لم تتأخر واشنطن كثيرًا بعد استصدار قرار من مجلس الأمن يرعى عدوانها على اليمن، فاستهدفت بصواريخ كروز وتوماهوك وغيرها – وبطائرات حربية قاذفة ومسيّرة قاذفة، وبمشاركة عسكرية بريطانية مباشرة – عددًا من المواقع اليمنية موزعة بين صعدة وحجة وصنعاء والحديدة، ادّعت أنها قواعد لإطلاق وتخزين الصواريخ والمسيّرات اليمنية التي تتدخل في مياه البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن وشمال المحيط الهندي، ضدّ الملاحة البحرية الدولية (كما ادعت واشنطن)، وبتجاوزها للهدف الرئيسي لحراك الجيش اليمني، والذي هو لوقف العدوان الظالم الذي تمارسه “اسرائيل” على الشعب الفلسطيني وبرعاية غربية، تكون واشنطن قد اختارت الانخراط في مواجهة حساسة وغير محسوبة، ربما تعرف كيف بدأتها ولكنها حتمًا لن تعرف كيف يمكن أن تنتهي منها.


فما هي أبعاد هذا الانخراط المعادي لليمن؟ وكيف يمكن أن يُقرأ في حسابات ومسارات الحرب التي تشن اليوم على الشعب الفلسطيني في غزّة والضفّة الغربية؟
في متابعة لمسار تطوّر الاشتباك بين واشنطن وصنعاء والمستوى الذي وصل إليه اليوم، يمكن القول إن المناورة اليمنية أخذت المنحى التحذيري التصاعدي التالي:
بدأ تدخل صنعاء أولًا اعلاميًا سياسيًا تحذيريًا لـ”إسرائيل”، وطبعًا إلى من ورائهم، بوجوب وقف العدوان الظالم على غزّة، وبوجوب وقف كلّ أنواع المجازر والجرائم الصهيونية على القطاع، تحت طائلة تحرك اليمن نصرة لفلسطين، عسكريًا عبر استهدافات نوعية للكيان المحتلّ بمسيّرات وبصواريخ بعيدة المدى، وفي باب المندب والبحرين الأحمر وبحر العرب، من خلال عرقلة حركة التجارة البحرية للسفن الاسرائيلية بداية، كوسيلة ضغط أخرى لوقف العدوان على غزّة.
مع إصرار “إسرائيل” وواشنطن على متابعة العدوان، عمد أبناء اليمن إلى تنفيذ وعودهم وتدخلوا تمامًا وفق ما أصدروه من تهديدات، عسكريًا وفي البحار.
في المقابل، واصلت “إسرائيل” عدوانها مع تعميق جرائمها أكثر وأكثر، الأمر الذي دفع بصنعاء إلى تطوير تدخلها البحري ضدّ كلّ السفن المرتبطة بالكيان والسفن الأخرى التي تتعامل معه.
ثبات اليمنيين على هذه المناورة البحرية، أخرج الأمريكيين عن طورهم وبدأوا عدوانًا عسكريًا مباشرًا ضدّ اليمنيين، أولًا باستهداف عدد من رجال البحرية اليمنيين، ومؤخرًا بتنفيذ عدوان واسع بالغارات على عدة مدن ومناطق يمنية.
بالنسبة لواشنطن، فقد تبلور موقفها تصاعديًا للوصول إلى قرارها هذا بتنفيذ العدوان المباشر على اليمن بعد أن لمست الإصرار اليمني، خاصة أن لديها تجارب مريرة مع عناد أبناء اليمن بمواجهة الظلم والتجني والاستبداد، والأهم، أن واشنطن اكتشفت أن مناورة اليمنيين ستكون قاتلة لاقتصاد “إسرائيل”، وربما تكون فاصلة لإجبار الأخيرة على وقف عدوانها، الأمر الذي اعتبرته واشنطن غير مقبولٍ ويمس بموقعها معنويًا وسياسيًا وعسكريًا، وأن عدم التدخل العسكري ضدّ اليمن ومحاولة وقف مناورته البحرية الضاغطة، سيكون بابًا فاصلًا لهزيمة استراتيجيتها في حماية تسلط “إسرائيل” واحتلالها وإجرامها المتمادي بحق الشعب الفلسطيني.
في الواقع، هناك عدة سقطات وقعت فيها واشنطن عبر لجوئها إلى هذا العدوان الفاشل وغير المحسوب، وهي:
كان من المفترض أن تكون واشنطن، أكثر من يعرف مستوى الضغط الذي مارسته دول إقليمية وغربية على اليمن وبرعايتها، وهي تعلم جيدًا المستوى الذي وصل إليه العدوان على اليمن من فشل وعجز، وخلال ما يقارب التسع سنوات، وكيف استطاع اليمنيون الصمود والثبات على مواقفهم، وإلى أين وصلت قدراتهم العسكرية والاستراتيجية اليوم مع حصار واسع، وكيف أصبحوا يقارعون من الند للند كلّ قوى الاستعمار والهيمنة الغربية، في منطقة بحرية هي الأكثر أهمية وحساسية في العالم.
لذلك، ومع هذا العدوان الأمريكي – البريطاني الفاشل على اليمن، والذي من الواضح أن لا أفق لنجاح أهدافه مع أبناء اليمن، المعروفين جيدًا بثباتهم وبصلابتهم مع الحق، هناك مسار آخر من الفشل والهزيمة ينتظر “اسرائيل”، المربكة أيضًا على أكثر من جبهة مساندة لغزّة، من العراق ومن لبنان، حيث بدأت تتوضح خطوط هزيمة وتراجع كيان الاحتلال، وربما على واشنطن – قبل البحث عن مواقع يمنية لاستهدافها – أن تبحث عن مخارج لورطة “إسرائيل” ولورطتها هي أيضًا في غزّة
* خبير استراتيجي ومحلل عسكري لبناني

