في لحظات الصمت العميق، حين يحل الليل بظلامه، وبين كثبان الرمال وتحت سماء الذكريات، تبدأ حكاية (وليد مغترب)، عاد إلى وطنه كأنه زائر في خريف الذكريات. رحلة تغيير جذري، حيث يلتقي الفرد بأفق جديد، تكسرت أمامه قيود الفكر الايجابي كالحجر الصلب. في غمرة هذا الرحيق، يحكي الزمن قصة القرية الوادعة، والناس مشغولون بزراعة أرضهم، مغرمون بمهمة تشكيل المستقبل الغني بثمار الأمل.


انتهز الوليد فرصة الهدوء واستغل الفراغ بطرق جنجويدية. فأخذ يعبث بممتلكات الناس، والأكثر ألماً تحرشه بفتاة ضريرة، هذه الحادثة حولت هدوء القرية إلى مشهد مأساوي، انكسر جمال الطبيعة بفعل التصرفات اللاأخلاقية، وأصبح المنظر مرعباً تحول إلى بقعة تعكس الظلمة في لمعان البراءة، وألقى بظلال اليأس على القلوب، تناثر الحزن كقطع الزجاج على الأرض في زمن لا يعرف الرحمة. وجد الوليد نفسه وحيداً يتجنبه الناس، وكلما التفتوا إليه، يجدونه يحمل صورة مغتصب. عندها توجه إلى والده بالشكوى من كثرة الألقاب (كوز، فلول، قحاتي، جذري، موز ): والله يا أبوي خلي باقي ناس الحلة عمتي بتول ذاتها بقت تقول لي يا( كوز) !! وكان الجواب كالحكمة المنيرة. "يا آدم يا وليدي، بفعلتك الشينة دي انت سألت الكيزان، هم راضين بيك".

أمام هذا الفشل الذي طال النخب في محنة امتحان الوطن، تتسلل الحيرة إلى ضمير الشعب. هل يرفع النداء صارخاً وبصوت عالٍ ( ضيعناك وضعنا وراك يا..!)؟ أم يتأمل بصمت: إلى أي قبلة يتجه؟ في مثل هذا المشهد المعقد، يجب أن يتحرك الناس بثبات نحو القيم والأخلاق لتشكيل قاعدة راسخة بوضع مسطرة تحكم صلاح الأفراد. و تصبح ملجأً قوياً، يسحق كل محاولات الفساد، ويشكل الأساس الذي يمنح الضمير قوة لمواجهة التحديات من أجل العدالة والأمانة وخدمة المجتمع. بفضل هذا المعيار، يصبح رأي الشعب قوة لا يمكن تجاهلها. ويكون الشعب مثل جهاز رنين مغناطيسي، يتجاوب بحساسية مع أي تحول خاطئ يهدد الوطن بالتلاشي والخراب، فيتمسي همسات الضمير واضحة كالنغم في الفضاء، تكشف عن الحقيقة وتعيد توجيه مسار النهضة والتطور. عندها تتناغم روح التفاؤل مع قوة الشعب، لبناء جسور المستقبل.

