من الأفلام الجيدة التي ناقشت قضية الحرب العالمية الثانية Munich the edge of war وهو إنتاج العام 2021 ويحكي قصة الكساد العالمي الكبير 1929-1932 ثم صعود ألمانيا النازية كالعنقاء من تحت الرماد، ومناطحتها للغرب الاستعماري.
تحكي قصة الفيلم الممتع «رغم أنه يحكي عن التمهيد للحرب» عن شابين طموحين أحدهما ألماني (بول ) والثاني بريطاني (هيو) يدرسان في جامعة أوكسفورد العريقة، تتفرق بينهما السبل يعود ( بول ) لبلاده ويجد ( هيو ) وظيفة في الخارجية البريطانية، وبعد تهديد هتلر للغرب بأنه سوف يضم إقليم ( السوديت ) بالقوة يقرر نيفل تشامبرلين «رئيس الوزراء البريطاني» أن يتواصل معه بالطريقة الدبلوماسية لمنعه من غزو تشيكوسلوفاكيا.
ولما يرفض هتلر يقرر تشامبرلين أن يتواصل مع حليف هتلر الدوتشي بينيتو موسيليني لإقناع هتلر بعدم الغزو، تدور كل هذه الأحداث في سبتمبر 1938 وهنا يقرر هتلر دعوة تشامبرلين لمؤتمر ميونيخ مع رئيس وزراء فرنسا وموسليني للتوصل لحل.
تبقي هنا توضيح نقطتين للمشاهد العادي الذي يجهل الخلفيات، الأولي أن الحلفاء بعد انتصارهم في الحرب العالمية الأولي 1918 عقدوا اتفاق ( فرساي ) والذي بمقتضاه فرضوا علي ألمانيا شروطآ مهينة ومجحفة وظالمة، منها عدم التسلح، وتحديد عديد قوات الجيش، والتنازل عن أراض لفرنسا وبولندا والتشيك ومنها أقليم السوديت.
يجدر القول هنا أن روجيه جارودي المفكر الفرنسي العظيم الذي قاوم النازي أثناء احتلال ألمانيا لفرنسا، قد وصف اتفاق كامب ديفيد بأنه ( فرساي مصر) كان وصول حزب العمال القومي الإشتراكي( النازي) في يناير 1933 بمثابة طوق إنقاذ للألمان جميعآ.
فالوضع الإقتصادي كان مزريآ، تدهورت قيمة العملة لدرجة أن المواطنين كانوا يستخدمون الأوراق المالية بديلآ للحطب للتدفئة، والبطالة والتضخم، والأخطر من هذا كله أن الألمان كانوا يحسون بالمذلة والهوان الوطني.
كان آخر لقاء بين الأصدقاء في برلين ( هيو ) البريطاني و( بول ) الألماني وصديقته اليهودية(لينيا) عاصفآ وغير موفق إذ انهم كانوا في العام 1932 وهوس الدعاية النازية يزعج المراقبين العاقلين خاصة لو كانوا قد درسوا العلوم السياسية كما أبطال القصة.
العجيب أن ( بول ) كان متحمسآ لانتخاب هتلر وحزبه النازي بدعوي أن وطنه أهين طويلآ وهذا الرجل سوف يعيد أمجاده، وفي الحوار بينه وبين صديقه ( هيو ) البريطاني عيره بأنه لا يحق له أن يتكلم عن حقوق الأنسان، وقيم الديمقراطية وبلده دولة استعمارية، بطبيعة الحال لينيا كانت تعارض النازي، ووصوله للسلطة لأنه حزب عنصري معادي لكل القيم الإنسانية، وكذلك معادي لليهود والمعاقين والمتخلفين عقليآ..
وصل النازي للسلطة في العام 1933 وفي العام 1938 وباقتصاد شبه اشتراكي أو ما يسمي ( رأسمالية الدولة ) حقق طفرة اقتصادية هائلة، ودون قروض أصبحت ألمانيا دولة قوية ومواطنوها يعيشون في رغد ويعملون.. لا بطالة، ولا تضخم، ولا ديون، بل وقوية عسكريآ إذ خرق هتلر شروط فرساي وبدأ في بناء جيش قوي وتسليحه. سافر تشامبرلين ( يلعب دوره الممثل العظيم جيرمي ايرونز ) إلى برلين.
واجتمع مع هتلر وموسليني ورئيس وزراء فرنسا دالادييه و فوجيء ( هيو ) المرافق لوفد تشامبرلين أن صديقه القديم ( بول ) يعمل في الخارجية الألمانية وفوجئ أكثر أنه أصبح معارضآ لهتلر ومنخرطآ في تنظيم من العسكريين والمدنيين للإطاحة بهتلر.
