بين ثورتي السودان والقاهرة.. مقاربة في تاريخ الخيانة
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
*بين ثورتي السودان والقاهرة.. مقاربة في تاريخ الخيانة* -(1)
يروي لنا الرافعي في كتابه (تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر) استهانة والي مصر المملوكي مراد بك خطر الحملة الفرنسية التي حذره منها القنصل النمساوي مسيو روسيتي إذ قال مراد بك بعد أن أغرق في الضحك «ماذا تريد من اخافتنا من الفرنسيين، ألم يكونوا أشباه الخواجات الذين كانوا بيننا؟ إنه ليكفيني إذا نزلوا إلى سواحل مصر في مائة ألف من رجالهم أن أبعث للقائهم بعض صغار المماليك ليقطعوا رؤوسهم بحد الركاب».
هزم الفرنسيون المماليك الذين فرّ قادتهم إلى الصعيد وحل الفزع بسكان القاهرة عندما دخلها الفرنسيون. يقول الجبرتي إنه في تلك الليلة خرج معظم أهل مصر لبلاد الصعيد أو الشرق بينما أقام فيها المخاطرون والذين لا يقدرون على الحركة. ثم، وبعدما عاث الفرنسيون فساداً بقتل المصريين وانتهاك حرماتهم وسلب أموالهم وإخراجهم من بيوتهم، ثار المصريون ثورة قمعها نابليون بنيران المدافع. غير أن ثائرة المصريين لم تهدأ طويلاً إذ ثاروا مرة ثانية في القاهرة عندما كان الفرنسيون بقيادة الجنرال كليبر يقاتلون الجيش العثماني في عين شمس في مارس 1800.
أبلى المصريون بلاءً حسناً في إقامة المتاريس والحصون في المدينة ما حدا بكليبر إلى التفكير في تجنب العنف المباشر لإخماد الثورة وفضل أن يستفيد من تعارض المصالح بين عناصر الثورة الأساسية: المصريون والأتراك والمماليك.
وجد كليبر في مراد بك ضالته لأنه، كما يقول الرافعي، «كانت تتوق نفسه بعد ما حل به من الهزائم إلى مصانعتهم، ووقف وقفة الخائف الوجل عندما جردت تركيا حملتها الأخيرة على مصر لإخراج الفرنسيين. لأن مراد بك كان يشعر بأن تركيا إذا فتحت مصر بحد السيف وتمكنت من إخراج الفرنسيين منها، طمحت إلى التخلص من نفوذ المماليك». وقد ذكر الجبرتي أن مراد بك بدأ يمد حبال الود تجاه الفرنسيين منذ أن بدأ الأتراك تجهيز الجيوش لمقاتلتهم. أحجم مراد بك عن القتال مع الأتراك في عين شمس حتى قبل أن يوقع الصلح مع كليبر. وقد ذكر كليبر في مذكراته، بحسب الرافعي، أن مراد بك فضل أن يكتم أمر اتفاقه مع الفرنسيين الذي انعقد في أبريل 1800 ولكنه رغم ذلك أرسل أحد أتباعه إلى القاهرة «ليصرف المماليك عن الثورة ويدعوهم إلى النكوص على أعقابهم».
خلص الاتفاق بين كليبر ومراد بك إلى أن يحكم مراد الصعيد تحت حماية الفرنسيين مقابل خراج يدفعه لهم. وقد بالغ مراد بك في الولاء للفرنسيين إذ أرسل إليهم فور توقيع الاتفاق الهدايا والغلال والمؤن، وسلمهم بعض العثمانيين اللاجئين إليه. بل إنه مضى شوطاً بعيداً في تلك الموالاة المخزية حيث إنه سعى حثيثاً في أن يضم المماليك في القاهرة إلى صفوف الفرنسيين، ولما أعيته الحيلة، يقول الرافعي، «أشار على كليبر بإضرام النار في القاهرة إخماداً للثورة!» وقد روي عن أحد الفرنسيين الذين شهدوا تلك الحوادث قوله «بعد أن تم التوقيع على معاهدة (كليبر – مراد) أرسل لنا مراد بك المؤن وسلم لنا العثمانيين اللاجئين إلى معسكره. وسعى لدى أعوانه في القاهرة لتسليم المدينة. لكنه رأى أن مسعاه لم يؤد إلى نتيجة سريعة فعرض علينا إحراق المدينة وأرسل لنا لهذا الغرض المراكب محملة أحطاباً».