أن السلوك المشين مختبئ في ركن مظلم في عرين كل فرد، يتلاعب بخيوط الأخلاق والقيم، ويبني قلعة خاصة تعلوها أسوار الانانية والتخلى عن المبادئ، كورقة خريف تسقط من سماء الأخلاق، متغاضياً عن الصدق والنزاهة، متجاهلاً قيمة الآخرين. في رحاب الحياة، لا يولد أحد بقالب معين، كل إنسان يولد كلوحة فنية فريدة، ولكن دماثة خلقه أو خبثه يتشكلان مع مرور الزمن، ويؤثر ويتأثر بالظروف والتجارب. فالشخص الذي يختار مسار النمو يزين لوحته بألوان الصدق والنزاهة، فيصبح وطنيا يعتمد الصدق في تعاملاته. مستفيداً من الفرص لبناء السلام واستدامة الاستقرار. يُظهر ذلك في علاقاته وفعاله. وآخر يتجنب الخير ويتسلح بسلبيات الحياة، يؤدي في النهاية إلى وصمه بلقب معين. كالوليد المغترب في تجميع الصفات المقيتة، مكوّناً مساراً يعيق التطوّر متجاوزاً حدود المبادئ والقيم ناسجا ستاراً من الأنانية حول واقعه الخاص. يتقن اللعب بدفاتر الحياة، يحمل قلماً منحوتاً بالطموح الشخصي، يلقي نظرة من نافذة ذهبية لا تعكس إلا صورته ومصالحه الشخصية. متسلحا بأساليب الزيف ووضع المساحيق. فكلما زادت طموحاته، زادت بصماته الضارة، حيث يتساقط احترام الآخرين وتتلاشى الثقة. يظل غير قادراً على التغير والتحول إلى الأفضل. ان للأهواء والأمزجة دورًا في تدمير الأوطان إذا استخدمت بشكل سلبي بعيداً عن التوازن، فقد يتسبب في تفكك الوطن وتقويض الهوية، مُشكلاً جماعات متناحرة تهدد وحدة الوطن. لذلك، يجب أن يتم التعامل مع الأهواء والأمزجة بحذر، وذلك بتعزيز قيم التسامح والتفاهم لضمان أن يكون تأثيرها إيجابياً على تقوية الأوطان بدلاً من تدميرها. الكوزنة سلوك كل الشخص يتخلى عن المبادئ والأخلاق والقيم الإنسانية، ويكون محور انشغاله تحقيق أهدافه الشخصية والمالية، متجاوزاً كل القيم والأخلاق.

نحن في زمان لا مساحة فيه للتردد، لقد دفعنا ثمنًا باهظاً، كي نتعلم معنى الوطنية، أو أن نجسد معانيها التي أتخذت من قلوبنا مسرحاً للفخر والانتماء. لقد كانت رحلة مليئة بالتضحيات والمآسي وميدان يشهد على جهلنا بقيمة الوطن كنا (نلعن أبوك يا بلد)، وللاسف ادركنا المعنى الحقيقي للوطن بأدق تفاصيلها بعد أن فقدناه وتشردنا في بلدان العالم نحوم بلا عطف ولا رحمة، كان لنا أن نتعلمها ونحن أعزاء في وطننا ولكن بالأنانية وحب الذات وعدم الوفاء لأرض نبتت عليها شجرتنا تجذرت جذورنا. بالدموع والدماء نسجنا خيوط الندم بأيدينا، بدل أن نرتقى في سلم الوطنية لنكون جزءاً من هذا الوجدان الوطني الذي يمتد عبر الزمان والمكان. فالوطن ليس مجرد خريطة جغرافية، بل هو حكايةٌ نرويها بأفعالنا وأحلامنا. في رحلتنا، وبعدما تذوقنا المآسي تسللت الوطنية إلى قلوبنا كأنها نسمة عليلة، تحمل في طياتها عبق التاريخ والتضحية، بعدما دفعنا فيها كثيرا من المهج والأرواح وكل ما نملك من حنين وتفان وقيم الولاء والانتماء ، تتجلى معنى الوطنية في كل درس تعلمناه وفي كل عزيز فقدناه وفي كل تحد تخطيناه وفي كل صرح هدمناه. تمنيناه مدرسة ومعملاً لتكوين شخصياتنا، ورافداً لنرتقي بمستوانا. حتى تتجسد في احترام بعضنا البعض و نقدمه هدية لأطفالنا. ونحن نحمل على أكتافنا هموم الوطن الغالي للأجيال القادمة لتحمل بدورها راية الوطنية بكل فخر وكبرياء. فالوطنية ليست مجرد كلمات نرددها، بل هي حياة نعيشها بكل انتماء وإخلاص.

