أثار تمادي جماعة الحوثي في استهداف خطوط الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وتهديدهم بالردّ على ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الشكوك في إمكانية نجاح إستراتيجية الضربات عن بعد التي ينتهجها التحالف في ردع الجماعة العقائدية التي لا تقيّم الخسائر المادية والبشرية التي تلحق بها وبمحيطها بعقلانية وموضوعية، طالما أن تلك الخسائر لا تأتي على جميع قدراتها ولا تشلّ حركتها وقدرتها على المناورة بشكل كامل.

وتطرح هذه المعطيات الحاجة الماسّة إلى تنفيذ هجوم برّي يفضي إلى السيطرة الميدانية على معاقل الحوثيين ومناطق سيطرتهم في اليمن، وهو خيار غير مطروح لدى الولايات المتحدة وشركائها في التحالف، بحسب ما ورد في تقرير نشره موقع ذا ناشونال أنترست استند فيه إلى آراء الخبراء العسكريين في تقييم مدى فاعلية الضربات التي بدأت القوات الأميركية والبريطانية في توجيهها لبعض الأهداف التابعة للحوثيين.

ويجزم الخبراء بأنّه مع استثناء خيار تنفيذ هجوم بري على الحوثيين يظل تحقيق نتائج حاسمة في المواجهة ضدّهم مسألة خيالة إلى أبعد الحدود.

إلاّ أن السيطرة الميدانية تتطلب وجود جنود على الأرض وليس طيارين أو قاذفي صواريخ من البحر فـ”الرجل الموجود في مكان الحادث والذي يحمل سلاحا هو في النهاية سيّد المكان”.

ورغم تلقي مواقع تابعة للحوثيين خلال الأيام الأخيرة للعشرات من الضربات التي استهدفت بنيتهم المستخدمة في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، فقد صعّد هؤلاء من تهديداتهم التي أصبحت موجّهة بشكل مباشرة إلى القوات الأميركية.

وقال على القحوم القيادي البارز في الجماعة إنّ “قادة اليمن والقوات المسلحة والشعب على استعداد تام لخوض حرب مباشرة وشاملة مع الشيطان الأكبر (مصطلح إيراني يُقصد به الولايات المتّحدة) من أجل الدفاع عن فلسطين”، بينما قال نصرالدين عامر المتحدث باسم الحوثيين إنّ جماعته “ستوسع أهدافها لتشمل السفن الأميركية”، وإنّ الولايات المتّحدة “على أعتاب أن تفقد أمنها الملاحي”.

وفي ما بدا أنّه بمثابة تنفيذ عملي لتلك التهديدات قالت القيادة المركزية الأميركية، الاثنين، إن قوات الحوثيين قصفت سفينة الحاويات “نسر جبل طارق” التي تمتلكها وتديرها شركة أميركية بصاروخ باليستي مضاد للسفن.

وقالت شركة “إيغل بالك شيبنغ” الأميركية إن سفينتها المخصصة لنقل البضائع الجافة استُهدفت بمقذوف مجهول أثناء إبحارها على بعد مئة ميل قبالة خليج عدن وتعرضت حمولتها لأضرار محدودة.

وأضافت في بيان “نتيجة لذلك تعرضت السفينة لأضرار بأحد مخازن البضائع لكنها مستقرة وتتجه خارج المنطقة”.

وحدّد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الضربات الموجهة من الطائرات المقاتلة والبوارج والغواصات لمواقع الحوثيين بـ”تعطيل وإضعاف قدراتهم على تعريض البحارة للخطر وتهديد التجارة العالمية في أحد الممرات المائية الأكثر أهمية في العالم”.

ومفاد رسالة التحالف للحوثيين أنهم سيتحملون المزيد من التكاليف إذا لم ينهوا هجماتهم. ووصف تقرير ذا ناشونال أنترست كلام أوستن بالمنطقي في ظاهره إذ أنّ فرض تكاليف باهظة على العدو هو أحد الطرق للسيطرة عليه.

لكن ذلك يصح في حالة العدو العقلاني المستعد للاستسلام إذا اقتنع بأنه لا يستطيع تحمل تكاليف تحقيق أهدافه العسكرية وهو ما لا ينطبق على الحوثيين الذين يظهرون سلوكا انتحاريا، ويُدفعون دفعا نحو التصعيد من قبل إيران المسيطرة بشكل عملي على قرارهم.

وتأكيدا لذلك السلوك حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعاليق لأنصار جماعة الحوثي وهم يعبّرون عن غبطتهم بأن أصبحت مناطقهم محلّ استهداف بالقصف ليتساووا بذلك مع قطاع غزّة.

وواضح أن الحافز الديني والأيديولوجي يمثّل دافعا رئيسيا لمثل ذلك السلوك. وعلى الرغم من أن الحوثيين يديرون في مناطقهم سلطة أقرب إلى الدولة بمختلف أجهزتها، إلاّ أنّ إصرارهم على التصعيد يأتي مجافيا لمنطق الدولة ومصالحها بالكامل.