لعله كان بين المصريين الذين داستهم حوافر الخيل الفرنسية من ظلّ ينافح عن مراد بك حتى الساعة الأخيرة، لأنه يعسر عليه تصور أن يكون والي البلاد وقائد الفرسان خائناً. ولكن شهوة السلطان، التي وصفها الغزالي بأنها آخر ما يخرج من صدور الرجال، كفيلة بتفسير أخزى أفعال الرجال وأحقرها. والغفلة عن هذا في حال كحالنا في السودان اليوم هي عين الهلكة!
وكما كانت جبهة محاربة الفرنسيين في مصر مكونة من ثلاث عناصر (المصريين، الأتراك، المماليك)، فإن جبهة محاربة الجنجويد ومن ورائهم الخارج مكونة من عموم السودانيين والإسلاميين والجيش. مسار الحرب في السودان سيحدده اتفاق هذه المكونات على خيارها، فما هي خيارات هذه الجبهة؟.
«يتبع»
د. علي عبد الرحيم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی القاهرة
إقرأ أيضاً:
2004 العام الأغرب في تاريخ كرة القدم
شهد عام 2004 مفاجآت غير مسبوقة في عالم كرة القدم، حيث تُوجت منتخبات وأندية بلقبها الأول في بطولات كبرى، وحدثت ظواهر استثنائية لم تتكرر منذ ذلك الحين.
وكان أبرز هذه الأحداث تتويج اليونان بلقب كأس أمم أوروبا لأول مرة بعد فوزها على البرتغال في النهائي، بينما حققت تونس لقب كأس أمم أفريقيا على أرضها لأول مرة بعد تغلبها على المغرب في نهائي عربي خالص.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2استدعاء رئيسي برشلونة السابقين للشهادة في قضية نيغريراlist 2 of 2رافينيا يتفوق على صلاح في قائمة المرشحين للفوز بالكرة الذهبيةend of listوعلى مستوى الأندية، أحرز بورتو البرتغالي بقيادة جوزيه مورينيو لقب دوري أبطال أوروبا، في حين فاز فالنسيا بالدوري الإسباني متفوقا على ريال مدريد وبرشلونة.
أما في أميركا الجنوبية، فقد فاز أونسي كالداس الكولومبي بلقب كوبا ليبرتادوريس للمرة الأولى في تاريخه.
وتُوج فيردر بريمن بلقب الدوري الألماني الوحيد له منذ 1993، في حين فاجأ ريال سرقسطة الجميع بالفوز بكأس ملك إسبانيا، بينما حصد ميدلزبره أول لقب كبير في تاريخه بالفوز بكأس الرابطة الإنجليزية.
وشهد هذا العام تتويج أرسنال بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز دون أي هزيمة ليحقق ما بات يُعرف بـ"الدوري الذهبي".
وفي إنجاز فردي، أصبح الأوكراني أندريه شيفشينكو أول لاعب من بلاده يحقق جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب كرة قدم في العالم.
إعلانومن الظواهر الفريدة الأخرى في 2004، إقامة الأولمبياد، وكأس أمم أوروبا، وكأس أفريقيا، وكأس آسيا، وكوبا أميركا في عام واحد لأول مرة، بالإضافة إلى وصول المنتخبات المستضيفة (تونس، البرتغال، الصين) إلى نهائي البطولات القارية التي نظمتها.
وشهدت كوبا أميركا في بيرو أول نهائي بين البرازيل والأرجنتين يُحسم بركلات الترجيح للبرازيل.
بينما أثارت ركلة جزاء في أولمبياد أثينا الجدل بعد أن تمت إعادتها 6 مرات للاعب تونسي، في واحدة من أغرب اللقطات في تاريخ اللعبة.
بهذه الأحداث الفريدة، دخل عام 2004 التاريخ كواحد من أغرب المواسم الكروية على الإطلاق.