الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يُلقي خطبة الجمعة في نيودلهي
تاريخ النشر: 17th, July 2023 GMT
تشرَّف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، بإلقاء خطبة الجمعة في الجامع الكبير بنيودلهي، بدعوةٍ من إمام وخطيب الجامع، وترحيب من عموم التنوع الإسلامي الهندي، ليكون بذلك أولَ شخصيةٍ دينيةٍ من خارج الهند تعتلي هذا المنبر منذ نحو 400 عام.
أخبار متعلقة
تلبيةً لدعوةٍ رسمية.. الشيخ العيسى يرأس وفد رابطة العالم الإسلامي إلى الهند
المفتي يلتقي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي على هامش منتدى «بناء الجسور» بالأمم المتحدة
رابطة العالم الإسلامي تدين اقتحام مبنى الملحقية الثقافية للمملكة في الخرطوم
وأشار في خطبة الجمعة إلى أنّ كتاب الله حفل بالحث على تزكية النفوس، فقال سبحانه: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))، وفي السُّنة المطهرة يقول نبينا وسيدنا صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن ليُدرك بحُسْنِ خُلُقُهِ درجةَ الصائم القائم»، ويقول عليه الصلاة والسلام: «ما شيءٌ أثقلُ في الميزان يوم القيامة من خُلُق حسنٍ؛ فإن الله يُبغضُ الفاحش البذيء» ،وتجلى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سلوكه بأعظم الأخلاق. وأكد أن الحضارة الإسلامية حضارةٌ أخلاقية قدَّمت للإنسانية نماذجَ رائعةً في التكامل الإنساني بالصدق والأمانة، والوفاءِ بالعُهُود والوعود، والحِلْم والعفو والسماحة، والبِشْر وطلاقةِ الوجه وطيب الكلام، ومن هنا فإن المسلم بأخلاقه العالية وبنظرته الشاملة الواعية والحكيمة، مثالٌ في التعايش الأمثل مع الجميع.
وشدد الدكتور العيسى على أن الوعي الإسلامي على علم بأن لنصوص الشريعة الإسلامية مقاصدَ عظيمة جاءت لتحقيق مصالح العباد في دينهم ودنياهم، مقاصدَ تنظر من جميع الزوايا لا من زاوية واحدةٍ قاصرة، ومن هنا فإن ما يصلُح لبلد قد لا يصلُح لغيره، وقد أوضح فقهاءُ الإسلام أن الفتاوى والأحكام الشرعية قد تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال. مضيفًا: «ومن هنا أيضًا جاءت وثيقة مكة المكرمة، التي أمضاها مُفتو وعلماءُ الأمة الإسلامية وأقرتها الدول الإسلامية، بمنع تصدير الفتاوى خارجَ ظرفيتها المكانية وأحوالِها وأعرافِها الخاصة».
ونبه إلى أن «المسلم الحق أخلاقٌ عالية تمشي على الأرض، تشهد بجلال وجمال الإسلام من خلال قيم أهل الإسلام، فالتحلي بتلك القيم يَخدم سُمعة الإسلام، فضلاً عن أن ذلك سلوك حقيقي للمسلم يتعينُ عليه الالتزامُ به في جميع الأحوال، أمَّا عكسُ ذلك فيُحسب مع الأسف على ديننا عند من لا يعرف حقيقة الإسلام، وذلك من خلال الحُكم عليه بفعل أولئك المنتسبين إليه، وهذا العمل المسيء يُعتبر في عداد الصد عن سبيل الله».
وأكد في السياق ذاته أن المؤمن الحق يُبْرِزُ حقيقةَ دينِهِ من خلال قِيَمِهِ الرفيعة وأعمالِهِ الجليلة، حيث وسطيةُ الإسلام واعتدالُه، ورفضُ أشكالِ التطرُّفِ والعُنف كافةً، أيّاً كانت أسبابُها وذرائِعُها.
وبعد انتهاء الخطبة أمَّ الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي جموعَ المصلين بحضور كبار العلماء والمشايخ من الهند، وخلْفهم آلاف المصلين ممن امتلأت بهم الباحات الخارجية للجامع.
المسجد الكبير بنيودلهي رابطة العالم الإسلامي الهند الدكتور عبد الكريم العيسيالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: شكاوى المواطنين رابطة العالم الإسلامي الهند
إقرأ أيضاً:
ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة بعنوان مفهوم المواطنة
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: "ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من الخطبة توعية جمهور المسجد بأهمية التعايش السلمي باعتباره من أهم أسباب استقرار المجتمع.
وقالت وزارة الأوقاف: إن موضوع الخطبة الأولى موحد على مستوى الجمهورية، وإن موضوع خطبة الجمعة الثانية يستهدف معالجة مفهوم المواطنة، بباقي المحافظات.
ويسرنا أن ننشر (النموذج الثاني) لموضوع خطبة الجمعة بعنوان:
"ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"
الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض، ونور السماوات والأرض، وهادي السماوات والأرض، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فهذه كلمات نورانية خرجت من لسان الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه، لتعبر عن دعوته الشريفة إلى التحلي بأسمى آيات الإحسان والبشر والبر والإكرام في التعامل مع خلق الله تعالى: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق»، وها هو خير الخلق وحبيب الحق صلوات ربي وسلامه عليه قد وسعت ابتسامته الصادقة وأخلاقه السامية الدنيا بأسرها، في مزيج محمدي مدهش يجعل القلوب تأرز حبا إلى حضرته وتستبشر بدعوته.
