الخليج الجديد:
2024-10-05@14:10:24 GMT

تونس تعيش في الوقت الضائع

تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT

تونس تعيش في الوقت الضائع

تونس تعيش في الوقت الضائع

الخطاب السياسي لم يعد مغريا؛ نظرا لكون الإنجازات العملية بقيت محدودة جدا مقارنة بالوعود وانتظارات التونسيين.

تونس اليوم مختلفة تماما عما كانت عليه من قبل: عزوف كبير عن السياسة، وتغير مزاج التونسيين؛ باتوا أكثر تشاؤما وقلقا وحيرة وأقل ثقة بالمستقبل.

المعارضة بأحزابها وتياراتها لم تنهض من كبوتها وتعيش في عزلة واضحة وحصار على أكثر من صعيد؛ إذ لا تزال قضية المساجين السياسيين تراوح مكانها.

.

يعتقد الكثيرون بأن الاعتقالات جزء من خطة لإقصاء كل من لهم حظوظ أن يكونوا مرشحين جديين في الانتخابات الرئاسية القادمة وأن رئاسة الجمهورية تفرغ الساحة ممن لهم وزن.

الانتخابات الرئاسية "استحقاق دستوري لا يمكن التفريط فيه"، ويشترط أن تتم وفق دستور 2014 وضرورة إطلاق سراح المعتقلين وضمان حرية الصحفيين وعودة نشاط الهيئات الدستورية.

لم يكشف القضاء حتى الآن عن مستندات وأدلة تثبت تآمر هؤلاء المعتقلين على أمن الدولة الداخلي والخارجي، ومنهم من لا يزال ينتظر سماعه من قبل القضاء ليرد على التهم الموجهة إليه.

* * *

من لا يزال يتذكر ذلك الشاب الذي أشعل النار في جسده بعد أن منعته شرطية البلدية من بيع بضاعته في السوق بدون رخصة، وقامت بمصادرة عربته الخشبية؟

تلك الحادثة التي غيرت وجه المنطقة وفتحت المجال أمام مرحلة جديدة عرفت بـ"الربيع العربي".

لكن بعد أربعة عشر عاما، نسي الجميع محمد البوعزيزي، لم يعد يذكره أحد تقريبا، الأهم من ذلك أن عيد الثورة في 14 يناير مر دون احتفال رسمي، ولولا المسيرة التي نظمتها جبهة الخلاص المعارضة في شارع الحبيب بورقيبة، لضاعت الذكرى ومُسحت من الذاكرة الجماعية.

تونس اليوم مختلفة تماما عما كانت عليه تونس من قبل؛ عزوف كبير عن السياسة والسياسيين، وتغير مزاج التونسيين؛ أصبحوا أكثر تشاؤما وأكثر قلقا وحيرة وأقل ثقة في المستقبل.

حتى شعبية الرئيس سعيد تراجعت رغم بقائه في الطليعة، وذلك حسب ما أشار إليه استطلاع للرأي تم في شهر شباط/ فبراير الماضي. فالخطاب السياسي لم يعد مغريا؛ نظرا لكون الإنجازات العملية بقيت محدودة جدا مقارنة بالوعود وانتظارات التونسيين.

أما المعارضة بمختلف أحزابها وتياراتها، فلم تنهض من كبوتها، ووجدت نفسها تعيش في عزلة واضحة وحصار على أكثر من صعيد؛ إذ لا تزال قضية المساجين السياسيين تراوح مكانها وتحتفظ بأسرارها، حيث لم يكشف القضاء حتى الآن عن المستندات والأدلة التي تثبت تآمر هؤلاء السياسيين على أمن الدولة الداخلي والخارجي، ومنهم من لا يزال ينتظر سماعه من قبل القضاء ليرد على التهم الموجهة إليه.

كما أن إضرابات الجوع التي لجأ إليها بعضهم احتجاجا على وضعهم داخل السجن لم تغير شيئا من أحوالهم، وبقيت دون جدوى، حتى البيانات المنددة بطول فترة الإيقاف وظروف الموقوفين الصادرة عن هيئات الدفاع ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، لم يلتفت لها رئيس الجمهورية، واكتفى بالتعقيب على بعضها عرضيا في إحدى كلماته الموجهة لبعض المسؤولين.

المسألة الرئيسية التي بقيت تشغل الرئيس قيس سعيد، هي غلاء الأسعار من جهة وملاحقة من يعدهم فاسدين، إذ لا يكاد يمر أسبوع دون فتح ملفات ضد مسؤولين سابقين أو إداريين أو رجال أعمال.

