الحرب التي استعرت لتسعة أشهرٍ خلقت وضعاً غير طبيعي وظرفاً أستثنائياً بالغ التعقيد . أنعدم فيه الغذاء والدواء وأفتُقدت معه مقومات الحياة الطبيعية وتبعثرت فيه الأسرة الواحدة . وهذا الواقع المعقد بالضرورة أنعكس سلباً علي النشاط والحراك السياسي . يزيد الامر تعقيداً الاعتقالات للنشطاء السياسيين وأعضاء لجان المقاومة ولجان الطوارئ والخدمات اللذين يضحون بحياتهم كل ساعة لتوصيل ما تيسر من علاج وما يروئ ظمأ المحتاجين .
في أتصال هاتفي استفسرت عن بعض عضوية الشيوعي الذين تربطني بهم صلة زمالة فجأتني الاجابة : احمد في حلفا مع أولاده ينتظر السماح له بالدخول لمصر عبدالله المسئول التنظيمي ذهب الي ذويه في مدينة الكوة . ابراهيم في القلابات . علي ببورتسودان في انتظار تأشيرة الدخول لدولة خليجية . هؤلاء أعضاء فاعلين في الحزب الشيوعي وهذه الحالة تشمل بقية أعضاء الاحزاب الأخري الذين شاركوا بفعالية في ثورة ديسمبر. انفرط العقد التنظيمي/السياسي لان الوطن في حالة حرب فُرضت عليه من قوم لا تعني الأوطان شيئاً بالنسبة لهم . هذا الانفراط اللا أرادي شمل قمة هرم الاحزاب السياسية والشيوعي ليس أستثناءً . اذا نظرنا لهذه الظروف بعين الاعتبار نجد من الصعوبة ممارسة حياة حزبية ديمقراطية ناهيك عن ديمقراطية مركزية مع إنعدام إمكانية عقد اجتماعات ناجحة حتي عن طريق الاستعانة بالتكنلوجيا الحديثة لأن كثير من المناطق انعدمت فيها حتي الكهرباء ولعدة شهور. المحادثات التلفونية في بعض الأحيان اذا كُتب لها النجاح تتم بعد صعود المتحدث الي تل عالٍ او سطح بنيان مهجور او عمارة متهدمة . المواطنين يمارسون الحياة في ظروف شبيه بالقرون الوسطي . هذا هو الحال في 9 ولايات من غالبية ولايات السودان تدور فيها حرب طاحنة ومساحتها تشكل معظم أراضي السودان . إذا هذا الوضع يجد المرء نفسه مدفوعاً للتفكير في مشروعية القرارات التي تصدر باستيفائها حتي النصاب القانوني خاصةً إذا كانت لا تدعوا للتفاوض ووقف القتال فأنها بلا شك ستفقد مشروعيتها ومصداقيتها والعمل علي تطبيقها . ليس هذا فحسب وأنما في بعض الأحيان تصدر بيانات من المكتب السياسي الذي تم اختياره من قبل اللجنة المركزية ترفض الجلوس مع من ينادون ويسعون لوقف الحرب وكأنما الحرب الدائرة الخصم فيها ليس المؤتمر الوطني ومن خرج من رحمه من مليشيات.
أستدعي هذه المقدمة التصريح الذي أدلي به مؤخراً الاستاذ صالح محمود يوم الجمعة 12 يناير الجاري لراديو دبنقا فحواه أن الشيوعي يرفض دعوة (تقدم ) للاجتماع لمناقشة قضايا الحرب والسلام في السودان . حيث ورد فيها ما يلي :( وقال القيادي بالحزب صالح محمود إن قرار رفض الجلوس مع (تقدم) جاء متسقاً مع قرار اللجنة المركزية للحزب الخاص بالتعامل مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والاقليمية والدولية ، واشار الى ان اللجنة المركزية للحزب اتخذت من قبل قرار بالخروج من قوى الحرية والتغيير وقوى الإجماع وأصدر بيان شرح فيه للرأي العام أسباب خروجه ومن ثم أعتذر للشعب السوداني عن وجوده في تحالف الحرية والتغيير لأكثر من سنة . وذكر ان هذا الوجود كان خطأ كبيراً بعد أن ادارت الحرية والتغيير ظهرها للمطالب المشروعة للشعب السوداني المضمنة في مواثيق ثورة ديسمبر، وأضاف: الحزب انتقد نفسه علنياً لهذا الخطأ وتعهد بأن لا يتكرر هذا الخطأ مرة اخرى.
