لجريدة عمان:
2025-03-02@20:27:42 GMT

مشروع وطني لتوثيق الآثار العمانية

تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT

هذا المقال.. أكتبه بمداد الأمل والألم المختلط اعتلاجًا في نفوسنا، وبعرق البحث والتنقيب المتصبب من أجسادنا ونحن نستكشف المنطقة ونوثق ما استطعنا من آثارها تحت أشعة الشمس، وبكلمات الكتب وسطور الدراسات التي سهرنا عليها لنعرف جذور نشأة حضارتنا العمانية. أما الدافع لكتابته فهو ما صدمنا صباح يوم 29 ديسمبر 2023، عندما ذهبت وابني عبدالرحيم لبدء يوم جديد في توثيق مدينة كدم، ففوجئنا أن منطقة الآثار الدينية؛ ومنها «معبد ني صلت»، جُرفت أرضها بالمعدات وحملت أتربتها بالقلابات، ومحيت طوبغرافية الأرض؛ بما فيها من صخور عليها شواهد ورسوم.

لم أتمالك نفسي أسفًا، فغردت على منصة «x» قائلًا: (أيها المسؤولون عن الآثار في بلادي عمان.. أدركوا كدم؛ أقدم مدينة عمانية باقية، فإنها تدمر. وأذكّر هنا بأن النظام الأساسي للدولة يفرض الحفاظ على المواقع الأثرية، ويجرّم الماس بها. إنها صرخة من يعرف قيمة هذه المنطقة قبل أن تدّمر كلها)، وأقصد المادة (16) التي جاء فيها: (تلتزم الدولة بحماية تراثها المادي وغير المادي، والمحافظة عليه. كما تلتزم بصيانة تراثها المادي وترميمه، واسترداد ما استولي عليه منه. والاعتداء عليه والاتجار فيه جريمة على النحو الذي يبينه القانون). أما إدراكي أهمية كدم؛ فقد رجوت بلادي مرارًا أن تعمل على تكوين ملف لضم هذه المدينة العظيمة في قائمة التراث العالمي باليونسكو.

قررنا أن نؤجل توثيق هذا الجانب من المنطقة؛ لأن ما بقي من معالمها اختفى تحت سجف الأتربة، وغطيت الرسمات الصخرية. وانتقلنا إلى جهة أخرى، فكانت الصدمة التالية، فها هي معدات الجرف تسحق الأرض أمام أنظارنا، لقد وصلتُ لحالة من اليأس كدت أنصرف عن مشروع التوثيق. ولكن سارعت متصلًا بمسؤولي البلد ليوقفوا التخريب، فتواصلوا جزاهم الله خيرا بصاحب المعدات، وأخبروه بأن يتوقف عن نقل التراب من المنطقة. وما زلت ساعيا لأجل المحافظة على هذه الآثار التي يبلغ عمرها خمسة آلاف سنة، فما يدمر منه لا رجعة له، ولات حين مندم.

عام 2019.. وضعت تصورا لتوثيق الرسمات والكتابات الصخرية بسلطنة عمان، لما رأيت من تدمير متواصل لشواهدنا الحضارية، فقمنا بزيارات استكشافية لكثير من المناطق؛ من خصب حتى صلالة، ورأيت ما تتعرض له حضارتنا من محو، بفعل التوسع العمراني المتسارع. لقد وجدت حينها تجاوبا سريعا من مسؤولي الوزارة، وصدر توجيه بتشكيل فريق عمل لذلك، وبالفعل بدأتُ بتشكيله، وقد حالت دون ذلك الظروف التي مرت بها عمان بوفاة جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه-. لم أتوقف عن المشروع، فبادرت للقيام بما أستطيع له، وانضم معي ابني عبدالرحيم؛ ولأن عمان كبيرة؛ وآثارها لا تحصى، فقد اخترنا مدينة كدم، لاستكشافها وتوثيقها، والكتابة عنها.

استصدرنا الموافقة الرسمية لمشروعنا، ثم أعددنا أجهزة التصوير والتوثيق، وشرعنا في العمل، وقد كتبت تقريرا عمّا نفذناه خلال فصول الشتاء، منذ شتاء 2019/ 2020، بعنوان «كدم.. أقدم مدينة عمانية وأول تقرير عن توثيقها» نشرته جريدة «عمان» بتاريخ: 10/ 1/ 2023. وبعد الانتهاء من توثيق المنطقة الإدارية «منطقة المحمود» جرى بيني وبين عبدالرحيم نقاش: هل نوثق هذا العام السور أو المنطقة الدينية؟ فرسا الرأي بأن نوثق السور لسببين: لأنه ممتد يحيط بمدينة كدم، فهو عرضة لأن يدمر من أكثر من مكان، وعلينا أن نسارع بتوثيقه، خاصة بدت لنا المنطقة الدينية أقل عرضة للتدمير، ولأننا قد جمعنا مادة توثيقية جيدة، حيث مسحنا كل المدينة الإدارية تقريبا، وكانت رغبتنا قوية لأن نخرج شيئًا من عملنا، ليرى النور، ويستضيء به الباحثون. ولكن صدمنا ما وقفنا عليه من توغل التدمير في المنطقة الدينية.