فيا أيها المحمديون، إن هذا السر النبوي الشريف هو الذي جذب القلوب والأرواح والعقول، ليؤسس فلسفة الحب بين البشر جميعا، فاعلموا أيها الناس أنكم لن تصلوا إلى القلوب بأموالكم ولا بعوارض دنياكم، وإنما تسعون قلوب البشر بالأخلاق التي أتم الجناب الأنور بناءها، ورفع قدرها، حين قال عن ذاته الشريفة: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
فقف أيها العقل عند منتهاك، وأنت ترى الأخلاق المحمدية تسمو فوق السماء برا وبشرا ووفاء ولطفا، حين تبدو نواجذه الشريفة، كأن النور يخرج من بين ثناياه، لتفتح ابتسامته الصافية وكلماته الطيبة قلوب الناس إجلالا واحتراما وإقبالا على هذا الدين القويم ولهذا النبي المصطفى الأمين الذي كرمه ربه بهذا الوصف المقدس {وإنك لعلى خلق عظيم}.
أيها المحمدي، ألم يحك التاريخ لك عن الرسائل والخطابات النبوية للأمراء والقياصرة والأكاسرة وقد جمعتها لغة واحدة هي لغة الاحترام والتفخيم والبهاء وبذل السلام؟! ألم تكتب الصفحات عن رقي التعامل النبوي مع وفد نجران الذي أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في أن يصلوا صلاتهم بمسجده الشريف في مشهد يبهر الدنيا ويأسر القلوب؟!
أيها النبيل، اعلم أن هذا الحال الشريف هو باب هداية الخلق، ومفتاح الإقبال على الحق، فحبيبك صلى الله عليه وسلم هو من أبهر الدنيا بأصول التعامل مع الناس على اختلاف عقائدهم، وهذا تلميذه النجيب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يعدد محاسن الإسلام ومفاخره ومناقبه للنجاشي في مشهد عجيب، وحوار مهيب درس جعفر أدواته، وعرف كيف يخاطب الأدب النبوي قلوب الملوك ليسعها ببسط الوجه وحسن الخلق، حين قال للنجاشي: «أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام»، فما كان من النجاشي إلا أن انفتح قلبه، واستبشر وجهه ووجدانه بهذا الدين العظيم، فبكى حين تذكر أخلاق عيسى عليه السلام الذي جعله الله تعالى باب بر ووفاء وحنان ورحمة وعلم، وجعله الله تعالى آية في العطاء والتسامح والسلام؛ لينطلق لسانه قائلا: «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة».
أيها السادة، لقد استقى الشعب المصري هذه الأنوار المحمدية وتلك العظمة المصطفوية، فكانت اللحمة الوطنية حاضرة بكل ربوع المحروسة، وكان احترام شركاء الوطن منهجا مرسوما، فأصبح الشعب المصري نسيج وحده بجميع طوائفه تعايشا وتكاملا، تغمره السكينة والطمأنينة، مجبورا مستورا منصورا.
*
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الناس، إن شريعتنا الغراء تفيض الخير على الجميع، شعارها إكرام الخلق وإيصال الرحمة إليهم على اختلاف عقائدهم ومشاربهم وأفكارهم، وإن شئتم فانظروا إلى المعاملات، بيعا وشراء، عدلا وقسطا، وزواجا مباركا وحسن جوار، في إطار متين من الإرشاد الإلهي الذي يجمع الناس جميعا تحت مظلة المواطنة التي تجمع ولا تفرق، يقول ربنا سبحانه: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.
أيها النبيل، انتبه إلى وصف رب العالمين لمقام النبي الأمين صلوات ربي وسلامه عليه: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، ولقول الجناب المعظم صلى الله عليه وسلم: «بعثت للناس كافة»، فالآية الكريمة والحديث الشريف يرسخان لمواطنة حقيقية قوامها التواصل بالخير والتعاون والتكافل بين أبناء الوطن جميعا، على ميثاق الحقوق والواجبات الذي لا يفرق بين مواطن وآخر، في ظل وطن واحد لا تعكر صفوه شبهة، ولا تؤرقه فتنة.
ألا تعلم أيها النبيل أن المواطنة أساس البنية الاجتماعية المتماسكة والترابط المجتمعي في ظل وطن واحد تجمعنا شوارعه وحاراته، وتحوطنا أحلامه وطموحاته؟! إنها إيمان حقيقي بالتعددية والتنوع الإنساني الذي أراده الله رب العالمين في الكون، {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين}، {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين}.
فلننشر ثقافة المواطنة والتعايش بين أبناء الوطن جميعا؛ حتى ننعم بالسلام والأمان، ويفيض الخير على وطننا المبارك.
اللهم انشر السلام والطمأنينة في ربوع مصرنا الحبيبة
وأفض علينا من كرمك وجودك وسعة رحمتك