خبراء: إسرائيل تجاوزت الخلافات إلى التفكك والجيش لا يريد مواصلة الحرب
تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT
يرى خبراء ومحللون أن إسرائيل بدأت تتراجع سياسيا وعسكريا عن أهدافها الأولى للحرب في قطاع غزة، وأنها ربما بدأت تمهد لصفقة تبادل أو تهدئة للعمليات بعدما وصل الخلاف بين مؤسساتها الأمنية والسياسية إلى مرحلة التفكك، ولم يعد الجيش راغبا في مواصلة القتال.
وكانت إذاعة جيش الاحتلال قد أعلنت -في وقت سابق اليوم الاثنين- أن 3 فرق فقط (99-162-96) هي المتبقية في غزة حاليا بعد سحب مزيد من القوات.
كما قالت صحيفة "إسرائيل هيوم" إن الفرقة 36 التي تم سحبها تضم ألوية غولاني والسادس والسابع واللواء 188 إلى جانب سلاح الهندسة.
وتعليقا على هذا الانسحاب، قال الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إنه يعود لأسباب عديدة منها تلقي بعضها -مثل لواء غولاني- لضربات شديدة على يد المقاومة، فضلا عن التوجه للمرحلة الثالثة من الحرب البرية.
وقال الدويري، خلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟" بتاريخ (15/1/2024)، إن إسرائيل سحبت غالبية قواتها من شمال غزة، لسد حاجة ميدانية في الوسط والجنوب، ومع ذلك لم تحقق أي إنجاز، مما دفعها لسحب قوات جديدة من أجل إعادة التأهيل.
ويرى الدويري أن القوات التي تم سحبها ستكون في حالة جاهزية للقتال بعد تأهليها، مشيرا إلى أن الدفع بها إلى مناطق أخرى يعني أن الحرب متواصلة ولن تتوقف، أما لو بقيت في حالة تأهب بمنطقة الغلاف، فإن هذا ربما يكون مؤشرا على التفكير في وقف القتال بطريقة أو بأخرى.
تراجع عن الأهداف
وفي السياق، قال المحلل السياسي الدكتور بلال الشوبكي إن حديث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت -اليوم الاثنين- عن مواصلة القتال حتى تحقيق النصر "أمر طبيعي، لأنه لا يريد أن يتراجع عما قاله في السابق، عندما كان يتحدث عن كثير من الإنجازات، وكرر أن استعادة الأسرى لن يتم إلا عن طريق القوة".
ومع ذلك، فإن خطابات المسؤولين الإسرائيليين الجديدة، التي بدأت تتجاهل الحديث عن اجتثاث حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تدل على تراجع ضمني عن أهدافهم الأولى، وأنهم يريدون حفظ ماء الوجه لمجلس الحرب وخصوصا غالانت، برأي الشوبكي.
ويوضح الشوبكي أن "هذه الأحاديث تعني إدراك قادة إسرائيل العسكريين صعوبة القضاء على حركة كاملة، ولكن من الممكن توجيه ضربات معينة لها".
ويرى الشوبكي أن هذا الحديث الإسرائيلي الجديد "يتماشى مع تغير الحديث الأميركي بشأن إمكانية التعايش مع الحركة وتقليل قدراتها الهجومية"، واصفا الأمر بأنه "استسلام بشكل أو بآخر".
وعلى الجانب الآخر، في غزة، أشار الكاتب والمحلل السياسي أيمن الرفاتي إلى أن السكان يتوقعون صفقة تبادل أسرى قريبة، وربما تهدئة أو وقفا مرحليا للحرب، خصوصا مع مواصلة سحب القوات وتفاقم الخلافات بين المؤسسات الإسرائيلية.
ويرى الرفاتي أن سحب القوات ربما يكون استجابة بطريقة أو بأخرى لشرط المقاومة المتمثل في ضرورة وقف العدوان قبل التفاوض على الأسرى، فضلا عن أنه يعكس دعم الجيش لصفقة تبادل من أجل النأي بنفسه عن الاتهامات.
وأضاف الرفاتي "هناك معلومات بشأن طروحات جديدة وصلت للمقاومة في ملف التبادل، تزامنا مع حديث الرئيس الأميركي جو بايدن عن سعيه القوي لاستعادة الأسرى، والوضع العسكري المتأزم على الأرض".
إسرائيل تجاوزت الارتباك إلى التفكك
وفيما يتعلق بتزايد الأحاديث داخل إسرائيل عن ضرورة وقف الحرب وتبادل الأسرى، يقول الشوبكي إن بعض الوزراء كانت لديهم مخاوف بشأن الحرب في أول الأمر، لكنهم امتنعوا عن التصريح بها خشية الاتهام بعدم الوطنية، مشيرا إلى أن هؤلاء شرعوا في الإعلان عن هذه المخاوف مؤخرا "لأن ما يحدث حاليا يمثل خطرا على إسرائيل".
