تنسيق التصنيفات الخضراء العالمية
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
كرة القدم من الرياضات المعروفة منذ قرون من الزمن، لكنها لم تكن تبدو دائما مثل اللعبة التي نعرفها اليوم. حتى أنها لم تكن على ذات الهيئة والقواعد عبر المناطق الجغرافية المختلفة. في بعض الأماكن، كان من المسموح للاعبين استخدام أيديهم، وفي أماكن أخرى، لم يكن المرمى يحتوي على عارضة علوية، بينما في أماكن أخرى، كان دفع الخصم مسموحا به، في حين لم يكن شده من الخلف مسموحا.
وكما ساعدت القواعد المشتركة في تطوير كرة القدم، من الممكن أن تعمل مجموعة واحدة من المبادئ التوجيهية على التعجيل بإحراز التقدم في مكافحة تغير المناخ. المنطق هنا واضح ومباشر. فنظرا لحجم التحدي المناخي، يتطلب التصدي له العمل على مستويات المجتمع والحكومة والاقتصاد كافة. إذا كان لمثل هذا العدد الكبير من القوى الفاعلة أن تعمل بنجاح على مستوى العالم لتحقيق هدف مشترك، غالبا من خلال التعاون المباشر، فيتعين على الجميع أن يعملوا وفقًا لذات المبادئ، مع تحديد المصطلحات والمفاهيم بطرق متسقة، وقياس التقدم باستخدام مقاييس راسخة. يشكل هذا أهمية خاصة للقطاع المالي. فإذا كان للمستثمرين أن يملكوا القدر الكافي من الثقة والوضوح لتوجيه تريليونات الدولارات نحو المشاريع الأكثر تأثيرًا، فهم في احتياج إلى الوصول إلى مجموعة مشتركة من المعايير لتقييم «وثائق الإثبات الخضراء» للأصول والأنشطة.
على مستوى البلدان، بدأت «التصنيفات الخضراء» تؤثر بالفعل. في العام الذي أعقب نشر الصين أول «قائمة مشاريع» للسندات الخضراء في عام 2015، ارتفعت قيمة سوق سنداتها الخضراء من الصفر إلى 40 مليار دولار. لكن ما يمكن تحقيقه من خلال العمل الوطني ليس بلا حدود. وبما أن ولايات الاختصاص المختلفة تحدد معاييرها ومقاييسها الخاصة، فإن ما يعتبر «أخضر» في بلد ما قد يظل يُـعَـد «بُـنّـيا» في بلد آخر، وهذا يخلق حالة من عدم اليقين بين المستثمرين ويقوض ثقتهم. كما يُـفضي الافتقار إلى تصنيف أخضر مشترك واحد إلى تفتت السوق، مما يخلق الفرص للشركات للتحايل على القواعد واللوائح التنظيمية التي تهدف إلى تعزيز الاستدامة.
على سبيل المثال، إذا فرضت حكومة ما قواعد صارمة على انبعاثات الكربون، فقد تلجأ الشركات ببساطة إلى نقل أنشطتها التي تطلق مستويات عالية من الانبعاثات إلى الخارج أو البدء في استيراد سلع كثيفة الكربون مصنعة في ولايات اختصاص أكثر تساهلا.
بطبيعة الحال، من غير الواقعي -وغير العادل- أن نتوقع من كل البلدان أن تتبنى تصنيفًا أخضر واحدًا على الفور. فلكل دولة احتياجاتها وأولوياتها الخاصة، وتواجه تحديات اقتصادية وتنموية بعينها، وتمتلك مجموعة فريدة من الموارد التي يمكنها من خلالها تحقيق أهدافها. ويجب أن تعكس تصنيفاتها الخضراء هذه الحقائق. على سبيل المثال، تركز كولومبيا بشكل خاص على الزراعة، والثروة الحيوانية، والغابات وهي قطاعات حيوية اقتصاديا وتشكل أيضا مصادر رئيسية للانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي ومحركات رئيسية للتدهور البيئي.
مرة أخرى، من الممكن أن تقدم كرة القدم بعض الوضوح هنا. فبرغم أن القواعد هي ذاتها في كل مكان، فإن اتحادات كرة القدم حول العالم تعمل بطرق مختلفة، بما يعكس الظروف المحلية. فهي توظف ميزانيات وتقويمات وقواعد مختلفة لتنظيم ترقية وهبوط الفرق من قسم إلى آخر. ولكن في نهاية المطاف، يستطيع اللاعبون التنقل عبر الاتحادات، وبوسع الفرق أن تتنافس عبر ولايات الاختصاص، مع قدر ضئيل نسبيا من الاحتكاك.
هذا النوع من قابلية التشغيل البيني لابد أن يكون مدمجا في التصنيفات الخضراء الوطنية، لتمكين رأس المال الأخضر من التدفق عبر الحدود بكميات ضخمة.
