بعد حديث رئيس الوزراء.. هل تحتاج مصر إلى 6 سنوات للخروج من أزمتها الاقتصادية؟
تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT
أثار حديث رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، عن الأزمة الاقتصادية، وتحديده ست سنوات لتجاوزها واستعادة مسار النمو الذي كانت عليه البلاد قبل سنوات قليلة، تساؤلات عن واقعية هذا الطرح والإجراءات التي يمكن أن تتخذها البلاد.
وقال مدبولي، خلال احتفالية تسليم أول ثلاثة أبراج إدارية، ضمن منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة، شرقي القاهرة، الأحد: "أؤكد أننا نعي تماما حجم الأزمة ونعمل ليل نهار لصياغة حلول من أجل تجاوز هذه الأزمة، وسنتجاوزها بإذن الله خلال الفترة المقبلة".
وأضاف في التصريحات التي نشرتها صفحة مجلس الوزراء على فيسبوك: "إننا لا نتحدث عن 20 أو 50 عاما، بل هي 6 سنوات من الآن نعمل على تجاوز هذه الأزمة ونتحرك حتى نصل إلى هذا العام ونستعيد خلال ذلك مسار النمو الذي كنا عليه قبل حدوث الأزمة العالمية، ونحقق المعدلات التي يحلم بها كل مواطن مصري".
لكن الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، يرى في حديث مع موقع "الحرة" أنه يجب على رئيس الوزراء أن يوضح الأساس النظري والعملي الذي حدد به هذه المدة، ومدى علاقتها بالرؤية التي طرحتها الحكومة منذ أيام بشأن الخطة الاقتصادية حتى عام 2030.
وقال نافع "هناك تساؤلات بشأن الأساس والنماذج التي اعتمد عليها والأسباب وما هو حجم الخروج من الأزمة".
ويقول الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، بدوره "لا نعلم لماذا حدد رئيس الوزراء ست سنوات، هل هذا مرتبط بالفترة الرئاسية أم لا، كما أنه لم يحدد الفترة الزمنية التي بدأت فيها الأزمة، هل يتحدث عن أن الأزمة بدأت مع التعويم في 2016 أم منذ وصول السيسي للرئاسة في 2014 أم الثورة في 2011".
والشهر الماضي، أعيد انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لولاية ثالثة تستمر ست سنوات، بنسبة 89,6 في المئة من الأصوات، في فوز غير مفاجئ في غياب أي منافسة جدية، فيما تمر مصر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها.
واحتلت مصر وفقا للبنك الدولي المركز الأول في الدول الأكثر تضررًا من تضخم الغذاء في نهاية 2023، كما شهدت ارتفاعات متتالية في المؤشرات العامة للتضخم خاصة فى أسعار الغذاء، بسبب الخفض المتتالي لقيمة الجنيه مقابل الدولار منذ 2016 وارتفاع فاتورة واردات الغذاء.
وقال النحاس في حديثه مع موقع "الحرة": "كل الكلام الذي كنا نسمعه من الحكومة أن الأزمة الاقتصادية مجرد وقت وستنتهي في القريب العاجل، ثم اكتشفنا أخيرا أن هذا القريب العاجل بالنسبة للحكومة ست سنوات"، معتبرا أن "هذه التصريحات للاستهلاك المحلي".
مسار 2018ويقول نافع إن "الحكومة تحدثت منذ فترة عن العودة على مسار 2018، إن كان رئيس الوزراء يقصد ذلك، فهذا المسار لم يكن الأفضل، حيث كنا قد بدأنا بالفعل في التعرض لأزمات الدين الخارجي وارتفاع خدمته بنسب غير مسبوقة".
ويرى نافع أنه كان هناك حاجة إلى تعديل المسار الاقتصادي للبلاد قبل صدمة كورونا "بحيث يكون أقل اعتمادا على القروض والدين الخارجي وتخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة نصيب الاستثمارات من الناتج المحلي الإجمالي ليصبح 30 أو 40 في المئة بدلا من 12 في المئة ويتراجع الاستهلاك الخاص".