في ساحة الوطن، يجد الإنسان نفسه أمام فرصة لإقامة صلاة الجماعة، لأنها ليست محصورة في المسجد بل الأولى أن تمتد لتشمل ميادين الحياة اليومية. فأثر تقديم قدم أو تأخيرها في الصف، أكبر في صلاتنا مع بعض لأنه يتعلق بالعمل العام وبحق الجماعة، لا في صفوف المصلين في المسجد، ينبغي علينا أن نتحد ونتجه نحو اهداف الوطن التي نرضاها لنبني المجتمع الذي نحلم به. يتجلى التأثير عندما يتوحد الناس ويتجمعون حول هدف مشترك وقبلة واحدة في مؤسسات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فصلاتنا الجماعية صلاة تعلمنا أهمية العمل المشترك وضرورة توحيد الجهود، ومساواة الصفوف وهذا المفهوم يتجاوز حدود المألوف ليشمل جميع جوانب الحياة. إذا كان لدينا الوعي والرؤية، يمكن أن يلعب دوراً في توجيهنا نحو الهدف الوطني وتوحيد الصفوف، إلتزام القبلة لتحقيق الهدف المشترك. ففي الوحدة والاندماج، تكمن قوة الأمة، فالتأخير و الشذوذ يمثل عائقاً يعرقلنا نحو التقدم والازدهار، لذا يتعين على القائد توجيه الجهود وسد الفروج وكل مداخل الانقسام، حتى نحقق الهدف بخيوط الضوء التي تخترق سماء القلب المظلم. ليشكل البديل للنجاح، لا على نبرة الطموح الفردي، بل على لحن التعاون ومبادئ النزاهة والأخلاق كفلسفة حياة، لتشكيل وطن تحت( قوس قزح الأخلاق).

abudafair@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

ما الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟

أنجز الرئيس السوري أحمد الشرع استحقاقا جديدا تعهد به عقب توليه مهام منصبه مطلع العام الجاري عبر المصادقة على إعلان دستوري من شأنه أن يسد الفراغ الدستورية ونظم المرحلة الانتقالية التي حددت بموجبه بفترة 5 سنوات.

واستند الإعلان الدستوري الذي صادق عليه الشرع الخميس  في قصر الشعب بالعاصمة السورية دمشق، على روح الدساتير السورية السابقة لاسيما دستور الاستقلال الذي جرى إقراره عام 1950.

ما هو الإعلان الدستوري؟
الإعلان الدستوري هو وثيقة ذات طابع دستوري تصدر عن سلطة حاكمة غير منتخبة، سواء كانت مجلسا عسكريا أو حكومة انتقالية، بهدف تنظيم شؤون الحكم خلال فترة معينة من أجل إعادة هيكلة الدولة ووضع نظام جديد سعيا في الوصول إلى المرحلة الدائمة.

وغالبا ما تكون الفترة المعنية انتقالية بعد ثورة أو انقلاب أو سقوط نظام سابق حيث يغيب الدستور عند انهيار النظام السياسي، ما يجعل من الإعلان الدستوري حاجة ملحة لتوضيح صلاحيات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية خلال المرحلة الانتقالية.

ماذا تضمن الإعلان الدستوري السوري؟
يتكون الإعلان الدستوري السوري الذي أعدته لجنة من الخبراء من مقدمة و52 مادة متوزعة على 4 أبواب رئيسية، أولها باب الأحكام العامة الذي تضمن 11 مواد، أبقت على اسم الدولة "الجمهورية العربية السورية" ودين الرئيس وهو الإسلام.

كما أبقت الفقه الإسلامي مصدرا رئيسيا للتشريع واللغة العربية لغة رسمية للدولة، فيما جرى تغيير العلم حيث تم النص على علم الثورة المكون من ثلاثة مستطيلات متساوية يعلوها اللون الأخير ويتوسطها اللون الأبيض ومن ثم الأسود في الأسفل. وتتوسط العلم في المنتصف وضمن المساحة البيضاء ثلاثة نجمات حمراء.

