سودانايل:
2025-01-19@09:14:23 GMT

هذا أو الطوفان

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

الحرب التي استعرت لتسعة أشهرٍ خلقت وضعاً غير طبيعي وظرفاً أستثنائياً بالغ التعقيد . أنعدم فيه الغذاء والدواء وأفتُقدت معه مقومات الحياة الطبيعية وتبعثرت فيه الأسرة الواحدة . وهذا الواقع المعقد بالضرورة أنعكس سلباً علي النشاط والحراك السياسي . يزيد الامر تعقيداً الاعتقالات للنشطاء السياسيين وأعضاء لجان المقاومة ولجان الطوارئ والخدمات اللذين يضحون بحياتهم كل ساعة لتوصيل ما تيسر من علاج وما يروئ ظمأ المحتاجين .

في ظروف هذه الحرب اللعينة تعذر حتي أكرام الموتي وغسلهم ودفنهم بطريقة تليق بإنسانيتهم كبشر، ولا حديث عن ممارسة النشاط السياسي المعهود من عقد اجتماعات او لقاءات سياسية لانها لا تدخل في أولويات المواطن البسيط الذي يسعي لتأمين نفسه وأسرته وسد رمقهم .
في أتصال هاتفي استفسرت عن بعض عضوية الشيوعي الذين تربطني بهم صلة زمالة فجأتني الاجابة : احمد في حلفا مع أولاده ينتظر السماح له بالدخول لمصر عبدالله المسئول التنظيمي ذهب الي ذويه في مدينة الكوة . ابراهيم في القلابات . علي ببورتسودان في انتظار تأشيرة الدخول لدولة خليجية . هؤلاء أعضاء فاعلين في الحزب الشيوعي وهذه الحالة تشمل بقية أعضاء الاحزاب الأخري الذين شاركوا بفعالية في ثورة ديسمبر. انفرط العقد التنظيمي/السياسي لان الوطن في حالة حرب فُرضت عليه من قوم لا تعني الأوطان شيئاً بالنسبة لهم . هذا الانفراط اللا أرادي شمل قمة هرم الاحزاب السياسية والشيوعي ليس أستثناءً . اذا نظرنا لهذه الظروف بعين الاعتبار نجد من الصعوبة ممارسة حياة حزبية ديمقراطية ناهيك عن ديمقراطية مركزية مع إنعدام إمكانية عقد اجتماعات ناجحة حتي عن طريق الاستعانة بالتكنلوجيا الحديثة لأن كثير من المناطق انعدمت فيها حتي الكهرباء ولعدة شهور. المحادثات التلفونية في بعض الأحيان اذا كُتب لها النجاح تتم بعد صعود المتحدث الي تل عالٍ او سطح بنيان مهجور او عمارة متهدمة . المواطنين يمارسون الحياة في ظروف شبيه بالقرون الوسطي . هذا هو الحال في 9 ولايات من غالبية ولايات السودان تدور فيها حرب طاحنة ومساحتها تشكل معظم أراضي السودان . إذا هذا الوضع يجد المرء نفسه مدفوعاً للتفكير في مشروعية القرارات التي تصدر باستيفائها حتي النصاب القانوني خاصةً إذا كانت لا تدعوا للتفاوض ووقف القتال فأنها بلا شك ستفقد مشروعيتها ومصداقيتها والعمل علي تطبيقها . ليس هذا فحسب وأنما في بعض الأحيان تصدر بيانات من المكتب السياسي الذي تم اختياره من قبل اللجنة المركزية ترفض الجلوس مع من ينادون ويسعون لوقف الحرب وكأنما الحرب الدائرة الخصم فيها ليس المؤتمر الوطني ومن خرج من رحمه من مليشيات.
أستدعي هذه المقدمة التصريح الذي أدلي به مؤخراً الاستاذ صالح محمود يوم الجمعة 12 يناير الجاري لراديو دبنقا فحواه أن الشيوعي يرفض دعوة (تقدم ) للاجتماع لمناقشة قضايا الحرب والسلام في السودان . حيث ورد فيها ما يلي :( وقال القيادي بالحزب صالح محمود إن قرار رفض الجلوس مع (تقدم) جاء متسقاً مع قرار اللجنة المركزية للحزب الخاص بالتعامل مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والاقليمية والدولية ، واشار الى ان اللجنة المركزية للحزب اتخذت من قبل قرار بالخروج من قوى الحرية والتغيير وقوى الإجماع وأصدر بيان شرح فيه للرأي العام أسباب خروجه ومن ثم أعتذر للشعب السوداني عن وجوده في تحالف الحرية والتغيير لأكثر من سنة . وذكر ان هذا الوجود كان خطأ كبيراً بعد أن ادارت الحرية والتغيير ظهرها للمطالب المشروعة للشعب السوداني المضمنة في مواثيق ثورة ديسمبر، وأضاف: الحزب انتقد نفسه علنياً لهذا الخطأ وتعهد بأن لا يتكرر هذا الخطأ مرة اخرى.
أكد هذا التصريح ما جاء بصحيفة الميدان يوم الأحد 14 يناير علي لسان المكتب السياسي:( كما تناول المكتب السياسي الدعوة التي وصلته من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لعقد اجتماع مشترك، حيث تقرر الرد عليها كتابة. وأبدى الاجتماع ملاحظاته أنه من التجارب الماثلة وقـرار اللجنة المركزية للحزب الخاص بقبول الاجتماع مع الكيانات السياسية والاجتماعية بصورة منفردة وليس ككتل. وأضاف المكتب السياسي : مع ملاحظة أن السمة العامة لهذا التكتل ونشاطه السياسي تؤشر إلى أنه يسير نحو التسوية وإعادة شراكة الدم مع القوى العسكرية في اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ وقوات الدعم السريع ، والاستمرار في برامج وخطط الهبوط الناعم والتبعية للخارج. وتكريس مبدأ الإفــلات من العقاب، وإعادتهم للحياة السياسية والاقتصادية تحت رايات إيقاف الحرب والديمقراطية الشكلية .
أنتهي الاقتباس من بيان المكتب السياسي .
تصريحي الأستاذ صالح محمود والمكتب السياسي غاب عنهما تقدير الظرف الاستثنائي الذي يمر به الوطن ولم يستصحبا معهما مستجدات الحرب وتداعياتها التي فرضت واقعاً سياسياً واجتماعيا جديداً يتطلب إعادة النظر في قرارات سابقة . شعار لا للحرب يفرض علي كل القوي المدنية التي تسعي للحفاظ علي الدولة السودانية أن تصل الي وفاق يجمعها لمحاربة غول الشر الذي يسعي لإجهاض ثورة ديسمبر المجيدة وتفتيت الوطن . الحرب الدائرة اليوم جبت ما قبلها من قرارات حزبية تقف ضد لقاء القوي السياسية المختلفة سواء كانت أحزاب منفردة أو كتل سياسية . القرارات الحزبية ليس لها قدسية وتخضع للمراجعة والحذف والتجديد لمواكبة متطلبات العصر ومستجداته ، خاصةً أذا كانت الأوطان تمر بظروف حرب ليست في مصلحة المواطن والوطن . الخليفة عمر بن الخطاب أبطل الحد الألهي المقدس للسرقة في عام الرمادة فما بالك من قرار المكتب السياسي الذي تم أتخاذه من قبل مجموعة نحترمها الأ أنها لا تتعدي أصابع اليدين وفي ظروف هذه الحرب اللعينة قد يكون القرار أُتخذ مع عدم مراعاة النصاب القانوني . الحرب بين السودانيين اليوم أسوأ مما كان عليه الحال بين المسلمين في عام الرمادة الذي وصفه الطبري :( كانت الرمادة جوعاً شديداً أصاب الناس بالمدينة وما حولها، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمقفر) وقال الحافظ ابن كثير: (وقد روينا أن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة ، فلم يجد أحداً يضحك ، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة ، ولم ير سائلاً يسأل ، فسأل عن سبب ذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين ، إن السؤَّال سألوا فلم يعطوا ، فقطعوا السؤال ، والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون)