وأوضح أن "الاستهلاك الخاص الذي أصبح الآن 82 في المئة، من الناتج المحلي الإجمالي يتعرض لصدمات كبيرة نتيجة ارتفاع الأسعار وبالتالي أصبح النمو الاقتصادي مهددا بشدة لأن القوة الشرائية عند المواطنين قلت بشكل كبير".
ويؤكد أنه "لا يمكن الحديث عن الأزمة الاقتصادية ككتلة واحدة، وهناك ضرورة للتشخيص الجيد للمشكلة في طبيعة الأزمة التي يتناولها رئيس الوزراء".
يوضح نافع: "لو نتحدث عن أزمة العجز المزدوج الداخلي والخارجي، فنحن نحتاج سنوات طويلة لأنها مسألة مزمنة، أما لو نتحدث عن أزمة الدولار فهذه تحتاج لتدخل سريع ويمكن حلها قريبا، ولو نتحدث عن التخارج والأصول الحكومية وإفساح المجال للقطاع الخاص، فنحتاج من سنة إلى سنتين وفقا لرؤية وثيقة سياسة ملكية الدولة التي طرحتها الحكومة".
أقصر من ذلكمن جانبه يرى النحاس أن مصر يمكنها أن تحل مشاكلها الاقتصادية في وقت أقصر من ذلك بكثير، حتى تخرج من الأزمة "لكننا لن نخرج منها ولو بعد سنوات بهذه الحكومة إذا استمرت في اللجوء للحلول التقليدية مثل تعظيم الموارد السياحية أو الصناعية أو قناة السويس أو بيع الأصول والسندات".
ويقول: "نحن نعاني من سوء إدارة، وبعض الأزمات مصطنعة، كيف لنفس الحكومة التي خلقت الأزمة أن تحلها. مرة يقولون الحرب في أوكرانيا، ومرة أخرى الحرب في غزة، ومرة كورونا، غدا سيقولون السودان، وبعد غد سيقولون ليبيا، ثم في وقت آخر سيقولون السبب في تغير المناخ ودرجة الحرارة، كل هذه الشماعات لا تجدي نفعا في السياسات خاصة الاقتصادية".
ويتزايد الضغط على السيسي للتعامل مع العملة المبالغ في تقدير قيمتها والتضخم شبه القياسي والديون الأجنبية والمحلية الضخمة.
وأظهرت بيانات نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر الأربعاء الماضي أن معدل التضخم السنوي في المدن تراجع إلى 33.7 بالمئة في ديسمبر من 34.6 بالمئة في نوفمبر.
وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار 1.4 في المئة في ديسمبر من 1.3 في المئة في نوفمبر. وقفزت أسعار المواد الغذائية 2.1 في المئة في ديسمبر من 0.2 في المئة في نوفمبر، لكنها ارتفعت 60.5 في المئة مقارنة بنفس الشهر عام 2022.
يؤكد النحاس أن من "المفترض أن تكون لدينا خطة إصلاح اقتصادي مقترنة بتوقعات لأسوأ الظروف حتى تتمكن من امتصاص الصدمات".
ويشير إلى أن "رئيس الوزراء تحدث عن الأزمة الاقتصادية وهو يفتتح برجا أيقونيا في عاصمة إدارية لا تعمل حتى الآن بثلاثة مليارات دولار، وحكومته ليس معها ما يكفي لاستيراد شحنات السكر للمواطنين، ثم يقترض من أجل تشغيل البرج في النهاية".
وينتقد النحاس تركيز الحكومة على مشاريع لا تجدي نفعا "مصر كلها ليست العاصمة الإدارية حتى تفرغ بسببها الموازنة ونقترض وتحصل على كثير من الموارد".
