مهمة حمدوك ستكون صعبة و تجابه الصعاب. أول الصعاب أن النخب السودانية في تقدم التي يقودها حمدوك رغم مأساة الحرب و الخراب و الدمار إلا أنها نخب بعقل الستينيات من القرن المنصرم و ما زالت تجابه و تواجه المشكل القائم اليوم بذاكرة عقل نخب الستينيات من القرن المنصرم.
عندما نقول نخب الستينيات من القرن المنصرم نقصد نخب كانت و ما زال عقلها السائد في نخب اليوم لا ينشغل بمشاكل مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية بل ما زالت نخب كاسدة يقودها ما عرفوا بمفكري ما بعد الكلونيالية و نجد أغلب ناشطيهم كانوا من أتباع اليسار السوداني الرث بنسخته الشيوعية المتحجرة.

و مشكلة أتباع الشيوعية السودانية المتحجرة لا توضح مأساتهم هم فقط بل تؤشر الى مدى تخلف النخب السودانية كافة عن مسيرة الفكر حتى لو قارنتهم بمفكري العالم العربي القريب لمحيطنا تجدهم دون المستوى.
نضرب مثل على مستوى فقرهم الفكري مثلا لم نجد حتى اللحظة وسط النخب السودانية من يتحدث عن الديمقراطية الليبرالية بمعناها الحديث في المجتمعات الأوروبية كما تحدث عنها عالم الإجتماع العراقي علي الوردي بل حذّر النخب العراقية منذ زمن بعيد بأن تفويتهم لفرصة تكريس الديمقراطية الليبرالية كنظام حكم و فلسفة لترسيخ فكرة العيش المشترك سيكون كارثة و مسألة إتاحة الفرصة من جديد ستكون بعد زمن طويل تسوده المحن و الإحن و قد كان محق.
على ضؤ حديث علي الوردي عن الليبرالية التي يزدريها الشيوعي السوداني بسبب كرهه للفكر الرأسمالي كما يكره الكوز فكر الغرب الذي نجد أن النخب السودانية بعد الإستقلال قد إنشغلت عنه بصراع لا يرقى الى مستوى نخب يقع على عاتقها بناء دولة حديثة و قوية ترسخ لفكرة العدالة و المساواة كنتاج وعي ناتج من تجربة الإنسان و ضمير و الوجود.
على عكس ذلك نجد أن الشيوعي السوداني ما زال لا يؤمن بفكرة الدولة من الأساس و بالتالي لم تعد السياسة كشرط إنساني بالنسبة له و يظهر كل ذلك في إضطراب مفكري الحزب الشيوعي السوداني و تخوينهم لكل من يتواصل مع تقدم و لو كان يملكون أموال الكيزان لبداءوا التفجيرات الإرهابية كما يفعل أتباع الخطاب الديني أمثال داعش.
حيرة الشيوعي السوداني لأنه يتعامل مع قضايا الراهن السوداني الآن بعقل الستينيات من القرن المنصرم و لا يريد أن يفارق أوهامه في فكرة تقديم الشيوعية لحلول نهائية و هي فكرة إنتهاء الصراع الطبقي و نهاية التاريخ و هنا تظهر غائية و لاهوتية و دينية الشيوعي السوداني و لا يختلف عن الكوز الآن و هو يقف خلف عرقلة التحول الديمقراطي و لا يهمه أن تنتهي الحرب و تبدأ مسيرة الفكر من جديد بفكر يجابه مشكلة مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية و ليس فكر لا هوتي ديني غائي كفكر الكوز و الشيوعي السوداني.
نقول للشعب السوداني لا تحزن من تصرف الكيزان و مسألة وقوفهم خلف إستمرارية الحرب و لا تحزن من موقف الحزب الشيوعي السوداني السالب مما يحصل للشعب من قتل و دمار و الغريب يظن بأنه هو الحزب الوحيد غير المنفنس و في حقيقة الامر مادام غير قادر على حماية الشعب من أهوال الحرب فهو المنفنس عديل و يظن أنه فحل و ستؤول له الأمور و هيهات.
المهم في الأمر ستقف الحرب مهما تعاظمت الخسائر من أرواح و ممتلكات و لكن مع دخان الحرب سيذهب تاريخ الكيزان للأبد من أفق الشعب السوداني و ستختفي الشيوعية السودانية بنسختها المتحجرة و سيختفي أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني بوجوههم الكالحة و نقول لهم لا تفتكروا أن الشعب السوداني يرضى بأن تفكّروا كلجنة مركزية بدلا عنه كما يرضى أتباع حزبكم الشيوعي السوداني أن تفكروا بدلا عنهم و لا يختلفون عن أتباع الكنيسة في زمن ما قبل الإصلاح.
