بيل جيتس وسام ألتمان يناقشان مستقبل الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT
في محادثة صريحة مع الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سام ألتمان، كشف بيل جيتس، المؤسس المشارك لشركة Microsoft وفاعل الخير، عن إعجابه بـ ChatGPT، نموذج لغة الذكاء الاصطناعي الذي أحدث ثورة في العالم. "لم أكن أتوقع أن يصبح ChatGPT جيدًا جدًا. قال جيتس في أحدث حلقة من برنامج Unconfuse Me: "إنه أمر يذهلني". يأتي هذا بعد كل الدراما التي أطاحت شركة OpenAI برئيسها التنفيذي ثم انضم Altman مرة أخرى إلى الشركة، وألمح على الفور إلى الانضمام إلى Microsoft.
من الشك إلى الرهبة: جيتس يتحدث عن تطور ChatGPT
وقد شارك جيتس، الذي كان مدافعًا قويًا عن الابتكار والصالح الاجتماعي، شكوكه الأولية حول إمكانات ChatGPT، والتي يمكن أن تولد نصوصًا متماسكة وجذابة حول مواضيع مختلفة. "لقد تشرفت برؤية عملك أثناء تطوره، وكنت متشككًا للغاية. لم أكن أتوقع أن يصبح ChatGPT جيدًا جدًا. اعترف أنه يذهلني.
متجر GPT الخاص بـ OpenAI هو متجر رسمي، ويقدم روبوتات دردشة مخصصة بسعر 20 دولارًا شهريًا
تخضع شراكة OpenAI-Microsoft للتدقيق من قبل هيئات الرقابة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة
نيويورك تايمز تقاضي OpenAI وMicrosoft بسبب قيام الذكاء الاصطناعي بنسخ محتواها
أوضح ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، وهي المنظمة البحثية التي تقف وراء ChatGPT، التحديات التقنية والإنجازات التي أدت إلى تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي. وقارن الشبكات العصبية التي تشغل ChatGPT بالدماغ البشري وأعرب عن تفاؤله بشأن اكتساب المزيد من الأفكار حول الأعمال الداخلية لنظام الذكاء الاصطناعي. وقال: "ما زلنا نتعلم كيفية فهم التشفير الكامن وراء توليد لغة ChatGPT المثير للإعجاب".
مستقبل الذكاء الاصطناعي: ألتمان يحدد المعالم الرئيسية
واستكشف البودكاست أيضًا التوجهات والتطبيقات المستقبلية للذكاء الاصطناعي، مع تسليط ألتمان الضوء على الأهداف والتوقعات للعامين المقبلين. وذكر تعدد الوسائط، الذي يتضمن دمج الكلام والصور والفيديو مع النص، كميزة رئيسية لنماذج الذكاء الاصطناعي من الجيل التالي. وشدد أيضًا على الحاجة إلى تحسين قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على التفكير والموثوقية والتخصيص والتخصيص.
سأل جيتس، الذي أبدى اهتمامًا كبيرًا بالجوانب التقنية للذكاء الاصطناعي، ألتمان عن منطق التحكم والموارد الحسابية اللازمة لحل المشكلات المعقدة باستخدام الذكاء الاصطناعي. واقترح أن التحولات الأكثر تعقيدًا والحوسبة التكيفية قد تكون ضرورية لتحقيق مستويات أعلى من أداء الذكاء الاصطناعي. وافق ألتمان على ذلك قائلاً: "على الأقل، يبدو أننا بحاجة إلى نوع من الحوسبة التكيفية. ربما نحتاج إلى أشياء أكثر تعقيدًا بكثير».
الذكاء الاصطناعي والشؤون العالمية: يقترح ألتمان إنشاء هيئة تنظيمية شبيهة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية
وتطرق البودكاست أيضًا إلى التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على الشؤون العالمية، حيث اقترح ألتمان إنشاء هيئة شبيهة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) لتنظيم الذكاء الاصطناعي. وشدد على الحاجة إلى التعاون العالمي في التعامل مع الآثار الاجتماعية والجيوسياسية العميقة لأنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
شارك جيتس رؤيته حول لعب الذكاء الاصطناعي دورًا إيجابيًا في الحفاظ على الديمقراطية من خلال معالجة قضايا مثل الاستقطاب. وسلط الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في تعزيز السلام العالمي والتماسك الاجتماعي.
شاركت Microsoft وOpenAI بنشاط في المناقشات التنظيمية للذكاء الاصطناعي مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك البيت الأبيض وأعضاء مجلس الشيوخ وقادة العالم. سلط البودكاست الضوء على أفكارهم فيما يتعلق بتنظيم أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية، حيث أعرب ألتمان عن توقعه بأن التكنولوجيا سوف تتقدم بسرعة نحو الأنظمة ذات القدرات الحسابية الهائلة.
