تسعى الحكومات وشركات التكنولوجيا والأكاديميات في جميع أنحاء العالم إلى الوصول إلى توافق في الآراء حول كل ما يخصّ الذكاء الاصطناعي. كما تحاول أيضاً فهم أفضل السبل التي يمكننا من خلالها الحصول على فوائد الذكاء الاصطناعي مع ضمان حوكمة هذه التقنية وتنظيمها وأنها تُستخدم بشكل عادل دون أن تتسبب بأي ضرر.

أحد الشواغل الشائعة في أنظمة الذكاء الاصطناعي هو تحيز الذكاء الاصطناعي عندما تأتي خوارزمية الذكاء الاصطناعي بنتائج أو تنبؤات غير عادلة أو متحيزة أو تمييزية بسبب افتراضات خاطئة في نظام الآلة الأساسي.

وقبل أن نتمكن من التغلب على هذه المشكلة، علينا أولاً أن نفهم مصدر تلك التحيزات.

 

التحيز في البيانات والذكاء الاصطناعي
ينشأ التحيز في البيانات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي في الغالب عندما تكون البيانات الأساسية المستخدمة لتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي متحيزة. وأحد أشكال تحيز الذكاء الاصطناعي هو عندما تكون البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي متحيزة بطبيعتها بسبب كيفية جمعها. وإذا كانت البيانات المختارة للتدريب غير دقيقة أو غير كاملة أو غير متوافقة بطريقة ما بحيث لا تمثل السكان الذين تهدف إلى خدمتهم، فيمكن لنموذج الذكاء الاصطناعي أن يطوّر تحيزاً بناءً على ذلك. وخير مثال على هذه الحالة هو عندما يتم تدريب أنظمة التعرف على الوجه على مجموعة بيانات تخص عرقاً أو جنساً واحداً بشكل أساسي، فسيكون النظام أفضل في التعرف على الوجوه التابعة للمجموعة التي يتحيز لها الذكاء الاصطناعي، وقد يكون أداؤه ضعيفاً بالنسبة للأفراد الذين ينتمون إلى المجموعات العرقية أو الجنسية الأخرى.

وكثيراً ما تظهر التحيزات المجتمعية والتاريخية، فضلاً عن عدم المساواة في البيانات، وقد تتجلى تلك التحيزات في بيانات التوظيف أو سجلات الإقراض أو بيانات العدالة الجنائية، مما يؤدي إلى نماذج الذكاء الاصطناعي التي تعمل على إدامة الفوارق القائمة. ويمكن للخوارزميات نفسها في الواقع التوقف عن التحيز عندما تقوم بتنبؤات بناءً على أنماط في بيانات التدريب، لكنها تعمل عن غير قصد على تضخيم التحيزات الحالية. على سبيل المثال، قد يقوم نظام الذكاء الاصطناعي المدرب على تصفية طلبات العمل بناءً على قرارات التوظيف الماضية باختيار المرشحين الذين يمتلكون خصائص معينة فقط واستبعاد الآخرين.

وهناك أمثلة أخرى على التحيز الذي يمكن أن يحصل في بيئات التعلم الخاضع للإشراف، عندما يقوم المشغلون البشريون بتسمية البيانات المستخدمة للتدريب. كما أن تحيز المعالجة المسبقة للبيانات بالإضافة إلى تحيز الآراء والتعليقات على النتائج قد يسبب أيضاً المشاكل. وإذا لم يتم تنفيذ خطوات المعالجة المسبقة للبيانات وتنظيفها وتطبيعها واختيار الميزات بعناية، فيمكن أن يزيل الذكاء الاصطناعي المعلومات ذات الصلة أو أن يعزز التحيزات الموجودة التي أدخلها المُشغل البشري. ويحدث تحيز الآراء عندما يكون المشغل أو المستخدم النهائي متحيزاً لنتيجة معينة، ويشير إلى الذكاء الاصطناعي بأن نتيجة معينة "صحيحة" ويتم تدريبه على اختيار تلك النتائج. ويستمر الذكاء الاصطناعي في تفضيل النتيجة "الصحيحة" ويستمر المشغل في تصنيفها على أنها "صحيحة" حتى لو لم تكن كذلك، مما يؤدي إلى إنشاء حلقة مستمرة من النتائج المتحيزة.

وهناك قلق جديد إلى حد ما متعلق بالأداة الأكثر استخداماً اليوم، وهو عندما تواجه أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي (GAI) الصعوبات في فهم الأسئلة، مما يتسبب بالتفسير الخاطئ لها، وقد يؤدي ذلك بدوره إلى توليد إجابات غير صحيحة. وهي ظاهرة تعرف باسم "هلوسة الذكاء الاصطناعي".

وتتنوع أسباب الهلوسة هذه، حيث تفشل خوارزميات الذكاء الاصطناعي والشبكات العصبية للتعلّم العميق في التوافق مع أي بيانات تم التدرّب عليها أو حتى تُظهر أي نمط يمكن تمييزه، وتشمل عوامل خارجة عن البرمجة مثل معلومات الإدخال وتصنيف البيانات غير الصحيح وعدم كفاية البيانات والتدريب ومواجهة التحديات في تفسير الأسئلة باللغات المختلفة أو وضعها في سياقها الصحيح. ومع عدم وجود قيود على أي نوع محدد من البيانات، يمكن أن يحدث ذلك في مختلف أشكال البيانات الاصطناعية وتشمل: النصوص والصور وملفات الصوت والفيديو ورموز الحاسوب.

العدالة المقصودة
للتغلب على التحيز وحماية العدالة في تحليلات البيانات الضخمة المعززة بالذكاء الاصطناعي، يُعدّ اتباع نهج استباقي أمر ضروري للغاية، حيث يمكن لمبادئ "العدالة المقصودة" أن تساعد في توجيه طريقة تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي من غير المرجح أن تتسبب بالتحيز أو تشجع عليه.

ويُقلّل ضمان تنوع بيانات التدريب وتمثيلها للسكان الذين سيخدمهم نظام الذكاء الاصطناعي من خطر نقص التمثيل أو التمثيل الزائد لمجموعات معينة، في حين سيساعد التدقيق المنتظم لأنظمة الذكاء الاصطناعي في تحديد التحيز وتصحيحه.

ولحسن الحظ، هناك طرق لتطوير الخوارزميات التي تعمل على تخفيف التحيز بنشاط. على سبيل المثال، تهدف تقنيات مثل تقليل انحياز الخصومة إلى تقليل التمييز في تنبؤات النماذج. ويمكننا أيضاً أن نجعل أنظمة الذكاء الاصطناعي أكثر شفافية وقابلية للتفسير، مما يسمح للمستخدمين وأصحاب المصلحة بالحصول على نظرة دقيقة حول كيفية اتخاذ القرارات، وهو ما يمكن أن يساعد في تحديد التحيّزات ومعالجتها.

أخبار ذات صلة 120 لاعباً في «دولية دبي لتنس الشباب» زكي نسيبة: الشباب حجر الأساس الذي نبني عليه آمالنا في مسيرة التنمية المُستدامة

ويمكننا حتماً المساعدة في تحديد المشكلة بشكل أكثر فعالية، من خلال تعزيز التنوع في الفرق التي تعمل على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي وتوفير وجهات النظر المتنوعة. كما أن تشجيع المستخدمين على تقديم التعليقات حول نتائج نظام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون ذو قيمة لا تقدر بثمن في تصحيح هذه المشكلات.

المسار المستقبلي
يعد ضمان العدالة في تحليلات البيانات الضخمة المعززة بالذكاء الاصطناعي رحلة مستمرة، وهناك العديد من الاتجاهات الواعدة، بدءاً من الأطر التنظيمية والتعليم الأخلاقي للذكاء الاصطناعي وحتى أدوات تخفيف التحيز وتقييمات تأثير التحيز.

وقد تكون الخطوة الأولى البسيطة إلى حد ما في معالجة التحيز هي التعاون والشراكات بين الحكومات وشركات التكنولوجيا ومجموعات التوعية، حيث يمكن لأفضل الممارسات والموارد والبيانات المشتركة تسريع التقدم.

وتدرك الحكومات والهيئات التنظيمية بشكل متزايد أهمية معالجة التحيز في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد تم بالفعل اتخاذ خطوات لتطوير أطر تنظيمية شاملة. ووقعت المملكة المتحدة والولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي في وقت سابق من شهر نوفمبر على إعلان بلتشلي لتنظيم وكبح المخاطر المحتملة لتقنية الذكاء الاصطناعي، في حين وقعت أيضاً على مدونة قواعد السلوك للشركات المشاركة في بناء بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً.

وجاء ذلك على خلفية توقيع رئيس الولايات المتحدة على أمر تنفيذي بشأن تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل آمن وموثوق، نظراً لأن الاستخدام غير المسؤول يمكن أن يؤدي إلى "تفاقم الأضرار المجتمعية مثل الاحتيال والتمييز والتحيز والانتهاكات والتضليل وتشريد العمال وإضعافهم وخنق المنافسة وتشكل مخاطر على الأمن القومي".

إذن، تعي القوى العالمية كيف يمكن إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي بدرجة ضارة، وتتخذ خطوات حثيثة للتخفيف من هذه الظاهرة، مثل المبادئ التوجيهية الثمانية لإدارة الرئيس بايدن، وإن كانت خاصة بالولايات المتحدة، وتشمل:

1) يجب أن تكون هذه الأنظمة آمنة وسليمة
2) تشجيع الابتكار المسؤول والمنافسة والتعاون
3) اشتراط الالتزام بدعم العمال الأميركيين
4) أن تكون متسقة مع التفاني في تعزيز المساواة والحقوق المدنية
5) حماية مصالح الذين يستخدمون أو يتفاعلون مع أو يشترون منتجات الذكاء الاصطناعي والمنتجات التي تدعم الذكاء الاصطناعي
6) حماية الخصوصيات والحريات المدنية
7) إدارة المخاطر وتعزيز القدرة الحكومية الداخلية على تنظيم الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي وحوكمته ودعمه
8) قيادة الطريق نحو التقدم المجتمعي والاقتصادي والتقني العالمي.

ويعتبر تعزيز التعليم والتدريب الأخلاقي في مجال الذكاء الاصطناعي أمر ضروري أيضاً، ويضم تثقيف ممارسي الذكاء الاصطناعي والمطورين والمستخدمين حول الآثار المترتبة على التحيز وكيفية معالجته. وسيكون استمرار البحث والتطوير لأدوات ومكتبات تخفيف التحيز أمراً بالغ الأهمية، وكذلك اعتماد تقييمات تأثير التحيز الموحدة لمساعدة الشركات على قياس التأثير المحتمل لأنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها على المجموعات السكانية المختلفة.

يشكل التغلب على هذا التحيز التقني تحدياً معقداً ومتعدد الأوجه ويتطلب جهداً جماعياً. وهناك حلّ لهذا التحدي، فمن خلال معالجة التحيز بشكل مباشر وضمان العدالة في تحليلات البيانات الضخمة المعززة بالذكاء الاصطناعي، نجد أن الطريق إلى مستقبل الذكاء الاصطناعي الخالي من التحيز أصبح في متناول أيدينا.

مادة إعلانية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: أنظمة الذکاء الاصطناعی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

بيل غيتس: 3 مهن ستصمد في وجه الذكاء الاصطناعي

المناطق_متابعات

بينما تحدث تحولات سريعة في كافة القطاعات بسبب اقتحامها من قبل الذكاء الاصطناعي، تثور مخاوف بشأن فقدان الوظائف.

وبينما من المتوقع أن يقوم الذكاء الاصطناعي بالكثير من الأدوار ويحل محل الكثيرين ممن يقومون بها أو يؤدونها، يعتقد مؤسس عملاق التكنولوجيا “مايكروسوفت، بيل غيتس، صاحب الرؤية التقنية، أن بعض المهن ستظل أساسية – على الأقل في الوقت الحالي.

