ليست مجرد حجارة.. قصص تحويشة العمر والجرح المفتوح لأهالي غزة
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
رغم أن الخسائر المادية لا معنى لها لدى يوسف فارس ابن مدينة غزة بالنظر إلى هول الكارثة وأعداد الضحايا المدنيين في القطاع المحاصر ، فقد كان لحادثة حرق منزله على يد الجيش الإسرائيلي وقع مؤلم وخاص، كونها تركت آثارا عميقة في القلب "لا يمكن أن تزول بالتقادم".
كتب فارس، وهو صحفي، عبر حسابه الشخصي في "فيس بوك" قبل أيام عبارات نعى فيها المنزل، الذي لم يسكنه سوى عام واحد ولم ينته من تسديد ديون تشييده الطائلة حتى الآن.
وبينما أوضح أن حرقه من قبل الجيش الإسرائيلي في بداية الحرب يشكّل "خسارة سخيفة" مقارنة بما فقده من أقرباء، تحدث لموقع "الحرة" عن جرحٍ مفتوح لما حلّ بـ"مشروع العمر".
وبالنسبة لفارس "المنزل هو وطن ومشروع العمر"، ويقول: "الناس بتعيش حياتها الوظيفية كلها (40 عاما) وبيكون حلمها تعمّر بيت إلها ولعيلتها".
ولذلك فإن "تدمير المنزل يعني تدمير الأمان والذخر"، ويعني أيضا حسبما يضيف لموقع "الحرة": "تدمير محل الذكريات ومحل الأحلام".
"تحويشة العمر"وبعد مئة يوم على الحرب في غزة تحول أكثر من 50 بالمئة من الوحدات السكنية إلى إلى أكوام من الرماد لا يمكن العيش فيها بمجرد وقف القتال، حسب ما يؤكد مسؤولون في غزة، وآخرون أمميون.
ومع غياب أي أفق أو معالم للخطة المتعلقة بإعادة الإعمار أو حتى أفق الحرب ومصير النازحين المحصارين جنوبي القطاع ،نادرا ما تتسلط الأضواء على الجانب الآخر من القصة المؤلمة، ولما هو أبعد من أن يكون "مجرد حجر"، حسب تعبير بلال الهركي.
نزح الهركي من مربع الشجاعية أكثر من مرة، ومع اشتداد القصف الإسرائيلي استقر مع عائلته مؤخرا في خيمة بمنطقة خان يونس جنوب غزة، ويقول لموقع "الحرة" إنه لم يكن يتوقع يوما أن يستقر الحال به بالظروف التي يعيشها الآن.
مليونا فلسطيني تقريبا في قطاع غزة تركوا منازلهمقبل الحرب التي أطلقتها إسرائيل ردا على هجوم حماس في السابع من أكتوبر كان "الهم والحلم الوحيد" للشاب في غزة وفي ظل الحصار بناء منزل وتأمين شقة المستقبل.
"كان يكد ويتعب لسنوات طويلة كي يحصّل تحويشة العمر"، كما يضيف الهركي، في حالة تنطبق على الجميع، ولا تقتصر على شاب أو رجل دون آخر.
لكن كل شيء تغيّر خلال الأشهر الثلاث الماضية، إذ لم تبق الصواريخ والقذائف حجرا على حجر ومن بينها منزل الهركي في الشجاعية.
كما قتلت الصواريخ والقذائف معها "ذكريات كانت تتكون بالتدريج وتترسخ عاما بعد آخر تحت الأسقف والجدران"، حسب تعبيره.
"هيكل لا يصلح للحياة"وتكشف تقديرات للأمم المتحدة، نشرت منتصف ديسمبر الماضي، أن نحو 40 ألفا من مباني قطاع غزة، أو تقريبا خمس التي كانت موجودة قبل الصراع، تضررت كليا أو جزئيا منذ اندلاعه في السابع من أكتوبر.
واستندت أحدث التقديرات إلى صور بتاريخ 26 نوفمبر لمركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية، إذ فحص محللون صور عالية الوضوح لرصد المباني المتضررة ونشر خرائط قد توجه أعمال الإغاثة وخطط إعادة البناء أثناء الكوارث الطبيعية والصراعات.
وأظهر التقييم أن المناطق الأكثر تضررا تتركز في محافظتي غزة وشمال غزة في شمال القطاع، اللتين كان بهما 29732 من أصل 37379 مبنى تضرر كليا أو جزئيا أو نحو 80 بالمئة من المجموع.
