بسم الله الرحمن الرحيم
سرف المداد
الأستاذ حسن إسماعيل، بلا شك يتسيد الآن الساحة، وتنتظر شرائح كبيرة من مجتمعنا السوداني، طلته عبر الشاشة البلورية في شوق ولهفة ، لقد تغاضى مجتمعنا عن انتهازية مزعومة للرجل، دمغه بها نفر عظيم من السودانيين، وبات هم الناس، كل الناس، في وطننا الجريح أن يسمعوه، وأن يسمعوه في تأني وحرص، ويساورهم ذلك اليقين الجازم، بأن كل ما يذهب إليه في تحليلاته الدقيقة، هو الصواب الذي لا فصال فيه، وفي الحق أن الكاتب الصحافي، والمحلل السياسي حسن إسماعيل، يعبر عن كل الغيظ والحنق، الذي يعصف بأفئدة الناس من المليشيا المارقة، مليشيا الدعم السريع،تلك المليشيا التي مزقت الأمصار، واعتدت على الديار، واستباحت الذمار، وانتهكت العروض.
أنا على الصعيد الشخصي، يعجبني عقل هذا الرجل، ويمتعني حديثه، لأنه قد أصاب من البداهة نصيب موفور، ولأن كلامه الخالي من السذاجة والنقص، مترعا بالأدلة والشواهد، وعن كنه المواضيع التي يتناولها الأستاذ حسن بالشرح والتحليل، ويبسط فيها لسانه الطلق بغير حساب،فهي تلك المواضيع التي أقحمتها الأحداث، ووقائع الدهر، في حياة الناس العقلية والشعورية، فمما لا يغيب عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن هذه الهيجاء قد ابتدعت لونا من اللذة جديدا، ونوعا من الاعجاب فريدا، وهو التحلق حول شاشة تلك القناة التي جعلت كل برامجها وموادها الاخبارية رهينة لنصرة الجيش، وانتظار ذلك البرنامج، الذي يزيل فيه جنان الأستاذ عن نفسك طائفة من الغشاوات، غشاوات تتفاوت كثافة وحدة، تستمع فيها لتحليلات الأستاذ حسن، وأنت مقتنعا بها،مطمئنا إليها، مستسلما لها، وقد وضع لها نظاما فيه شيء غير قليل من الترتيب والتنسيق، فيعمد إلى أبسط هذه الغشاوات، وأشدها سذاجة، فيستقصي أمرها، ثم يبين لك عيوبها وأعطابها، وتهافت أصحابها، وفي الجملة يهدم معبادها، ويمحو شخصية أفرادها، ولا تزال أنت متابعا له، وهو يهضب في حديثه الذي يلائم حاجتنا إلى التشفي ملائمة صحيحة، ففي التفاتات الأستاذ، ما هو كفيل بأن يهدئ من شهواتنا الحادة، التي لا سبيل إلى تهدئتها، فنحن في حاجة فعلا، لأن نخضع تلك الشهوات المضطرمة وننظمها، فليس من اليسير جدا علينا، أن نطرد هذه الرغبة الملحة في الانتقام، الإنتقام ممن أحالوا حياتنا إلى شقاء، فالناس فعلا محتاجة لأن تنتقم من مصادر هذه النكبات، ونحن هنا نعترف في وضوح وجلاء، أن شهوة الانتقام صخابة متأججة، ممن دفع مجتمعنا لأن يبحث عن مواطن العزلة، في الكهوف، وأعالي الجبال، عله ينجو من سخط الجنجويد، وهجماتهم الوحشية، نقر أيها السادة في إذعان ووضوح، أن كلفنا بشهوة الانتقام من بربرية الدعم السريع، باتت هي المسيطرة على عقولنا، والمهيمنة على وجداننا الشاحب، وأمسينا في تماهينا الصاخب معها، نضيف إليها كل شيء، ونقصر عليها كل عناية، فإذا كان الأمر كذلك، فليس من الحق في شيء، أن يتهمنا أحد بالجموح والشطط، فهناك من يعتقد أن كلامنا هذا ليس من شأنه أن يفهم، فالألفاظ التي تدل عليه، وتوضحه، هو يمجها ولا يستسيغها، لأنه ببساطه لا يستطيع أن يتحمل نقدنا لمليشيا الدعم السريع، ولا حكمنا فيها، من هنا نستطيع أن نرى أشياء ولا نشك في صحتها، فالحقيقة التي لا نستطيع أن نغمط منها أو نزيد، أن هناك طائفة من الناس تكره رأينا هذا، وتنكره، وتنصب الحرب له، بل لا تتوانى عن شمتنا بأقذع الألفاظ في صراحة وحدة، إذا صدعنا برأينا المندد بسلوك المليشيا، والداعي إلى محقها وازالتها عن الوجود . ونحن نقرأ كل هذا الثلب و الذم، ونبتسم في أسى، فقتل الرأي الحر وازهاقه، والاساءة إلى صاحبه، لا يعد جريمة في أرض النيلين، وهل نعد وأد الرأي وتكميمه جريمة، إذا ما قارناها بغيرها من الجرائم المتفشية في سوداننا الآن ، والتي إنتقلت أطوارها في مجتمعنا الهش من طور إلى طور، حتى وصل لازهاق الشعب بأسره وإبادته، أمام مرأى من العالم ، والعالم الذي يغفل عن مجازر السودان في كسل وتراخي، يسعى كما يزعم نافذوه، أن يستكشفوا حقيقة الدعم السريع، حتى يستطيعوا أن يصفوه وصفا واضحا لا لبس فيه.