أكد هذا التصريح ما جاء بصحيفة الميدان يوم الأحد 14 يناير علي لسان المكتب السياسي:( كما تناول المكتب السياسي الدعوة التي وصلته من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لعقد اجتماع مشترك، حيث تقرر الرد عليها كتابة. وأبدى الاجتماع ملاحظاته أنه من التجارب الماثلة وقـرار اللجنة المركزية للحزب الخاص بقبول الاجتماع مع الكيانات السياسية والاجتماعية بصورة منفردة وليس ككتل. وأضاف المكتب السياسي : مع ملاحظة أن السمة العامة لهذا التكتل ونشاطه السياسي تؤشر إلى أنه يسير نحو التسوية وإعادة شراكة الدم مع القوى العسكرية في اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ وقوات الدعم السريع ، والاستمرار في برامج وخطط الهبوط الناعم والتبعية للخارج. وتكريس مبدأ الإفــلات من العقاب، وإعادتهم للحياة السياسية والاقتصادية تحت رايات إيقاف الحرب والديمقراطية الشكلية .
أنتهي الاقتباس من بيان المكتب السياسي .
تصريحي الأستاذ صالح محمود والمكتب السياسي غاب عنهما تقدير الظرف الاستثنائي الذي يمر به الوطن ولم يستصحبا معهما مستجدات الحرب وتداعياتها التي فرضت واقعاً سياسياً واجتماعيا جديداً يتطلب إعادة النظر في قرارات سابقة . شعار لا للحرب يفرض علي كل القوي المدنية التي تسعي للحفاظ علي الدولة السودانية أن تصل الي وفاق يجمعها لمحاربة غول الشر الذي يسعي لإجهاض ثورة ديسمبر المجيدة وتفتيت الوطن . الحرب الدائرة اليوم جبت ما قبلها من قرارات حزبية تقف ضد لقاء القوي السياسية المختلفة سواء كانت أحزاب منفردة أو كتل سياسية . القرارات الحزبية ليس لها قدسية وتخضع للمراجعة والحذف والتجديد لمواكبة متطلبات العصر ومستجداته ، خاصةً أذا كانت الأوطان تمر بظروف حرب ليست في مصلحة المواطن والوطن . الخليفة عمر بن الخطاب أبطل الحد الألهي المقدس للسرقة في عام الرمادة فما بالك من قرار المكتب السياسي الذي تم أتخاذه من قبل مجموعة نحترمها الأ أنها لا تتعدي أصابع اليدين وفي ظروف هذه الحرب اللعينة قد يكون القرار أُتخذ مع عدم مراعاة النصاب القانوني . الحرب بين السودانيين اليوم أسوأ مما كان عليه الحال بين المسلمين في عام الرمادة الذي وصفه الطبري :( كانت الرمادة جوعاً شديداً أصاب الناس بالمدينة وما حولها، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمقفر) وقال الحافظ ابن كثير: (وقد روينا أن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة ، فلم يجد أحداً يضحك ، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة ، ولم ير سائلاً يسأل ، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين ، إن السؤَّال سألوا فلم يعطوا ، فقطعوا السؤال ، والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون)
الهدف الذي تنادي به وتسعي اليه الأحزاب السياسية سواء كانت في الجذري أو الأطاري هو رفعة مستوي المواطن المعيشية لكي ينعم بالحرية والسلام والعدالة ، وهو علي النقيض من هدف قوي اليمين المتطرف بكتائب ظله ولجنته الأمنية ومؤتمره اللاوطني واستنفاراته التي يحشد لها بدعاوي معركة الكرامة ولواء البراء بن مالك التي يريد بها توسيع رقعة الحرب وتحويلها الي حرب أهلية . هذا الوضع يفرض علي الشيوعي والشيوعيين أن ينضموا الي صفوف القوي المدنية التي نادت وسعت الي لقاء القوي المتحاربة . عدم وحدة القوي المدنية عامل أساسي في أستمرار دمار الوطن ، والتاريخ لن يرحم كل من يقف موقف سلبي ولم يشارك في هذه الوحدة التي تسعي اليها الجماهير المكتوية بنار الحرب .
المدهش أن الأستاذ صالح محمود رئيس هيئة محامي دارفور عند لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في السابع من كانون الأول/ديسمبر الماضي صرح بعظمة لسانه أنهم طالبوا الأمين العام بوضع السودان تحت البند السابع وعلي الرغم من أن تقديم الطلب لم يتم بصفته الحزبية بل الحقوقية الأ أن هذا يعكس النظرة الواقعية للأستاذ صالح أن حل المشكلة السودانية يتطلب تدخلاً خارجياً . هذا ما ما كان عليه الحال في ديسمبر ولم يجف الحبر الذي كُتب به حتي صدر تصريح من الأستاذ صالح نفسه في 12 يناير بعدم قبول الجلوس مع (تقدم) السودانية الممثل الشرعي للقوي المدنية ، لتقديم مقترحاته البناءة في الخلل الذي صاحب تكوين هذا الجسم الذي ينادي بوقف الحرب والجلوس الي طاولة المفاوضات مع الطرفين . قد تكون هنالك أخطاء جوهرية صاحبت لقاء (تقدم) مع قائد الدعم السريع والتوقيع علي وثيقة أديس أبابا ولكن هذا لا يعني الحردان وركوب الرأس ولنا في الخطاب المرسل من قائد جيش تحرير السودان عبدالواحد محمد نور لرئيس التنسيقية الدكتور عبدالله حمدوك أسوة حسنه حيث وضح تحفظاتهم علي وثيقة أديس أبابا مع الترحيب باللقاء معه .
