يرسل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني رسائل متضاربة بشأن ما إذا كان ينبغي للقوات الأمريكية الانسحاب من بلاده أم لا، وفقا لعباس كاظم، مدير مبادرة العراق التابعة لـ"المجلس الأطلسي" الأمريكي للأبحاث (Atlantic Council).

كاظم قال، في تحليل ترجمه "الخليج الجديد"، إنه على عكس سلفه مصطفى الكاظمي، "لم يتمتع السوداني بمستوى مماثل من الثقة من بدء رئاسته للوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) 2022".

وأوضح أنه "على الرغم من تأمين هدنة لمدة عام بين الولايات المتحدة والجماعات السياسية والمسلحة العراقية الرافضة للوجود العسكري الأمريكي في العراق، وتلقي الدعم المعلن من إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن لحكومته، إلا أن السوداني لم يتم استقباله في واشنطن".

و"الآن، مع انتهاء الهدنة الأمنية، في أعقاب حرب غزة بين إسرائيل (مدعومة من واشنطن) و(حركة) حماس منذ 7 أكتوبر 2023، والهجمات الانتقامية بطائرات بدون طيار في الأسابيع الماضية، فمن غير المرجح أن يتم استقبال السوداني في البيت الأبيض قريبا، وربما لا يحدث ذلك على الإطلاق"، كما أضاف كاظم.

ولفت إلى أنه "في 4 يناير/كانون الثاني (الجاري)، أدت غارة أمريكية بطائرة بدون طيار داخل بغداد إلى مقتل مشتاق جواد السعيدي، نائب قائد "حزام بغداد" بقوات الحشد الشعبي، الذي ينتمي إلى حركة النجباء، وهي جماعة مسلحة تصنفها واشنطن إرهابية".

وزاد بأن هذه الضريبة تزامنت مع الذكرى الرابعة لغارة جوية أمريكية في بغداد، قتلت كلا من قائد "فيلق القدس" الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس، مما دفع مجلس النواب العراقي إلى إصدار قرار يدعو الحكومة إلى إنهاء وجود القوات الأمريكية من العراق.

اقرأ أيضاً

العراق ينفي دخول قوات أجنبية إضافية.. ويؤكد قرب انسحاب التحالف

استطلاع رأي

هذه الغارة وصفها السوداني بأنها "جريمة"، وقال: "أكدنا موقفنا المبدئي فيما يتعلق بإنهاء وجود التحالف الدولي (بقيادة واشنطن لمحاربة "تنظيم الدولة") بعد انتهاء مبررات وجوده، ونعمل على تحديد موعد لبدء الحوار عبر اللجنة الثنائية لتحديد ترتيبات إنهاء هذا الوجود، وهذا التزام لن تتراجع عنه الحكومة".

وقال كاظم إن "الحكومة اتخذت  خطوة أخرى غير عادية، وهي إرسال رسالة نصية لاستطلاع رأي العراقيين حول الموضوع جاء فيها: "عزيزي المواطن، هل تؤيد استمرار مهمة التحالف الدولي في العراق؟".. والرابط الذي يحتاج الأشخاص للنقر عليه لتقديم إجاباتهم يقود إلى موقع تديره الحكومة".

واستدرك: "لكن على الرغم من هذه التصريحات القوية، إلا أن السوداني بعث برسالة مهدئة إلى الولايات المتحدة، عبر تصريح صحفي لرويترز في 10 يناير (الجاري)".

في هذا التصريح، قال السوداني إن "المحادثات المقبلة للتفاوض على إنهاء وجود القوات الدولية في العراق "ليست وقفا للشراكة بين العراق والتحالف الدولي، ولكنها بداية للعلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة، بما في ذلك العلاقات الأمنية".

وأردف "ليس لدينا أي تحفظات على توقيع اتفاقيات ثنائية للتعاون الأمني العام أو لأغراض التدريب وبناء القدرات". ومنذ فترة، تحولت مهمة قوات التحالف الدولي في العراق من قتالية إلى تقديم المشاورة والتدريب.