الهدف الذي تنادي به وتسعي اليه الأحزاب السياسية سواء كانت في الجذري أو الأطاري هو رفعة مستوي المواطن المعيشية لكي ينعم بالحرية والسلام والعدالة ، وهو علي النقيض من هدف قوي اليمين المتطرف بكتائب ظله ولجنته الأمنية ومؤتمره اللاوطني واستنفاراته التي يحشد لها بدعاوي معركة الكرامة ولواء البراء بن مالك التي يريد بها توسيع رقعة الحرب وتحويلها الي حرب أهلية . هذا الوضع يفرض علي الشيوعي والشيوعيين أن ينضموا الي صفوف القوي المدنية التي نادت وسعت الي لقاء القوي المتحاربة . عدم وحدة القوي المدنية عامل أساسي في أستمرار دمار الوطن ، والتاريخ لن يرحم كل من يقف موقف سلبي ولم يشارك في هذه الوحدة التي تسعي اليها الجماهير المكتوية بنار الحرب .
المدهش أن الأستاذ صالح محمود رئيس هيئة محامي دارفور عند لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش في السابع من كانون الأول/ديسمبر الماضي صرح بعظمة لسانه أنهم طالبوا الأمين العام بوضع السودان تحت البند السابع وعلي الرغم من أن تقديم الطلب لم يتم بصفته الحزبية بل الحقوقية الأ أن هذا يعكس النظرة الواقعية للأستاذ صالح أن حل المشكلة السودانية يتطلب تدخلاً خارجياً . هذا ما ما كان عليه الحال في ديسمبر ولم يجف الحبر الذي كُتب به حتي صدر تصريح من الأستاذ صالح نفسه في 12 يناير بعدم قبول الجلوس مع (تقدم) السودانية الممثل الشرعي للقوي المدنية ، لتقديم مقترحاته البناءة في الخلل الذي صاحب تكوين هذا الجسم الذي ينادي بوقف الحرب والجلوس الي طاولة المفاوضات مع الطرفين . قد تكون هنالك أخطاء جوهرية صاحبت لقاء (تقدم) مع قائد الدعم السريع والتوقيع علي وثيقة أديس أبابا ولكن هذا لا يعني الحردان وركوب الرأس ولنا في الخطاب المرسل من قائد جيش تحرير السودان عبدالواحد محمد نور لرئيس التنسيقية الدكتور عبدالله حمدوك أسوة حسنه حيث وضح تحفظاتهم علي وثيقة أديس أبابا مع الترحيب باللقاء معه .
ورد في الأخبار ما يفيد بأن حركة / جيش تحرير السودان برئاسة القائد عبدالواحد محمد أحمد النور والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة القائد عبدالعزيز الحلو وحزب البعث العربي الأشتراكي (الأصل) وافقوا علي الدعوة المقدمة من قبل (تقدم) للجلوس معها . نتمني أن تكون مساهمتهم أيجابية مع القوي المدنية الأخري في تكوين جسم واحد يستطيع إرغام الطرفين المتحاربين للجلوس لطاولة مفاوضات لوقف الحرب للمحافظة علي السودان قبل أن يتسرب من أيدينا ويلحق بنا الندم .
حامد بشري
15 يناير2024