ورد في الأخبار ما يفيد بأن حركة / جيش تحرير السودان برئاسة القائد عبدالواحد محمد أحمد النور والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة القائد عبدالعزيز الحلو وحزب البعث العربي الأشتراكي (الأصل) وافقوا علي الدعوة المقدمة من قبل (تقدم) للجلوس معها . نتمني أن تكون مساهمتهم أيجابية مع القوي المدنية الأخري في تكوين جسم واحد يستطيع إرغام الطرفين المتحاربين للجلوس لطاولة مفاوضات لوقف الحرب للمحافظة علي السودان قبل أن يتسرب من أيدينا ويلحق بنا الندم .
حامد بشري
15 يناير2024
hamedbushra6@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: اللجنة المرکزیة المکتب السیاسی القوی المدنیة صالح محمود من قبل
إقرأ أيضاً:
حوار مع صديقي ال ChatGPT الحلقة (68)
د. أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الازهري
حوار اليوم:
• شهد السودان كثيرا من الحروب والصراعات الاهلية... كيف نكيف الحرب الحالية مع تاريخ الحروب الاهلية التي دارت في السودان؟
• التنوع الإثني والثقافي في السودان كان أحد العوامل الرئيسية التي أسهمت في استمرار النزاعات. فصل الامر
• هل النجاح في ادارة التنوع الثقافي كان أو سيكون كفيل بحلحلة مشاكل السودان؟
*****************************
• شهد السودان كثيرا من الحروب والصراعات الاهلية... كيف نكيف الحرب الحالية مع تاريخ الحروب الاهلية التي دارت في السودان؟
الحروب والصراعات الأهلية التي شهدها السودان منذ استقلاله عام 1956 كانت متنوعة ومعقدة، وقد تركت آثارًا كبيرة على المجتمع والسياسة. لفهم السياق التاريخي للحروب الأهلية الحالية في السودان، من المهم أولاً النظر إلى أبرز الحروب التي دارت في البلد على مر العقود:
1. الحرب الأهلية الأولى (1955-1972): قبل الاستقلال، كانت هناك توترات بين شمال السودان وجنوبه بسبب الاختلافات الثقافية والدينية والاقتصادية. بعد الاستقلال، تفاقمت هذه التوترات إلى حرب أهلية بين الحكومة السودانية في الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب. انتهت هذه الحرب باتفاقية "اديس أبابا" في 1972 التي منحت الجنوب حكمًا ذاتيًا محدودًا.
2. الحرب الأهلية الثانية (1983-2005): اندلعت الحرب الأهلية مرة أخرى في 1983 بعد أن قرر النظام السوداني بقيادة الرئيس جعفر النميري فرض الشريعة الإسلامية على جميع أنحاء البلاد. كانت هذه الحرب أكثر عنفًا وشملت العديد من الأطراف. انتهت الحرب في 2005 باتفاقية "نيفاشا" التي أدت إلى إنشاء حكومة مشتركة ومنح الجنوب حق تقرير المصير، ما أدى إلى انفصال جنوب السودان في 2011.
3. الصراع في دارفور (2003-حتى الآن): في دارفور، اندلعت حرب أهلية منذ عام 2003 بين القوات الحكومية ومجموعة من المتمردين، مما أدى إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مع اتهامات بانتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب من قبل القوات الحكومية والميليشيات الموالية لها.
4. الاضطرابات بعد 2011: بعد انفصال جنوب السودان، استمرت التوترات والصراعات الداخلية في السودان، بما في ذلك صراع طويل الأمد في جنوب كردفان والنيل الأزرق. في عام 2019، أدى الاحتجاج الشعبي إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير، لكن الصراعات استمرت في ظل الحكومات الانتقالية.