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

هيئة البيئة – أبوظبي تفوز باستضافة الدورة الـ16 من ورشة العمل الدولية لبيولوجيا الأعشاب البحرية في عام 2026

تستضيف هيئة البيئة – أبوظبي، للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، ورشة العمل الدولية السادسة عشرة لبيولوجيا الأعشاب البحرية في عام 2026.

وأعلنت جمعية الأعشاب البحرية العالمية والاتحاد الدولي لحماية الطبيعة – مجموعة متخصِّصي الأعشاب البحرية، عن استضافة هيئة البيئة – أبوظبي للورشة في 1 أغسطس 2024.

وتوفِّر الفعالية منصة تجمع الحكومات والعلماء والباحثين والمتخصِّصين في مجال البيئات الساحلية والبحرية، لتسليط الضوء على قضايا الأعشاب البحرية العالمية، وتعزيز المعرفة بشأنها، وتطوير شبكات دعم وحماية لها.

وتهدف ورش العمل الدولية لبيولوجيا الأعشاب البحرية، التي تقام كلَّ سنتين والتي عُقِدَت للمرة الأولى في كومناتو، في اليابان عام 1993، إلى دعم ومتابعة الأبحاث العالمية المستمرة حول الأعشاب البحرية، وتوفير مساحة لوصف وتعزيز النتائج الإيجابية لإدارة بيئات الأعشاب البحرية الساحلية.

وقالت سعادة الدكتورة شيخة سالم الظاهري، الأمين العام لهيئة البيئة – أبوظبي: «للمرة الأولى في المنطقة، يتم اختيار أبوظبي لاستضافة ورشة العمل الدولية السادسة عشرة لبيولوجيا الأعشاب البحرية في عام 2026، ما يعزِّز من دورها الرائد في مجال الحفاظ على التنوُّع البيولوجي، ويؤكِّد ريادتها في مجال البحث العلمي المتعلق بالنظم البيئية البحرية والساحلية على الصعيد الإقليمي. ويأتي هذا الإنجاز ضمن التزام هيئة البيئة – أبوظبي بتنفيذ مبادرة تنمية الأعشاب البحرية لعام 2030».

وأضافت سعادتها: «لقد عملت دولة الإمارات العربية المتحدة على حماية الأعشاب البحرية بموجب القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 بشأن حماية البيئة وتنميتها، حيث تمَّ الاعتراف بها كأنظمة طبيعية ذات أهمية بيئية، ونحن نبذل قصارى جهدنا لحماية واستعادة وتأهيل أكبر عدد ممكن من الأعشاب البحرية، حتى تتمكَّن هذه النباتات المهمة من مواصلة أداء دورها الحيوي في دعم التنوُّع البيولوجي وتوفير خدمات النظام البيئي الأساسية».

وأوضحت الظاهري أنَّ الأعشاب البحرية توفِّر فوائد كبيرة للتخفيف من آثار التغيُّر المناخي، وحماية التنوُّع البيولوجي، وتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مشيرةً إلى أنَّ الأبحاث المستمرة التي أجرتها الهيئة كشفت أنَّ الأعشاب البحرية في أبوظبي تُخزِّن ما يصل إلى 52 طناً من الكربون الأزرق لكل هكتار، وتعدُّ أحد الحلول القائمة على الطبيعة لمكافحة التغيُّر المناخي. كما أشارت سعادتها إلى أنَّ الهيئة لديها خطط مستقبلية لتوسيع الدراسات المتعلقة بالأعشاب البحرية ومرونتها وقدرتها على التكيُّف مع التغيُّر المناخي في المنطقة، إضافة إلى وضع إرشادات لاستعادة الأنواع المحلية المتنوِّعة جينياً والتي لها القدرة على التحمُّل.