إذا استمر الشيوعي السوداني يظن بأن لجنته المركزية يوم ما ستفكّر بدلا عن الشعب السوداني بعد وصولهم للحكم عليك أيها القارئ بأن تأخذ وهم أتباع الشيوعي السوداني كمؤشر لتدني مستوى وعيهم و تستدل به على تدني وعي النخب السودانية التي لا تريد أن تعرف بأن الشيوعية كدين بشري و الفكر الديني أي دين لم يعد كجالب لسلام العالم.
سنوضح ذلك في أدنى المقال وفقا لفكر مارسيل غوشيه كفيلسوف و عالم إجتماع و مؤرخ فرنسي. مارسيل غوشيه إستلف من ماكس فيبر فكرة زوال سحر العالم أي أن الدين قد أصبح في مستوى دين الخروج من الدين و أن البشرية قد فارقت الايمان التقليدي الذي يجسده اتباع الطائفية من اتباع الامام و الختم و المرشد و الاستاذ الشيوعي الذي يشيّع بنوبة الصوفية و هذا الكلام فهمه يحتاج لتغيير عقل أتباع أحزاب الستينيات من القرن المنصرم و هم أتباع الحزب الشيوعي السوداني و أتباع الطائفية و أتباع المرشد.
مارسيل غوشيه كل فلسفته ترتكز على تفكيك أوهام الفكر الماركسي و كيف أن الهيغلية و الماركسية قد وصلتا بالمثالية الالمانية الى نهاية دينية لاهوتية غائية لا تتجاوب مع الإنسانية التاريخية و الانسان التاريخ بسبب فشل مقاربات ماركس لنظرية القيمة عند ديفيد ريكاردو و وهم الشيوعي السوداني بفكرة فائض القيمة و هذا مضحك لمن يعرف كما ضحك من قبل ألبرت كامو من دفاع سارتر عن الشيوعية كنظام شمولي. و كما ضحك كلود ليفي اشتروس من سارتر و جهله بعلم الاجتماع لذلك كان يدافع عن الشيوعية كنظام شمولي كحال الشيوعي السوداني اليوم و هو في أحسن صوره أسير فكر فلاسفة ما بعد الحداثة في الستينيات من القرن المنصرم.
و لكن للأسف ليس وسط النخب السودانية من يضحك على الشيوعي السوداني و هو يحاول أن يبحث لدور للدين في السياسة كما فعل عبد الخالق محجوب و تبعه محمد ابراهيم نقد في علمانيته المحابية للأديان. و لكن نجد هشام شرابي يضحك على أمثال عبد الخالق محجوب و نقد و جبنهما و عدم شجاعتهما في مجابهة الخطاب الديني.
كان عبد الخالق يبحث لدور بنيوي للدين في السياسة السودانية و هذا بالنسبة لمارسيل غوشيه يصبح عبد الخالق محجوب مبجّل و مقدّس عند الشيوعي السوداني وفقا للمثل السوداني كل ديكا في بلده عوعاي.
مارسيل غوشيه يقول منذ بداية السبعينيات و بعد فشل حشود جمال عبد الناصر و ظهور حشود أتباع الخطاب الإسلامي كل المؤشرات تقول بأن نهاية خطاب الاسلام السياسي سوف تفتح على مسألة تأليه الانسان و أنسنة الأله و هذا هو خطاب الاسلام السياسي يصل لنهاياته الحزينة و ها هو ولي العهد في السعودية يقول لا يمكن تحقيق تنمية و نقل أفكار الحداثة وسط الخطاب الوهابي المتخلف و بعدها قدم مشروع نهضة السعودية 2030 و قد إختفى ضجيج الوهابية في السعودية. في تونس فتحت عشرية الغنوشي الفاشلة لعهد جديد لا وجود للإسلاميين في أفقه في المستقبل البعيد. في مصر فشل الاخوان المسلمين فشل فتح الطريق للسيسي لكي يؤسس نظام حكم تسلطي.
في السودان إنتصرت ثورة ديسمبر على عقل الكوز رغم مهادنة الشيوعي له في لقاء نيروبي و نقصد لقاء نيروبي و كان كمال الجزولي يقرر فيه بكامل وعيه أن الدين يمكن أن يلعب دور بنيوي في السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و كذلك كان رأي رشا عوض ترقيعي و كان رأي النور حمد كمؤالفة بين العلمانية و الدين و بعد ثورة ديسمبر تبخر لقاء نيروبي كما سيتبخر رأي كل من يظن أن الخطاب الديني سيشارك في مستقبل السودان. و لهذا قلنا أن مهمة حمدوك صعبة.
أما مسألة الشيوعية فمنذ قرن من الزمن يقول ماكس فيبر أن ماركس كان على خطا عظيم في إعتماده على البنى التحتية و إفتكاره أن موتور العالم هو الاقتصاد و صدق ماكس فيبر في حديثه عن عقلانية الرأسمالية و ما زال الشيوعي السوداني يظن أنه بشعر محجوب شريف و شعر حميد يمكنه شرح الديالكتيك و هذا مضحك للغاية و من الأفضل أن لا يتحدث الشيوعي السوداني و كأن العالم لا يقراء أوهامهم التي يظنون أنهم عبرها يمكن إصطياد الشعب السوداني. شعر حميد و محجوب شريف و شرح الديالكتيك؟ قصة عجيبة.