كان ( بول ) قد تحصل علي وثائق تثبت نية هتلر الرئيسية في التوسع في أوروبا أو ما كان يسميه في خطاباته ( المجال الحيوي ) وتوسل ( بول ) لصديقة الإنجليزي ولرئيس وزراء بريطانيا تشامبرلين ألا يوقع اتفاقآ يقضي بإعادة السوديت من تشيكو سلوفاكيا لألمانيا، ولكن تشامبرلين يرفض ويوقع.
من اللقطات الإنسانية ذلك الجو المحموم في ألمانيا من أمة أذلها الغرب الاستعماري، ووجدت ضالتها في رجل مهووس ومجنون وعن طريق وزير اقتصاده العظيم ( هيلمار شاخت ) أعاد لألمانيا قوتها.
ولكن إبادة المتخلفين عقليآ وإبادة اليهود والتنظير العنصري عن نقاء العرق، وكذلك عسكرة المجتمع وتحشيده كان جنونآ لا يطاق.
أخذ ( بول ) صديقه ( هيو ) لزيارة ( لينيا ) التي عذبها النازيون لأنها يهودية ولأنها معارضة حتى أصيبت بالشلل والموت السريري.
كذلك الصراع بين أن يكون الإنسان وطنيآ يخدم وطنه بشرف، كما في حالة (بول) الذي يسرب معلومات سرية لأعداء بلاده الإنجليز، مسألة الحكم قيميآ علي سلوك ( بول ) تشغلك كمشاهد وتؤرقك لو كنت مكانه كيف تتصرف.
ثم الصراع بين أحد جنود هتلر وأحد حراسه الذي كان صديقا قديما ل ( بول ) ولكن ولاؤه للزعيم ولوطنه لا يمنعه من تفتيش حقيبة ( بول ) اثناء سفرهما بالقطار، وشكه في سلوكه.
الفيلم كعادة أفلام الغرب الذي يظهر الأمور من وجهة نظره مثله مثل( دنكرك )و (الساعات القاتمة )و (لينكولن) يحاول تصوير القادة الغربيين أنهم فلاسفة مشبعون بالإنسانية كما أرادوا أن يظهروه، ويقول تشامبرلين أنه كجندي سابق قاتل في الحرب العالمية الأولي، وعاني ويلاتها سوف يضحي بنفسه حتي يجلب السلام.
وهنا سرحت مع حالي وقلت نحن نتحدث عن العام 1938 والمتحدث تشامبرلين الإنسان رئيس وزراء الإمبراطورية البريطانية التي كانت تحتل بلادي وتنهبها، وتحتل عشرات البلدان الأخري في إفريقيا وأسيا، ما هذا النفاق وازدواجية المعايير، الفيلم جيد ويقدم متعة في الموسيقى والحوار وكذلك متعة بصرية، مشاهدة ممتعة.
اقرأ أيضاًأبو عبيدة يكشف خسائر إسرائيل بعد مرور 100 يوم على الحرب: دمرنا 1000 آلية عسكرية
طوفان الأقصى حقائق الواقع وسيناريوهات المستقبل.. الحلقة الرابعة: الحرب البرية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: السلام ألمانيا الحرب ازدواجية الإمبراطورية
إقرأ أيضاً:
كيف نعرف الصحفي ودوره بالمجتمع؟
آخر تحديث: 12 نونبر 2024 - 10:46 صبقلم: أحمد صبري وصفُ الصحفي في بُلدان عدَّة بأنَّه شريكٌ وقائد بالمُجتمع، وهذه المقولة عبَّرت عن الدَّوْر الَّذي يضطلع به الصحفي من حيث المهام والتَّأثير والرِّسالة الموَجَّهة للجمهور، بمقابل هذا التَّوصيف نجد الكثير من وسائل الإعلام تخلَّت عن دَوْرها ومهامِّها. فبدلًا من أن تكُونَ عونًا للجمهور في مواجهةِ التَّحدِّيات تحوَّلتْ إلى عبءٍ، ما وضعَ الجمهور والصحفي في خانق باتَ من الصَّعب التَّفكير بكيفيَّة الخروج مِنْه، فخسر الطَّرفان. وباتَتْ مصداقيَّة الإعلام على المحكِّ والَّتي أثَّرتْ كثيرًا على المعايير الصحفيَّة، وجعلتْها تبتعد عن المصداقيَّة؛ لأنَّنا في سُوق يعجُّ بالبضائع المتنوِّعة والمشاهد، والقارئ هو الهدف. وكُلَّما كنتَ صادقًا وقريبًا من نبضِ الشَّارع اتَّسعَتْ شهرتُكَ وتأثيرك. وأعزو غياب المعايير