وقال أحمد الهاشمي، المدير التنفيذي لقطاع التنوُّع البيولوجي البري والبحري في هيئة البيئة – أبوظبي: «يأتي فوز الهيئة باستضافة ورشة العمل تتويجاً لجهودها في مجال المحافظة على الأعشاب البحرية؛ فالهيئة تُجري منذ عام 2001 أبحاثاً على الأعشاب البحرية ورسم خرائطها في أبوظبي، باستخدام مجموعة متنوِّعة من أساليب المسح. وتبلغ مساحة الأعشاب البحرية التي غطّاها المسح في إمارة أبوظبي أكثر من 3,000 كيلومتر مربع، ما يشكِّل أكثر من 98% من مساحة الأعشاب البحرية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتتركَّز معظمها حول محمية مروّح البحرية للمحيط الحيوي، ومحمية الياسات البحرية.«

وتتألف الأعشاب البحرية في مياه أبوظبي من ثلاثة أنواع رئيسية تشكِّل مواطن بحرية، وتتوزَّع هذه الأنواع عبر مجموعة متنوّعة من الرواسب، ومناطق المد والجزر، وأعماق مختلفة من المياه الساحلية. وتوجَد في الإمارة مروج من نوع واحد من الأعشاب البحرية وأخرى مختلطة. واليوم، تعمل هيئة البيئة – أبوظبي على استكشاف حلول مبتكرة لتعزيز مراقبة واستعادة وحماية هذه المروج بشكل عام. ومن خلال اختبار تقنيات السونار الحديثة والكاميرات وأجهزة الاستشعار عن بُعد، ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي المعتمدة على المعرفة الطويلة الأمد والبيانات الواسعة المتاحة، تسعى الهيئة إلى تحقيق تقدُّم كبير في هذا المجال.

وتعدُّ الأنواع الثلاثة للأعشاب البحرية في أبوظبي حيوية للتنوُّع البيولوجي، فهي تدعم أكثر من 3,000 من أبقار البحر – ثاني أكبر تجمُّع في العالم – وأكثر من 4,000 سلحفاة من السلاحف الخضراء، وتوفِّر موائل لعددٍ من الأسماك ذات الأهمية التجارية، ومحار اللؤلؤ، والروبيان، والعديد من الأنواع الأخرى التي تستخدمها للغذاء والمأوى والتكاثر، وتتحمَّل تغيُّرات كبيرة في درجات حرارة مياه البحر.

يُشار إلى أنَّ الأعشاب البحرية توجَد في المياه الضحلة في 159 دولة موزَّعة على ست قارات، من المناطق المدارية إلى المناطق المعتدلة، ويمكنها العيش بشكل كامل تحت سطح البحر. وعلى الرغم من أنها تغطّي 0.1% فقط من قاع المحيط، فإنَّ رواسب الأعشاب البحرية تُخزِّن ما يصل إلى 18% من كربون المحيطات في العالم، ما يجعلها واحدة من أكثر مخازن الكربون فاعلية في العالم.


مقالات مشابهة

  • عضو بـ«النواب»: تغير إيجابي في الموقف الأمريكي تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة
  • شكوى إسرائيل ضد العراق.. مقدمة لعمل عسكري مرتقب
  • شكوى إسرائيل ضد العراق.. مقدمة لعمل عسكري مرتقب -عاجل
  • خبير عسكري: صواريخ أتاكمز الأميركية ستنفجر بوجه واشنطن
  • مصدر سياسي:طهران أبلغت واشنطن عبر بغداد بأنها ستكون صديقة إسرائيل
  • هيئة البيئة – أبوظبي تفوز باستضافة الدورة الـ16 من ورشة العمل الدولية لبيولوجيا الأعشاب البحرية في 2026
  • خليل الحية يكشف أسباب رفض المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار
  • الرئاسة الفلسطينية: الفيتو الأمريكي يشجع إسرائيل على مواصلة جرائمها في غزة ولبنان
  • هيئة البيئة – أبوظبي تفوز باستضافة الدورة الـ16 من ورشة العمل الدولية لبيولوجيا الأعشاب البحرية في عام 2026
  • أبو شمالة: اليمن هو الوحيد الذي تجرّأ على استهداف حاملات الطائرات ومدمّـرات العدوّ الأمريكي