أئمة المساجد وصلاة الجماعة
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
عمير بن الماس العشيت
alashity4849@gmail.com
إن أطهر وأجمل البيوت عند المسلمين على وجه الأرض هي المساجد، وهي مكان العبادة والتأمل والتقرب إلى الله العظيم زلفى، والمصلون فيها هم ضيوف الرحمن المكرمون بالأجر المضاعف والغنيمة المجزية من الكريم الرحيم جلّ ثناؤه، ولقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالصلاة في المساجد وهي فرض عين على كل مسلم قادر على الصلاة فيها إلا من له عذر شرعي مصدره الكتاب والسنة، وهي أفضل الصلوات وأكثرها أجرًا؛ حيث وردت في الكثير من الأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضل صلاة الجماعة في المساجد، كما كانت المساجد منبرًا لتعليم المسلمين التربية والتعليم وفقه الإسلام، وتعقد فيها مجالس حفظ القرآن والندوات الدينية؛ بل إن اغلب قادة المسلمين ورجال الدين الذين فتحوا بلاد المسلمين في كافة بقاع العالم هم من تلامذة المساجد وليس المدارس والجامعات.
بيد أن المساجد لا يستقيم حالها إلّا بأئمتها الشرفاء الذين باعوا أنفسهم لنصرة الدين، ووهبوا حياتهم وأوقاتهم والغالي والنفيس لخدمة بيوت الله، ورموا متاع الدنيا وراء ظهورهم ليخلصوا لهذا الدين العظيم، فكانت النتائج وصول الإسلام إلى كل بقعاع العالم دون استثناء ودخول غير المسلمين في الإسلام أفواجًا، لا ينتظرون الثناء ولا العطاء من أحد إلّا من الله سبحانه وتعالى، لأنَّ أجره سخيّ وجزاءه عظيم، فعندما تستقيم أحوال أئمة المساجد فإن ذلك يعني استقامة المجتمع وسلامة الاوطان؛ فمسؤولية إمامة المساجد كبيرة وجليلة، وتعلب دورًا كبيرًا في المجتمع والتربية والنشأة لا سيما لدى فئة الأحداث والشباب؛ إذ إن أداءهم ليس مقتصر على أداة الخمسة فروض وخطب المساجد الروتينية التي لا تتناول قضايا الأمة الساخنة في يوم الجمعة بل على إقامة الدروس والندوات والمحاضرات والإرشاد والتوعية بالمصائب والمنظمات والتيارات المعادية للإسلام والإنسانية التي حصنها الإسلام بشكل مدروس ومتقن وعجيب. وما أكثر المصائب والمشاكل في وقتنا الحالي التي تحوم حول حمى الإسلام والمسلمين، وتتربص بهم في الشاردة والواردة والتي تفننت في إغواء المسلمين كثير من الدول والمنظمات المناهضة للإسلام، فخلقت لهم شتى وسائل الترفيه واللهو من الأجهزة الإلكترونية والهواتف النقالة والمقاهي والملاهي وغيرها والتي أصبحت أكثر فتكًا وخرابًا لضحاياها ومنتشرة في كل مكان، كما صدرّت لهم الخمور والمخدرات، فشلّت وخملّت عقول الكثير من الشباب المعول عليهم بناء أوطانهم حتى أصبحوا لا يفرقون بين الحق والباطل والصح والخطأ، وبات حال المسلمين لا يحسد عليه؛ بل أصبحوا كالرجل العجوز الذي لا يستطيع أن يحمي نفسه من الأخطار القادمة ولا حتى يؤمَن قوت يومه إلا بمساعدة شخص آخر حتى لو كان هذا الشخص عدوا له؛ فالذين يعمرون مساجد الله ويقيّمون أحوال المسلمين والمجتمعات هم أئمة المساجد وعلماؤها الأجلّاء الصالحون.
لقد احتلت سلطنة عُمان المرتبة الثانية خليجيًا في عدد المساجد بعد المملكة العربية السعودية، وهذا أمر جيد دلالته شغف العمانيين لحب فعل الخير والعطاء، وهذه من العادات والقيم النبيلة والحسنة التي يتميز بها هذا الشعب الطيب وهذه طبيعتهم التي تعودوا عليها من زمن السلف الصالح؛ حيث تشير الإحصائيات للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن عدد الجوامع والمساجد ومصليات العيد بلغ 16464 في عام 2019، من ضمنها 1450 جامعًا و15014 مسجدًا ومصلى، وهناك أكثر من 720 جامعًا ومسجدًا تم بناؤه في محافظة ظفار بشكل عام؛ حيث تحظى ولاية صلالة التابعة للمحافظة بالعدد الأكبر منها وتلاحظ مناراتها منتشرة في كافة الأحياء السكنية وتراها في كل مكان، حيثما تولّي وجهك ترى المساجد أمامك، وتنبهر بجمال هيكلها المعماري وأثاثها البديع، وتشاهد على الرفوف آلاف المصاحف أغلبها لا تقرأ، فلو تم توزيعها فإنها تكفي لعشرات المساجد في الدول الإسلامية الفقيرة المحتاجة لقراءة كتاب الله الكريم.