إن تتابع التدمير يجعلنا في قلق دائم، وجدولة مستمرة لمناطق التوثيق، وحالنا كقول الشاعر:

تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد

وليت ما تكاثر علينا ضباء خراش، وإنما هي «وحوش المحو» كما أسميتها في مقال بعنوان «وحش المحو ينهش حضارتنا»، نشرته جريدة «عمان» بتاريخ: 16/ 11/ 2020، ومما قلته فيه: (إن الحفاظ على آثار تلك الحضارة الفخمة بات واجبا وطنيا، يجب أن تتجه إليه عناية الحكومة بمؤسساتها التي تمُت بصلة لتراث البلد وثقافته، بل أرى بحسبما وقفت عليه من تعدٍّ على الآثار وجوب إعلان الطوارئ للحفاظ عليها، ولقد تتبعت كثيرا من مواقعها التي تتعرض يوميا لمحو رسماتها وثلم نقوشها المحفوظة على الحوائط الصخرية، وإبادة أطلالها من أسوار ومبانٍ وقبور، سواءً أكانت على سطح الأرض أو سفوح الجبال أو في بطون الأودية وبين شعابها... وقد وقفت على [كثير منه] بنفسي، والكثير منه التقطت منه صورا، لتبقى شاهدةً على المأساة التي تقتلع جذور حضارتنا، إن ما أفنته الخمسون السنة الأخيرة من هذه الآثار يضاهي ما أتت عليه عوادي الدهر خلال الخمسة آلاف سنة الذاهبة، ولا أبالغ فيما أقول، فالواقع أصدق شاهد، وبالإمكان رصده في أي يوم، فلا يزال وحش المحو يفري بمخالبه أديم أثمن كنوزنا الحضارية).

بات من اللازم السعي حثيثا إلى إيجاد طرق للحفاظ على ما بقي من ثروتنا الحضارية؛ سواءً أكان رسمات صخرية، أم كتابات على الصخور والجدران وسقوف البيوت والمساجد والقلاع، أم غيره مما يلزم مسحه وتوثيقه، ومن أهم هذه الطرق:

- أن تقوم وزارة التراث والسياحة بمسح شامل للآثار؛ بغض النظر عن حجم الموقع، وعن فرادته أو تشابهه مع مواقع أخرى، فكل الآثار في ميزان العلم مهمة، ولا يكاد تميز بينها في ذلك، وعلى الوزارة أن تضع اللوائح التحذيرية من التعدي على الآثار، وأن تنشئ فريقا لمتابعتها دوريا، حتى لا يُتعدى عليها.

- تكليف المؤسسات الأكاديمية والبحثية الباحثين بعمل دراسات مسحية وتوثيقية على مواقع الآثار، وتقديم تقرير عن حالتها، وعمّا تتعرض إليه من تخريب وتشويه، لوزارة التراث والسياحة.

- أن تقوم الجهات الصحفية والإعلامية بدورها في التوعية المستمرة بأهمية الآثار، وخطورة التعدي عليها، وتجريم من يمسها بتخريب أو تشويه، وأن تستضيف لذلك المختصين من الآثاريين والقانونيين والمهتمين بالحضارة العمانية.

- أن تفتح وزارة التراث والسياحة تطبيقا إلكترونيا لتلقي بلاغات ما يراه الناس تعديا على الآثار، فتسعى الوزارة إلى التحقق منه، ورفع دعوى ضد من سولت له نفسه بالتعدي.

- إنشاء مشروع وطني لتوثيق الآثار العمانية، وهذا ضروري في الوقت الحاضر، حيث إنها تتعرض لتدمير يومي، وأقصد الظاهر منها، وليس المخبوء تحت الأرض الذي يحتاج إلى تنقيب، فهذا تكفل باطن الأرض بحفظه. أما الظاهر فهو المعرض للدمار، سواء من قِبَل الجهات المنفذة لمشاريع البُنية الأساسية كالطرقات وخطوط الكهرباء والمياه، أو الشركات التي تقطع الرخام من الجبال وتجرف الرمال، أو ما يحوزه الناس من أراض، يقومون بتعميرها دون معرفة ما بها من كنوز حضارية.

أرجو أن تسارع الحكومة إلى إقامة هذا المشروع، بحيث تضم إدارته أعضاء من وزارة التراث والسياحة، ووزارة الثقافة والرياضة والشباب، والمؤسسات الجامعية المعنية بالآثار، ومن يعملون في التوثيق الحضاري، ومَن يمكن أن يخدم المشروع. على المشروع أن يشكّل فِرَقًا في كل محافظات سلطنة عمان، وأن يقوم بتدريبهم وعقد ورش عمل لهم في التوثيق العلمي الموضوعي. وأن يجهز الفِرَق بالأجهزة اللازمة للتوثيق وحفظ الصور بالإحداثيات والمقاسات المعتمدة. ويمكن أن يسهم المنتدى الأدبي في وضع تصور لهذا المشروع، وآليات عمله، وإقامة ورش عمل لتنفيذه.