اقرأ أيضاً

رئيس البرلمان العراقي يدعو الحكومة لتنفيذ قرار إخراج القوات الأجنبية

محاولة خداع

و"ستكشف الأشهر القليلة المقبلة ما إذا كانت الحكومة العراقية تنوي التمسك بالموقف الذي أعلنه السوداني، وتقديم طلب رسمي (لواشنطن) بسحب القوات الأمريكية، أم أن تصريح السوداني، كما يدعي المشككون، جاء للاستهلاك المحلي"، بحسب كاظم.

وقال إن "ما جعل الوضع المتوتر أسوأ هو تصريح للمتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية اللواء رايدر، خلال مؤتمر في 4 يناير الجاري قال فيه: "نعلم أن قوات الأمن العراقية واصلت المساعدة في تحديد بعض الحالات التي نفذ فيها الوكلاء الإيرانيون (جماعات عراقية) هجمات على القوات الأمريكية (تضامنا مع الفلسطينيين في حرب غزة)، ونقدر هذا الدعم".

كاظم تابع: "فسر المعارضون العراقيون للسوداني ذلك على أنه اتهام لقوات الأمن العراقية بالعمل كمخبرين لمساعدة الضربات الجوية الأمريكية".

وأصدرت خلية الإعلام الأمني التابعة لرئيس الوزراء بيانا وصفت فيه تصريح رايدر بأنه "محاولة خداع"، وأضافت: "ننفي بشدة وجود مثل هذا التعاون، ولكن العكس هو الصحيح".

اقرأ أيضاً

البنتاجون: لا خطط لانسحاب القوات الأمريكية من العراق

المصدر | عباس كاظم/ المجلس الأطلسي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العراق السوداني قوات أمريكية انسحاب التحالف الدولي حرب غزة إسرائيل القوات الأمریکیة التحالف الدولی فی العراق من العراق

إقرأ أيضاً:

ما دور جهاز المخابرات؟ .. كيف تُدار المؤسسات العراقية بمصالح إقليمية؟

بغداد اليوم -  بغداد

منذ عام 2003، والعراق يتحوّل إلى ساحة مفتوحة للنفوذ الإقليمي والدولي، حيث تشابكت مصالح القوى الخارجية مع المصالح الحزبية، فتداخل الأمني مع السياسي، وامتزجت الولاءات المحلية بالحسابات الدولية.

لم تكن هذه التحولات مجرد انعكاس لصراعات القوى الكبرى فحسب، بل أصبحت جزءًا من بنية النظام السياسي العراقي نفسه، حيث تحولت المناصب الحكومية والمواقع الأمنية الحساسة إلى أدوات بيد جهات لها ارتباطات خارجية، بشكل مباشر أو غير مباشر.

وفي خضم هذا المشهد، يبرز السؤال الكبير: لماذا لا يفتح جهاز المخابرات العراقي ملف الشخصيات والأحزاب ذات الولاءات الخارجية؟ هل يعود ذلك إلى غياب المعلومات، أم أن الجهاز نفسه مقيد بسلاسل المحاصصة السياسية والطائفية؟ وإن كان القانون العراقي يجرّم التخابر مع جهات أجنبية، فلماذا لا تُطبَّق هذه النصوص على شخصيات نافذة واضحة الارتباط بقوى إقليمية ودولية؟


قانون التجسس في العراق: نصوص معلقة

في كل الدول ذات السيادة، يُعدّ التخابر مع جهات أجنبية جريمة يعاقب عليها القانون، سواءً كان ذلك عبر تقديم معلومات استخبارية لدولة أخرى أو تنفيذ أجندات سياسية لمصلحة قوى خارجية. العراق ليس استثناءً، حيث يجرّم قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 أي تواصل غير مشروع مع جهات أجنبية يُعرّض الأمن القومي للخطر.