أما الغريب والعجيب في الأمر أن كثرة هذه المساجد العامرة في الولاية وغيرها من الولايات المجاورة تعاني من غياب أئمة المساجد العمانيين- الموظفين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ويحصلون على رواتب- وهم لا يتواجدون في المساجد التي خصصتها لهم الوزارة في القيام بدور الإمامة والصلاة بالمصلين إلّا في خطبة الجمعة، وهم غائبون عن باقي الفروض الخمسة وغير منتظمين، ويستمر غيابهم أحيانًا أسابيع وأحيانًا أخرى شهور، وكأن المسجد دون إمام عماني، إلّا ما ندر منهم وهؤلاء أيضًا لا يستمرون كثيرًا على الدوام إلا لبعض الفروض ثم يختفون، والمرتادون للمساجد يلاحظون هذا المشهد في أغلب أوقات أداة صلاة الفرائض حتى يومنا هذا.
والأغرب من هذا وذاك أن الذين يقيمون بدور الإمامة بدلًا منهم هم من العمالة الأجنبية وأغلبهم غير مهيئين لسمو هذه الوظائف الحساسة، ولا توجد لديهم مؤهلات دراسية متخصصة، ويجدون صعوبة في مخارج الحروف أثناء قراءة القرآن؛ حيث استغلوا هذا الفراغ في شغل هذه الوظائف، كما إنه ليس لديهم تفويض من قبل الوزارة، ويحصلون على رواتبهم من وكلاء المساجد، أو ممن بنوا المساجد، والإقامة القانونية في أغلبها ليست مسجلة على وكلاء المساجد، وبالتالي فهم مخالفون لقانون العمل بحكم أن البعض بطاقاتهم تحمل مسميات مهن أخرى غير مهنة الإمام، ونتيجة لهذه التجاوزات لم تتحرك الجهات المعنية بأي إجراءات احترازية، حتى أصبحت هذه العمالة هي المسؤولة عن أغلب المساجد في المحافظة، وتقوم بتوظيف الآخرين من جنسياتهم في المساجد مع غياب القائمين عليها، والعامل أصبح هو المؤذن والإمام والمشرف المباشر للمسجد.
ومن ناحية أخرى، تلاحظ ابتعاد المواطنين المصلين في المسجد عن القيام بإمامة المصلين ويحبذون الجلوس بين أكتاف المساجد والصفوف المتأخرة كي يبتعدوا من هذه المهام الجليلة مع أن بعضهم من حفظة القرآن، ولا يحبذون الصلاة خلف الإمام، وبالتالي فإن كثيرًا من الأحيان يصلي خلف الإمام مباشرة مصلين أجانب بسطاء لا يحفظون سواء السور القصيرة.
وفي حقيقة الأمر أن ظاهرة غياب أئمة المساجد المسموح لهم بإمامة المصلين من قبل الوزارة واستبدالهم بالعمالة الوافدة بدأت منذ عشرات السنين في محافظة ظفار، وللأسف إن الجهات المعنية أغفلت هذا الجانب الخطير، ولم تحرك ساكنًا حول تصحيح الوضع، وكأن الأمر يوحى بعدم وجود أشخاص في المحافظة من حفظة القرآن وغير قادرين على القيام بمهام الإمامة، وصارت ظاهرة الإمام الأجنبي عادة لدى الجميع في المحافظة وأصبح الكثير من المواطنين يدافعون عنها، وإن غاب هذا الإمام عن فرض تحصل مشكلة في البحث عن البديل نتيجة غياب الإمام.