وسلط ألتمان الضوء على التأثير المحتمل للتكنولوجيا وقدرتها على التأثير على المجتمع وتوازن القوى الجيوسياسية. وشدد على ضرورة إنشاء هيئة تنظيمية عالمية على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأعرب ألتمان عن إيمانه بالحاجة إلى هيئة تنظيمية عالمية للإشراف على الأنظمة فائقة القوة نظرًا لتأثيرها العالمي المحتمل. واقترح نموذجا مشابها للوكالة الدولية للطاقة الذرية كحل محتمل. وقارن ألتمان تنظيم الطاقة النووية، والذي يتطلب أيضًا وجود وكالة عالمية بسبب تأثيره المحتمل على نطاق عالمي.
وأوضح ألتمان بشأن الإطار التنظيمي، مع إجراء أوجه تشابه مع تنظيم الطاقة النووية. واقترح إنشاء وكالة عالمية للإشراف على أقوى أنظمة الذكاء الاصطناعي، وضمان عمليات تدقيق السلامة والتعاون الدولي في مواجهة التحديات التي تفرضها هذه التقنيات. وعلى الرغم من الاعتراف بأن هذا النهج لن يمنع جميع المخاطر، يعتقد ألتمان أنه قادر على التخفيف من التهديدات الأكثر أهمية.
Slack over ChatGPT: اعتراف ألتمان
وفي لحظة أخف، كشف ألتمان عن تطبيقه الأكثر استخدامًا على هاتفه، ولم يكن الأمر كما توقعه الكثيرون. "إذن، ما هو التطبيق الذي تستخدمه أكثر على هاتفك؟" سأل غيتس. اعترف ألتمان قائلاً: «سلاك. أتمنى أن أقول ChatGPT."
وأدى هذا الكشف إلى مزيد من النقاش عندما استفسر جيتس عن اختيار ألتمان، وتساءل عما إذا كان يتجاوز حتى استخدام البريد الإلكتروني. أجاب ألتمان: "أكثر من مجرد البريد الإلكتروني. ربما الشيء الوحيد الذي كنت أفكر فيه هو iMessages، ولكن نعم، أكثر من ذلك.
من المعروف أن ألتمان يشارك بشكل كبير في جهود التنسيق في OpenAI، وقد أرجع الكثير من روتينه اليومي إلى الاستخدام المكثف لبرنامج Slack. في المقابل، كشف جيتس أنه يفضل استخدام برنامج Outlook للبريد الإلكتروني ومتصفح الأخبار، حيث يصف نفسه بأنه "رجل بريد إلكتروني من الطراز القديم". شارك ألتمان قائلاً إنه على الرغم من أنه قد يستخدم المتصفح في كثير من الأحيان، إلا أنه لا يزال يعتقد أنه يقضي معظم وقته في استخدام Slack.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: للذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی الدولیة للطاقة الضوء على استخدام ا
إقرأ أيضاً:
هل يمكن أن يطوّر الذكاءُ الاصطناعي خوارزمياته بمعزل عن البشر؟
في عقود زمنية خلت، تصدرت سرديات الخيال العلمي سيناريوهات أقرب تشبيها إلى ما صار العلم يعرفه في وقتنا الحالي بـ«الذكاء الاصطناعي العام أو الخارق»؛ حيث يمتلك النظام الحاسوبي قدرةً على فهم أوسع لمختلف المجالات والمهارات البشرية؛ فتكون لديه ملكة التعلّم والتحسين الذاتي بشكلٍ مطلقٍ أو شبه مطلق، ويصل الأمر في بعض التصوّرات إلى ظهور ما يُدعى بـ«الانفجار التقني» أو«التفرّد التقني» -Technological Singularity-؛ حيث يصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحسين قدراته بنفسه بوتيرة متسارعة تؤدي في النهاية إلى تجاوز مستوى الذكاء البشري بمراحل. مع التطور التقني المتسارع، تجاوز مفهوم «الذكاء الاصطناعي العام» أبجديات الخيال العلمي وسردياته اللاواقعية؛ ليكون في بعض أجزائه النظرية والعملية واقعا ملموسا؛ فنلمح تقدما علميا بارزا مثل قدرة نظم الذكاء الاصطناعي على ابتكار خوارزميات فريدة أسرع وأكفأ، ولكن -للأمانة العلمية- فإن الوصول إلى «التفرّد التقني» ما زال افتراضًا نظريًا لم يجد طريقه العملي، ولكن التطور آخذ في الصعود؛ فهناك مظاهر أولية لهذا الاتجاه مثل الأنظمة التي تنتج رموزًا برمجية وتتعلّم من أخطائها؛ ففي تطور علمي غير معهود يمكن اعتباره قفزةً علميةً في مجال الذكاء الاصطناعي، أعلنت شركة «DeepMind» في يونيو 2023 عن نجاح نظامها «AlphaDev» في ابتكار خوارزمية فرز «Sorting Algorithms» بيانات جديدة أسرع بنحو 70% من أفضل الخوارزميات التي طورها البشر سابقا -وفقَ الخبر الذي نشره موقع «Deepmind» في 7 يونيو 2023-؛ ليعكس هذا الإنجاز العلمي الفريد خطوةً كبيرةً في عالم التقنية وتحديدا الذكاء الاصطناعي، ويعكس قدرة الأنظمة الذكية الحديثة على تخطي حدود التفكير البشري التقليدي.