لكن المشكلة لا تكمن في غياب القوانين، بل في غياب الإرادة السياسية لتفعيلها. فمنذ عام 2003، أصبح المشهد العراقي غارقًا في التوازنات الحزبية والمحاصصة الطائفية، ما جعل تطبيق هذه القوانين شبه مستحيل، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصيات نافذة تمتلك حلفاء داخل الدولة وخارجها. هذا التعقيد دفع جهاز المخابرات العراقي إلى التغاضي عن هذه الملفات، إما بحكم الأمر الواقع أو بسبب تدخلات سياسية تمنعه من ملاحقة شخصيات محسوبة على جهات نافذة.


المخابرات العراقية والمحاصصة السياسية: جهاز مكبَّل بالإرادات الخارجية

حينما يُطرح الحديث عن قدرة جهاز المخابرات العراقي على ملاحقة الأحزاب والشخصيات السياسية المرتبطة بالخارج، يتبادر إلى الذهن السؤال الأهم: هل يمتلك الجهاز صلاحية فعلية لملاحقة هؤلاء؟ المحلل السياسي سيف الهاشمي يرى أن المشكلة ليست في نقص المعلومات أو العجز الاستخباري، بل في طبيعة المهام الموكلة للجهاز، والتي لم تشمل – وفق تعبيره – "ملاحقة الشخصيات ذات الولاءات الخارجية، رغم معرفة الجميع بوجودها".

يؤكد الهاشمي بحديثه لـ"بغداد اليوم"، أن "جهاز المخابرات العراقي نفسه خضع لنظام المحاصصة الطائفية، ما يعني أن أي محاولة لملاحقة شخصيات معينة قد تُفسَّر على أنها استهداف طائفي أو سياسي، خاصة أن الكثير من هذه الشخصيات تأتي إلى مناصبها بدعم من قوى سياسية تمثل طوائف أو مكونات معينة. وبالتالي، فإن أي تحرك في هذا الاتجاه قد يُفجّر أزمة سياسية داخلية قبل أن يكون خطوة لحماية السيادة العراقية".

ويضيف أن "العراق بعد 2003 شهد عملية ديمقراطية بتدخل مباشر من الدول الكبرى، وهو ما سمح بتقاسم النفوذ والمصالح، ما جعل بعض الوزارات والهيئات الأمنية تُدار بشكل غير مباشر من قبل جهات تمتلك ارتباطات خارجية. لذلك، من غير المستغرب أن يكون هناك مسؤولون عراقيون يعملون وفق أجندات دولية وليس فقط لمصلحة العراق".


التغلغل الإقليمي والدولي في مؤسسات الدولة العراقية

حينما يتعلّق الأمر بالنفوذ الأجنبي داخل العراق، فإن الأمر لا يقتصر فقط على شخصيات سياسية تدين بالولاء لقوى خارجية، بل يمتد إلى بنية الدولة نفسها. فالعديد من الوزارات الحساسة أصبحت تُدار من قبل شخصيات محسوبة على جهات خارجية، سواء من خلال الدعم السياسي أو العسكري أو حتى المالي. هذه الديناميكية جعلت القرار السياسي العراقي رهينة توازنات إقليمية ودولية، ما يفسّر عدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات جريئة في قضايا تمس الأمن القومي بشكل مباشر.

ويشير الهاشمي إلى أن "وجود سفارات وقنصليات أجنبية داخل العراق، بالإضافة إلى التحالفات العسكرية والدبلوماسية، يُعطي انطباعًا بأن القرار الأمني في العراق ليس مستقلاً تمامًا، بل يُدار بتنسيق مع قوى دولية وإقليمية لها مصلحة مباشرة في الحفاظ على نفوذها داخل البلاد".