الحرب الحالية (2023 - حتى الآن):
التكيف مع تاريخ الحروب الأهلية السابقة: تعد الحرب الحالية التي بدأت في أبريل 2023، بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، امتدادًا للعديد من التوترات والصراعات التي تراكمت على مدى عقود. هذه الحرب يمكن أن تُفهم في ضوء العوامل التاريخية التالية:
1. التنافس على السلطة: بعد الإطاحة بنظام البشير، كانت هناك فترة انتقالية شهدت صراعًا بين المدنيين والعسكريين على السلطة. ورغم الاتفاقات التي كانت تهدف إلى نقل البلاد إلى الديمقراطية، فإن التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع تفجرت في النهاية إلى صراع مفتوح. هذا التنافس بين الفصائل العسكرية هو استمرار لتاريخ طويل من الصراع على السلطة في السودان.
2. الهيمنة العسكرية: الجيش السوداني وقوات الدعم السريع هما نتاج لسنوات طويلة من الهيمنة العسكرية على السياسة السودانية. قوات الدعم السريع نفسها نشأت من ميليشيات الجنجويد التي كانت تستخدمها الحكومة في حرب دارفور، وبالتالي فهي تحمل إرثًا من العنف.
3. التهميش وعدم الاستقرار: مثلما كان الحال في الحروب السابقة، تتسم الحرب الحالية بمشاركة مجتمعات وولايات مهمشة، مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق. هذا التهميش الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى النزاعات التاريخية، يعمق الهوة بين المركز والأطراف، ويُسهم في استمرار الصراعات.
4. تدخلات القوى الإقليمية والدولية: كما كان الحال في الحروب السابقة، تشهد الحرب الحالية تدخلات من قبل قوى إقليمية ودولية، وهو ما يعكس بشكل غير مباشر تأثيرات الحروب السابقة، حيث أن السودان كان مسرحًا لتدخلات خارجية طوال تاريخه، من دول مثل مصر، وإثيوبيا، وليبيا، بالإضافة إلى تأثيرات القوى الكبرى.
الخلاصة:
يمكننا القول إن الحرب الحالية في السودان هي امتداد مباشر للصراعات الأهلية السابقة. القضايا العميقة مثل الصراع على السلطة، التهميش السياسي والاقتصادي، وغياب الاستقرار الأمني هي القواسم المشتركة بين الحروب السابقة والحالية. ما يجعل هذه الحرب مميزة هو طابعها الداخلي المعقد الذي يرتبط بشكل وثيق بالصراعات التاريخية وتراكمات الأزمات السياسية والعسكرية التي لم تجد حلولًا شاملة.
• الحروب الاهلية في السودان هي اطول الحروب الاهلية في التاريخ.. لماذا؟
الحروب الأهلية في السودان تعد من أطول الحروب الأهلية في التاريخ بسبب مجموعة من العوامل المعقدة التي تراكمت عبر عقود من الزمن. هذه العوامل تتنوع بين الأسباب التاريخية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والإقليمية، وقد أدت إلى استمرار النزاع لفترات طويلة. فيما يلي أهم الأسباب التي جعلت الحروب الأهلية في السودان من الأطول في التاريخ:
1. التعددية العرقية والثقافية:
• التنوع الإثني والثقافي في السودان كان أحد العوامل الرئيسية التي أسهمت في استمرار النزاعات. السودان يضم العديد من المجموعات العرقية والطائفية، مثل العرب، النوبيين، الفونج، الدناقلة، وغيرهم. هذه المجموعات تتفاوت في اللغة والدين والعادات، وكان هناك شعور بالتهميش من قبل المجموعات غير العربية وغير المسلمة، خاصة في المناطق الجنوبية والغربية.
• كان التوزيع غير العادل للموارد بين هذه المجموعات أحد الأسباب التي غذّت الصراعات، حيث تركزت معظم الثروات في يد النخبة الحاكمة في الشمال، مما جعل المناطق الطرفية (مثل الجنوب ودارفور وكردفان) تشعر بالإقصاء.
2. التهميش السياسي والاقتصادي:
• منذ الاستقلال في عام 1956، سيطرت النخبة الحاكمة في الخرطوم، التي كانت في الغالب عربية ومسلمة، على السلطة وموارد البلاد، مما أدى إلى تهميش المناطق غير العربية وغير المسلمة، خاصة في الجنوب.
• هذا التهميش خلق بيئة خصبة للصراعات، حيث سعت الحركات الجنوبية والمناطق المهمشة إلى تحقيق نوع من الحكم الذاتي أو الاستقلال.
• كما أن الفقر وعدم توفر الخدمات الأساسية في العديد من المناطق النائية أدى إلى ازدياد مشاعر الاستياء والاحتجاج ضد الحكومة المركزية.
3. التدخلات الخارجية:
• تدخلات القوى الإقليمية والدولية في شؤون السودان كان لها دور كبير في إطالة الحروب. على سبيل المثال، كانت هناك دعمات من دول مثل مصر، وإثيوبيا، وأريتريا، وإيران، ودول غربية، لكل طرف في النزاع بحسب مصالحها الاستراتيجية.