كيف نفهم هذا النوع من التطور الخوارزمي الذاتي؟
لفهم أهمية مثل هذا التطور العلمي غير التقليدي، سنحتاج إلى إلقاء نظرة معمّقة فيما يخص آلية هذا التطور وكيفية حدوثها؛ فنشرت مجلة «Nature» العلمية دراسة تفصيلية -في عددها المسجّل بـ 618, 257–263 (2023)، وجاءت بعنوان « Faster sorting algorithms discovered using deep reinforcement learning» « اكتشاف خوارزميات فرز أسرع باستعمال التعلّم التعزيزي العميق»- عن نظام AlphaDev» الذي طُوّر عن طريق تقنيات التعلّم التعزيزي Reinforcement Learning الذي يعتبر فرعا من فروع التعلم الآلي، ويعمل على تعزيز النظام الذكي عبر عملية التجربة والخطأ وتلقي المكافآت على القرارات الصائبة. تُعدّ خوارزميات الفرز من العناصر الرئيسة في علم الحاسوب من حيث قدرتها على التحكم في طريقة معالجة البيانات وتصنيفها؛ فيؤثر بشكلٍ مباشرٍ على سرعة تنفيذ المهام الحاسوبية في شتى المجالات، بدءًا من الترتيب البسيط للبيانات في قواعد المعلومات وانتهاءً بالخوارزميات المعقّدة المستعملة في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وعلى مدار العقود الماضية، اكتُشفت العديد من خوارزميات الفرز وطُوّرت مثل: خوارزمية «الفرز السريع» (Quicksort) التي طورها «توني هور» في عام 1960، وخوارزمية «الفرز الدمجي» «Mergesort»، وبالإضافة إلى خوارزميات أُخرى تُعد كلاسيكيةً من حيث المبدأ العلمي لعلوم الحاسوب، وواصلت هذه الخوارزميات تطويراتها حتى وصلت إلى مستويات بالغة الدقة من حيث التعقيد الرياضي، وظلت لفترة طويلة بمثابة الأمثلة الأبرز للتميّز الرياضي والبرمجي. في هذا الإطار، لم يقم نظامُ «AlphaDev» بابتكار خوارزمية جديدة فحسب، ولكنه قام ببناء هذه الخوارزمية على مستوى لغة التجميع «Assembly Language»، وهي لغة منخفضة المستوى تتعامل مباشرة مع تعليمات المعالج المركزي؛ ليسمح باكتشاف طرق مختصرة غير تقليدية لتحسين كفاءة عمليات الفرز.
كما أشرنا آنفا؛ فإن مجلة «Nature» العلمية المرموقة نشرت تفاصيل هذه الدراسة في يونيو 2023؛ حيث وضّح البحث المنشور في المجلة بالتفصيل آلية عمل «AlphaDev» وكيفية توصله إلى هذه النتائج غير المسبوقة، وأشارت الدراسة إلى أن «AlphaDev» استعمل أسلوب التعلم التعزيزي الاستراتيجي؛ فأقدم النظام الذكي على ملايين المحاولات لإعادة ترتيب العناصر بطريقةٍ تحسّن من سرعة عملية الفرز مع الحفاظ على صحة النتائج ودقتها، وفي كل محاولة كان النظام يتعلم من أخطائه ويُعدّل من إستراتيجيته؛ ليقترب تدريجيًا من أفضل نتيجة ممكنة.