العراق والتحديات الأمنية: بين الإرهاب والهيمنة السياسية

على مدار العقدين الماضيين، ظل العراق مشغولًا بتحديات أمنية ضخمة، بدءًا من الإرهاب العابر للحدود، ومرورًا بالحروب الطائفية، وصولًا إلى صراعات النفوذ بين القوى السياسية المتنافسة. هذه الأوضاع جعلت الأجهزة الأمنية، بما فيها المخابرات، تركز على قضايا تتعلق بحفظ الأمن والاستقرار، متجاهلة ملفات حساسة مثل "التخابر السياسي" والارتباط بالخارج.

ويؤكد الهاشمي أن "الحكومة العراقية، خلال السنوات الماضية، كانت منشغلة بمعالجة الأزمات الأمنية المتلاحقة، وهذا جعل قضايا مثل ملاحقة الشخصيات المرتبطة بالخارج مسألة غير ذات أولوية، رغم خطورتها على المدى البعيد".


لماذا لا يُفتح ملف الشخصيات السياسية ذات الولاءات الخارجية؟

في ظل كل هذه التعقيدات، لا يبدو أن هناك إمكانية حقيقية لفتح ملف الشخصيات السياسية المتصلة بالخارج. فالمصالح المتداخلة، والعلاقات العميقة بين الأحزاب العراقية والقوى الإقليمية، جعلت من المستحيل تقريبًا محاسبة شخصيات نافذة على خلفية ارتباطاتها الدولية.

وبحسب الهاشمي، فإن "العراق لن يشهد قريبًا أي تحرك جاد في هذا الملف، لأن المحاصصة السياسية تمنع ذلك، إضافة إلى أن التحالفات الحزبية تخلق حماية غير مباشرة لأي شخصية يُتهم بولائها للخارج، ما يجعل أي محاولة لفتح هذا الملف محفوفة بالمخاطر السياسية".


حالة "اللاحسم"

لا يزال العراق يواجه تحديات كبيرة في تحقيق سيادته السياسية والأمنية، في ظل تغلغل النفوذ الأجنبي في مؤسسات الدولة. وبينما تستمر التساؤلات حول دور جهاز المخابرات في كشف الشخصيات والأحزاب التي ترتبط بالخارج، يبقى الواقع يؤكد أن أي تحرك في هذا الاتجاه قد يُعرّض المشهد السياسي العراقي لاهتزازات خطيرة.

وفي ظل غياب الإرادة السياسية لتفعيل القوانين التي تجرّم الولاءات الخارجية، ستبقى هذه القضية مجرد "حديث إعلامي" دون أي خطوات عملية، مما يعزز حالة "اللاحسم" التي طبعت السياسة العراقية منذ 2003 وحتى اليوم. لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه: هل يمكن للعراق يومًا ما أن يستعيد سيادته الكاملة بعيدًا عن التأثيرات الخارجية، أم أن هذه التدخلات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من واقعه السياسي؟


المصدر: بغداد اليوم+ وكالات


مقالات مشابهة

  • زيلينسكي: بوتين لا يريد وقف النار في ظل تواجد القوات الأوكرانية في كورسك
  • ما دور جهاز المخابرات؟ .. كيف تُدار المؤسسات العراقية بمصالح إقليمية؟
  • الحكومة العراقية تصدر قرارات جديدة
  • الحكومة العراقية تصدر قرارات جديدة- عاجل
  • الشركات المصرية تغزو السوق العراقية.. مستشار السوداني يكشف أسرار الانتشار
  • الخارجية العراقية: وصلتنا رسائل بنية الكيان الصهيوني شن سلسلة ضربات على بلدنا
  • وزير الدفاع الأمريكي للسوداني يهدد بضرب ميليشيا الحشد بنفس الضربات ضد الحوثيين إذا استهدفت القواعد الأمريكية
  • الشابندر يدعو الحكومة العراقية الى تطهير الداخل من “العملاء”
  • السوداني: الحكومة تبذل جهوداً كبيرة لاستئناف تصدير نفط إقليم كردستان
  • السوداني لوزير الطاقة التركي: الحكومة تبذل جهداً لتصدير النفط عبر جيهان