علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

لا شك أنَّ طوفان الأقصى خلط أوراقًا كثيرة في المنطقة العربية والعالم، الظاهر منها عسكري، لكن الباطن منها- وهو الأخطر- سياسيٌ وفكريٌ ونفسيٌ واستراتيجيٌ، فما إن تصمُت البنادق والمدافع في غزة ومن جغرافيات فصائل المقاومة بلبنان والعراق واليمن، ستشتعل جبهات أخرى أشد ضراوة من لهب وجحيم الملحمة العسكرية التي سطّرها فتية الإيمان بغزة وشرفاء العرب، وستتفاعل هذه الجبهات بالتداعي مثل كُرة الثلج؛ لتصبح جبالًا عصية على التجاوز أو السيطرة أو التطويع.

ما يدور على أرض غزة اليوم ليس مواجهة عسكرية فحسب؛ بل مفصل تاريخي سيكون سببًا في تغيير مجرى تاريخ المنطقة والعالم.

فصائل المقاومة تمثل حالة تاريخية خاصة، حالة لم توجد في ظل غياب الدولة، ولا في ظل قوة الدولة؛ بل في ظل وجود الدولة وفي ظل وهن الدولة كذلك؛ فهي حالة تاريخية وُلِدَتْ من رحم المُعاناة ووهن وشتات دولة الاستقلال العربي، هذه الدولة التي كبّلتها خيوط العنكبوت المُتمثلة في "وعد بلفور" وثقافة "سايكس/ بيكو"، وارتهنت لسراب اسمه "الشرعية الدولية" و"القانون الدولي"، ولم تُدرك أنها مجرد أدوات محدّثة وعصرية للاستعمار الجديد. فصائل المقاومة تشكّلت من الجيل الضحية، وهو جيل الستينيات، الجيل الذي لم يكن شريكًا في حروب الاستقلال، ولا شريكًا في غنائم دولة الاستقلال بعد الاستقلال الصوري الذي منحه المُستعمر الغربي للأقطار العربية، بعد أن كرّس فيها ثقافة الدولة القُطرية والتي جعلت من دولة الاستقلال لاحقًا دولة وظيفية للغرب ترهيبًا وترغيبًا.

فصائل المقاومة تتناسل وتتسع جغرافياتها وتتعدد وسائل مقاومتها لعصب الاستعمار الغربي الحديث وركيزته والمتمثل في الكيان الصهيوني، وبقدر وَهَن مواقف النظام الرسمي وارتهانه للغرب، تشتدُ شوكة المقاومة وتتطور أساليبها في المواجهة مع العدو، فانتقلت من المناوشات إلى المواجهة إلى الترهيب والردع.

ما نراه في غزة اليوم ليس مُنفصلًا عن سيرة النضال الفلسطيني، ولا النضال العربي ضد المستعمر، ولا عن تجربة فصائل الحركة الوطنية بلبنان والتي كانت المُلهم والداعم الأكبر لفصائل المقاومة بغزة وعموم فلسطين المحتلة.

الحالة الخاصة الأخرى لفصائل المقاومة أنها ما زالت مُتصالحة ضمنيًا وقانونيًا وأخلاقيًا مع النظام الرسمي العربي وفق ما يمكن تسميته بـ"اتفاق جنتلمان" (اتفاق النبلاء)، وهو اتفاق غير مكتوب، ورغم محاولات الغرب ودسائسه للوقيعة بين النظام الرسمي العربي وفصائل المقاومة، إلّا أن الفضل يعود إلى فصائل المقاومة أولًا التي مارست سياسة ضبط النفس وبدرجة مثالية في بعض الأحيان؛ كي لا تُستدرج إلى مربع العداء للوطن، فتفقد طهارة رسالتها.

وفي المقابل، ما زال هناك في النظام العربي الرسمي من ينظُر إلى فصائل المقاومة وأفعالها على الأرض بعينٍ واحدة، عين ترى في المقاومة الذراع الحر المُسلح للنظام الرسمي العربي المُكبل بأغلال الهمجية الغربية والقوة الغاشمة للغرب وسيف الشرعية الدولية المُسلط على رقاب الضعفاء، وعين ترى المقاومة قوة مارقة على الدولة وسلاح خارج سلطة الدولة ومؤسساتها الدستورية.

من المعارك الحامية الكبرى التي ستعقُب وطيس طوفان الأقصى، معركة التطبيع مع العدو، وملف مسؤوليات الدول عن السلاح والفصائل خارج سياق الدولة وإطارها. ونموذج أوسلو مع السلطة الفلسطينية بعد نزع سلاح منظمة التحرير الفلسطينية والقضاء على ذراعها المسلح عام 1982، وتحويلها إلى فصيل سياسي بلا أظفار ولا أسنان.. نموذج يحلم الغرب باستعادته وتكراره بعد الطوفان وسعار التطبيع كنصر سياسي يلغي النصر العسكري لفصائل المقاومة، كحالة شبيهة بنصر حرب أكتوبر العظيم عام 1973، والذي تحول إلى اتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها السرية والعلنية.