أخبار قد تهمك بيل غيتس يكشف عن سر العلاقة بين «حصاد المليارات» و«الكتابة» 1 فبراير 2025 - 12:08 مساءً ‏‎بيل غيتس: على السعوديين أن يفتخروا بكرم بلادهم ومشاركتها في القضاء على شلل الأطفال 3 مايو 2024 - 2:49 مساءً

ووفقا لبيل غيتس، هناك 3 مهن ستنجو من إعصار الذكاء الاصطناعي، ولا يمكن لهذه التقنية أن تحل محل العاملين فيها أو تقليدها.

مطورو البرمجيات: مهندسو الذكاء الاصطناعي

يشهد الذكاء الاصطناعي تقدما، لكنه لا يزال يعتمد على المبرمجين البشريين لتحسين قدراته.

ويشير بيل غيتس إلى أنه على الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد الأكواد البرمجية، إلا أنه يواجه صعوبات في الابتكار وتصحيح الأخطاء وحل المشكلات المعقدة.

ونتيجة لذلك، سيواصل المبرمجون الماهرون لعب دور حاسم في تطوير وإدارة أنظمة الذكاء الاصطناعي.

 متخصصو الطاقة: التعامل مع بيئة معقدة

يُعد قطاع الطاقة قطاعا معقدا للغاية بحيث لا يستطيع الذكاء الاصطناعي إدارته بمفرده.

وسواء أكان التعامل مع النفط أو مصادر الطاقة المتجددة أو الطاقة النووية، يجب على المتخصصين في هذا القطاع فهم اللوائح، وتصميم حلول مستدامة، والاستجابة للطلب العالمي على الطاقة.

ويعتقد غيتس أن الذكاء الاصطناعي سيساعد في الكفاءة والتحليل، لكن الخبرة البشرية ستبقى حيوية لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.

 باحثو علوم الحياة: إطلاق العنان للاختراقات العلمية

 

في البحوث الطبية والبيولوجية، لا يزال الحدس وحل المشكلات الإبداعي ضروريين.

ويستطيع الذكاء الاصطناعي معالجة كميات هائلة من البيانات وتحسين التشخيص، غير أن بيل غيتس يشير إلى أن الاكتشافات الرائدة لا تزال تتطلب بصيرة بشرية.

ويعتقد غيتس أن العلماء سيواصلون قيادة التطورات الطبية، حيث سيكون الذكاء الاصطناعي أداة لا بديلا عنها.

عموما، يُقر مؤسس مايكروسوفت بأن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل سيتطور بمرور الوقت.

وكما هو الحال في الثورات الصناعية السابقة، يجب على العمال التكيف مع التقنيات الجديدة وتطوير مهارات تُكمّل الذكاء الاصطناعي.

ويعتقد غيتس أنه رغم أن إعصار الذكاء الاصطناعي يجتاح كل شيء فإنه من المتوقع أيضا أن تستمر المهن المتجذرة في الإبداع والأخلاق والتواصل الإنساني – مثل التعليم والرعاية الصحية والفنون.

وفي حين يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الصناعات، يحث غيتس المهنيين على تبني الابتكار بدلا من الخوف منه، ولن يكون مستقبل العمل مُتعلقا بمنافسة الذكاء الاصطناعي، بل بالاستفادة منه لتعزيز الخبرة البشرية.

مقالات مشابهة

  • أطعمة يمكن أن تهيج بطانة المعدة
  • أكاديمي من جامعة السلطان قابوس يترأس جلسة دولية حول الذكاء الاصطناعي
  • خدعة أبريل التي صدّقها الذكاء الاصطناعي
  • بيل غيتس يكشف عن 3 مهن ستصمد في وجه الذكاء الاصطناعي
  • غيتس يحدد المهن التي ستبقى خارج سيطرة الذكاء الاصطناعي
  • كيف وقع الذكاء الاصطناعي ضحية كذبة أبريل؟
  • ‏غياب تيبو كورتوا عن قائمة ريال مدريد للمباراة الثانية على التوالي. أندري لونين ضمن القائمة التي ستواجه فالنسيا
  • بيل غيتس يكشف المهن التي ستظل بعيدة عن تأثير الذكاء الاصطناعي: 3 فقط
  • بيل غيتس يستثني 3 مهن من هيمنة الذكاء الاصطناعي
  • بيل غيتس: 3 مهن ستصمد في وجه الذكاء الاصطناعي