية جعلت إحدى الصحف الخليجية تتمسك بأن أكتب لها بانتظام مدة طويلة.

انتهت حقبة البشير بحلوها ومرّها المهني، لكنها تركت إرث التصنيف مع أو ضد، والذي انتقل هذه المرة إلى: مع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، أم مع قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لأن عقل الكثير من النخب السودانية يبدو أنه لا يستوعب فكرة الحياد التام، وكأن الصحافي لا بد أن يكون منحازا من أول كلمة يكتبها، وإن لم يظهر ذلك يتم التفتيش في نواياه.

عانيت من هذه المسألة في الفترة الماضية، وجرى تصنيفي تارة مع هذا وأخرى مع ذاك، لكنها لن تثنيني عن التطرق إلى قضية هذا المقال، وهي إشكالية حميدتي مع الجيش أم مع البرهان، والتي تمثل مفتاحا لفهم بعض الألغاز الراهنة.
كانت أزمة قائد الدعم السريع كبيرة مع الجيش في البداية، بحكم التنشئة العسكرية المختلفة، والتراتبية القلقة، والهوة التاريخية بين الجانبين، وعندما تم تقنين وضع الدعم السريع وأصبحت جزءا من المؤسسة العسكرية أذيبت الكثير من المنغصات والفوارق، وجرى التفاهم بين القيادة العليا، وبات كلاهما مكملا للثاني دون التخلي عن حساسيات ظهرت تجلياتها بين حميدتي والبرهان قبل انفجار الصراع الراهن بينهما.

اختزلت بعد ذلك مشكلة حميدتي مع البرهان عقب اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي، وكان خطابه حيال المؤسسة العسكرية وطنيا إلى حد بعيد، ولم يضبط أنه يتهجم عليها إلا عندما تعلق الأمر بعلاقة البعض من قادتها بالنظام السابق وخضوعهم لرؤية الحركة الإسلامية في بعض القضايا المحورية، وهو ما أفاد قائد الدعم السريع في استقطاب عدد من قادة الجيش.

استفاد حميدتي من مركزية القرار داخل قواته، فمع أنها تضم العديد من القادة الكبار، غير أن الكلمة الفصل بقيت في حوزته ونائبه، شقيقه عبدالرحيم دقلو، وهي ميزة افتقر لها البرهان حيث تعددت مراكز صناعة القرار، وظهرت ملامح التباين عنده في بعض التقديرات السياسية والموقف من المبادرات الإقليمية والدولية وتطبيق مخرجات منبر جدة، والتعامل مع هيئة “إيغاد” التي نجح حميدتي في إدارة العلاقة معها.

في الوقت الذي رفض فيه البرهان دعوة “إيغاد” لحضور قمة تناقش قضايا ملحة بينها الأزمة في السودان وستعقد في أوغندا الخميس المقبل، قبل حميدتي الدعوة مسجلا هدفا سياسيا في مرمى خصمه، والذي بدا كأنه يتنصل من لقاء محتمل بينهما قامت قيادة الهيئة بالترتيب له منذ أسابيع أملا في التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
أكد رفض البرهان وقبول حميدتي الدعوة عمق الهوة في التعاطي مع الأزمة داخليا وخارجيا، ووضوح الرؤية السياسية لدى الأول مقارنة بالثاني، وهذا أحد المحددات التي مكنت قائد الدعم السريع من تحقيق جملة مكاسب في الفترة الماضية، تخطت حدود العمليات العسكرية، فمع أن شريحة من النخبة السودانية مالت منذ بداية الحرب لموقف الجيش كمؤسسة نظامية، إلا أن تصرفات قيادته جعلت الكثيرين ينصرفون عنه.

كما أن الخطاب العام الذي يتبناه حميدتي ساعده على جذب فئة من هذه الشريحة إليه، بعد أن فقدت ثقتها السابقة في قيادة عسكرية نظامية قدمت وعودا عدة بالنصر السريع وإعادة الأمور إلى صوابها ولم تتمكن من تحقيقها، ونجحت قوات الدعم السريع في تقويض مخططات القضاء عليها أو إجبارها على الاستسلام، كرها أو طوعا.

أضف إلى ذلك أن قائدها بدا منفتحا كثيرا على القوى المدنية، وتمكن من إجهاض اتهامات وجهت إليه بأن هدفه الهيمنة على السلطة والاستحواذ على مفاتيحها، وحصر القصة في استبدال جنرال بآخر، ولعب هذا الانفتاح دورا في تجاوب بعض القوى المدنية معه وعقد لقاءات في محطات إقليمية، تمخضت عنها نتائج لمستقبل البلاد.