وبعد اعتقال العديد منهم، يُطرح عليهم اللجوء إلى الصلح الجزائي، وهو عبارة عن دفع مقادير مالية مهمة مقابل مغادرة السجن، وفي حال رفضهم لذلك لاعتبارات متعددة يتم الإبقاء عليهم في حالة إيقاف.

تعد سنة 2024 سنة الانتخابات الرئاسية، التي يفترض أن تجري في شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم، ولا شك في أن هذا الموعد سيكون محطة فاصلة في عملية التداول على السلطة.

ورغم أن الرئيس سعيد لم يُفصح إلى حد الآن عن رغبته في الترشح لدورة ثانية، إلا أن عديد المؤشرات تدل على أنه سيكون أكثر المعنيين بهذه المحطة المهمة؛ فبرنامجه السياسي لم يكتمل تنفيذه، كما أن الأجزاء التي طبقت على أرض الواقع لم تبرز جدواها بشكل ملموس من قبل المواطنين مثل البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم، الذي تم الشروع في التهيئة له عبر الانتخابات المحلية.

وكما حدث مع الانتخابات التشريعية، لم تحظ بقية الانتخابات التي تمت أو التي ستجري في المستقبل بأي اهتمام شعبي، وهو ما تشهد عليه النتائج الرسمية. لكن ذلك لن يمنع رئاسة الجمهورية من الاستمرار في حرصها على تشكيل هذه الهيئات، بقطع النظر عن تمثيليتها ومدى قدرتها على تحقيق الإضافة للمواطنين وللبلاد.

في هذا السياق، يعتقد الكثيرون بأن الاعتقالات التي حصلت، هي جزء من خطة تهدف الى إقصاء كل من لهم حظوظ في أن يكونوا مرشحين جديين في الانتخابات الرئاسية القادمة. وتتهم هذه الأوساط رئاسة الجمهورية بتفريغ الساحة ممن لهم وزن ما، مثل حركة النهضة والحزب الدستوري الحر.

رغم هذه الأجواء غير المشجعة سياسيا، إلا أن أطرافا من المعارضة لم ترفع الراية البيضاء، وبقيت متمسكة بحقها في النشاط واستعدادها لخوض الانتخابات الرئاسية بعد مقاطعتها للمسلسل الانتخابي الذي ينفذه قيس سعيد.

لقد أكد أحمد نجيب الشابي، الناطق باسم جبهة الخلاص، أن الانتخابات الرئاسية هي "استحقاق دستوري لا يمكن التفريط فيه"، لكنه اشترط أن تتم حسب دستور 2014، مع ضرورة إطلاق سراح المعتقلين وضمان حرية الصحفيين وعودة نشاط الهيئات الدستورية.

وهي شروط لا يمكن أن يقبلها قيس سعيد، مما يعني عمليا مقاطعة الانتخابات ومواصلة تحرك المعارضة في سياق مضاد لسياسة السلطة الحالية؛ أي سيتواصل حوار الطرشان، وبقاء الحالة التونسية خارج دائرة الفعل: رئيس يقرر، ومعارضة ترفض، ورأي عام لا مبال، ونخبة مستقيلة، حتى يأتي ما يخالف ذلك.

*صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط في المجتمع المدني

المصدر | عربي21

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تونس الثورة المعارضة الاعتقالات 14 يناير الانتخابات الرئاسية قيس سعيد الربيع العربي عيد الثورة جبهة الخلاص الوطني الانتخابات الرئاسیة من قبل من لهم

إقرأ أيضاً:

المعارضة التونسية والخيارات الانتخابيةالصعبة

لا يوحي المشهد السياسي والاجتماعي في تونس بإقبال البلاد يوم 6 أكتوبر 2024 على انتخابات رئاسية رغم انتهاء الحملة الانتخابية. ضمن مسار شابته ولا تزال عدة شوائب تكاد تفرغه من محتواه كعملية انتخابية حسب ما هو متعارف عليه في التجارب الديمقراطية العريقة ووفق المعايير الدولية .

فمن تأخر دعوة الناخبين إلى آخر لحظة وما سبقها من شك حول إجراء الانتخابات من عدمه إلى انطلاق المسار بنشر  الرزنامة وإعلان هيئة الانتخابات إجراءات شروط الترشح  تحت عنوان ملاءمة القانون الانتخابي لسنة 2014 مع القوانين الأعلى منه رغم أن ذلك من صلاحيات الهيئات التشريعية وقد جعلت تلك الإجراءات عملية الترشح أكثر تعقيدا وأخرجتها عن مقصد المشرع من اعتمادها مثل التزكية التي وردت بخلفية التاكد من وجود حد أدنى من المصداقية الشعبية للمترشح رغم تعارضها في الجوهر مع مبدأ حق الترشح كحق أساسي من حقوق المواطنة فتحولت إلى سيف مسلط على رقاب المترشحين.