وأضاف: "مواردنا وشركاتنا وموانئنا وفنادقنا التي تجلب لنا العملة الصعبة يتم بيعها. هذه هي الأزمة وليست الحرب في أوكرانيا أو غزة".
ويرى مركز "حلول للسياسات البديلة" التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة، في تقرير أصدره الاثنين أن "سياسات الحكومة في التعامل مع الأزمة تؤدي في معظم الأحيان إلى تعقيدها وزيادة تأثيرها السلبي في حياة الأفراد".
"الحكومة يجب أن تتغير كليا"ويقول النحاس لموقع "الحرة" إن "الحكومة اتخذت الكثير من المبادرات، مثل بيع السيارات للمصريين في الخارج والإعفاء من الجيش وغيرها، وتخفيض الواردات، كلها فشلت بل وأثرت سلبا على الاقتصاد، والدليل أن صادرتنا قلت وتحويلات المصريين في الخارج انخفضت بنسبة 25 في المئة، كما أن كل الشركات التي توفر لنا دولارات يتم التفريط بها، مثل شركات الأسمدة".
ويرى النحاس أن الحكومة يجب أن تتغير بالكامل إذ "أصبحت منعدمة الثقة مع الناس ومع رجال الأعمال، والأزمة تتفاقم كلما مر الوقت"، مشيرا إلى أن الحكومة عندما تحدثت عن دراستها توريق أوراق عائدات دولارية مستقبلية لبيعها على شكل سندات، خرج بنك "جي.بي مورغان" ليعلن استبعاده "السندات المصرية" من مؤشره للسندات الحكومية للأسواق الناشئة.
وقال "جي.بي مورغان"، الأربعاء الماضي في بيان، إن "مصر خاضعة لمراقبة المؤشر، منذ سبتمبر عام 2023، على خلفية مشكلات تتعلق بقابلية تحويل عملات النقد الأجنبية الجوهرية التي أبلغ عنها مستثمرون يتم الرجوع إليهم".
ويؤكد النحاس أنه "لابد من وضع سياسات حقيقية واضحة المعالم، وليس الحديث عن استراتيجية تم وضعها منذ ستة أشهر"، مشيرا إلى وثيقة أصدرها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، على موقعه الإلكتروني بعنوان "أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة الرئاسية الجديدة (2024-2030).
سياسات خاطئة متعاقبةقامت الحكومة في نهاية ديسمبر 2023 بإصدار قرار باعتبار 7 سلع من المنتجات الاستراتيجية يحظر إخفاؤها أو الامتناع عن بيعها ويواجه من يخالف ذلك عقوبتي الحبس والغرامة. جاء هذا القرار عقب اتفاق الحكومة -قبل هذا بشهرين- مع التجار على تخفيض أسعار عدد من السلع بنسبة 15 إلى 25% والذي لم يكن فعالا، بحسب مركز "حلول للسياسات البديلة".
ويضيف التقرير أن "هذه القرارات جاءت بعد أزمات متتالية في المعروض من عدد من السلع الاستراتيجية مثل الأرز والبصل والسكر، أسفرت عن ارتفاعات غير مسبوقة في أسعارها".
ويقول نافع: "صحيح أن الأزمات كانت شديدة الوطأة، لكنها لم تكن مفاجئة وكانت كاشفة عن عدم استعداد في كثير من الملفات".
ويضيف: "على سبيل المثال، عندما أصبح لدينا أزمة طاقة لم نفاجأ بها، لأن لدينا مشكلة في تخطيط الطاقة، وكان يجب على المجلس الأعلى للطاقة أن يتناولها قبل أن تكون لدينا مشكلة في توفير العملة الصعبة فتتضخم".
يشير نافع أيضا إلى أن إغلاق مصنع أبو قرقاص للسكر بعد أكثر من قرن ونصف على افتتاحه، في ظل أزمة السكر وارتفاع سعره يكشف أن هناك مشكلة عميقة.
