أهمية استثمار المقاومة كسلاحٍ إستراتيجي
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
لا شك أنَّ طوفان الأقصى خلط أوراقًا كثيرة في المنطقة العربية والعالم، الظاهر منها عسكري، لكن الباطن منها- وهو الأخطر- سياسيٌ وفكريٌ ونفسيٌ واستراتيجيٌ، فما إن تصمُت البنادق والمدافع في غزة ومن جغرافيات فصائل المقاومة بلبنان والعراق واليمن، ستشتعل جبهات أخرى أشد ضراوة من لهب وجحيم الملحمة العسكرية التي سطّرها فتية الإيمان بغزة وشرفاء العرب، وستتفاعل هذه الجبهات بالتداعي مثل كُرة الثلج؛ لتصبح جبالًا عصية على التجاوز أو السيطرة أو التطويع.
ما يدور على أرض غزة اليوم ليس مواجهة عسكرية فحسب؛ بل مفصل تاريخي سيكون سببًا في تغيير مجرى تاريخ المنطقة والعالم.
فصائل المقاومة تمثل حالة تاريخية خاصة، حالة لم توجد في ظل غياب الدولة، ولا في ظل قوة الدولة؛ بل في ظل وجود الدولة وفي ظل وهن الدولة كذلك؛ فهي حالة تاريخية وُلِدَتْ من رحم المُعاناة ووهن وشتات دولة الاستقلال العربي، هذه الدولة التي كبّلتها خيوط العنكبوت المُتمثلة في "وعد بلفور" وثقافة "سايكس/ بيكو"، وارتهنت لسراب اسمه "الشرعية الدولية" و"القانون الدولي"، ولم تُدرك أنها مجرد أدوات محدّثة وعصرية للاستعمار الجديد. فصائل المقاومة تشكّلت من الجيل الضحية، وهو جيل الستينيات، الجيل الذي لم يكن شريكًا في حروب الاستقلال، ولا شريكًا في غنائم دولة الاستقلال بعد الاستقلال الصوري الذي منحه المُستعمر الغربي للأقطار العربية، بعد أن كرّس فيها ثقافة الدولة القُطرية والتي جعلت من دولة الاستقلال لاحقًا دولة وظيفية للغرب ترهيبًا وترغيبًا.
فصائل المقاومة تتناسل وتتسع جغرافياتها وتتعدد وسائل مقاومتها لعصب الاستعمار الغربي الحديث وركيزته والمتمثل في الكيان الصهيوني، وبقدر وَهَن مواقف النظام الرسمي وارتهانه للغرب، تشتدُ شوكة المقاومة وتتطور أساليبها في المواجهة مع العدو، فانتقلت من المناوشات إلى المواجهة إلى الترهيب والردع.
ما نراه في غزة اليوم ليس مُنفصلًا عن سيرة النضال الفلسطيني، ولا النضال العربي ضد المستعمر، ولا عن تجربة فصائل الحركة الوطنية بلبنان والتي كانت المُلهم والداعم الأكبر لفصائل المقاومة بغزة وعموم فلسطين المحتلة.
الحالة الخاصة الأخرى لفصائل المقاومة أنها ما زالت مُتصالحة ضمنيًا وقانونيًا وأخلاقيًا مع النظام الرسمي العربي وفق ما يمكن تسميته بـ"اتفاق جنتلمان" (اتفاق النبلاء)، وهو اتفاق غير مكتوب، ورغم محاولات الغرب ودسائسه للوقيعة بين النظام الرسمي العربي وفصائل المقاومة، إلّا أن الفضل يعود إلى فصائل المقاومة أولًا التي مارست سياسة ضبط النفس وبدرجة مثالية في بعض الأحيان؛ كي لا تُستدرج إلى مربع العداء للوطن، فتفقد طهارة رسالتها.