تحليل الأقمار الصناعية.. الأمم المتحدة تكشف عدد المباني المدمرة في غزة كشفت تقديرات للأمم المتحدة، الثلاثاء، أن نحو 40 ألفا من مباني قطاع غزة، أو تقريبا خمس التي كانت موجودة قبل الصراع، تضررت كليا أو جزئيا منذ اندلاعه في السابع من أكتوبر.الصحفي فارس يوضح أن تدمير المنازل بشكل ممنهج في غزة "لا يرتبط بشيء مادي بقدر ما هو نفسي".
ويضيف فيما يتعلق بما حل بمنزله أن "التدمير والقصف أقل وطأة من الحرق. الحرق بشع ومؤلم كونك ستعود إلى هيكل بيت لا يصلح للحياة. تراه أمام عينيك ولن تكون قادرا على العيش فيه أو تركه".
"إسرائيل كيان غير أخلاقي ومجرم.. حساباته مادية فقط، ويعتقد أن المنزل هو آخر شيء يربطنا في الأرض لكنه خاب وخسر"، حسب تعبير الصحفي.
ويشير إلى أن الخوف الذي ينتابه لا يتعلق بمدى قدرته على إعادة إعمار المنزل أو حتى إصلاحه بقدر ما ترتبط المشاعر بأولاده، وكيف سيرون ما حل ببيت العائلة.
جانب من الدمار الذي أصاب غزة بسبب القصف الإسرائيلي المكثف"قتل كل الذكريات"ورغم أن غزة تعرضت لأضرار في الصراعات السابقة وأعيد بناؤها، إلى حد كبير بأموال من دول الخليج، فإن الحجم الحالي للدمار من نوع مختلف، وفق تقرير سابق لصحيفة "الغارديان".
الصحيفة أشارت في السابع من ديسمبر الماضي إلى قضية مطروحة بدأت تثار من قبل قانونيين تتعلق بما إذا كان حجم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية هو نتيجة ثانوية لمطاردة عناصر حركة حماس، أو جزء من خطة سرية لطرد الفلسطينيين من غزة، مما يمحو إمكانية أن يصبح القطاع مجتمعا شبه قابل للحياة في المستقبل المنظور.
الدمار طال الكثير من البنية التحتية في غزةوتوضح أن "قتل المنازل (دوميسايد) وهو مفهوم يحظى بقبول متزايد في الأوساط الأكاديمية لا يعتبر جريمة متميزة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي".
وعادت صحف ووسائل إعلام من بينها "هآرتس" قبل عشرة أيام لتثير قضية "قتل المنازل" مجددا إلى ما يعيشه القطاع حاليا والسكان فيه.
وفي حين أشارت إلى الدعوات المتعلقة بضرورة تصنيف "قتل المنازل" باعتباره جريمة ضد الإنسانية، يوضح الكتاب الذي ورد فيه لأول مرة المصطلح بأن "تدمير المنزل قد يكون واحدا من أعمق الجروح التي تصيب هوية المرء واحترامه لذاته، لأن كلا من هاتين الدعامتين للعقلانية تكمن جزئيا في الهياكل التي نعتزّ بها".
لم يكن منزل بلال الهركي الوحيد الذي دُمّر بفعل القصف الإسرائيلي بل راح بين عشرات الأبنية المصطفّة ضمن مربع بحي الشجاعية. "منطقة كاملة متكاملة تحولت إلى رماد ولم تعد تضاريسها معروفة".
أحياء كاملة تدمرت في غزةويقول: "الناس في غزة لم يعد بمقدورهم تمييز منازلهم ومعالمها. الشيء مؤلم وأن تفقد حارتك ومنزلك أمر خارج عن الوصف".
خلال حديثه عبر الهاتف مع موقع "الحرة" عاد الهركي بشريط الذكريات إلى ما قبل أكتوبر الماضي، وتحدث عن "المسجد العمري" وحمام السمرة التاريخي"، وكيف أن القصف الإسرائيلي "مسحهم من الأرض كما فعل بمنزلنا".
ويتابع: "معالم المدينة مسحت بشكل كامل. أشياء لا يستوعبها العقل. القسوة غير مسبوقة وحتى في الحروب السابقة التي حصلت في غزة لم نشهد ما نعيشه اليوم".
"ليست مجرد حجارة"ووفق خبراء تحدثوا في وقت سابق لشبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، فإن تقديرات إعادة الإعمار في غزة لا يمكن تصورها في هذه المرحلة نظرا لنطاق القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي تجاوز جميع الصراعات السابقة في القطاع.
وحتى قبل الحرب المستمرة، كانت جهود إعادة الإعمار في غزة تختنق بالفعل وبعيدة عن الاكتمال، "على الرغم من تعهدات المساعدات بالمليارات وتوزيع المساعدات"، وفقا ليارا عاصي، الزميلة في مؤسسة السلام في الشرق الأوسط.
وقدرت عاصي، وآخرون، أن إعادة بناء غزة ستستغرق عقودا، وأضافت أن هناك "احتمالا حقيقيا بأن تتغير الجغرافيا الفعلية لغزة" بناء على الطموحات الإقليمية التي أعلنها الجيش الإسرائيلي والسياسيون اليمينيون.
ولم يكن أحمد الإبراهيم يعرف أن بيته في مدينة غزة تدمّر بالكامل إلا عندما توجه إليه قبل أسبوعين لأخذ بعض الملابس، ويقول شارحا تفاصيل اللحظة حينها: "لم أستوعب ما حل بالمكان. عندما رأيته مر شريط حياتي فيه بثوانٍ سريعة".
وفي كل زاوية من منزل الإبراهيم "ذكرى" كما يوضح لموقع "الحرة".
ويضيف: "دائما ما نسمع كلمة الله يعوضكم. نحن نؤمن بالله لكن البيت ليس مجرد حجارة بل هو مأوى كبرنا فيه ولنا فيه كل ما هو جميل".
ويتابع أيضا: "من يعوضنا عن ذكرياتنا؟ ومن يعوض أبي وأمي الجهد الذي بذلوه لبناء المنزل. ذكرياتي كلها فيه..".
ويشير الشاب بلال الهركي إلى أن "المآسي في غزة تفوق أي عبارة أو حديث"، ورغم أن المنزل قد يعاد بناؤه إلا أن "الذكريات ذهبت ولم تعد.. ومعها أيضا الصور وأدق أدق التفاصيل".
المنازل تعني الذكريات وجهد البناء بالنسبة للفسطينيينو"حتى لو أعيد بناء المنازل لن تكون هناك قدرة على بناء النفسيات"، وفق الهركي.
ويضيف: "نفسياتنا انسحقت مع كل حجر بالبيت.. وربنا يجيب اللي فيه الخير. نحن زي المحكومين بالإعدام وننتظر قرار التطبيق.. المعاناة كبيرة والناس بطلت تفكر".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: القصف الإسرائیلی فی السابع من فی غزة
إقرأ أيضاً:
التأمين الصحي بالقليوبية: إنهاء قوائم انتظار القسطرة والقلب المفتوح
أجرى الدكتور سيد جلال، مدير فرع التأمين الصحي بالقليوبية، جولة مفاجئة بمستشفى بنها النموذجي لمتابعة سير العمل، ورصد التحديات، والعمل على تحسين كفاءة الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين.
يأتي ذلك في إطار توجيهات المهندس أيمن عطية، محافظ القليوبية، والدكتور أحمد مصطفى، رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي.
شملت الجولة تفقد أقسام المستشفى، بما في ذلك الطوارئ، الرعايات المركزة، القسم الداخلي، الكلى، المعمل، الأشعة، بنك الدم، بالإضافة إلى متابعة المخازن والمطبخ والمغسلة وأقسام التعقيم.
مؤشرات الأداء ونسب الإشغالتابع الدكتور سيد جلال، مؤشرات الأداء ونسب الإشغال، معدلات العمليات، حالة الأجهزة الطبية، وأرصدة الأدوية والمستلزمات الطبية.
إنهاء قوائم انتظار القسطرة القلبيةأشاد مدير الفرع، بجهود الأقسام المختلفة، خاصة في إنهاء قوائم انتظار القسطرة القلبية وجراحات العيون والأنف والأذن والقلب المفتوح.
وجه مدير الفرع، بمراجعة عقود الصيانة للأعمال الكهروميكانيكية وشبكات الغازات، مع إعداد تقرير تفصيلي عن الوضع الحالي للمنشأة لضمان سلامتها وسلامة مقدمي ومتلقي الخدمة الطبية.
حرص الدكتور سيد جلال، على التواصل مع المرضى للاستماع إلى آرائهم حول جودة الخدمات المقدمة ومتابعة حالتهم الصحية، كما أجرى مناقشات مباشرة مع الأطقم الطبية لتقييم الأداء.
واختتم جولته بعقد اجتماع موسع حضره مدير المستشفى الدكتور محمد طاهر، ومديرة الجودة الدكتورة رشا عبد الفتاح، ومدير مكافحة العدوى الدكتور إسلام هيبة، إلى جانب قيادات التمريض وفرق العمل بالمستشفى والفرع.
ناقش الاجتماع ملاحظات الجولة، تحديات العمل، والخطط التطويرية لتحقيق معايير الاعتماد والجودة الشاملة.
أكد الاجتماع على أهمية العمل بروح الفريق الواحد، مع تكثيف المتابعة اليومية وضمان جودة الخدمات الصحية، مشددًا على ضرورة تعزيز التواصل مع المرضى والاستجابة السريعة لمتطلباتهم لضمان تقديم رعاية صحية فعالة وشاملة.