ويرى الشوبكي أن هناك خلافات تضرب المؤسسات الأمنية والحكومة وخصوصا "الشاباك" الذي قدم تقارير لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحذره من تفاقم الوضع في الضفة الغربية التي لم يعد ممكنا الحديث عن حل أمني أو عسكري فيها بعدما فشل هذا الحل في غزة.
ويبين الشوبكي أن عملية تل أبيب التي وقعت اليوم الاثنين "تعني أن سياسة اجتثاث أسلحة المقاومة لا تعني توقف العمليات بشكل أو بآخر، ولو في ظل احترازات وتخوفات أمنية".
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل وجدت نفسها واقفة أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية، "وهي أمور تضع نتنياهو في مأزق، لأنه هو الذي وقف في أحد الأيام ليقول للعالم إن إسرائيل هي واحة الأمن والديمقراطية والاستثمار، وها هي الصورة تنهار أمام الجميع"، كما يقول الشوبكي.
وخلص -المتحدث نفسه- إلى أن المسألة في إسرائيل "تجاوزت الارتباك، ووصلت إلى حد تفكك المؤسسات الجذرية داخل الدولة".
الرأي نفسه ذهب إليه الرفاتي، بالحديث عن امتلاك المقاومة أوراق ضغط مهمة في ملف التبادل، ربما يمنحها قوة التمسك بشرطها المتمثل في وقف العدوان.
كما أن المعلومات التي تم الكشف عنها -خلال اليوم الاثنين وأمس- بشأن مصير بعض الأسرى "قد تجبر الحكومة على صفقة تبادل وتجاوز العقبات التي يضعها نتنياهو وغالانت اللذان يريدان التهدئة، وليس وقف الحرب"، حسب الرفاتي، الذي يعتقد أن الجيش "لا يريد مواصلة الحرب ولا ترك الأسرى العسكريين في غزة، لكنه عاجز عن استعادتهم".
وفي النهاية، يعتقد اللواء الدويري أن نتيناهو سيرضخ لمطلب وقف الحرب بسبب التعثر العسكري، لكنه يعتقد أن التوقيت مرهون بزيادة الضغط الداخلي من جهة والأميركي من جهة أخرى.
وخلص إلى أن واشنطن يمكنها دفع نتنياهو لوقف الحرب لو تخلت عن الضغط الخجول، وبدأت التلويح فعليا بتقليص الإمداد العسكري.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الیوم الاثنین وقف الحرب فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
القتال أم الأسرى…ما هو الخيار المفضل لنتنياهو؟
كان من الواضح منذ بدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، أن نتنياهو لن يلتزم بما تم الاتفاق عليه مع الوسطاء، وأثيرت شكوك قوية في أنه لن يدخل المرحلة الثانية. الخرق المستمر للهدنة من الجانب الإسرائيلي، وعرقلة إدخال المساعدات، والتلكؤ في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، كانت مؤشرات سلبية لعدم إتمام بنود الاتفاقية، وبالفعل تنصل الاحتلال مما تم الاتفاق عليه، وقام بشن هجماته الوحشية على قطاع غزة واستئناف الحرب بمباركة أمريكية.
نتنياهو أراد باستئناف الحرب التدرّع باليمين المتشدد الذي أثّر اتفاق وقف إطلاق النار على تماسكه، حيث أعاد استئناف الحرب حزب «عظمة يهودية» ورئيسه المتطرف إيتمار بن غفير إلى الحكومة، بعد الانسحاب من الائتلاف عقب وقف إطلاق النار. تزامن مع ذلك، قرار نتنياهو بإقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار، على الرغم من تجميد المحكمة العليا لقرار إقالته لحين النظر في الالتماسات التي قدمتها المعارضة، ورونين بار هو الرجل الذي دأب على اتهام نتنياهو بعدم أهليته لقيادة حملة عسكرية، بما يعني أن نتنياهو يفرغ محيطه من كل المعارضين واسترضاء اليمين الراغب في خوض الحرب للنهاية.
يسعى نتنياهو من خلال هذه الإجراءات، إلى ضمان مستقبله السياسي في ظل دعم اليمين، الذي سوف يساعده في تمرير ميزانية الدولة نهاية هذا الشهر، وإلا سقطت حكومة نتنياهو ويتم الذهاب إلى انتخابات مبكرة، كما أن نتنياهو يجد في استئناف الحرب مخرجا من أزماته الداخلية ومواجهة السؤال عن اليوم التالي للحرب.