وبعد كل ما  حصل من  لغط وجدل حول الإجراءات تم فتح باب الترشح والانطلاق في إعداد الملفات التي هيمنت عليها إشكالية الحصول على بطاقة السوابق العدلية المعروفة بالبطاقة عدد 3 والتي يتم الحصول عليها في الأصل بإجراءات إدارية بسيطة حضوريا أو عن بعد إلا أن ذلك لم يحصل وحصلت تعطيلات غير معقولة وغير مبررة لكل المترشحين الذين واجهوا أيضا إشكالية التزكيات التي لم يكن متاحا لهم منها سوى الشعبية وما صاحبها من تعقيد متعلق بتغير الوحدة الجغرافية للدائرة من الولاية إلى المعتمدية والإبقاء على العدد الأدنى المعتمد في الولاية 500 تزكية دون ملاءمته مع الوحدة الجديدة التي حصرتها الهيئة في المعتمدية، هذا إلى جانب ما تعلق بتوزيع التزكيات على الدوائر ثم ما صاحب تقديم مطالب الترشح من تشدد من الهيئة في علاقة خاصة بالتزكيات تحت عنوان التثبت والتدقيق الذي أسقط نصف ملفات المترشحين تقريبا الذين عجزوا عن جمع التزكيات أما من تمكن من ذلك فقد وجد صعوبات عند التدقيق أدى بملفه إلى الرفض.. ولم تعلن الهيئة سوى عن ثلاثة مطالب مقبولة قبولا أوليا أيدته المحكمة الادارية في الأحكام الابتدائية لدوائرها ثم حصلت المفاجأة في الطور الاستئنافي للنزاع الانتخابي بين الهيئة والمترشحين المرفوضة مطالبهم ابتدائيا بإصدار الجلسة العامة للمحكمة الإدارية التي تضم 27 قاضيا حكمها البات والنهائي بإبطال قرارات هيئة الانتخابات والأحكام الابتدئية لدوائرها  وتمكين ثلاثة مترشحين من حقهم في الترشح ودعوة الهيئة لإدراجهم في القائمة الرسمة النهائية إلا أن الهيئة رفضت ذلك بمبررات غير مقنعة مثل وصول مضمون الحكم متأخرا وغيرها وأصرت على ذلك ورغم تأكيد المحكمة لأحكامها بقرارت توضيحية اعتبرت أن عدم إدراج أسماء المترشحين وفق قرارها من شأنه أن يؤدي إلى بطلان كامل المسار.

فإن هيئة الانتخابات قد أصرت على موقفها بقبول ثلاثة مطالب فقط أحدهم  العياشي زمال ورغم إعلانه مرشحا نهائيا فقد أصبح محل تتبع في عشرات القضايا بلغ عددها 35 قضية حسب محاميه عبد الستار المسعودي بتهم تزوير التزكيات حيث صدرت إلى الآن في شأنه عدة أحكام ابتدائية بلغت أكثر من 12 سنة سجنا ومنع من التصويت.

إرادة التغيير هي الأخرى أمام خيارات انتخابية صعبة ناتجة بالأساس عن حالة التشرذم والتشتت التي انتهى إليها المنتظم السياسي بكل مكوناته من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني عجزت على أن تلتقي فيما بينها على برنامج حد أدنى ديمقراطي بل إن أغلبها لا يزال في غيه الاستئصالي الإقصائي يعمه ولم يستوعب الدرس بعد.ولم يقع الاكتفاء بعرقلة المترشحين بل تم التوجه لتغيير القانون الانتخابي أثناء المرحلة الأخيرة من الحملة الانتخاية بتقديم مشروع تعديل للقانون الانتخابي يتم بموجبه سحب صلاحية النظر في النزاعات الانتخابية من المحكمة الإدارية وإحالتها للقضاء العدلي خوفا من إصدارها لحكم بإبطال المسار الانتخابي.

 ورغم الاعتراضات والنداءات والمطالبات من الشخصيات السياسية والقانونية ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات بالتراجع فقد تمت المصادقة على التعديل وإمضائه وإصداره بالرائد الرسمي فور التصويت عليه.

واضح أن المسار الانتخابي الحالي تتجاذبه إرادتان الأولى مع استمرارية سلطة 25 تموز / يوليو ومنظومته وتستعمل كل الوسائل من أجل ذلك، والثانية مع إحداث تغيير سياسي بالصندوق يتجاوز 25 تموز / يوليو ولكن دون العودة إلى ما قبله خاصة في ظل ما آلت إليه الأوضاع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفي ظل غياب الرؤية.

