عبد الله علي إبراهيم
استاء القوم مما ذاع عن تنازل السودان، متى دان للدعم السريع، عن أبيي إثر لقاء رشح عن المنظر فرانسيس دينق وحميدتي. ولكن وجب التذكير بأن حميدتي مسبوق إلى هذا. فكانت معارضة الإنقاذ (التي خرجت قحت وتقدم والجذرية والمسلحون من رحمها كما يفضلون التعبير) قد فرغت من التنازل عن أبيي وتسليمها صرة في خيط لدولة جنوب السودان.

وطعنت في مطلب شعب المسيرية البقارة بحقها في تملك أبيي لأن "الساير عطية"، في لغة اليوم، مثل المسيرية لا حق له في أرض هي ل"المقيم" حيماد"، أو شعب الدينكا نيقوكك. وعليه تناصرت دوائر من معارضي الإنقاذ لمنع المسيرية من أن تكون طرفاً في الاستفتاء حول أبيي ولمن تكون: للسودان أم لجنوب السودان. وأكثر تحامل سلف قحت وتقدم اليوم على المسيرية هو غيظ معارضة لا علماً: فكيف الكيف تتحالف المسيرية مع الكيزان في الإنقاذ (قبل أن يكونوا فلولاً) بل وقبلها مع الإمام الصادق المهدي خلال دولته بعد ثورة إبريل 1985 في المراحيل ضد قرة عينهم الجيش الشعبي لتحرير السودان (ويا يا).
وكتبت في أيامها أعرض لقلمي منصور خالد وعمر القراي (الذي لا يقرأ) اللذين نشطا في حملة تجريد المسيرية من الحق في منطقة أببي إلا كرعاة عابرين للحدود الدولية لجنوب السودان لهم الكلأ والماء ومحل ما تمسى. فإلى المقال القديم الأول

كنت أخشى دائماً أن يصبح تبخسينا ل"العقل البدوي" (لذي تعتقد صفوة الرأي أنه من وراء خيباتنا الكبرى) سبباً لخرق حقوق الجماعات الرحالة بالنظر إلى أسلوب حياتهم. وقد سبق لي القول إن ما عقّد قضية المسيرية في أبيي، التي تقف الآن كعقبة كؤود في طريق السلم السوداني، إلا ظننا أنهم شعب سيًّار "محل ما تمسى ترسى". فلا يتواشج المسيري مع الأرض معاشاً ووجداناً ومعاداً. فهو "هائم" (roaming) بأرض الله الواسعة. أي أنه في "سواجي ولواجي" في عبارة شايقية. فحتى المؤتمر الوطني، الذي يظن الناس أنه الذي يحرض المسيرية على حق مزعوم بأبيي، باعهم بعد أن حصل من تحكيم لاهاي على بعض حقول النقط بينما خسر المسيرية الأرض. وقال الدرديري محمد أحمد، ممثل الحكومة بلاهاي، إنه يعتقد أن التحكيم جاء نصراً للحكومة.
الاستخفاف بذوق البدوي للأرض وارتباطه بها وحيله لتأمينها فاش. فآخر ما انتهت إليه أحزاب المعارضة بشأن الحقوق في أبيي هو طلبها من أمريكا أن ترفع يدها عن المسألة وأن تترك للدينكا والمسيرية ترتيب تلك الحقوق بالسوية. وهذا هرب للأمام من المعارضة وتنصل عن دراسة تلك الحقوق بصورة مسؤولة لتستقل برأي يعين المسيرية والدينكا معاً على التسوية. وددت مثلاً لو جاءت المعارضة برأي مدروس حول شرط "الإقامة" للتصويت في استفتاء أبيي. فالأمريكان، الذين طلبت المعارضة منهم ترك المسيرية والدينكا لحالهم، حاولوا مراراً وتكراراً تعريف تلك الإقامة بما يقرب من وجهات نظر أطراف النزاع.
ويمكن بالطبع لجهات أخرى أن تدلو بدلوها في الموضوع وتلقى القبول و"ترفف" الأمريكان الذين "دنا إبعادهم". فالتصويت في الاستفتاء لن ينعقد بدون تحديد لشرط "الإقامة" مقبول للأطراف مهما طال السفر. من جهة أخرى، يكشف رهن المعارضة حل مسألة أبيي بالأطراف "القبلية" المعروفة عن قصور كبير في بروزة الصراع حول أبيي في السياق القومي. وكشفت رسالة للماجستير كتبها عبد الوهاب عبد الرحمن (1982) عن كيف تواثقت الأطراف القبلية مع القوى القومية والحكومية منذ منتصف الستينات وتحالفتا مما يجعل حل النزاع القبلي بعيداً عن تلك القوى المركزية والإقليمية أمراً بعيد الاحتمال. فقد فرضت المسيرية مرتين على حكومة الخرطوم ألا تقبل بتقرير الخبراء ولا تحكيم لاهاي.
ولعل أوضح صور التحامل على المسيرية من جهة أسلوب حياتهم اختصار مطلبهم في "حق الرعي" في الأرض دون حق التملك. فكانت مساومة الأمريكان للمسيرية في طور من الأطوار أن تجعل ذلك "الحق" جاذباً. بمعني أنها وعدتهم بتطوير المراعي والخدمات في دارهم بما ينسيهم أبيي "وسقطها". ولم يقبل المسيرية بهذه "الجزرة" الأمريكية.
ويقصر منصور خالد أيضاً مطلب المسيرية على حق الرعي دون المواطنة. فهو يعيد علينا نص بروتكول أبيي (2004) الذي «يحتفظ المسيرية والأشخاص الآخرون (فيه) بحقهم التقليدي لرعي الماشية وتحرك الأفراد عبر إقليم أبيى». وقال إن الحركة الشعبية رعت هذا الحق في أوقات الحرب فكيف تصد عنه في وقت السلم. ومنطق منصور هنا كالعادة فاسد. فقوله إن الحركة رعت حق المسيرية في الرعي وقت الحرب فما بالك في وقت السلم بلاغي لا غير. فالمقارنة في وضعنا الراهن لا تكون بين وقت حرب ووقت سلم كما ذهب منصور، بل بين وقت كان فيه السودان واحداً وقبل به المسيرية بخيره وشره ووقت سيتفرق فيه السودان. ومتى تفرق ربما صارت أبيي، التي للمسيرية حجة حسنة على تملكها، إقليماً في الجنوب. ولهذا يصر المسيرية على التصويت في الاستفتاء كمواطنين (لا مجرد مستخدمين للأرض) لترجيح بقاء أبيي في دولتهم. فليس بوسع منصور نفسه تأمين حقوق جماعة بادية في بلد آخر على علو كعبه في دولة الحركة الشعبية.
ونواصل غداً عرض بقية منطق منصور ونعرج على رأي سقيم آخر لعمر القراي.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مجلس دينكا أبيي يهنئ الشعب السوداني بالانتصارات الأخيرة