ويعتبر مراقبون أنّ تجنّب الصدام العسكري والحفاظ على حالة الهدوء التي شهدها اليمن منذ الدّخول في هدنة والاستمرار في الحفاظ عليها دون اتّفاق معلن بين الأطراف المتحاربة، يعتبر الخيار الأكثر منطقية للحوثيين بعد أن أصبح الوضع القائم في مصلحتهم إلى حدّ كبير في ظل إقرار ضمني من قبل غريمتهم السعودية بسيطرتهم على المناطق التي احتلّوها وفتح المنافذ البحرية والجوية باتجاه تلك المناطق والاستعداد لتمكينهم من امتيازات مالية من بينها دفع رواتب موظفيهم وعمالهم في إطار التمهيد لعملية تسوية سلمية شاملة للصراع.

لكن على العكس من ذلك تماما بدا أن الدوافع العقائدية والأيديولوجية وكذلك التحريض الإيراني أقوى مما تستدعيه المصلحة المباشرة، وما يتطلبه منطق الدولة.

ويظل من غير الوارد أن يلجأ تحالف البحر الأحمر إلى النزول إلى الشاطئ لما في ذلك من تضارب مع الإستراتيجية المتّبعة حاليا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها والتي تقوم على تجنّب الصدام والتورّط في الصراعات بشكل مباشر.

ولذلك سيظل التعويل في التوصّل إلى ردع الحوثيين تكثيف الضربات وزيادة القوة النارية في استهداف الأماكن الرئيسية والبنى الحساسة التابعة لهم، وقد يستدعي ذلك مواصلة الضغط على مدى فترة طويلة نسبيا قبل التوصّل إلى تدمير أسلحتهم وبناهم التحتية وخدماتهم اللوجستية.

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

السفير عبد المحمود عبد الحليم يعلق على قرار وزارة الخزانة الأميركية

قبل أن يكون الإجراء الأمريكي الأخير عقاباً لقائد الجيش السوداني فإنه شهادة رسوب أخرى للولايات المتحدة، اتصالًا لشهادات عدم نجاح متعددة نالتها وهى تسقط سقوطاً مدوياً في إثيوبيا مسبوقاً بفشل بين فى أفغانستان وحليفها أشرف غنى يهرب للمطار باحثاً عن طائرة تخرجه من البلاد، وفشل مزمن فى الشرق الأوسط كان من مظاهره الخراب والدمار الذى نشاهده الآن.

ثم جاءت منهكة للملعب السوداني وهى تفتقر لأبسط عناصر الفوز في مباريات كرة القدم وهي احترام الخصم فجاءت بمبعوث متواضع القدرات يتعالى ويطلب من رأس الدولة أن يأتي لمقابلته في المطار ويهدد بخطة(ب) تقتحم البلاد بقوة السلاح حتى إذا جاءت سيدة البيت الأبيض كمالا هاريس ارتقت به مكاناً علياً، فعجز عن إلزام الدعم السريع بتنفيذ مقررات منبر جدة وخلقت واشنطن منبراً جديداً في جنيف كان ضرره أكثر من نفعه، هذا بالطبع إضافة لتصنيفها الخاطىء للحرب كتعارك بين جنرالين فما إن تتخذ إجراءً ضد الدعم السريع حتى تسارع لاتخاذ مايوازيه ضد الجيش السوداني حتى وصلت حميدتي فأدرك الجميع أن الوجهة القادمة برهانية وكأن الحرب تمرينا فى نظرية الأوانى المستطرقة. وتبلغ المفارقات قمتها في أنها عندما أفتت بارتكاب الدعم السريع للإبادة الجماعية عاقبت الجيش وهو المؤسسة العسكرية الوحيدة المسؤولة عن حماية الناس من هذه الإبادة!!

فشلت الولايات المتحدة فاعتمدت على (مانيوال) العقوبات القديم وبذلك تعطى الحكومة فرصة التحلل والعمل بعيداً عن الضغوطات والمناورات الأمريكية وقد أثبتت التجارب أن عقوبات الخزانة هذه وحسب التجارب السابقة عديمة الأثر بخلاف أثرها المعنوي المحدود والمؤقت، علماً بدورها في تعزيز شعبية المستهدفين كابطال قوميين ، وبوسع البرهان بالطبع حضور اجتماعات الأمم المتحدة.

السفير عبد المحمود عبد الحليم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • رد فعل الحوثيين على تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة
  • الخطوات التي ستتخذها الحكومة الأمريكية بعد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية
  • الولايات المتحدة تصنف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية
  • الأمم المتحدة تؤكد الأضرار الجسيمة بموانئ اليمن جراء الضربات الإسرائيلية
  • سكان كاليفورنيا الأميركية يتفقدون منازلهم التي طالتها النيران
  • هشام الحسيني: قصة رجل دين مسلم في قلب السياسة الأميركية
  • السفير عبد المحمود عبد الحليم يعلق على قرار وزارة الخزانة الأميركية
  • 26.7 مليار ريال قيمة مبيعات NHC” وشركائها
  • اجتماع تاريخي بين ترامب وتيم كوك.. هل تستثمر آبل بشكل ضخم في الولايات المتحدة؟
  • بعد التراجع عن حظر تيك توك.. هل تنجح محاولات الصين في كسب ود ترامب؟