إلا أن إرادة التغيير هي الأخرى أمام خيارات انتخابية صعبة ناتجة بالأساس عن حالة التشرذم والتشتت التي انتهى إليها المنتظم السياسي بكل مكوناته من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني عجزت على أن تلتقي فيما بينها على برنامج حد أدنى ديمقراطي بل إن أغلبها لا يزال في غيه الاستئصالي الإقصائي يعمه ولم يستوعب الدرس بعد.

وهي ناتجة أيضا عما حصل في المسار من تجاوزات وإخلالات جعلت مصداقية العملية الانتخابية ونتائجها في الميزان الأمر الذي سيزيد أزمة البلاد تفاقما وتعقيدا بدل أن يكون فرصة لتجاوزها.

لقد أصبح المشهد المعارض اليوم منقسما بين خياري المشاركة أو المقاطعة أو البين بين أي حالة اللاموقف .

وكل له حججه واعتباراته حيث يرى دعاة المشاركة بالتصويت بكثافة رغم ما على المسار من تحفظات وذلك  لأحد خياري التغيير وبالأساس للمرشح رقم واحد العياشي زمال الذي قدم رؤية مستقبلية لتونس لاقت ترحيبا من الجميع، وذلك لأن المشاركة في رأيهم هي الأصل وهي ممارسة نضالية إن لم تحقق التغيير بالصندوق فإنها تمهد له بالضغط والإحراج وإقامة الحجة ودليل وجاهة ذلك بالنسبة لهم  ما حصل في كل مراحل المسار الانتخابي، فمن غير المناسب التخلي عنه في ختامه.. وهو سلوك اعتمدته كثير من المعارضات في مثل هذه الحالات في بلدان أخرى وأثبت نجاعته. والقول بأن المشاركة ستعطي شرعية للعملية لا معنى له لأن الشرعية تحصل بقبول المتنافسين بالنتائج واعتراف المنتظم السياسي الوطني والمجتمع الدولي بنزاهتها.

أما دعاة المقاطعة فإنهم يرون أن شروط نزاهة العملية الانتخابية غير متوفرة والمشاركة فيها تعتبر نوعا من التبييض لها والإقرار بنتائجها وشرعنة ما ستفضي إليه.

أما موقف المراوحة بينهما الذي يكتفي بنقد المسار الانتخابي وما حصل فيه من تجاوزات وإخلالات وينبه لمخاطر الاستمرار فيه بنفس السلوك فهو في الحقيقة اللاموقف وربما يتحسب أصحابه إلى ما بعد الانتخابات وهو نوع من العجز والهروب من المسؤولية السياسية.

لذلك فإن الترجيح بين هذه الخيارت يجب أن يضع في اعتباره أولوية المصلحة الوطنية وأن يستند إلى المعايير التالية :

1 ـ قدرة الخيار على تحقيق هدف التغيير أو في الحد الأدني الاقتراب منه .
2 ـ قدرة الخيار على فتح آفاق سياسية وميدانية لما بعد الانتخابات .
3 ـ قدرة الخيار على تحقيق نسبة معقولة من تعبئة الرأي العام وتحفيزه و امكانية بناء أرضية نضالية مشتركة مستقبلا  .

من هذا المنطلق فإن خيار المشاركة على علاته هو الأرجح والأقرب للنجاعة والفاعية في المرحلة القادمة.

* كاتب وناشط سياسي تونسي

مقالات مشابهة

  • التفاصيل الكاملة حول الانتخابات الرئاسية التونسية
  • تونس تدخل مرحلة الصمت عشية الانتخابات الرئاسية
  • المعارضة التونسية والخيارات الانتخابيةالصعبة
  • تونس تبدأ اليوم مرحلة الصمت الانتخابي عشية انطلاق الانتخابات الرئاسية بالداخل
  • تونس.. بدء التصويت بالانتخابات الرئاسية في الخارج
  • المعارضة تتهمه بالفشل على كل الأصعدة.. قيس سعيّد رئيس في مهمة إلهية لإنقاذ تونس
  • تونس..هل تعيش “الانقلاب الأبيض” على الديمقراطية…؟
  • منظمة حقوقية تنتقد مسعى تونس لترسيخ الاستبداد عشية الانتخابات الرئاسية
  • انتخابات رئاسية في تونس وقيس سعيّد أكثر المرشحين حظا بالفوز  
  • مغردون: غزة ولبنان بخير والجامعة العربية تراقب انتخابات تونس الرئاسية