ما يحلم الغرب بتمريره اليوم هو القطيعة والمواجهة بين النظام الرسمي العربي وفصائل المقاومة، بمزاعم وذرائع كثيرة، وبالترهيب والترغيب للنظام الرسمي، وفي المقابل يعلم النظام الرسمي العربي- وقد لا يُدرك- أن هذه المواجهة لا تعني حربًا بالوكالة، وإنهاك الطرفين لصالح العدو؛ بل احتراب النظام الرسمي العربي مع شعبه؛ حيث تُمثِّل فصائل المقاومة اليوم الحلمَ العربي في التحرر والانعتاق من براثن المستعمر عبر بوابة فلسطين.

قبل اللقاء.. ثقافة المقاومة تتناسل وتتسع بعد كل مواجهة مع العدو، ولم تعد حكرًا على دول الطوق؛ بل اتسعت وامتدت إلى الأطراف كذلك.

وبالشكر تدوم النعم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السكوري من مؤتمر العمل العربي بالقاهرة: المغرب يُرسي دعائم الدولة الإجتماعية بقيادة جلالة الملك

زنقة 20 ا الرباط

أكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن المغرب، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نجح في إرساء دعائم دولة اجتماعية عادلة واقتصاد متنوع وواعد، يشكلان اليوم نموذجاً يُحتذى به في العالم العربي.

وخلال مداخلته أمس الأحد بالقاهرة، ضمن أشغال الدورة الـ51 لمؤتمر العمل العربي، أبرز السكوري أن المشروع المجتمعي لجلالة الملك يضع الإنسان في قلب السياسات العمومية، مستعرضاً إنجازات كبرى، على رأسها ورش تعميم الحماية الاجتماعية الذي بات يشمل حوالي 22 مليون مواطن، وبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر الذي يستفيد منه نحو 4 ملايين أسرة.

وأشار الوزير إلى أن المغرب تبنى حواراً اجتماعياً مؤسساتياً، أفضى إلى مكاسب مهمة في تحسين الأجور، وتوسيع التغطية الاجتماعية، ومراجعة الضريبة على الدخل، بما يكرس العدالة الاجتماعية ويعزز الاستقرار.

وأضاف السكوري أن المملكة أطلقت برنامجاً جديداً للتشغيل بميزانية تناهز 1,5 مليار دولار، يستهدف نحو 600 ألف شخص، مع التركيز على دعم المقاولات الصغيرة والمتناهية الصغر.

وفي الجانب الاقتصادي، نوّه الوزير بالنجاحات التي حققها المغرب في تنويع اقتصاده، خصوصاً في مجالات صناعة السيارات، التي تمثل اليوم أكبر قطاع للتصدير بأزيد من 6 مليارات دولار سنوياً، وصناعة مكونات الطائرات، والإلكترونيات، والطاقات المتجددة.

كما استعرض الوزير برنامج “مدن المهن والكفاءات”، كمبادرة نوعية لتأهيل الموارد البشرية بما يتماشى مع تحولات سوق العمل.

ويشارك المغرب في هذا المؤتمر العربي الهام بوفد رفيع، يضم السفير المغربي بالقاهرة، محمد آيت وعلي، وممثلين عن القطاعات الحكومية والغرف المهنية والنقابات.

ويعرف المؤتمر، المنظم من طرف منظمة العمل العربية من 19 إلى 26 أبريل، مشاركة نحو 385 شخصية تمثل الحكومات وأرباب العمل والاتحادات العمالية من مختلف الدول العربية، ويُناقش بالأساس التنويع الاقتصادي كرافعة للتنمية في المنطقة، إلى جانب تقييم برامج المنظمة خلال السنة الماضية.

مقالات مشابهة

  • في خطوة شبيه بالنظام السعودي.. النظام السوري يعتقل قيادات المقاومة الفلسطينية
  • فيبي فوزي: أهمية الأمن الغذائي تزداد في ظل التوترات الجيوسياسية
  • عاجل - الرئيس السيسي يشارك في حفل تخرج أئمة الأوقاف ويؤكد أهمية إعداد الإنسان المسؤول المتوازن
  • المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يعرض نتاجاته للقراء السوريين
  • السيسي يؤكد أهمية الاقتداء بالإمام السيوطي كنموذج يحتذى به
  • الأونروا: إسرائيل تستخدام المساعدات كسلاح حرب ضد سكان غزة
  • نقطة تحول للدبلوماسية السورية.. دعوة المنشقين وإعادة هيكلة بعد سقوط الأسد
  • هل يمكن دمج حزب الله داخل الجيش اللبناني؟.. خبير إستراتيجي يجيب
  • وزير التنمية الإدارية: تم إنجاز بناء القاعدة الوطنية الموحدة لسجلات العاملين في الدولة في أقل من 100 يوم
  • السكوري من مؤتمر العمل العربي بالقاهرة: المغرب يُرسي دعائم الدولة الإجتماعية بقيادة جلالة الملك