• هذه التدخلات جعلت الصراع أكثر تعقيدًا وصعب الحل، حيث أن القوى الدولية والإقليمية كانت تدعم أطرافًا مختلفة مما أطال أمد الحرب.
4. العوامل الدينية:
• فرض الشريعة الإسلامية من قبل الحكومات السودانية المتعاقبة على جميع أنحاء السودان بعد عام 1983، كان أحد العوامل التي أثارت الصراع بشكل كبير بين الشمال (المسلم) والجنوب (غير المسلم في معظمه) والمناطق المهمشة. تطبيق الشريعة الإسلامية في مناطق ذات تركيبة دينية غير إسلامية كان سببًا رئيسيًا في تصاعد التوترات بين الشمال والجنوب.
• هذا الاختلاف الديني كان عاملاً محوريًا في الحرب الأهلية الثانية، التي استمرت لأكثر من 20 عامًا (1983-2005)، وانتهت باتفاقية نيفاشا التي خلقت سلامًا هشًا بين الطرفين.
5. الصراع على الموارد:
• كان الصراع على الموارد الطبيعية (مثل النفط والمياه) أحد العوامل التي غذّت الحروب الأهلية في السودان. المناطق الجنوبية والشرقية والغربية تحتوي على موارد غنية، وفي الوقت نفسه كانت هذه المناطق مهمشة سياسيًا، مما أدى إلى تزايد رغبة المجموعات في الاستقلال أو الحصول على حقوق أكبر في تلك الموارد.
• على سبيل المثال، كانت مناطق مثل جنوب السودان غنية بالنفط، وهو ما جعل التحكم في هذه الموارد عنصرًا حاسمًا في الصراع. بعد انفصال جنوب السودان في 2011، استمرت النزاعات بسبب السيطرة على هذه الموارد.
6. ضعف الدولة المركزية والتوريث العسكري:
• كانت الدولة السودانية في معظم فترات تاريخها ضعيفة وغير قادرة على فرض سيطرتها على جميع المناطق. هذا الضعف المؤسسي سمح بظهور جماعات مسلحة وقوى محلية تحارب من أجل النفوذ.
• التوريث العسكري في السودان، حيث استمر الجيش في الهيمنة على السلطة، سواء من خلال انقلاب أو تحالفات مع القوى العسكرية الأخرى، كان له تأثير كبير في استمرار النزاعات. أبرز هذه القوات كان قوات الدعم السريع التي تأسست من ميليشيات الجنجويد، والتي لعبت دورًا مهمًا في الحرب الأهلية في دارفور.
7. الفشل في بناء السلام المستدام:
• رغم محاولات السلام العديدة (مثل اتفاقية أديس أبابا، واتفاقية نيفاشا، واتفاقيات دارفور)، كانت عملية السلام في السودان غالبًا ما تكون هشّة وغير شاملة. كان يتم التوصل إلى اتفاقيات في لحظات معينة، لكن تنفيذ هذه الاتفاقيات كان دائمًا ما يواجه صعوبات كبيرة بسبب استمرار التوترات السياسية والعسكرية.
• بعد انفصال جنوب السودان في 2011، استمرت الحرب في مناطق أخرى مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وكان هناك فشل في بناء دولة مستقرة وآمنة لجميع السودانيين.
8. التجارب المأساوية في دارفور:
• الصراع في دارفور (منذ 2003) كان أحد أطول وأبشع النزاعات في تاريخ السودان، حيث تعرض المدنيون لعمليات إبادة جماعية، وتدمير القرى، ونزوح ملايين الأشخاص. هذا الصراع كان مزيجًا من النزاع العرقي والسياسي، مما جعله مستمرًا لفترة طويلة.
9. الإرث الاستعماري:
• رغم أن الاستعمار البريطاني في السودان انتهى في 1956، فإن الإرث الاستعماري ترك آثارًا عميقة في تشكيل الهوية الوطنية، حيث لم يتم بناء مؤسسات قوية وموحدة في البلاد، مما أدى إلى ضعف التنسيق بين مختلف الأطراف والمجموعات.
خلاصة:
إن طول الحروب الأهلية في السودان هو نتيجة لتراكم هذه العوامل المعقدة على مر الزمن. لم يكن الصراع مجرد نزاع عسكري، بل كان نزاعًا اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا ودينيًا، حيث كانت المصالح المتشابكة للمجموعات المختلفة، بالإضافة إلى تدخلات القوى الخارجية، تؤدي إلى استمرار الحرب لعدة عقود.