أسهمت المرونة السياسية التي تمتع بها حميدتي في كشف نقاط ضعف عديدة لدى البرهان، فالأول كان متحللا من أيّ كوابح داخل الدعم السريع، بينما بدا الثاني أسيرا للكثير منها في مواقف مختلفة، ما يفسر سرعة اتخاذ القرار عند الأول والبطء أو العقم عند الثاني. وهذا يفسر أسباب التفوق الذي أحرزه حميدتي ميدانيا وسياسيا، والخسارة التي مني بها البرهان وانعكست حصيلتها على موقف المجتمع الدولي.
تجاوز قائد الدعم السريع الاتهامات التي وجهت إليه بشأن السيطرة على إقليم دارفور والانفصال به قسرا عندما أظهر خطابا غير فئوي، مستفيدا من انتصارات عسكرية حققها في ولايات كان التفكير في الوصول إليها عقب الحرب ضربا من الخيال، وباتت قوات الدعم السريع الآن أقرب إلى السيطرة على ولايات بعيدة.

يحتاج دخول بعض الولايات حربا أو سلما، تفكيكا سياسيا لفهمها، لأن الطريقة التي استسلمت بها خفية، لكنها تدل على إخفاق يتحمل جزءا كبيرا منه الجنرال البرهان، والذي خضع لرؤية فئة تصر على صبغ الجيش بطابع عقائدي يلفظه قطاع من المنتمين إليه، وترفضه شريحة كبيرة من المواطنين، وهي ثغرة عزف عليها حميدتي منذ بداية الحرب واستفاد منها، إذ وضعت المؤسسة العسكرية في صورة أيديولوجية تثير ريبة سودانيين يريدون رؤية دولة وطنية موحدة تضم كل الأطياف.

يدل إخفاق البرهان في تفكيك معادلة التوازن الخارجية التي ظهرت مع بداية الحرب وساوت بينه وبين حميدتي على قصور في الرؤية السياسية، لأن هناك سلسلة من التصرفات لعبت دورا رئيسيا في الحفاظ على هذه المعادلة، وعلى الرغم من كل محاولات تجاوزها، غير أن موقف المجتمع الدولي ظل متمسّكا بها.

لم تتمكن الدول التي انحازت للجيش منذ انطلاق الحرب من تبني موقف رسمي واضح ضد الدعم السريع، فمع صمودها وتفوقها عملياتيا وتوسيع نطاق الاعتراف بها تحولت إلى عنصر مركزي في السودان يصعب تجاهله، لأن العنصر الثاني أخذت قوته العسكرية تتراجع وخطابه السياسي ينحدر مع تزايد معالم التناغم بين قائد الجيش وحركة إسلامية تبنت رؤية ميليشياوية على أمل تحقيق نصر يحفظ لها ماء الوجه.

إذا تم حل إشكالية حميدتي مع البرهان بالتراضي يمكن عبور الكثير من التعقيدات وتخفيف حدة الخسائر التي قد يتكبدها السودان في المستقبل، لأن مؤسسة الجيش العريقة سوف تظل مؤسسة جامعة لكل الوطنيين في البلاد.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قائد الدعم السریع مع البرهان الکثیر من

إقرأ أيضاً:

البرهان يزور مصفاة الجيلي بالخرطوم ويتعهد بإعادة إعمار ما دمره الدعم السريع

قام رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، اليوم السبت، بزيارة تفقدية لمصفاة الجَيلي للبترول شمال الخرطوم، بعد أن أعلن الجيش في وقت سابق استعادة السيطرة عليها بعد معارك مع قوات الدعم السريع استمرت عدة أيام.

يأتي ذلك فيما أكد رئيس أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين أن تمكن القوات المسلحة أمس الجمعة من فك الحصار الذي كانت تفرضه قوات الدعم السريع على مقر "القيادة العامة" في الخرطوم منذ عام ونصف العام، هو بمثابة "بداية تاريخ جديد" للشعب والجيش السودانيين.

وتعهد البرهان -خلال زيارته- بـ"إعادة إعمار ما دمرته المليشيا حتى تعود المصفاة للعمل بصورة طبيعية كأحد الموارد الاقتصادية الهامة في الدولة".