هنأ المجلس الأعلى لتنسيق شؤون دينكا أبيي بالسودان جماهير الشعب السوداني بالانتصارات الأخيرة التى حققتها القوات المسلحة والقوات المشتركة المساندة لها وسيطرتها على مصفاة الجيلي والقيادة العامة وسلاح الإشارة ومطار الخرطوم الدولي.واشاد المجلس في بيان حصلت عليه (سونا) بالتلاحم بين القوات الذى قال نعتبره نقطة تحول للزحف نحو كردفان ودارفور لتحرير كل السودان من دنس ال دقلو .فيما يلي تورد (سونا) نص البيان :-بسم الله الرحمن الرحيم بيان مهمحول: سيطرة الجيش التامة على القيادة العامة وسلاح الإشارة ومصفاة الجيلي ومطار الخرطوم الدوليجماهير الشعب السوداني:يتقدم المجلس الأعلى لتنسيق شؤون دينكا أبيي بالسودان بالتهنئة الحارة للقوات المسلحة السودانية الباسلة، والقوات المساندة لها من القوات المشتركة، والجيش الشعبي، والمستنفرين، والعمل الخاص، لما قاموا به من تحرير وتلاحم في عدة محاور بولاية الخرطوم، خاصة في القيادة العامة، وسلاح الإشارة، والمصفاة. نزف لكم هذه التهنئة ونحن على أمل أن تخلو الخرطوم قريباً من مرتزقة آل دقلو.جماهيرنا الأوفياء:نحيي فيكم وقفتكم الصلبة مع قواتكم المسلحة، ونحن على أمل أن يتم تطهير كل شبر في القريب العاجل. وإنّ التقاء جيوشنا يعني إعداد خطة جديدة للزحف نحو كردفان ودارفور لطرد هؤلاء الأوباش.جماهيرنا الصابرة:نعبر في المجلس الأعلى لتنسيق شؤون دينكا أبيي بالسودان عن دعمنا المطلق للجيش واعتزازنا بالمجهودات المشرفة التي بذلها أبطالنا في القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة والنظامية والمستنفرين من أبناء الشعب السوداني. نسجل تقديرنا العميق للتضحيات العظيمة التي قدموها من أجل حماية الوطن وكرامة شعبنا.جماهيرنا المثابرة:بهذه المناسبة، ندعو الجميع إلى تعزيز الوحدة الوطنية والتكاتف لتحقيق الاستقرار والسلام، وبناء سودان قوي ومزدهر. كما ندعو إلى الوقوف صفاً واحداً خلف قواتنا المسلحة حتى يتحقق النصر الكامل.المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، والعزة والكرامة للوطن.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • وفاة الفكر السياسي الذي أدمن المعارضة وتربى عليه الناشطون في الجامعات وأركان النقاش
  • شاهد بالصور.. بعد أن وجدوا رفاته في مكان حطام الطائرة بالكباشي.. القوات المسلحة تقوم بدفن جثمان البطل الطيار وإبن السودان البار “مازن حولي” الذي استشهد داخل طائرته في يوليو 2023
  • هل تستغل جوبا الأزمة السودانية لفرض واقع جديد في أبيي؟
  • مجلس دينكا أبيي يهنئ الشعب السوداني بالانتصارات الأخيرة
  • ضرورة التمييز بين معاداة الإسلاميين ومعاداة عموم الشعب السوداني الذي يخوض معركة الكرامة!!!
  • ترامب بصدد منع بريطانيا من التنازل عن جزر شاغوس
  • رئيس الهيئة الشعبية السودانية لإسناد القوات المسلحة وبناء السودان يشيد بإلتقاء الجيوش الذي يمثل نهاية المليشيا
  • استقالة مدوية.. مستشار حميدتي يرفض الجرائم ضد المدنيين في السودان | فيديو
  • ترامب يوبخ رئيسة وزراء الدانمارك بعد رفضها التنازل عن غرينلاند
  • تحول حرب حميدتي ضد التيار الإسلامي إلى حرب ممنهجة ضد التيار الكهربائي !!