• الحرب الأهلية الأولى (1955-1972) الحرب الأهلية الثانية (1983-2005): الصراع في دارفور (2003-حتى الآن) الاضطرابات بعد 2011: تفاصيل اوفي
الحرب الأهلية الأولى (1955-1972):
الأسباب والدوافع:
قبل الاستقلال في عام 1956، كانت السودان تحت الاستعمار البريطاني المصري، وواجهت البلاد تحديات كبيرة تتعلق بالتمايز بين الشمال والجنوب. كان الشمال يتمتع بحكم إداري مركزي، وكانت الثقافة العربية الإسلامية سائدة فيه. في المقابل، كان الجنوب أكثر تنوعًا، إذ كان يضم العديد من المجموعات العرقية التي تختلف في الدين والثقافة عن الشمال، وكانت غالبية سكانه من المسيحيين والديانات التقليدية.
أدت هذه الفروقات الثقافية والعرقية إلى وجود تهميش سياسي واجتماعي للجنوب. عندما نالت السودان استقلالها في 1956، لم يُعطَ الجنوب أي تمثيل سياسي ملائم في الحكومة الجديدة التي هيمنت عليها النخبة الشمالية. وكان الجنوب يعاني من الفقر المدقع والنقص في الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة. كما كانت هناك شكوك في نوايا الحكومة المركزية التي بدأت تفرض سيطرتها على الجنوب بدون النظر إلى مصالحه الخاصة.
بدأت التوترات تتحول إلى صراع مفتوح في 1955، أي قبل الاستقلال بعام واحد، عندما اندلعت سلسلة من التمردات المسلحة في الجنوب بقيادة مجموعة من الضباط العسكريين الجنوبيين الذين شعروا بأنهم يتم استبعادهم من السلطة.
أحداث الحرب:
• التمرد الأول: في عام 1955، وقبل عام من الاستقلال، اندلعت احتجاجات مسلحة ضد الحكومة المركزية في الجنوب. كان ذلك التمرد نتيجة مباشرة للتهميش الذي كان يعاني منه الجنوبيون، وكان بمثابة تمهيد للحرب الأهلية الأولى.
• الحرب المستمرة: الحرب استمرت لعدة سنوات، وتمكنت حكومة الخرطوم من السيطرة على الجنوب بالقوة العسكرية، لكن التمردات لم تتوقف، ما أدى إلى استمرار الحرب لعدة سنوات.
• اتفاقية أديس أبابا (1972): بعد سنوات من القتال، تم التوصل إلى اتفاقية أديس أبابا في 1972 بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي منحت الجنوب حكمًا ذاتيًا. هذا الاتفاق كان بمثابة خطوة نحو السلام، لكن لم يكن حلاً جذريًا للمشاكل السياسية والاقتصادية التي كانت تواجهها المناطق الجنوبية.
الحرب الأهلية الثانية (1983-2005):
الأسباب والدوافع:
اندلعت الحرب الأهلية الثانية في عام 1983 بعد أن قرر الرئيس السوداني جعفر النميري فرض الشريعة الإسلامية على جميع أنحاء السودان، بما في ذلك الجنوب الذي كانت غالبية سكانه من المسيحيين وغير المسلمين. هذا القرار زاد من حدة التوترات بين الشمال والجنوب، وأدى إلى اندلاع الحرب مرة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك عوامل أخرى مثل الفقر المدقع في الجنوب، والتمييز الاجتماعي والسياسي، والاختلافات الثقافية والدينية بين الشمال والجنوب.
أدت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجنوب إلى خلق بيئة خصبة لتمردات جديدة. في هذه المرة، كانت الحرب أكثر تنظيمًا واتخذت شكل صراع بين الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق. كانت الحركة تطالب بحق تقرير المصير لشعب الجنوب وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
أحداث الحرب:
• ظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان: في عام 1983، أسس جون قرنق الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLA) والتي كانت تهدف إلى تحرير الجنوب من الهيمنة الشمالية وتحقيق الحقوق السياسية والاقتصادية للجنوبيين. بدأت الحركة بالصراع المسلح ضد الحكومة السودانية.
• القتال والتدمير: استمرت الحرب لسنوات طويلة وتميزت بمذابح في القرى الجنوبية. قُتل مئات الآلاف من المدنيين ونزح الملايين من منازلهم. كما عانى الجنوب من تدمير شامل للبنية التحتية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات.
• اتفاقية نيفاشا (2005): بعد أكثر من عقدين من القتال، تم التوصل إلى اتفاقية نيفاشا في 2005 بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، بوساطة دولية. تضمن الاتفاق منح الجنوب حكمًا ذاتيًا موسعًا، وإنشاء حكومة انتقالية، وكذلك إجراء استفتاء في الجنوب على الاستقلال. هذا الاتفاق مهد الطريق لاستقلال جنوب السودان في 2011.
الصراع في دارفور (2003-حتى الآن):
الأسباب والدوافع:
بدأت أزمة دارفور في غرب السودان في عام 2003 بسبب تهميش المنطقة من قبل الحكومة السودانية. دارفور هي منطقة ذات تنوع عرقي وديني، تضم مجموعات غير عربية مثل الفور والمساليت والزغاوة، إضافة إلى المجموعات العربية. كانت هناك تفرقة واضحة في التنمية بين المناطق العربية والمناطق غير العربية.
في عام 2003، اندلعت احتجاجات في دارفور ضد الحكومة السودانية، التي كانت تتهم بدورها هذه المجموعات بالتمرد. ردًا على هذه الاحتجاجات، قامت الحكومة السودانية باستخدام الميليشيات العربية المعروفة بالجنجويد لقمع التمرد في المنطقة. أدت العمليات العسكرية إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين في دارفور وتهجير ملايين آخرين.
أحداث الصراع:
• التمرد والمجازر: في 2003، تشكلت جبهة القوى الثورية من مجموعة من الحركات المسلحة في دارفور، مثل حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، التي طالبت بحقوق سياسية واقتصادية متساوية لأهل دارفور. ردت الحكومة السودانية بتوجيه ضربات عنيفة ضد المدنيين في المنطقة.
• الأزمة الإنسانية: الصراع في دارفور كان واحدًا من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم في القرن 21. قُتل حوالي 300 ألف شخص، وتم تهجير أكثر من 2 مليون شخص من ديارهم.
• اتهامات بجرائم الحرب: تم اتهام الحكومة السودانية وميليشيات الجنجويد بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في دارفور، بما في ذلك الإبادة الجماعية والاغتصاب الجماعي. المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات توقيف بحق الرئيس السوداني السابق عمر البشير بسبب دوره في الأزمة.
• محاولات السلام: تم توقيع العديد من اتفاقيات السلام مثل اتفاقية أبوجا في 2006، لكنها فشلت في إنهاء الصراع بشكل كامل. حتى بعد انفصال جنوب السودان في 2011، استمرت القتال في دارفور.
الاضطرابات بعد 2011:
الأسباب والدوافع:
بعد انفصال جنوب السودان في 2011، كان السودان يأمل في الاستقرار، لكن النزاعات استمرت في العديد من المناطق. على الرغم من تحقيق السلام في الجنوب، ظلت هناك صراعات مستمرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث اندلعت احتجاجات مسلحة من قبل الحركات المتمردة التي كانت تشعر بالتهميش من حكومة الخرطوم. كان من أبرز هذه الحركات الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، التي قاتلت ضد الحكومة في تلك المناطق.
بالإضافة إلى ذلك، كانت الأزمة السياسية والاقتصادية في السودان قد تفاقمت بعد انفصال الجنوب، خاصة في ظل فقدان السودان لأغلب احتياطيات النفط بعد انفصال الجنوب، مما أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة.
أحداث الاضطرابات:
• الاحتجاجات الشعبية: في 2018، اندلعت احتجاجات شعبية في السودان ضد حكم الرئيس عمر البشير بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة. بدأ الاحتجاج في مدينة عطبرة بسبب ارتفاع أسعار الخبز، ثم انتقل إلى معظم المدن السودانية. المطالب كانت تتراوح بين إصلاحات اقتصادية وتحسين الظروف المعيشية، بالإضافة إلى مطالب بإسقاط النظام.
• الإطاحة بالبشير: في 11 أبريل 2019، أطاح الجيش السوداني بالرئيس عمر البشير بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية. شكلت هذه الإطاحة بداية لفترة انتقالية شهدت تنازعًا بين العسكريين والمدنيين على السلطة.
• حكومة انتقالية: تم تشكيل حكومة انتقالية برئاسة عبد الله حمدوك في أغسطس 2019، والتي ضمت ممثلين من الجيش والحركات الثورية. لكن التوترات السياسية استمرت، مما أدى إلى تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية.
• الانقلاب العسكري في 2021: في أكتوبر 2021، أطاح الجيش بالحكومة المدنية بقيادة عبد الفتاح البرهان في انقلاب عسكري. هذا الانقلاب أدى إلى تجدد الاحتجاجات والمظاهرات التي طالبت بعودة الحكم المدني.
الخلاصة:
تعكس الحروب الأهلية في السودان تعقيدات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة. الصراعات بدأت بسبب التفاوتات بين الشمال والجنوب، ثم توسعت لتشمل مناطق أخرى مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق، وكان من أبرز ملامح هذه الحروب التهميش المستمر للمناطق الجنوبية والغربية والشرقية. استمر هذا الصراع بسبب غياب الحلول السياسية الشاملة وفشل محاولات السلام في معالجة الأسباب الجذرية للنزاع.