إنَّ وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مطالبة بمعالجة هذه الظاهرة في محافظة ظفار، وذلك من خلال مراقبة الأئمة الموظفين لديها والمكلفين بأداء مهامهم في المساجد وتسجيل الحضور والغياب عليهم من خلال توقيع البصمات كما هو حاصل مع الموظفين في المؤسسات الأخرى، وتطبيق العقوبات على المخالفين لقانون الوزارة والدوام الرسمي، فالذي لا يستطيع القيام بمهام عمله من الممكن استبداله بمواطن آخر لديه الاستعداد والقدرة؛ حيث إن هناك الكثير من الباحثين عن عمل يتوقون للقيام بهذه الوظائف والمهام الجليلة، كما يستوجب من الوزارة إيجاد مفتشين من الوزارة ذاتها في العاصمة مسقط تقوم بزيارات دورية للمحافظات للتحقق من تطبيق القوانين ومراقبة وتفتيش المساجد والتأكد من أئمة المساجد العمانيين، كذلك هناك مطالبات ملحة بزيادة عدد أئمة المساجد في محافظة ظفار نظرًا لتواجد الأعداد الهائلة فيها، وأيضًا السماح بفتح مزيد من المدارس لتحفيظ القرءان لتخرج أجيالًا واعدة من حفظة القرآن وأئمة المساجد القادرين على تحمل المسؤولية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لماذا خلق الله البعض فقراء والآخر أغنياء؟.. الأطفال يسألون الإمام بمعرض الكتاب
يقدِّم جناح الأزهر الشريف بـمعرِض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ 56 لزوَّاره كتاب "الأطفال يسألون الإمام.. الجزء الثاني"، يشتمل على إجابات لـ ٣١ سؤالًا للأطفال، يجيب عنها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، من إصدارات سلسة كتاب "نور".
وفي الجزء الثاني من الكتاب، يسأل أحد الأطفال: أحزن كثيرًا لأن أبي فقير ولا يستطيع أن يشتري لي أشياء أتمناها مثل الأطفال الآخرين؛ لذا أتساءل دائمًا: لماذا خلق الله بعضنا فقراء وبعضنا أغنياء؟
ويُجيبُ شيخ الأزهر بالقول: ابني العزيز التفاوت بين البشر أمر طبيعي، وهذا التَّفاوت قد يتخذ أشكالًا متنوعة، فهناك تفاوت في الأعمار والأرزاق وتفاوت في الفهم والعلم وغير ذلك، والله عزَّ وجلَّ له حكمة بالغة في هذا التفاوت؛ وهي أن يشعر الإنسان باحتياجه إلى الله تعالى وكذلك إلى من حوله من البشر مهما كان مستواه الاجتماعي، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك تعبيرًا بيانيًّا عظيمًا فقال عز وجل: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف : ٣٢].
ويضيف فضيلة الإمام أنَّ التفاوت بين الناس في الأموال مهم جدًّا لتسير عجلة الحياة ويستمر العمران البشري، ولا تظن أن الفقير هو الذي يحتاج إلى الغني فقط، بل الغني أيضًا يحتاج إلى الفقير، على أنَّ مفهوم الفقر والغنى يحتاج إلى إعادة نظر، فليس الغنى مجرد كثرة المال فقط، كما أن الفقر ليس مجرد قلة المال فقط، يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولَكِنَّ الغنى غنى النفس"، فالغنى الحقيقي هو غنى النفس، فكم من غني هو من أفقر الناس نفسًا، وكم من فقير هو من أغنى الناس بقناعته ورضاه، كما أن الله تعالى وصف كل الناس بالفقر إليه سبحانه، قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر : ١٥].
ويقدِّم شيخ الأزهر النصيحة للطفل بالقول: "أنصحك يا بني بالقناعة وعدم النظر إلى ما في يد غيرك، واعلم أن الأب والأم ينفقون ما هو أغلى من المال؛ فهم ينفقون أعمارهم ليوفروا لأولادهم ما ترجونه ولا يبخلون عليهم بشيء، وأذكرك بقوله تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ) [ طه : ۱۳۱]."
يُذكر أنَّ أسئلة كثيرة تدور في ذهن الأطفال الصغار لا يستطيع الكبار الإجابة عنها أحيانا ظنًّا منهم أنَّ تلك الأسئلة مسيئة للعقيدة ويطلبون من أطفالهم التوقف عن ذلك؛ لهذا جاءت فكرة هذا الكتاب الذي جمع أسئلة مهمة للأطفال ليجيب عنها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بنفسه، ليرشدهم ويعلمهم صحيح دينهم، وتكون رسالة تربويَّة لأولياء الأمور توجههم إلى أهمية الانتباه إلى أسئلة أبنائهم الصغار والإجابة عنها بعقل متفتح بل وتشجيعهم على التفكير والتدبر في أمور العقيدة وغيرها من الأمور الحياتية.