وحددت المادة المادة الحادية عشرة على أن الاقتصاد الوطني يقوم على مبدأ المنافسة الحرة العادلة ومنع الاحتكار.

أما الباب الثاني، فهو عن الحقوق والحريات ضم 12 مادة، معتبرا جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجمهورية العربية السورية جزءًا لا يتجزأ من هذا الإعلان.

وأكد أن الدولة تكفل الدولة حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة وتضمن عمل الجمعيات والنقابات وتصون حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب على أسس وطنية وفقاً لقانون جديد.


وجرى تخصيص الباب الثالث لمعالجة شكل نظام الحكم والسلطات في المرحلةِ الانتقالية في 24 مادة، حيث منح ممارس السلطة التشريعية إلى مجلس الشعب حتى اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة، في حين يمارس رئيس الجمهورية والوزراء السلطة التنفيذية.

وشدد الباب الرابع المتكون من 6 مواد، على أن السلطة القضائية مستقلة، وحظر إنشاء المحاكم الاستثنائية، في حين جرى حل المحكمة الدستورية العليا القائمة كونها من بقايا النظام المخلوع، على أن يتم إنشاء محكمة دستورية عليا جديدة.

ما الجديد في الإعلان الدستوري عن باقي الدساتير السورية السابقة؟
نص الإعلان الدستوري على إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية تعتمد آليات فاعلة تشاورية مرتكزة على الضحايا، لتحديد سبل المساءلة، والحق في معرفة الحقيقة، وإنصاف للضحايا والناجين، بالإضافة إلى تكريم الشهداء.

واستثنى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وكل الجرائم التي ارتكبها النظام البائد من مبدأ عدم رجعية القوانين.

كما نص على تجريم تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه، على أن يعد إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها، جرائم يعاقب عليها القانون.

وألغى الإعلان منصب رئيس مجلس الوزراء ليكون ذلك شكل نظام الحكم رئاسيا تاما قائما على الفصل الكامل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ومنح الإعلان رئيس الجمهورية حق تشكيل لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب في المرحلة الانتقالية، على أن تقوم اللجنة المعينة  بالإشراف على تشكيل هيئات فرعية ناخبة لانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب، والثلث الأخير يعينه رئيس الجمهورية "لضمان التمثيل العادل والكفاءة".


وألزم الإعلان رئيس الجمهورية العربية باتفاقيات حقوق الإنسان المصدَّق عليها من قبل الدولة السورية، وهذا النص يشكل سابقة في التاريخ الدستوري السوري.

وألغى الإعلان السلطات الاستثنائية الممنوحة لرئيس الجمهورية، مبقيا على سلطة استثنائية واحدة وهي إعلان حالة الطوارئ، حيث يحق للرئيس إعلان "حالة الطوارئ جزئيا أو كليا لمدة أقصاها ثلاثة أشهر في بيان إلى الشعب بعد موافقة مجلس الأمن القومي واستشارة رئيس مجلس الشعب و رئيس المحكمة الدستورية ولا تمدد لمرة ثانية إلا بعد موافقة مجلس الشعب".

وحظر الإعلان الدستوري إنشاء المحاكم الاستثنائية، الذي دأب النظام السابق على إنشائها بهدف إحكام قبضته على السوريين.

مقالات مشابهة

  • ما الاختلاف الذي لمسه السوريون في أول رمضان بدون الأسد؟
  • أمانة "الجبهة الوطنية" تعكف على بلورة رؤية إعلامية تخدم الوطن والمواطن
  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • الجبهة الوطنية: نعكف على بلورة رؤية إعلامية لخدمة الوطن والمواطن
  • الجبهة الوطنية: بلورة رؤية إعلامية تعكس أهداف الحزب لخدمة الوطن والمواطن
  • نسبية الإلتفاف الشعبي حول الجيش
  • ما هو الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • ما الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
  • أمسية رمضانية لفرع مؤسسة الاتصالات بإب