لتحقيق هذه الغاية، يتعين على صناع السياسات والجهات التنظيمية تحديد سمات التصميم المشتركة، ومواءمة مقاييس التأثير ومعايير المحاسبية، وتبني نهج «التبني أو التكيف» مع الباقي، مع استعارة النماذج أو المعايير من آخرين وتعديلها حسب الحاجة.
يجري الآن بالفعل تنفيذ عدد كبير من المبادرات الرامية إلى دعم هذه العملية. في عام 2021، أنشأت مؤسسة معايير التقارير المالية الدولية مجلس معايير الاستدامة الدولية، وهو هيئة مستقلة تابعة للقطاع الخاص تعمل على تطوير معايير إعداد التقارير عن الاستدامة وإصدار الموافقات عليها. وقد حددت مجموعة العشرين ستة مبادئ رفيعة المستوى لتوجيه ولايات الاختصاص في تطوير مناهجها لمواءمة الاستثمارات مع أهداف الاستدامة، وبالتالي المساعدة في ضمان القابلية للمقارنة والتشغيل البيني. وتزود شبكة الخدمات المصرفية والتمويل المستدامة أعضاءها الستة والثمانين في 66 دولة من الأسواق الناشئة بمجموعات الأدوات وتقارير التقدم. بمجرد إنشاء كتب القواعد الوطنية، يجب أن يتبع ذلك التنسيق الإقليمي. وهنا أيضا تُـتَّـخَـذ بالفعل خطوات إيجابية. إذ يتولى فريق العمل المعني بتصنيفات التمويل المستدام لأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي -بدعم من مؤسسة التمويل الدولية وغيرها من المؤسسات المتعددة الأطراف- مساعدة البلدان في المنطقة على مواءمة أطرها، كأن تساعد في وضع مبادئ توجيهية وتصميم أنظمة تصنيف موضوعية للقطاعات والأنشطة.
يتعين على المنتديات الإقليمية، مثل منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي (APEC) أن تعمل أيضا على تكثيف جهودها، من خلال دمج تنسيق التصنيفات الخضراء في خطط التكامل الأعرض.
تتمثل الخطوة الأخيرة في التنسيق العالمي، وهو الجهد الذي تحتل مجموعة العشرين مكانة تسمح لها بقيادته. ينبغي للبرازيل أن تحاول إطلاق العملية أثناء رئاستها للمجموعة هذا العام، فتمهد بهذا الطريق لمزيد من التقدم تحت قيادة جنوب إفريقيا في عام 2025.
على النقيض من تطور كرة القدم -الذي استغرق أكثر من قرن ونصف القرن من الزمن- فنحن لا نملك الآن تَـرَف إهدار الوقت. في التصدي لتغير المناخ، يجب أن يأتي التصنيف الأخضر العالمي في أقرب وقت ممكن.
مختار ديوب المدير الإداري لمؤسسة التمويل الدولية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کرة القدم
إقرأ أيضاً:
أبرز القواعد التي يطبقها الأطباء «لإطالة العمر»
وجد الباحثون الذين يدرسون حياة الأفراد الذين يعيشون حياة طويلة، أن تعليمهم أو دخلهم ليس هو ما يبقيهم على قيد الحياة لعقود من الزمن، بل إن الشيء الوحيد المشترك بين المعمرين هو أسلوب الحياة الصحي.
ويقول الأطباء من «جيل إكس» أي الذين تتراوح أعمارهم بين 44 إلى 59 عاماً، “إنه من خلال دمج بعض النصائح السهلة في روتينك اليومي، يمكنك إضافة بضع سنوات إلى حياتك”. لأن الطريقة التي تعامل بها جسدك الآن تؤثر بشكل مباشر على مدى قدرته على العمل في المستقبل.
سألت صحيفة «هاف بوست» الأميركية أطباء «جيل إكس»، وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية، عما يوصون به للعيش لفترة أطول بناءً على تجربتهم الخاصة في هذا المجال. وإليك ما قالوه من نصائح:
المشي قليلاً كل يوم
فقد أشارت دراسات حديثة إلى أن المشي المنتظم، وخصوصاً لدى أولئك الذين لا يمارسون نشاطاً بدنياً، يمكن أن يساعد في العيش لفترة أطول، كما قال الدكتور جيف ستانلي، طبيب الأمراض الباطنية.
إن المشي بانتظام يعزز صحتك العقلية ويمنع القلق والاكتئاب، كما أن المشي يمكن أن يساعد في تحسين التوازن الهرموني العام، وإطلاق الدوبامين، والمساعدة في أنماط النوم الصحية، وهي جميع المجالات المرتبطة بالعيش لفترة أطول، وفقاً لما ذكرته ميليكا ماكدويل، اختصاصية فسيولوجيا التمرين المعتمدة.