كما أكد أن "ما اقترفته يد المليشيا من دمار وتخريب لهذه المنشأة الوطنية لن يمر دون حساب".

وأضاف "عهدنا مع الشعب أن نستمر في دحر هذا التمرد حتى تطهير آخر شبر دنسته مليشيا آل دقلو (محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي) الإجرامية".

وكان مصدر عسكري رفيع في الجيش السوداني قد أكد للجزيرة في وقت سابق أن الجيش تمكن من استعادة السيطرة على مصفاة الجيلي شمال الخرطوم.

وبث جنود للجيش السوداني صورا تظهر توغلهم داخل مصفاة الجيلي والتصنيع الحربي ومكاتب جهاز الأمن، وقال الجيش -في بيان مقتضب- إنه تمكن من طرد قوات الدعم السريع من المصفاة.

إعلان

وتعتبر مصفاة الجيلي التي تقع على بعد نحو 70 كيلومترا شمال الخرطوم المصفاة الرئيسية للنفط، وظلت تحت سيطرة الدعم السريع منذ نشوب الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023.

وشهدت مدينة الجيلي اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الأيام الماضية، حيث سعى الجيش للسيطرة على آخر معاقل الدعم السريع الذي كان يتحصن بمقر المصفاة.

تاريخ جديد

من ناحية أخرى، اعتبر رئيس أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين أن تمكن القوات المسلحة من فك الحصار الذي كانت تفرضه قوات الدعم السريع على مقر "القيادة العامة" في العاصمة السودانية منذ عام ونصف العام، يعتبر "بداية تاريخ جديد" للجيش والشعب السودانيين.

وقال -في كلمة له لوسائل الاعلام من داخل مقر القيادة العامة- إن "هذه بداية تاريخ جديد بالنسبة للقوات المسلحة السودانية وللشعب السوداني لالتفافه حول الجيش في معركة الكرامة".

وأضاف "هذا النصر هو حافز للجميع لتطهير كل شبر متبق من أرض السودان (من سيطرة الدعم السريع)".

وذكّرت مصادر بالجيش السوداني أمس بأن الجيش فك الحصار الذي كان يفرضه الدعم السريع على مقر "القيادة العامة"، كما فك الحصار عن معسكر سلاح الإشارة، بعد معارك وسط الخرطوم بحري.

وقالت القيادة العامة للقوات المسلحة -في بيان- إن قواتها أكملت المرحلة الثانية من عملياتها وذلك بالتقاء قوات محور الخرطوم بحري مع القوات المرابطة بالقيادة العامة.

وأضاف البيان "تهنئ هيئة قيادة القوات المسلحة قواتنا بكل محاور القتال بهذا الانتصار الذي امتزج مع دحر هجوم مليشيا آل دقلو الإرهابية الغادر صباح اليوم (الجمعة) على مدينة الفاشر الصامدة".

وفي تصريحات له مساء الجمعة، قال وزير الإعلام السوداني إن "انتصارات الجيش بالخرطوم وكردفان والفاشر نقطة فارقة بمسيرتنا لاستعادة الأمن والاستقرار".

إعلان

في المقابل، نفت قوات الدعم السريع -في بيان- تحقيق الجيش أي تقدم، واصفة المعلومات بأنها مجرد "رفع للروح المعنوية" لعناصره.

ويخوض الجيش والدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

مقالات مشابهة

  • البرهان يزور مقر قيادة الجيش السوداني ويتعهد “بالقضاء” على الدعم السريع
  • «البرهان»: لا تفاوض ولا صلح مع الدعم السريع
  • البرهان من مقر قيادة الجيش: “الدعم السريع” إلى زوال
  • البرهان يزور مقر القيادة العامة بعدما استعاده الجيش من قوات الدعم السريع  
  • رئيس مجلس السيادة السوداني: شعبنا يصطف خلف قواته المسلحة ضد الدعم السريع
  • البرهان: السودانيون يدعمون القوات المسلحة في معركتها ضد الدعم السريع
  • البرهان: القوات المسلحة في أفضل حالاتها وسنمضي نحو القضاء على ميليشيا الدعم السريع
  • البرهان يزور مصفاة الجيلي بالخرطوم ويتعهد بإعادة إعمار ما دمره الدعم السريع
  • قائد الجيش يتفقد مصفاة الجيلي في الخرطوم بحري
  • ميليشيا الدعم السريع تهاجم منزل مستشار حميدتي الباشا طبيق وتقوم باغتيال طاقم الحراسة وتنهب المنزل