ما يميز ابتكار «AlphaDev» أنه وجد طرقًا مختصرة وغير تقليدية لفرز البيانات، وبمعنى آخر، اكتشف طرقًا لم تكن واضحةً أو متوقعةً لدى خبراء الذكاء الاصطناعي البشر. لم يقف الأمر عند حدود النشر العلمي النظري، ولكن باتت هذه الخوارزمية الجديدة جزءا فاعلا في مكتبة «C++» القياسية؛ فجعلها متاحةً للمطورين في جميع العالم بشكل مباشر، وبدأت العديد من التطبيقات بالفعل باستعمال هذه الخوارزمية المتطورة، وهذا ما يمكن أن يساهم في تحسين كفاءة البرمجيات وتسريع الأداء في مختلف المجالات التقنية، بدءًا من التطبيقات البسيطة ووصولًا إلى الأنظمة الحاسوبية العملاقة بما فيها الكوانتمية التي سبق أن استعرضنا حديثا عنها في مقال علمي سابق نشرناه في الملحق العلمي لجريدة «عُمان »عدد أكتوبر 2023.
المنافع المتوقعة
إنّ الفوائد المتوقعة من هذا الإنجاز لا تقف عند حدود فرز البيانات بشكلٍ أسرع؛ ولكنها تمتد إلى تحسين النظم الحاسوبية في مجالاتٍ عدة مثل قواعد البيانات العملاقة، وتحليل البيانات الكبيرة «Big Data»،
ونماذج التعلم الآلي التي تعتمد كثيرًا على عملياتٍ متكررةٍ من الفرز والبحث والمقارنة، ومع دخول التقنيات الحاسوبية في كل جوانب الحياة العملية التي تشمل تطبيقات التجارة الإلكترونية وتطبيقات الطاقة والمناخ؛ فإنّ تخفيض الوقت المستهلك في مثل هذه العمليات الأساسية يمكن أن يسهم في توفير كبير في الطاقة والموارد؛ ليعود بالنفع على الشركات والمؤسسات والمجتمعات على حد سواء. كذلك يمكن أن يفتح هذا التطور الرقمي أبوابًا جديدةً أمام الأبحاث المستقبلية في الذكاء الاصطناعي؛ إذ يمكن أن تتطور الخوارزميات التي تأتي بها نظم الذكاء الاصطناعي لتشمل جوانب برمجية أخرى مثل: الضغط «Compression»، والتخزين، والمحاكاة البصرية، والأمن السيبراني. رغم أن بعضنا يرقب هذه التطورات بحذرٍ خوفًا من تفوق الآلة على الإنسان في نواحٍ تهدد وظائف بشرية؛ فإنّ النظرةَ العلمية متفائلةٌ إلى حد ما؛ فترى في ذلك فرصةً لتعزيز القدرات البشرية واستغلال وقت المبرمجين والعلماء في حل مشكلات أكبر وأكثر تعقيدًا، تاركين للأنظمة الرقمية ابتكارَ الحلول في الجوانب الروتينية والحسابية المحضة.
الإبداع الرقمي والتساؤلات الفلسفية
عبر هذا المنحى الرقمي ذو البعد الذاتي للتقنيات الحديثة، يفتح نظام «AlphaDev» آفاقًا جديدة في عالم الخوارزميات والحوسبة؛ ليعكس قدرةَ الذكاءِ الاصطناعي على اكتشاف حلول إبداعية لمشكلات لم تكن معروفة ومحسومة من قبل العقل البشري ومنظوره العلمي؛ ليطرح تساؤلات عميقة تتعلق بمستقبل الذكاء الاصطناعي واستقلاله التطوري الذي يوحي بالنقيضين: الآمال العلمية والمخاوف المرتبطة، ومن الناحية الفلسفية، يطرح هذا الإنجاز أسئلةً مهمة تتعلق بطبيعة الإبداع وحدود الإدراك الإنساني في مقابل قدرات الآلة الرقمية واستقلالها التطوري؛ إذ ظن الإنسان لفترات طويلة أنه المصدر الوحيد للإبداع والتفكير غير التقليدي، ولكن تجربة «AlphaDev» وغيرها من أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة بدأت تزلزل هذه الفرضيات؛ فلم تعد الآلة الآن محصورةً في دور الأداة لتنفيذ الأوامر البشرية، ولكنها أضحت كيانًا رقميا قادرًا على إنتاج المعرفة والإبداع بطرق يمكن أن تفوق ما يمكن للبشر أن يتصوره؛ ففي حدث علمي آخر أشبه بالخيال العلمي -بطله الذكاء الاصطناعي-، نجح باحثون في اليابان في تدريب ذكاء اصطناعي على توليد صور مرئية مستخرجة من دماغ الإنسان عن طريق مسح دماغه، وعرض الباحثون على مشاركين مجموعة متنوعة من الصور -مثل دب دمية وطائرة وبرج ساعة-، واعتمدت الآلية على قياس نشاط الدماغ عبر «fMRI»؛ ليتمكن بعدها نموذج الذكاء الاصطناعي من إعادة رسم صور لهذه القراءات التي تعكس أنماطَ نشاطِ الدماغِ المسجلة والمستخرجة، وجاءت الصور المولدة مشابهة بشكل مذهل لما رآه المشاركون في التجربة، وتشير الدراسات إلى أن دقة هذه الطريقة كانت مدهشة رغم أن التقنية لا تزال في مهدها، وحال استمرار تطورها؛ فإنها ستخطو خطوة علمية كبيرة في المقاربة لمساعدة الأشخاص غير القادرين على التواصل عبر ترجمة أفكارهم إلى صور أو نصوص، وكذلك يمكن للقدرات الخوارزمية أن تمتد إلى فهم محتوى الأحلام وتصويرها وقراءة ما يدور في الأذهان.