ونصحت: «إذا مشيت ما بين 2500 إلى 4000 خطوة كل يوم، فإن صحتك القلبية والعقلية ستتحسن بشكل كبير، وقد ارتبط المشي أكثر من 7000 خطوة كل يوم بمعدلات أقل بكثير من أمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات».
لا يجب أن يكون المشي أمراً ثقيلاً. استخدم وسادة المشي على مكتبك، أو اصعد الدرج بدلاً من المصعد، أو اركن سيارتك بعيداً عن مكتبك أو منزلك أو متجر البقالة لزيادة خطواتك.
النوم لمدة سبع ساعات على الأقل في الليلة
قال الدكتور نيل واليا، طبيب طب النوم في «UCLA Health»، إن قلة النوم مرتبطة بزيادة الوفيات والإجهاد التأكسدي، وهو خلل في الجذور الحرة التي تسهم في تلف الخلايا الدماغية.
وأضاف واليا: «نعتقد أن الجسم يحتاج إلى هذا الوقت للتخلص من النفايات التي يتم إنتاجها أثناء النهار، وهو مصمم للقيام بذلك بانتظام». من المرجح أن تتفاقم هذه التأثيرات بمرور الوقت، مما قد يفسر سبب ميل قلة النوم طويلة الأمد إلى التوافق مع سوء الصحة.
وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن قلة النوم مرتبطة بارتفاع ضغط الدم ومرض السكري من النوع 2 والتدهور المعرفي والسمنة.
يجب أن يحصل معظم البالغين على سبع ساعات على الأقل من النوم في الليلة، وتشير «مايو كلينك» إلى أن النوم يساعد جسمك على الراحة وشفاء نفسه، فعندما تغفو يقوم جسمك بإصلاح العضلات المؤلمة، ويطرد السموم، ويساعد عقلك على ترسيخ الذكريات، كل هذه الأشياء من شأنها أن تطيل عمرك.
قلل من تناول الأطعمة المصنعة وأَعْطِ الأولوية للأطعمة الطازجة
ينصح الأطباء بمراقبة كمية الأطعمة المصنعة التي يستهلكونها، ويقولون إنه قد ثبت أن زيادة تناول السكر، وخصوصاً السكر المضاف في الأطعمة والمشروبات المصنعة، يرتبط بارتفاع خطر الوفاة بسبب أمراض القلب، وكذلك الشيخوخة.
وجدت الأبحاث الحديثة أن الأشخاص الذين تناولوا مستويات أعلى من السكريات المضافة أظهروا المزيد من علامات الشيخوخة.
وأشاروا إن إعطاء الأولوية للأطعمة الحقيقية الكاملة على الوجبات الخفيفة المصنعة التي تحتوي على نسبة عالية من شراب الذرة عالي الفركتوز يمكن أن يعزز صحتك العامة.
وأضافوا أن هذا لا يعني أنك بحاجة إلى تجنب الأطعمة التي تحتوي على السكر تماماً. ولكن من خلال تقليل استهلاك الأطعمة المصنعة مع السكر المضاف، يمكنهم تحسين صحتك وتجنب أو تقليل خطر الإصابة بأمراض مثل مرض السكري أو أمراض القلب.
تعرف على كيفية التعامل مع التوتر
قالت الدكتور كيسي كيلي، طبيب الأسرة والطب التكاملي والمدير الطبي لمؤسسة «Case Integrative Health»، إن إدارة مستويات التوتر لديك أمر بالغ الأهمية عندما يتعلق الأمر بإطالة عمرك.
يعلق العديد من الأشخاص في وضع القتال أو الهروب، وهو رد فعل فسيولوجي ينشط استجابةً للمواقف العصيبة أو الخطيرة، التي يمكن أن تضعف جهاز المناعة في جسمك وتزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة.
أوضحت كيلي: «من المعروف أن التوتر المزمن يؤثر سلباً على طول العمر من خلال المساهمة في الالتهابات ومشاكل القلب والأوعية الدموية ومشاكل صحية أخرى».
لمكافحة هذه التأثيرات، عليك بتنشيط الجهاز العصبي السمبتاوي (PNS)، أو ما يُعرف بنظام «الراحة والهضم»، الذي يساعد جسمك على الاسترخاء والتعافي من التوتر.
تجنب أداء المهام المتعددة
وأخيراً، قد ترغب في تجنب القيام بمهام متعددة. فقد أظهرت الأبحاث أن تعدد المهام قد يسبب لك التوتر ويرفع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب. وتشير الأدلة المتزايدة إلى أن التركيز على مهام فردية يمكن أن يحسن التركيز والإدراك، وفقاً لما أجمع عليه الخبراء والأطباء.