hamedbushra6@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: اللجنة المرکزیة المکتب السیاسی القوی المدنیة صالح محمود من قبل

إقرأ أيضاً:

ما بين جوبا وودمدني، السياسة ووجدان الشعوب

بقلم : محمد بدوي

في مقال سابق حول آثار الحرب في السودان أشرت إلي أن ما يحدث في السودان لن يبقي في السودان، وذلك لعدة اسباب اشرنا إليها في ذاك الحيز، في ربطها بموضوع المقال فإن الاثر الاكبر وقع على دولة جنوب السودان، لتوقف الخط الناقل للبترول حينها نتيجة للحرب، فانعكس في تراجع إقتصادي بجوبا لإعتمادها على البترول كمصدر يساهم ٩بنسبة % في الموازنة العامة.
ضرورة الفقرة الاولي واقترانها بموضوع المقال المخصص لعلاقات الشعوب علي خلفية التطورات التي برزت عقب إعادة الجيش السيطرة على ولاية الجزيرة بوسط السودان، بعد عام من الانسحاب وسيطرة الدعم السريع عليها، تمثلت جملة التطورات في الانتهاكات التي طالت المدنيين، بما شمل الجنوب سودانيين وفقا للخارجية الجنوب سودانية التي إستدعت السفير السوداني بجوبا لإبلاغة بإحتجاج الدولة على ما تم.

دون الخوض في التفاصيل وأشكال الانتهاكات لأنها ليست بجديدة في السجل السوداني لما بعد الاستقلال لكن الجديد هو اتساع نطاقها وتوثيقها من قبل مرتكبيها، وياتي التوثيق كجزء من سلسلة إقتران الانتهاكات بخطاب الكراهية الذي يمثل التوثيق والنشر جزء من الانتهاك الذي في اختلاف طبيعته يخلص إلي إشباع رغبة المنتهكين في التشفي والشماتة المرضيتان، لأن مفعول خطاب الكراهية يكتمل عند المنتهك الا بمعاملة الضحايا كالحيوانات، وهذا يكشف لماذ الذبح احد أشكال الانتهاكات .

عطفا علي ما سبق فإن ما حدث في مدني استهدف المدنيين بناء على العرق قبل الانتماء بالجنسية أو للسودان أو جنوب السودان، هذا يقود إلي أن ما تم ينتهك الكرامة الانسانية ويختلف الضمير الإنساني والوجدان السليم.

جاءت بيانات الشجب والتضامن مع الضحايا من قطاعات واسعة خارجية وداخلية ربط بينها احترام الحق في الحياة واحترام حقوق الانسان، ولعل غزارة البيانات والمواقف المعلنة تجاوزت ما صدر في اي حدث اخر خلال هذه الحرب.

في تطور لاحق جاء رد فعل بعض الفئات بجنوب السودان تدعوا للتصعيد والنظر بالمقابل تحريضا ضد المدنيين السودانيين السودانيين بجنوب السودان، يمكن فهم ما حدث في سياق أن ما تم جاء نتيجة لاعادة ذاكرة الحرب الاهلية، لكن بالنظر الي الاصوات التي نشطت في التحريض فهم يمثلون فئات عمرية لم تشهد عمق وفظاعة الحرب الاهلية، ليرتبط الأمر بسؤال جوهري حول الأسباب التي دعت تلك الاصوات للنشاط للتحريض، لعل جزء من الإجابة يمكن الوقوف عليها بالنظر الي اتفاق إعادة ضخ بترول جنوب السودان عبر السودان في ٨ يناير ٢٠٢٥ بعد توقف دام لما يقارب ال١١ شهرا .

ما يحدث في جوبا في تقديري يتطلب النظر بروية والاستفادة من ما يحدث في السودان، وعلى إنها حرب سلطة وموارد، فانتقالها مظاهرها إلي اي مكان آخر يحمل ذات جينات الأسباب بما فيها نسق عدم الاستقرار.

أن العنف وتوجيهه نحو المدنيين في جنوب السودان، لن يحل الازمة لأنهم ليسوا طرفا في الصراع،في الغالب تواجدهم بجوبا ناتج من أسباب مختلفة منها رفضهم للحرب أوهربا منها أو بحثا عن العيش الاقتصادي الكريم

ظلت الحرب بين السلطات السودانية والحركة الشعبية بفتريتها مرتبطة بطبيعة سياسية، حتي جاء الانفصال / الاستقلال أيضا كقرار سياسي مرتبط باتفاق السلام الشامل ٢٠٠٥، في هذا الخضم ظلت علاقات الشعوب السودانية لا مجال لها لتعبر عن مواقفها في ظل الهينمة السلطوية، بما يتطلب النظر مليا إلي علاقات الشعوب بعيدا عن العلاقات الرسمية للحكومات التي تتاثر سلما وتوترا، لأن ما يربط بين الشعوب تواريخ مشتركة، و ذاكرة السلم غيبت قسرا وحسن الجيرة، والملاذات حين تعمل آلة الحرب في اي من الجغرافيا.

الخلاصة : تراخينا في التوحد كمدنيين في وقف الحرب في السودان، بما يجعل هذه التطورات تعيد تذكيرنا بذلك وتفرض واجب العمل المشترك بين شعوب الدولتين لتفويت الفرص على زعزعة الاستقرار، غياب العدالة والمحاسبة تاريخيا حتي في بنود اتفاق السلام الشامل ٢٠٠٥ ستظل الحلقة المفقودة لضمان الاستقرار في السودانيين

badawi0050@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • د. عنتر حسن: الطبيب السوداني الذي قتل في جوبا !!!
  • مجلس الصحوة الثوري – قيادة موسى هلال: الاحتفالات التي عمت أرجاء البلاد استفتاء حقيقي لدعم الشعب للقوات المسلحة
  • فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
  • ما بين جوبا وودمدني، السياسة ووجدان الشعوب
  • الخارجية السودانية تعبر عن قلقها إزاء الأحداث في جوبا إثر الاعتداءات التي استهدفت أشخاص وممتلكات المواطنيين السودانيين
  • الدور على السودان وليبيا واليمن
  • اتفاق غزة يضع نتانياهو أمام معركة "المستقبل السياسي"
  • صمتت حكومة الجنوب على ألاف الضحايا الجنوبيين في المدرعات وبحري والمهندسين والفاشر وبابنوسة، فما الذي جعلها تستيقظ فجأءة ؟
  • وفاة عميد كلية العلوم السياسية والمحلل السياسي خالد عبد الاله
  • الرشق: شروطنا التي طرحناها في بداية الحرب انتزعناها كلها وجثى المحتل على الركب