ولكن ماذا عن بقية الأسرى الإسرائيليين في غزة؟ كيف سينقذهم نتنياهو بالقتال، على الرغم من أنه لم يفلح في ذلك طيلة خمسة عشر شهرا؟ من الواضح أن الإفراج عن بقية الأسرى ليس على رأس أولويات نتنياهو، فإتمام بنود الاتفاق، وصفقات تبادل الأسرى سوف تعقبه المساءلة التي غالبا ستطيح بمستقبله السياسي، لذلك يرى في الحرب طوق نجاته، وأكبر ضامن لمستقبله السياسي هو القضاء بشكل نهائي على كل شكل من أشكال المقاومة في غزة وسائر فلسطين وهو ما يفسر عملياته العسكرية في الضفة.
وعلى الرغم من المرونة التي أبدتها حماس، خاصة في عدم الممانعة في أن يكون مستقبل الحكم في غزة خاليا من حماس، إلا أن كل المؤشرات تقول إن نتنياهو يذهب في أحلامه إلى القضاء على المقاومة، ولن يكتفي ببدائل فلسطينية أخرى تدير القطاع في ظل الإبقاء على قوة المقاومة.
ومما يقوي قلبه على خوض الحرب، أنه قد أُفرج عن معظم الرهائن بموجب صفقات الاتفاق، فحصيلة الأسرى الذين وقعوا في قبضة المقاومة في السابع من أكتوبر 251 أسيرا، تم الإفراج عن 147 منهم في صفقات تبادل الأسرى، وقُتل 41 منهم خلال الغارات الإسرائيلية، ولم يتبق من الأسرى سوى 59 أسيرا، يروج الاحتلال أن 35 منهم قد قتلوا، بما يعني وفقا للاحتلال أن عدد الذين بقوا أحياء 24 أسيرا.
سيظل السهم الإسرائيلي في انطلاقه، طالما بقي الظهير الأمريكي، وطالما ظل العرب في هذا السبات والاكتفاء بعبارات الشجب والاستنكار دون اتخاذ موقف موحد رادع للاحتلال
إذن، يرى نتنياهو أنه قد أحرز تقدما كبيرا في قضية الأسرى بالإفراج عن معظمهم، بينما يصلح العدد الأقل المتبقي لأن يكون تضحية مناسبة لتحقيق أهدافه.
وهذا بدوره يخفف الضغط الشعبي على نتنياهو، على الرغم من اندلاع المظاهرات المطالبة بالدخول في المفاوضات من جديد، فلا يُتوقع أن يكون حراك الشارع الإسرائيلي بالتأثير السابق نفسه، بعد الإفراج عن معظم الأسرى. يعوّل نتنياهو كذلك على خسارة المقاومة للجزء الأكبر من ترسانة أسلحتها وقوتها الصاروخية، وفقا للاحتلال، ومن ثم يرى فيها فرصة سانحة للقضاء على المقاومة. مقتل بقية الأسرى خلال الغارات على القطاع، سوف يريح نتنياهو من عناء المسؤولية عن إعادتهم، لذلك فهو يضرب بقوة ولا يبالي، فهدفه الذي لن يتراجع عنه هو السيطرة على القطاع ولو كان ثمنه التضحية بالأسرى، وهو أحد البدائل التي طرحها آفي شيلون الكاتب في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية.
يهدف نتنياهو من خلال السيطرة على القطاع القضاء على المقاومة، أو تسليم سلاحها وتهجير قياداتها، بما يعني القضاء عليها في الحالتين، لكن حماس على الرغم من المرونة التي أبدتها للتوصل إلى استئناف المفاوضات، ترى أن تجريد فلسطين من المقاومة يعني ابتلاع الاحتلال لكامل الأراضي الفلسطينية والوصول إلى المرحلة النهائية من عملية تهويد الأقصى.
نتنياهو يفضل القتال على عودة الأسرى، بل يرى في الأحداث الراهنة فرصة لتغيير أوضاعه الجيوسياسية في المنطقة، فهو يضرب غزة والضفة وبيروت وسوريا في آن واحد، بينما تنوب الولايات المتحدة الأمريكية عنه في ضرب اليمن. سيظل السهم الإسرائيلي في انطلاقه، طالما بقي الظهير الأمريكي، وطالما ظل العرب في هذا السبات والاكتفاء بعبارات الشجب والاستنكار دون اتخاذ موقف موحد رادع للاحتلال.
لكن على الرغم من ذلك، نقول إن تاريخ صراع الاحتلال مع المقاومة الفلسطينية يؤكد عدم قدرته على توقع قدراتها وردود أفعالها، إذ تفاجئه في كل مرة بما لم تصل إليه قوته الاستخباراتية. وبشكل عام، ومهما كانت مآلات هذه الحرب، فإن تلك الجذوة المتّقدة في فلسطين لا يمكن أن تنطفئ، لأنها قضية محسومة لصالح أصحاب الحق والأرض مهما طال أمد الاحتلال، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.