• التنوع الإثني والثقافي في السودان كان أحد العوامل الرئيسية التي أسهمت في استمرار النزاعات. فصل الامر
التنوع الإثني والثقافي في السودان يعتبر أحد العوامل الرئيسية التي أسهمت في استمرار النزاعات في البلاد. يعود ذلك إلى أن السودان يضم العديد من المجموعات الإثنية والثقافية المختلفة، مثل العرب والأفارقة، بالإضافة إلى العديد من اللغات والديانات المتنوعة.
هذه التعددية كانت في بعض الأحيان مصدر غنى ثقافي، لكنها في نفس الوقت كانت تشكل أرضية خصبة للنزاعات، خاصة عندما يتم استغلال هذه الاختلافات لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية. على سبيل المثال، في مناطق مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، كان الصراع مرتبطًا بالصراعات العرقية والسياسية بين المجموعات المختلفة، حيث كانت بعض الأطراف تشعر بالتهميش أو الاستبعاد من الموارد والفرص السياسية.
كما أن النظام السياسي في السودان لم يكن دائمًا قادرًا على إدارة هذه التعددية بشكل فعال، مما أدى إلى ظهور توترات بين مختلف المجموعات الإثنية. الصراعات على الهوية والسيطرة على الموارد مثل الأرض والمياه، إضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية، أسهمت أيضًا في تأجيج النزاع.
في الختام، يمكن القول إن التنوع الإثني والثقافي في السودان كان عاملًا محوريًا في تشكيل طبيعة النزاعات المستمرة في البلاد، حيث لعبت الاختلافات العرقية والقبلية دورًا كبيرًا في استدامة تلك الصراعات:
• هل ادارة التنوع الثقافي كان كفيل بحلحلة مشاكل السودان؟
إدارة التنوع الثقافي كانت ستلعب دورًا مهمًا في تقليل حدة النزاعات في السودان، ولكن كانت هناك تحديات كبيرة تمنع نجاح هذه الإدارة بشكل كامل. لو تم التعامل مع التنوع الثقافي بشكل فعال، كان من الممكن أن تسهم هذه الإدارة في حل العديد من المشاكل التي عانى منها السودان. ولكن لتحقيق ذلك، كان يتطلب الأمر:
1. الاعتراف بالاختلافات الثقافية والإثنية: كان يجب على الحكومة السودانية في جميع العصور أن تعترف بالتنوع العرقي والإثني في البلاد، وأن تكون هناك سياسات تشجع على التعايش السلمي بين المجموعات المختلفة. هذا يتطلب توفير فرص متساوية للجميع في مجالات التعليم والعمل والخدمات الأساسية.
2. تمثيل عادل للمجموعات الإثنية: أحد الأسباب الرئيسية للنزاع في السودان كان التهميش السياسي والاقتصادي لبعض المجموعات الإثنية، مثل سكان دارفور وجنوب كردفان. لو تم تمثيل هذه المجموعات بشكل عادل في المؤسسات السياسية، العسكرية، والاقتصادية، لكان من الممكن تقليل التوترات والصراعات.
3. إصلاحات في النظام السياسي: السودان شهد العديد من الأنظمة السياسية التي فشلت في إدارة التنوع الثقافي والإثني بشكل متوازن، مما أدى إلى شعور بعض المجموعات بأنها مهمشة أو مضطهدة. كان من الضروري أن تكون هناك إصلاحات سياسية تضمن توزيع السلطة والموارد بشكل عادل بين مختلف المجموعات.
4. التنمية الاقتصادية المتوازنة: كانت مناطق معينة في السودان، مثل دارفور، تعاني من نقص في التنمية الاقتصادية مقارنةً بمناطق أخرى. كان من الضروري أن يتم توجيه الاستثمارات في البنية التحتية والخدمات الأساسية إلى هذه المناطق لتحقيق نوع من العدالة الاقتصادية.
5. التعليم والتوعية: إن تعزيز التعليم الذي يروج لفهم التنوع الثقافي والعلاقات بين المجموعات المختلفة يمكن أن يساعد في بناء مجتمع متسامح وأكثر قدرة على حل النزاعات.
ومع ذلك، فإن التحديات التي واجهت السودان في إدارة هذا التنوع كانت كبيرة. فالانقسامات العميقة بين المجموعات الإثنية، والخلافات السياسية الحادة، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية، كلها عوامل جعلت من الصعب إدارة التنوع الثقافي بشكل مثالي.
في النهاية، يمكن القول إن إدارة التنوع الثقافي كانت قد أسهمت في حل جزء من مشاكل السودان، ولكنها كانت بحاجة إلى إرادة سياسية قوية، وموارد كافية، وتوافق اجتماعي واسع النطاق لضمان نجاحها في حل النزاعات المستمرة.
aahmedgumaa@yahoo.com