الصحفيَّة إلى الدّخلاء وأنصاف الصحفيِّين وشراء الذِّمم والمال السِّياسي الَّتي تُسقط الصحفي في المحظور، وتحوَّلتْ إلى فَوضى إعلاميَّة ما زلنا نُعاني مِنْها؛ لأنَّها خارج سياقات المعايير الوطنيَّة الَّتي ينبغي أن تضطلعَ بها وسائل الإعلام. فبدلًا من أن تكُونَ صَوتًا للشَّعب وتطلُّعاته تحوَّلتْ إلى بُوق يُروِّج لهذا الحزب أو ذلك، ويُلمِّع صورة رموزه، ويُبرز أهدافه السياسيَّة. والسُّؤال: هل التَّطوُّر التكنولوجي السَّريع في نقلِ المعلومات والأخبار ومواكَبَتِها أثَّر على الصّحافة الورقيَّة؟ والجواب: رغم ما أصابَ الصّحافة الورقيَّة من تغوُّل التكنولوجيا على مستقبلِها إلَّا أنَّها تُقاوم هذا التَّحدِّي بالانتقال من الأساليب القديمة إلى أساليب مبتكرة وحديثة؛ لمواجهةِ سُرعةِ انتقالِ الخبر والحدَث لحظةَ وقوعِه عَبْرَ استقصاء الخبر والحدَث وتحليلِه، والانتقال بالصّحافة الورقيَّة إلى مرحلةٍ جديدة في عَرض بضاعتها للقارئ وتجربة المذياع (الراديو) أمامَنا صمدتْ عِندما ظهرَ التلفزيون ولم تندثرْ. وفي العراق رغم مرور (21) عامًا على غزوِه واحتلالِه ما زالتِ التَّجربة الصحفيَّة تُعاني من أمراض الاحتلال ومشروعِه، ما أضاع دورَها الرَّقابي في مواجهةِ الفساد، والحفاظ على المال العامِّ، وتعبئة الجمهور والتَّحدِّيات الَّتي تواجِه المُجتمع لا سِيَّما البطالة والفساد والمخدِّرات والعُنف الطَّائفي ما انعكسَ سلبًا على مزاج الجمهور واهتماماته. وهُنَا نتساءل: كيف يُمكِن للصحفي أن ينهضَ بِدَوْره ويجسِّدَه على أرض الواقع؟ نقول: المدخل هي الفكرة وبلْوَرتِها وتجسيدها على الواقعِ المعاش هي من اشتراطات المدخل للكِتابة، فمن دُونِ تحديد بوصلتِها لا يُمكِن للصحفي أن يُظهرَ مهارتَه، ويبسطَ الفكرة والضَّوء عَلَيْها ويعرضها للجمهور. رغم مَن يقول إنَّ الموهبةَ والذَّكاء من أهمِّ صِفات الصحفي النَّاجح.. نَعم هذا صحيح، ولكن يُضاف إِلَيْها الخبرة والمعرفة وعلاقاته واندماجه بالمُجتمع ومصادره وتنوُّعها لِتكُونَ معينًا له في مَسيرته الصحفيَّة. لقد واكبتِ الصّحافةُ العراقيَّة قَبل الاحتلال وبعدَه كيف يُمكِن أن نقارنَ بَيْنَ الحقبتَيْنِ من حيث الحُريَّة والانفتاح والدَّوْر؟ – حقبتانِ مختلفتانِ من حيثُ المهامُّ والدَّوْر والوسائل. فالحقبة الَّتي سبقَتِ الاحتلال كانتْ وسائل الإعلام فيها مركزيَّة ولهَا مهام التَّعبئة لمواجهةِ الأخطار الَّتي كانتْ تحيقُ بالعراق، لا سِيَّما مخاطر استمرار الحصار، وإبراز مخاطر التَّهديدات الَّتي كانتْ تواجِه العراق ومستقبله. وصحيح أنَّ سقفَ الحُريَّات في الحقبة الأولى كان محدودًا، والسَّبب يَعُودُ إلى أنَّ الصّحافة كانتْ حكوميَّة ومموَّلة من الدَّولة، إلَّا أنَّها اضطلعتْ بِدَوْرٍ وطني دفاعًا عن العراق ومستقبله. أمَّا حقبة ما بعدَ الاحتلال فإنَّها تختلف رغم تمتُّعِها بسقفِ الحُريَّات والانفتاح، فتحوَّلتْ هذه الحقبة إلى سُوق لعَرضِ البضاعة من أيِّ مكانٍ ويشتريها أيُّ إنسانٍ، فحوَّلَها المال السِّياسي إلى صحافة استرزاق غابتْ عَنْها المعايير المهنيَّة واستدارتْ عن الفاسدين ومُبدِّدي المال العامِّ. ونخلص إلى القول: أي الحقبتين أفضل من حيث المهامُّ والأهداف والدَّوْر والمرتكزات؟