taheromer86@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشیوعی السودانی النخب السودانیة الشعب السودانی عبد الخالق ما بعد

إقرأ أيضاً:

تراجع صادرات طهران من الصلب.. هل يتأثر القطاع برسوم ترامب؟

طهران – انخفضت صادرات إيران من الصلب بأكثر من 13% في القيمة ونحو 4.2% في الحجم خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الفارسي (بدأ في 20 مارس/آذار الماضي)، وفقا لإحصاءات اتحاد منتجي الصلب الإيراني، مما تسبب في تكبيد الاقتصاد الإيراني خسائر بنحو 10 مليارات دولار.

وفي تقرير بعنوان "الصلب إيراني والتصدير أفغاني"، كشفت صحيفة "اقتصاد ملي" الناطقة بالفارسية عن تراجع صادرات البلاد من منتجات الصلب والحديد بنحو 13% من قيمة صادرات البلاد من الصلب، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الإيراني الماضي، واصفة قطاع الصلب بأنه محرك أساسي لاقتصاد إيران، وموضحة أن صادراته تعتبر أحد أهم سبل حصول البلاد على العملة الصعبة.

وكشفت الصحيفة عن استعانة شركات الصلب الإيرانية برجال أعمال من أفغانستان والعراق وتركيا لتصدير منتجاتها للخارج، موضحة أن صادرات الصلب عبر وسطاء تسببت في تنافس سلبي في الأسواق الداخلية وانخفاض أرباح الشركات، ناهيك عن عدم عودة عوائد الصادرات في الفترة المحددة لها خلال 6 أشهر، مما انعكس سلبا على القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل البتروكيميائيات والأسمنت.

أهمية اقتصادية

وكانت وكالة أنباء "إرنا" الرسمية قد نقلت عن المدير العام لمصنع "فولاذ مباركة أصفهان" محمد ياسر طيب نيا قوله إن قيمة صادرات البلاد من الصلب قد تجاوزت 8 مليارات دولار خلال العام الإيراني الماضي بما يعادل 16.5% من مجموع صادرات إيران من النفط الخام.

طيب نيا: صادرات البلاد من الصلب تجاوزت 8 مليارات دولار خلال العام الإيراني الماضي (الصحافة الإيرانية)

وتعتبر إيران ثاني أكبر منتج للصلب في المنطقة، وتتربع على المركز العاشر بين أكبر منتجي الصلب على مستوى العالم، وبالتالي يستحوذ هذا القطاع -على أقل تقدير- على 5% من إجمالي الإنتاج المحلي، وفقا للصحافة الفارسية.

إعلان

في السياق، أفادت صحيفة "دنياي اقتصاد" بأن قطاع الصلب يحتل المرتبة الثانية بعد البتروكيميائيات في قائمة الصناعات غير النفطية الأكثر دخلا من العملة الصعبة، مضيفة أن حجم إنتاج البلاد من الصلب يبلغ 32 مليون طن في الوقت الراهن في حين يتم استهلاك 20 مليون طن داخل البلاد.

الأسباب

في غضون ذلك، يوجه رضا شهرستاني، وهو عضو سابق في مجلس أمناء اتحاد منتجي الصلب في إيران، أصابع الاتهام إلى الحكومة السابقة، إذ ألزم مصرفها المركزي المصدرين بإعادة كامل العوائد إلى المصرف المركزي لكن وفقا لتسعيرة منصة "نيما" لمبادلات العملات الصعبة.

وأوضح شهرستاني، في مقابلة مع صحيفة "تجارت نيوز"، أن شركات الصلب الإيرانية تضررت جراء هذه السياسة لأنها تسدد نفقاتها بسعر السوق الحرة، في وقت تكون فيه تسعيرة الدولار عادة في منصة نيما 20% أقل من سعر العملة الخضراء في السوق الموازية، مما جعل من تصدير منتجاتها أمرا غير مجد.