فالبدار البدار.. قبل أن يستفحل الخراب والدمار، فنحن مسؤولون حضاريا ووطنيا عن كنوز عمان العلمية والتاريخية التي لا تعوّض بثمن.

خميس بن راشد العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التراث والسیاحة

إقرأ أيضاً:

ما قصة الآثار الراقصة في المتحف المصري الكبير؟ (فيديو)

#سواليف

يترقب #المصريون افتتاحا ضخما للمتحف المصري الكبير الذي شيدته الدولة ليكون أكبر #متحف في العالم يضم آثار حضارة واحدة، ومع اقتراب افتتاحه يتزايد الاهتمام بالمتحف وما يضمه من #آثار.

وحددت الحكومة المصرية 3 يوليو القادم موعدا لافتتاح المتحف بعد سنوات من الانتظار حتى تتهيأ الأوضاع الإقليمية والدولية لافتتاح ضخم بحضور دولي واسع ورفيع المستوى، حيث تجهز القاهرة لافتتاح يمتد لعدة أيام، يسلط الضوء على #الحضارة_المصرية القديمة كما جرى في افتتاح متحف الحضارات الذي أقيم في ليلة واحدة.

ومع تزايد الاهتمام بالمتحف، بدأ مدونون على مواقع إكس في تداول #فيديوهات من داخل المتحف تم معالجتها بالذكاء الاصطناعي، وتظهر في الآثار المصرية وهي تسير في المتحف وتتراقص على أنغام الموسيقى، وتظهر الجنود القدماء وكأنهم في مهمة قتالية.

مقالات ذات صلة مع وصول دعم جديد من السودان وغيرها.. مشاهد من داخل “قبو يوم القيامة” في القطب الشمالي 2025/02/27

وتحت عنوان “المتحف المصري في الليل” تداول مستخدمون فيديو تظهر فيه الآثار وكأنها تؤدي أدوارا في أفلام سينمائية مصرية مع تركيب أصوات المشاهد الحقيقية عليها.

ونشر مستخدم آخر فيديو مشابه وكتب عليه “الوضع في المتحف المصري الكبير خرج عن السيطرة”.

واكتمل تشييد مبنى المتحف الذي تبلغ مساحته أكثر من 300 ألف متر مربع، خلال عام 2021، ومنذ ذلك الوقت، تتحين مصر الفرصة لافتتاح المتحف وإقامة حفل ضخم يروج للحضارة المصرية القديمة.

المتحف المصري الكبير في الليل ????????
Grand Egyptian Museum at night pic.twitter.com/tBZbHu5KpT

— Egyptian General ???????? (@0MTTT) February 26, 2025

وتقول وزارة السياحة المصرية، إن قاعات العرض بالمتحف تعتبر الواحدة منها أكبر من العديد من المتاحف الحالية في مصر والعالم. مؤكدة أن المتحف يعد “أحد أهم وأعظم إنجازات مصر الحديثة”، فقد أُنشئ ليكون الوِجهة الأولى لكل من يهتم بالتراث المصري القديم كأكبر متحف في العالم يروي قصة تاريخ الحضارة المصرية القديمة.

ويحتوي المتحف على عدد كبير من القطع الأثرية المميزة والفريدة من بينها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون والتي تعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته في نوفمبر 1922، بالإضافة إلى مجموعة الملكة حتب حرس أم الملك خوفو مشيد الهرم الأكبر بالجيزة، وكذلك متحف مراكب الملك خوفو، فضلا عن المقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني.

الوضع في المتحف المصري الكبير خرج عن السيطرة.. ???? pic.twitter.com/U02rvXGQPM

— Ihab Elsawy (@i_sawy) February 23, 2025

ويوم الثلاثاء، قال رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، قرر تحديد يوم 3 يوليو القادم موعدا لافتتاح المتحف المصري الكبير.

وأكد أن فعاليات افتتاح المتحف ستمتد على مدار عدة أيام، وليست احتفالية في يوم واحد فقط، قائلا: “فعاليات هذا الحدث الكبير الذي ينتظره العالم بأسره تمتد على مدار عدة أيام”.

مقالات مشابهة

  • «الخارجية» ودورها في ترسيخ السياسة العمانية
  • قرار وزاري بـ إشهار "الجمعية البحرية العمانية"
  • الجزائر تعزز شراكتها الصناعية مع الصين عبر مشروع إنتاج 200 ألف سيارة كهربائية سنوياً
  • مواعيد عرض مسلسل "حكيم باشا" لمصطفى شعبان
  • سقوط العقوبة بمضي المدة وموت المحكوم عليه في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد
  • رئيس الوزراء يفتتح مسجد العلي العظيم كأول مسجد جامع ضمن مشروع وطني شامل
  • افتتاح مسجد العليّ العظيم أول المساجد الجامعة في مشروع وطني شامل.. صور
  • ما قصة الآثار الراقصة في المتحف المصري الكبير؟
  • الصناعة العمانية تواصل تعزيز ربحيتها وتواجدها في أسواق التصدير
  • ما قصة الآثار الراقصة في المتحف المصري الكبير؟ (فيديو)