وفي المقابل، ما زال هناك في النظام العربي الرسمي من ينظُر إلى فصائل المقاومة وأفعالها على الأرض بعينٍ واحدة، عين ترى في المقاومة الذراع الحر المُسلح للنظام الرسمي العربي المُكبل بأغلال الهمجية الغربية والقوة الغاشمة للغرب وسيف الشرعية الدولية المُسلط على رقاب الضعفاء، وعين ترى المقاومة قوة مارقة على الدولة وسلاح خارج سلطة الدولة ومؤسساتها الدستورية.
من المعارك الحامية الكبرى التي ستعقُب وطيس طوفان الأقصى، معركة التطبيع مع العدو، وملف مسؤوليات الدول عن السلاح والفصائل خارج سياق الدولة وإطارها. ونموذج أوسلو مع السلطة الفلسطينية بعد نزع سلاح منظمة التحرير الفلسطينية والقضاء على ذراعها المسلح عام 1982، وتحويلها إلى فصيل سياسي بلا أظفار ولا أسنان.. نموذج يحلم الغرب باستعادته وتكراره بعد الطوفان وسعار التطبيع كنصر سياسي يلغي النصر العسكري لفصائل المقاومة، كحالة شبيهة بنصر حرب أكتوبر العظيم عام 1973، والذي تحول إلى اتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها السرية والعلنية.
ما يحلم الغرب بتمريره اليوم هو القطيعة والمواجهة بين النظام الرسمي العربي وفصائل المقاومة، بمزاعم وذرائع كثيرة، وبالترهيب والترغيب للنظام الرسمي، وفي المقابل يعلم النظام الرسمي العربي- وقد لا يُدرك- أن هذه المواجهة لا تعني حربًا بالوكالة، وإنهاك الطرفين لصالح العدو؛ بل احتراب النظام الرسمي العربي مع شعبه؛ حيث تُمثِّل فصائل المقاومة اليوم الحلمَ العربي في التحرر والانعتاق من براثن المستعمر عبر بوابة فلسطين.
قبل اللقاء.. ثقافة المقاومة تتناسل وتتسع بعد كل مواجهة مع العدو، ولم تعد حكرًا على دول الطوق؛ بل اتسعت وامتدت إلى الأطراف كذلك.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سفير سلطنة عمان: إنجازات الدولة المصرية مفخرة للمواطن العربي
قال السفير عبد الله الرحبي، سفير سلطنة عمان بالقاهرة، والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، إن العلاقات المصرية العمانية ممتدة عبر التاريخ وشهدت محطات مختلفة وقائمة على الثبات والثقة المتبادلة بين الشعبين والقيادات السياسية في البلدين.
وأضاف "الرحبي"، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي فهمي بهجت، ببرنامج "المحاور"، المذاع على فضائية "الشمس"، أن سلطنة عمان تؤمن بأن الإنجازات التي حدثت في الدولة المصرية لصالح الإنسان المصري وهي مفخرة للمواطن العربي، مشيرًا إلى أن ما شاهده في العاصمة الإدارية والطرق والجسور محل تقدير واهتمام.
الرئيس السيسي يهنئ سلطنة عمان بذكرى العيد الوطني ننشر بالصور احتفالية سفارة سلطنة عمان بالقاهرة بمناسبة العيد الوطني 54وأوضح أن سلطان عمان كان حريصًا خلال زيارته للقاهرة على زيارة العاصمة الإدارية الجديدة، والاطلاع على ما يحدث في مصر من إنجازات، وعبر عن سروره لما يحدث في الدولة المصرية.
ولفت إلى أن ما حدث في الدولة المصرية خلال العشر سنوات الأخيرة يُعد طفرة كبيرة، وهذا من شأنه أن يُساهم في دفع الاقتصاد المصري نحو الأفضل خلال الفترة المقبلة.
وأكد أن العلاقات بين مصر وعمان تاريخية، مشيرًا إلى ضرورة أن تنعكس هذه العلاقات على العلاقات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.
ولفت إلى أن الاستثمارات العمانية في مصر أكثر حجمًا من الاستثمارات المصرية في عمان، مشيرًا إلى أنه متفائل لزيادة التعاون الاقتصادي خلال الفترة المقبلة في ظل الزيارات المتبادلة لرجال الأعمال في كلا البلدين.