وقال: "نحن ندرس الأزمة منذ سنتين وأنا من الخبراء الذين طرحوا حلولا جيدة لها، ولم نكن سنصل إلى الوضع الذي نعيشه الآن إذا تم الأخذ بها، منها الزرع بالشفلات والري بالتنقيط وتحسين الإنتاجية وتخفيض التكلفة"، مشيرا إلى أن "الأمثلة لا تعد ولا تحصى".
ويؤكد أن حديث الحكومة عن "العودة إلى مسار 2018 إذا ما تأجلت إلى ست سنوات قادمة، فهذا في الحقيقة يحتاج إلى مراجعة"، مشيرا إلى أن "الظروف الحالية تحتاج توجهات وسياسات أخرى مختلفة تماما".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الأزمة الاقتصادیة رئیس الوزراء فی المئة فی مشیرا إلى ست سنوات نتحدث عن إلى أن
إقرأ أيضاً:
متحدث الحكومة: رئيس الوزراء يعقد لقاءات إستراتيجية لدعم صناعة السيارات المحلية
قال المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، إن مشاركة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، تأتى نيابة عن رئيس الجمهورية، مشيرًا إلى أن الهدف من هذه المشاركة هو التواصل مع كبرى الشركات العالمية العاملة في القطاعات ذات الأولوية للاقتصاد المصري.
وأضاف أن اللقاءات تركز على الشركات التي تعمل بالفعل في مصر وكذلك الشركات المستهدفة لجذبها إلى السوق المصرية.
تعزيز الاستثمارات في القطاعات الحيويةوأوضح الحمصاني خلال مداخلة له ببرنامج "الساعة 6" على قناة الحياة أن العديد من الشركات الكبرى والعالمية التي لديها استثمارات في مصر تسعى إلى زيادة استثماراتها، ومنها شركات شحن وطاقة، مما يعكس اهتمام هذه الشركات بالاستثمار في القطاعات الحيوية التي تمثل أولوية للاقتصاد المصري. كما أشار إلى أن اللقاءات ركزت على الشركات التي تمثل أولويات الاقتصاد المصري، خاصة تلك التي تعمل في مجالات استراتيجية مثل الطاقة والنقل.
دعم صناعة السيارات الكهربائية في مصروأشار الحمصاني إلى أن رئيس الوزراء كان قد التقى خلال الفترة الماضية بعدد من شركات السيارات، خاصة تلك التي تعمل في تصنيع السيارات الكهربائية، وهو جزء من جهود الدولة المستمرة لدعم وتوطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر. وقال: "نحن مستمرون في دعم القطاع الخاص والترويج للنجاحات التي حققها الاقتصاد المصري"، موضحًا أن تلك الجهود تأتي في إطار دعم الحكومة للابتكار والتكنولوجيا الحديثة في مجال النقل والصناعة.
الإصلاحات الاقتصادية وآثارها على الاقتصاد المصريوأكد المتحدث باسم مجلس الوزراء أن جهود الإصلاح الاقتصادي أثرت بشكل إيجابي على الاقتصاد المصري، حيث ساهمت في تقليل زمن الإفراج الجمركي وتقديم تيسيرات وسياسات ضريبية جديدة وحوافز عدة، مما يسهم في تحسين بيئة الأعمال. وأضاف أن الحكومة تواصل متابعة الشركات الخاصة في مصر عبر وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية لدراسة خططها لتوسيع نشاطها وزيادة استثماراتها في السوق المصري.
مواجهة التحديات الاقتصادية بعزيمة وقوةوشدد الحمصاني على أن القيادة السياسية تدرك تمامًا التحديات التي تواجهها الدولة في الفترة الحالية، ولكن جهود الإصلاح الاقتصادي التي حققتها الحكومة مؤخرًا قد أصبحت واضحة للجميع، مما يعكس التزام الحكومة بتعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة.