بقلم: تاج السر عثمان بابو جاءت ثورة 1924 حلقة ارقى في سلسلة المقاومة للحكم الاستعماري التي بدأت منذ إعادة احتلال السودان عام 1898 التي اتخذت الأشكال القبلية والدينية كما في الآتي: 1 مقاومة القبائل الجنوبية: بدأت المقاومة القبلية برفض كثير من القبائل الجنوبية التي رفعت لواء التمرد، وظلت تقاوم الغزو الاستعماري الثنائي، من الأمثلة لتلك المقاومة : – تمرد قبيلة دينكا اجار (1901)، وتمرد دينكا اتوات على نهر لاو(1902) الذي ظل مستمرا حتى اخمدته الإدارة البريطانية عام 1917.

– ثورة قبيلة تيام نيام بقيادة السلطان ريكتاين سلطان يامبيو (1902)، واستمرت ثورة تلك القبيلة حتى تم اخمادها عام 1916. – تمرد الشلك الذي حدث عام 1915، وتمرد النوير في الأعوام 1913 ، 1914، و 1917، وتمرد الأنواك 1912 الذي أُرسلت فصيلة من الجيش لقمعه، وترتب على ذلك موت ثلاثة من البريطانيين وثلاثة من الضباط السودانيين، واثنين واربعين جنديا. ( للمزيد من التفاصيل : راجع محمد عمر بشير: تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900 – 1969 ، ترجمة هنري رياض ووليم رياض والجنيد على عمر، ط2 1987). كان العامل المشترك لكل تمرد أو عصيان في جنوب السودان هو معارضة فرض الضرائب، ومقاومة الحكم الدخيل، ذلك أن تجربة الجنوبيين خلال الحكم التركي – المصري، وتحت قهر تجار الرقيق أدت الي ارتياب قبائل الجنوب ، والي مقاومة أي غزو أجنبي. من الأمثلة للضرائب التي فرضتها الإدارة البريطانية ضريبة “الدقنية” على مركز الزاندي، كما فرضت الجزية على القبائل الجنوبية التي كانت تُقدر اجمالا على القبائل الجنوبية، وهي ضريبة رأس أو “الدقنية”. ولم يتم اخضاع آخر القبائل الجنوبية المتمردة وهي التبوسا الا في عام 1916. 2 مقاومة قبائل جبال النوبا: قاومت قبائل جبال النوبا الاحتلال البريطاني، ورفضت ضرية “الدقنية” التي تُقدرب ( 60 قرشا على كل ذكر بالغ في الستة). ” للمزيد من التفاصيل راجع تاج السر عثمان الحاج : الجذور التاريخية للتهميش، مكتبة الشريف الأكاديمية 2006″. وكانت معارضتهم ناشئة من رغبتهم في الاستقلال، ورفض فرض اي سلطة أجنبية عليهم، كما رفضوا اجبارهم على الخضوع لإدارة الحكومة المركزية. ونشير هنا الي أن قبائل جبال النوبا ظلت تقاوم بهذا الشكل أو ذاك الحكم التركي – المصري ، كما قاومت دولة المهدية، ولم تكن تلك القبائل خاضعة بشكل مطلق للإدارة التركية أو المهدية. ومن الأمثلة لانتفاضات وتمردات قبائل جبال النوبا نذكر: – رفض النوبا في جبل الداير(1903) لدفع الدقنية ( ضريبة الرأس) المفروضة.عليهم من قبل الحكومة، وارسلت ضدهم حملة عسكرية. – تمرد في جبل براني في مركز تلودي عامي 1908، و1917 ، وفي رقيق عامى 1910 و 1911، وفي هيبان عام 1911، وفي توقوى 1910، وفي الطير الأخضر عامي 1914، و1915، وفي مركز كاروجلى كانت هناك انتفاضات، وفي الداير 1904، وفي الليري عام 1906، وفي نيانج نيانج عام 1906، وفي كيله كرون عام 1910، وفي شط الصافية عام 1914، وفي ميرى عام 1915، وفي مركز الدلنج ثار التمرد عامى 1914، 1919، وفي كاندرو عام 1906، وفي فاندو عام 1908، وفي كيلا كادو عامى 1908، 1909، وفي نيمة عامى 1909، و 1910، وفي سبي عام 1914، وفي دلمار عام 1914، وكانت النيما في حالة تمرد من عام 1908 حتى عام 1918. ( للمزيد من التفاصيل : راجع محمد عمر بشير، تاريخ الحركة الوطنية، المصدر السابق ص 60 – 61). الشاهد أن المقاومة القبلية في جبال النوبا كانت واسعة في رفضها للاحتلال الانجليزي وضريبة “الدقنية” المذلة للانسان. 3 مقاومة قبائل البجا في الشرق: كما قاومت قبائل البجا الاستعمار البريطاني ونذكر من الأمثلة: – مقاومة قبيلة الحباب بقيادة زعيمها كنتباى حامد، وكان سبب نلك المقاومة أن ضُمت بعض قبائلهم الي بني عامر. – كانت سياسة المستعمر البريطاني مع كل قبيلة يشعر أنها لها موقفها المحدد منه، فانه يعمل على اضعافها بكل الوسائل، للمزيد من التفاصيل( راجع : محمد أدروب اوهاج : من تاريخ البجا، الكتاب الأول ، دار جامعة الخرطوم 1986، ص 17). 4 مقاومة دارفور: في دارفور كانت هناك مقاومة السلطان على دينار الذي اجبر حكومة السودان على الاعتراف به كسلطان مستقل ( محمد عمر بشير، المرجع السابق، ص 57)، ووصل الخلاف والشقاق بينه وبين حكومة السودانالي قمته عندما اتخذ السلطان على دينار موقفا مغايرا لحكومة السودان في الحرب العالمية الأولي عندما ساند تركيا، وراى على دينار نفسه جزءً لا يتجزأ من الجهاد الأكبر ضد المسيحية، واعتقد أن من واجبه معارضة حكومة السودان. بعد ذلك كما هو معروف قامت سلطات الاحتلال بغزو دارفور في عام 1916، وسقطت الفاشر في مايو من ذلك العام. وقُتل على دينار بواسطة كتيبة من الجنود السودانيين بقيادة هدلستون. وفي أول يناير من عام 1917 اصبحت دارفور مديرية خاضعة للحكم الثنائي. 5 المقاومة الدينية: كما واجه الاستعمار البريطاني مقاومة من منطلقات دينية، فقد انفجرت سلسلة من الثورات المحلية عندما لجأ كثير من الذين ادعو عيسى، فقد كان معتقد نزول عيسى ليقود جحافل المسلمين ليملآ الأرض عدلا بعد الجور أمر لا مفر منه بعد المهدي (د. جعفر محمد على بخيت، الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان، ترجمة هنرى رياض، ط 2، 1987، ص 21- 22). من الأمثلة لتلك المقاومة والانتفاضات: – حركة على عبد الكريم في عام 1900 بام درمان، وتم القبض عليه مع انصاره استنادا على اتهامهم بالدعوة للمهدية وحض الناس على التمرد ( محمد عمر بشير، المرجع السابق، ص 62).، وجرت محاكمتهم ، وتم ابعاد ستة وعشرون شخصا، بما في ذلك على عبد الكريم وابراهيم أحمد الذي كان قريبا للمهدي الي حلفا، ووضع على عبد الكريم بسجن وداي حلفا، وبقي قيد السجن والقيد الثقيل الى ان توفي بعد الحرب العالمية الأولي. – وفي عام 1904 أعلن محمود ود آدم بأنه النبي عيسى في سنار، فلقد رفع رآية ، وأعلن تلقيه الوحى، وحاول جذب اتباع من أهالى المنطقة لتأييده، وقام بصحبة بعض اتباعه بهجوم على قوة للبوليس أرسلت للقبض عليه، فقتل الضابط المسؤول كما قُتل محمد ود آدم.( محمد عمر بشير، المرجع الساق، ص 63). – حركة عبد القادر ود حبوبة في عام 1908 عندما أعلن عبد القادر ود حبوبة التمرد ضد حكومة السودان، وتم القبض عليه في الرابع من مايو، وأُحضر الي الكتفية بواسطة أهالى قرية الديبة الدباسين ، وقد حُوكم بتهمة التمرد والقتل وأُعدم في 17 مايو في حلة مصطفى بالسوق الرئيسي لقبيلة الحلاوين ( المرجع السابق، محمد عمر بشير، ص 64). – في عام 1908 قامت السلطات بتفتيش منزل عبد الوهاب بجزيرة تنقاسي عندما علمت أنه عزم على القيام بتمرد، وعند التفتيش عثرت على خطابات تؤيد الولاء له وتطالب بعودة حكم المهدية، وتم القبض عليه وعلى اتباعه. – وفي عام 1910 أعلن الشريف مختار ود الشريف هاشم من قبيلة الشنابلة أنه النبي عيسى، وأُرسلت قوة صغيرة من رجال البوليس للقبض عليه فقتل اثنان منهما، وتم القبض عليه اخيرا وأُعدم. – حركة الفكي نجم الدين الذي كان مطلوبا القبض عليه، وعندما زار سنار في عام 1910 لاثارة الأهالى هناك قُبض عليه سريعا وأٌعدم. – وفي عام 1910 أعلن الفكي مدني أنه النبي عيسى في مديرية النيل الأبيض ، وتم القبض عليه. – في عام 1912 أعلن الفكي عكاشة أحمد وهو من اتباع عبد القادر ود حبوبة في كردفان أنه المهدي المنتظر وجمع عددا من الاتباع فالقي القبض عليه وتم اعدامه. – وفي عام 1915 أعلن أحمد عمر وهو فلاتي من سوكوت بدارفور أنه النبي عيسى، وأُرسلت قوة من رجال البوليس للقبض عليه، وبعد القاء القبض عليه تم اعدامه. – وفي عام 1902 أعلن الفكي محمد الخزين (وهو فلانى من برنو) بكردفان أنه المهدي المنتظر، وكان مصيره الإعدام. – ونذكر ايضا ثورة محمد ود السيد حامد في سنجة سنة 1919 ضد الاستعمار الانجليزين وتم القبض عليه واعدامه مع رفاقه في أغسطس 1919. أخيرا نلاحظ أن المقاومة القبلية والدينية كانت متسعة في السنوات الأولي للحكم الاستعماري، رغم القمع والبطش والاعدامات، لكن المقاومة أخذت شكلا جديدا بعدها، بدأت بتمرد الجيش 1900 ، وبعده الحركة الوطنية الحديثة التي بدأت بانفجار ثورة 1924 التي فتحت الطريق لتطور الحركة الوطنية حتى استقلال السودان في أول يناير 1956، وهذا ما سنتابعه في الحلقات القادمة. نواصل الوسومتاج السر عثمان بابو

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرکة الوطنیة وتم القبض علیه حکومة السودان من الأمثلة على دینار وفی عام ثورة 1924 فی عام

إقرأ أيضاً:

جنين وبوصلة المقاومة

في ظل الضغط العسكري الذي يتحدّث عنه "نتنياهو" والنصر المطلق والتبشير بفتوحاته في الشرق الأوسط وإعادة بنائه على الطريقة الإسرائيلية المطلقة دون شريك ودون أي اعتبار لأحد، وزد على ذلك مبشّرات من حوله من مجانين ائتلافه الحاكم: ضمّ الضفة وفرض الغطرسة والمزيد المزيد من الاستيطان وتدنيس الأقصى وكلّ الحرمات، والمجازر تتواصل على مدار الساعات الأربع والعشرين يوميّا وتدمير كلّ ماله صلة في الحياة والبقاء في قطاع غزّة، نأتي على وضع الضفة التي تنتظر الكارثة وفتح الجبهة الموعودة من قبل ماكينة الإجرام الصهيونية، فلم يبق عليهم بعد لبنان وسوريا وغزّة سوى الضفّة وأن يُشبعوا غريزتهم المتعطّشة للدماء من مكان بقي على وحشهم أن ينفذ مخالبه فيه.

أمام هذا المشهد الدرامي الأسود المتدحرج ليس لنا إلا أن نستقبله بأن يضرب بعضنا بعضا وأن نحرف البوصلة ونعفي الاحتلال من مهمته القادمة، لعلّه يرأف بنا أو أن يكتفي بما نقوم به نيابة عنه. لن تتورّع الأم المدّعية من الموافقة على تقطيع من ادّعت أنّه ابنها وستطوي الأمّ الحقيقية على ألمها وتموت حسرة وكمدا على تقطيع ولدها، ففلسطين ومن ينتمي انتماء صادقا لفلسطين لن يخطو خطوة واحدة نحو كل ما قد يؤدي إلى سفك الدم الفلسطيني.

عندما يكون الشعب الفلسطيني في أشدّ الحاجة والضرورة للاصطفاف خلف برنامج وطني موحّد مشتبك مع المحتل في سياق مواجهة توحّشه المسعور في الضفة الغربية عدا عن جرائمه في غزّة، نجد السير بالاتجاه المعاكس في جنين
عندما يكون الشعب الفلسطيني في أشدّ الحاجة والضرورة للاصطفاف خلف برنامج وطني موحّد مشتبك مع المحتل في سياق مواجهة توحّشه المسعور في الضفة الغربية عدا عن جرائمه في غزّة، نجد السير بالاتجاه المعاكس في جنين. إن يشتبك الفلسطيني مع الفلسطيني، وكلّ من يغذّي أو يسوّغ هذا التوجه هو ناعق بوم أو هو خير من يعبّر عن إرادة الاحتلال فينا.

لقد تجلّى في لبنان في أكثر من محطة من محطاته السياسية، انسجام وتكامل أدوار هذا الثلاثي (الشعب والدولة والمقاومة) وأدى إلى ثمار سياسيّة جيّدة وقدرة على تجنّب البلد مخاطر شديدة وتفويت الفرصة على إمعان الاحتلال في عدوانه، وظهر ذلك جليّا في الجولة الأخيرة من الصراع. لماذا لا يستفيد الفلسطينيون من هذه التجربة؟ هناك مشكلة كبيرة فيمن تنحرف بوصلته ولا يرى تحديات الاحتلال، ولا يستطيع أن يخرج من التناقض الداخلي إلى التناقض الخارجي.

ثمّة نقطة جوهرية لا بدّ من التركيز عليها: لو كان الاحتلال يعطي فرصة للذين ما زالوا يأملون بخيار التسوية أو مجرّد بارقة أمل لوجدنا من يبرّر وقف سلاح المقاومة وإعطاء فرصة لهذه التسوية، أمّا وأن الاحتلال قد دفن كلّ إمكانية للتسوية ولا يوجد لا في برامج أحزاب الائتلاف السياسية فكرة حلّ الدولتين ولا في ما تبطن السياسة الإسرائيلية وما تعلن، بل إنّ كل التحليلات وأقوال المختصين بالشأن الإسرائيلي يشرحون بكلّ وضوح مخططات الضم للضفّة والمزيد من الاستيطان وفرض وقائع تنقض أي احتمالية لوجود كيان فلسطيني يحظى بقبول إسرائيلي به؛ فعلامَ إذا نقتتل ونحرف البوصلة ومصيرنا عند الإسرائيلي بات أسود بكلّ وضوح؟

ولا مبرّر للقوى الفاعلة الفلسطينية من أن تبقى متفرجة دون أيّ فعل أمام هذا المشهد المأساوي في جنين، جنين البطولة والتضحية، جنين المعمّدة بدماء الشهداء، جنين الشوكة في حلق الاحتلال، جنين التي شكّلت مساندة فاعلة لغزّة ووقفت تصرخ بالنار والاشتباك الملتهب ردّا على مجازر غزّة، جنين البطولة كانت القلعة الشامخة التي قاتلت فيها كلّ الفصائل الفلسطينية كتفا الى كتف في وجه السفاح شارون؛ تتحوّل بكل بساطة وفي توقيت صعب إلى أن تُستهدف بهذا الشكل الفظيع.. هذا من شأنه أن ينتج تداعيات خطيرة تشمل الضفّة قاطبة إن لم يتداعى شرفاء هذا الوطن لوضع حدّ لهذا المشهد الذي يدمي كلّ قلب حرّ يحمل همّ فلسطين.

جنين ومخيمها ستبقى نموذجا للبطولة والفداء والإرادة الحرّة ولن يكسرها أحد. هؤلاء المقاتلون اليوم هم أبناء من قاتلوا شارون عام 2002، الرحم الحرّ الذي ينجب الأحرار ولن يتوقّف أبدا.

مقالات مشابهة

  • مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: المجتمع الدولي عليه وضع حد لوجود إسرائيل بأراضينا
  • الذكرى السادسة لثورة ديسمبر المجيدة (2)
  • الذكرى السادسة لثورة ديسمبر المجيدة (1)
  • ومضات توثيقبة : في الذكرى السادسة لثورة ديسمبر “القرنعالمية”
  • دولت بهتشلي يطالب بإنشاء خط مقاومة ضد تدخلات الاحتلال في سوريا
  • البروفيسور محمد إبراهيم خليل: عالمٌ مُلهمٌ، ورجلُ دولةٍ خالدُ الذكرى
  • جنين وبوصلة المقاومة
  • إصابات وإعلان حالة الاستنفار بعد سلسلة هجمات يمنية هزّت “تل أبيب” 
  • تتبع سلالة كوليرا شديدة المقاومة للأدوية ظهرت أولاً في اليمن ثم انتشرت في عدة دول
  • القصف عليه لا يتوقف .. يوم أسود على مستشفى كمال عدوان بغزة