إن كل ما وصلنا إليه، بعد كل هذه السنوات من الكتابة الصحفية، استحالة الرضى، وحسن الوفاق، بين طوائفنا السياسية المتعددة، فبعض الطوائف يسوؤها حقا أن تنتحل نهجا مخالفا لنهجها، ورأيا مغايرا لرأيها، فالتعصب لحزب، أو الانكفاء على جماعة، حقا مشاعا للجميع، ولكن كل هذه الحقائق التي تمثل خلاصة الحياة العقلية القديمة، ما زال البعض يجهلها، أو ينكرها في اسراف وشطط، هذه الطبقة الاقصائية، غالبا ما تطربها أنغام الذل والمهانة التي لحقت باطياف المجتمع السوداني، فما حلّ بمجتمعنا الصابر على عرك الشدائد، لم يمس شيئا من عواطف هذه الناجمة، أو يبعث في نفوسها الصدئة ولو خيطا ضئيلا من الرغبة في الانتقام، لأن قناعاتها أن هذا البلاء، لم تصليه مليشيا الدعم السريع، إلا على جحافل الفلول، من بقايا نظام الحركة الإسلامية، الذين قادهم حظهم العاثر لأن يبقوا في أتون هذه الكريهة، ولم يفروا بأموالهم المكدسة إلى تلك الدول الراقية، في الخليج العربي، أو آسيا الوسطى، هذه الطبقة من الناس تعتقد أن كل من شايع الحركة الإسلامية السودانية، قليل الحظ من الأمانة، وأنه لم يغتني- هذا إذا كان غنيا فعلا- إلا من سعة، لم يتعب هو في جنيها وتحصيلها، وأنه لم يصبها إلا من مال الشعب وذخائره، لكن تظل الأشياء حولنا ثابتة، لا تتغير جواهرها، ونحن حتى تصل الإنسانية إلى درجة متقدمة من الاصلاح والرقي، علينا أن نساير تلك الطائفة، وأن نتحمل عقابيلها، ونذود طعنها وتشنيعها بنا بالفتور والإهمال.
د.الطيب النقر
nagar_88@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
سامحنى
للدين شرطان متلازمان، لا ينصلح حال الناس إلا بهما، الأول الشعائر الدينية.. وإذا لم تهذب هذه الشعائر أخلاقنا وسلوكنا تكون تلك الشعائر أو العبادات مجرد عادات يؤديها الشخص دون أى مضمون، لأن العبادات يجب أن تتم ترجمتها إلى سلوكيات يومية بينك وبين باقى الناس، فالشعائر التى كلف الله بها الخلق يجب أن تحد من شهوات النفس التى تميل دائماً إلى الراحة وعدم التعب، لذلك أوجبت الشعائر الدينية لمن يصلى ويصوم ويحج البعد عن الغيبة والنميمة والكذب ونقض الوعد والهمز واللمز والسخرية من الغير، وهكذا يكون تأثير العبادات بالإيجاب. لذلك قال المولى فى محكم آياته «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» إلا أننا نجد البعض يأخذ من العبادات مجرد شكل يحدده الزى والسبحة والزبيبة والمسك الذى يضعه هؤلاء ويظنون أن الله غافل عما يفعلونه فى معاملاتهم مع الناس. هؤلاء يؤكدون على وجود خلل فى طبيعتهم وانفصال تام بين العبادات والمعاملات، ويعتقدون طالما يقومون بما أمر الله به لعبادته والظاهر فى تصرفاتهم فهذا يكفى. ولكن الفرق شاسع بين هذا وذاك، فالله يغفر الذنوب جميعاً إلا الشرك به، ولكن البشر لا يغفرون، لذلك نجد بعض الناس تكرر على لسانها كلمة سامحنى إذا باع أو اشترى، ويطلب منك مسامحته عن أى أخطاء، ولكن آخرين يعتقدون أن الغش شطارة، وأن أكل مال الغير فهلوة، فيكتفون بالعبادات، وانظر حولك تجد بعضهم فى كل مكان وزمان.
لم نقصد أحداً!!