وأرجع العضو السابق في مجلس أمناء اتحاد منتجي الصلب أحد أسباب تراجع قيمة العملة الوطنية في بلاده مقابل الدولار الأميركي إلى انخفاض صادرات الصلب خلال الفترة الأخيرة، وتقلّص عوائده بالعملة الصعبة.

وختم بالقول إن عددا من شركات الصلب اضطرت إلى خفض أسعار منتجاتها للاستحواذ على حصة كبرى من السوق الداخلية، وتسبب ذلك في تنافس سلبي مع الشركات الأخرى التي اتخذت خطوات مشابهة لتفريغ المستودعات إثر تكدس المنتجات فيها.

العقوبات

من ناحيته، يعتبر روح الله لطيفي، المتحدث باسم لجنة العلاقات الدولية وتنمية التجارة في "الدار الإيرانية للصناعة والتجارة والمناجم"، الاستعانة بتجار أجانب لتصدير الصلب الإيراني أمرا طبيعيا للالتفاف على العقوبات المفروضة على بلاده، مؤكدا أن طهران تواجه حربا اقتصادية شرسة تحتم عليها اتخاذ سياسات اقتصادية لتحييد التحديات الماثلة أمام مبادلاتها المالية.

تراجع صادرات الصلب يعود لانخفاض الإنتاج جراء العجز في الكهرباء في فصل الصيف وعجز الغاز في الشتاء (غيتي)

وبرأي لطيفي -في تصريح للجزيرة نت- يحق للسلطات الاقتصادية في طهران إلزام المصدرين بطرح العوائد في المنصات الرسمية لمبادلات العملة الصعبة لتوفيرها للموردين، موضحا أن المواد الأولية لشركات الصلب والوقود تأتي من الداخل وبأسعار مناسبة، وأن ما يقال عن استيرادها بأسعار السوق السوداء ليس صحيحا.

إعلان

وأشار إلى أن بعض شركات الصلب الإيرانية لديها حسابات مصرفية في الخارج تدخر عوائدها فيها حتى لا تضطر لبيع عملتها الصعبة بأسعار أقل من السوق السوداء، لكن ذلك ينعكس سلبا على إحصاءات عوائد هذا القطاع، مضيفا أن بعض شحنات الصادرات تتم مقايضتها بالمعادن الثمينة ومنها الذهب أو سلع أخرى.

ويتابع لطيفي أن جزءا آخر من تراجع صادرات الصلب يعود إلى انخفاض الإنتاج جراء العجز في الكهرباء خلال فصل الصيف والعجز في الغاز خلال موسم الشتاء، حيث تضطر السلطات لقطعه أو تقنينه لتوفير الوقود للقطاع المنزلي.

رسوم جمركية

وحول مدى تأثر صادرات طهران من الصلب إثر توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوامر تنفيذية بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة من كافة الدول بلا استثناء، أجاب الباحث الاقتصادي محسن فتح اللهي بالنفي.

وأوضح فتح اللهي، في حديث للجزيرة نت، أن بلاده تصدر كميات من الصلب إلى عدد من الدول الإقليمية، إلى جانب حضورها في أسواق شرق آسيا، وبالتالي لا توجد إحصاءات عن تصديرها الصلب إلى أوروبا أو الولايات المتحدة.

واستدرك الباحث الاقتصادي أنه من شأن حرب ترامب على الصلب أن تؤدي إلى تنافس المنتجين الأوروبيين للصلب الإيراني في الأسواق الإقليمية أو في شرق آسيا.

مقالات مشابهة

  • الراعي: التعددية لم تكن يوماً عائقاً أمام وحدة المجتمع اللبناني
  • قمّة بغداد تبدأ مبكراً.. مبعوثون عراقيون يطلعون الزعماء على الأجندة الصعبة
  • تراجع صادرات طهران من الصلب.. هل يتأثر القطاع برسوم ترامب؟
  • مجموعة روشن توقّع اتفاقيات بقيمة 1.5 مليار ريال وتعزز التزامها بدعم المحتوى المحلي
  • محمود عباس: دعوات التهجير هدفها إلهاء العالم عن جرائم إسرائيل في غزة
  • ???? هنالك تساهل غريب من قبل الدولة مع هذا العميل الخطير (حمدوك) ورهطه
  • «الفارس الشهم 3» توزع طروداً غذائية وصحية على أسر في رفح
  • حمدوك يطالب بإيجاد حل سلمي للنزاع الدامي في السودان
  • تصريح صحفي من الحزب الشيوعي السوداني رفضاً لاتفاق إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان
  • ثمن غسل وجه حمدوك وبرمة والدقير هو مزيد من “توسيخ” صندل والتعايشي