عودة إلى المنظور الفلسفي، فإن مثل هذا التفوق الرقمي يثير أسئلة عميقة تتعلق بالعلاقة بين الإنسان والآلة، والطبيعة الحقيقية للذكاء والإبداع؛ فتنهمر العديد من الأسئلة مثل: أيكرر الذكاء الاصطناعي تجربة الإنسان الإبداعية أم أنه يُنشئ مسارات جديدة بالكامل؟ وهل ينبغي لنا التعامل مع الذكاء الاصطناعي باعتباره شريكا في الإبداع وليس أداةً جامدةً؟ بدأت مثل هذه التساؤلات تأخذ مساحة واسعة في النقاشات العلمية والفلسفية الحديثة خصوصًا بعد أن أثبتت الأنظمة الذكية مثل «AlphaDev» قدرات لا تقتصر فقط على حسابات رياضية، ولكن على إيجاد حلول ابتكارية غير متوقعة لمشكلات علمية معقدة.
نظرة مستقبلية مشرقة
تؤكد نتائج «AlphaDev» على أن قدرة الذكاء الاصطناعي على الإبداع والابتكار فاقت حدودَ التصورات البشرية السابقة؛ فتقليديًا، كان تطوير الخوارزميات الجديدة يعتمد بشكل كبير على الخبرة الإنسانية والمعرفة النظرية والتجريبية المسبقة، كما رأينا في الفقرات السابقة أمثلة لخوارزميات مشابهة من تطوير الإنسان، ولكنها بقدرات رياضية وبرمجية أضعف، وليظهر نظام «AlphaDev» بمنهجيةٍ جديدةٍ تعتمد على المحاكاة العميقة والتجربة واسعة النطاق، والخالية من القيود البشرية التقليدية؛ لتُحدثَ تغييرات جذرية في كيفية تصميم الأنظمة الحاسوبية مستقبلًا وتطوريها. على المستوى العملي والتطبيقي، فإن هذه الخوارزمية الجديدة توفر الكثير من الوقت في عملية معالجة البيانات، الأمر الذي يعني توفيرًا في الموارد والطاقة وتخفيضًا كبيرًا في التكاليف خاصةً في الصناعات التي تعتمد على المعالجة المكثّفة للبيانات مثل التحليل المالي، والذكاء التجاري، والتطبيقات الصناعية، وغيرها. كما أن هذا الإنجاز يمهّد الطريق نحو اكتشافات مستقبلية مشابهة في مجالات أخرى عديدة؛ حيث من المحتمل أن تتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي من ابتكار خوارزميات أخرى أكثر تعقيدًا في مجالات مختلفة.
كذلك من المتوقع أن يؤدي تطوّر الذكاء الاصطناعي في مجال ابتكار الخوارزميات إلى تغييرات في طرق تعليم الحوسبة وهندسة البرمجيات؛ لينتقل المبرمجون والمهندسون إلى التركيز على تطوير استراتيجيات لتهيئة أنظمة الذكاء الاصطناعي بدلًا من كتابة الخوارزميات بشكل مباشر؛ ليسهم في صناعة تحولٍ في طبيعة عملهم من التنفيذ إلى إدارة العمليات الإبداعية وتوجيهها. تؤكد لنا مثل هذه القفزات العلمية أننا على أبواب مرحلة جديدة من العلاقة بين الإنسان والآلة، ولا ينبغي أن نعتقد أن هذه المرحلة حالة منافسة بين الاثنين (الإنسان والآلة)، ولكنها مرحلةُ تكاملٍ واندماجٍ؛ حيث تتضافر قدرات الإنسان والذكاء الاصطناعي معًا لبناء مستقبلٍ أكثرَ تطورًا وإبداعًا وفعالية.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني