إسطنبول / الأناضول لم يسبق في تاريخ حروب السودان الطويلة أن خاضت العاصمة الخرطوم معارك مستمرة سوى لبضعة أيام على الأكثر، لكن أن تستمر الحرب بها أشهرا دون مؤشرات على قرب نهايتها فهذا ما لم يكن في حسبان أي طرف. فالقتال المندلع حاليا في مدن الخرطوم الثلاثة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، لم يفرز أي منتصر، في ظل تداخل مناطق السيطرة والنفوذ مكانيا وحتى زمانيا، بل جوا وأرضا، في بقعة صغيرة يكتظ فيها عشرات الآلاف من المقاتلين المدججين بالسلاح.
لكن القتال ليس مقتصرا على الخرطوم فحسب، بل تطايرت شظايا الحرب لتصل ولايات بعيدة في إقليمي
دارفور (غرب) وكردفان (جنوب). الدعم السريع تتراجع لكنها لم تندحر التفوق الجوي للجيش السوداني مكنه من تدمير معظم معسكرات
قوات الدعم السريع في الخرطوم ودارفور وكردفان، واستهداف قوافل الدعم القادمة من الغرب إلى العاصمة. ورغم ذلك حاولت قوات الدعم السريع التكيف مع هذا الواقع مسبقا من خلال سعيها للسيطرة على القواعد العسكرية الجوية، لمنع الجيش من استخدامها كنقاط انطلاق لمهاجمتها، إلا أن هذا التكتيك فشل. حيث أخفقت قوات الدعم السريع في السيطرة على قاعدة وادي سيدنا الجوية الاستراتيجية، شمالي أم درمان والتي تنطلق منها معظم الغارات الجوية ضدها. وتمكن الجيش من استعادة قاعدة جبل أولياء الجوية (مهبط مروحيات) جنوب الخرطوم، ناهيك عن طرده قوات الدعم السريع من قاعدة مروي الجوية (شمال) بعد أيام من اقتحامها في اليوم الأول من القتال. “الدعم السريع” لجأت إلى تكتيك جديد في الأسابيع الأخيرة تمثل في استخدام صواريخ مضادة للطائرات ومسيرات، يعتقد أنها حصلت عليها من قوات فاغنر الروسية المتمركزة في ليبيا، وفق تقارير إعلامية غربية. لكن سيطرة الدعم السريع على الشريط الحدودي مع جمهورية إفريقيا الوسطى، وبالأخص معبري أم دافوق وعد الفرسان الحدوديين، يعتقد أنه بهدف التواصل مع قوات فاغنر المنتشرة في إفريقيا الوسطى للاستفادة من تدفق السلاح النوعي عبر الحدود. ورغم أن فاغنر سبق وأن نفت انحيازها لقوات الدعم السريع وأبدت استعدادها للتوسط مع الجيش إلا أن عدة مؤشرات لا تدعم هذا الموقف. فحصول الدعم السريع على منظومات دفاع جوي وإسقاطها طائرتين حربيتين على الأقل للجيش السوداني رغم عدم امتلاك مقاتليها لخبرة باستخدام هذه الأسلحة النوعية يكشف عن وجود طرف أجنبي دخل الصراع. وهذا ما يفسر توجه مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني إلى موسكو حيث أجرى محادثات مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من المرجح أنها تضمنت ملف دعم فاغنر لقوات الدعم السريع، ورغبة الجيش السوداني في تدخل موسكو لإنهاء هذه الشراكة. ميدانيا، قلص الجيش السوداني نسبيا بحسب مراقبين استخدامه للطيران الحربي، في ظل هذا التطور النوعي للدعم السريع، وبدأ باستخدام الطائرات المسيرة في الاستطلاع والهجوم، في محاولة لتكرار النموذج الإثيوبي في هزيمة جبهة تحرير تيغراي، بعدما كادت تصل إلى مشارف العاصمة أديس أبابا. إلا أن ابتعاد الدعم السريع عن التمركز في الثكنات وتجنب التحرك بأعداد كثيفة، ومحاولة الذوبان داخل أحياء الخرطوم والتجول في لباس مدني والتحرك ليلا في المناطق التي يمشطها الجيش نهارا.. تكتيكات صعبت على الجيش استهدافها جوا وطرد عناصرها من العاصمة باستخدام سلاح المدرعات القوي. بالمقابل تواجه قوات الدعم السريع صعوبة في السيطرة على المعسكرات المحصنة للجيش على غرار سلاح المهندسين والقيادة العامة للجيش، خاصة في ظل تفتتها وانقسامها إلى وحدات صغيرة، منتشرة على مساحة واسعة. إذ فقدت قوات الدعم السريع نحو 4 آلاف و500 إلى 6 آلاف عربة مسلحة في السبعين يوما الماضية من الحرب، وفق مركز الخبراء العرب، من إجمالي نحو 10 آلاف عربة مسلحة. ورغم تراجع الدعم السريع ميدانيا في الخرطوم بعد خسارتها لقاعدة جبل أولياء الجوية، وهزيمتها في معركة القيادة العامة للجيش، وانكسار هجماتها على مقرات سلاح المدرعات والإشارة والمهندسين، إلا أنها حققت عدة انتصارات وعلى رأسها الاستيلاء على مصنع اليرموك للصناعات الدفاعية الاستراتيجي، ما سيؤمن لها بعض الأسلحة والذخائر. استنزاف مقاتلي الدعم السريع قوات الدعم السريع، التي كانت تأمل في نصر سريع يطيح بعبد الفتاح البرهان، من قيادة الجيش والدولة، مستغلة تمركزها في عدة مناطق حساسة مثل القصر الرئاسي، وجدت نفسها تخوض حرب استنزاف بالعاصمة خارج معاقلها التقليدية في دارفور. ورغم أنها حشدت نحو 60 ألف مقاتل في الخرطوم لوحدها من أصل نحو 120 ألف من عناصرها، إلا أن تقرير مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية ودراسات الرأي العام (مستقل) كشف أن عددهم في ولاية الخرطوم انخفض بشكل ملحوظ إلى ما بين 10 إلى 12 ألف مقاتل بسبب الموت او الإصابة أو الفرار من ميدان المعركة. ورغم هذه الحقائق على الأرض، وانتشار قوات الدعم السريع في مساحات شاسعة خاصة في الخرطوم ودارفور وكردفان، إلا أنها لا تعاني من نقص بالمؤن والوقود والذخائر. ويعود ذلك “لنهبها للكثير من المتاجر والأسواق”، وفق رواية الجيش، واستيلائها على مصفاة الجيلي للنفط بالخرطوم، وكذلك على مصنع اليرموك للتصنيع العسكري وعدة معسكرات للجيش، ما يمنحها قدرة على مواصلة القتال لأمد أطول دون أن تستنزف، باستثناء المجال الطبي خاصة العمليات الجراحية المعقدة. أما على الصعيد البشري، فرغم تراجع عدد مقاتلي الدعم السريع لأسباب عديدة بينها خلافات بين قبيلتي الرزيقات، التي ينحدر منها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، والمسيرية، التي ينحدر منها موسى هلال، القائد السابق لمليشيا الجنجويد (الدعم السريع)، إلا أن حميدتي تلقى دعما هاما من 7 زعماء لقبائل في دارفور. إذ دعا زعماء أكبر 7 قبائل عربية في إقليم دارفور، أفراد قبائلهم إلى الانضمام لقوات الدعم السريع والانسحاب من الجيش. وهذا الوضع من شأنه تعزيز الإمدادات البشرية لقوات الدعم السريع وتعويض ما خسرته من مقاتلين خلال المعارك. دارفور.. الحركات المسلحة على وشك دخول الحرب القتال في دارفور يتصاعد خاصة بولاية غرب دارفور، بين قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة الموالية لها والقبائل الإفريقية وخاصة قبيلة المساليت، ومن شأن ذلك أن يدفع الحركات المسلحة في الإقليم للعودة إلى القتال. إذ اتهمت “حركة تحرير السودان” قوات الدعم السريع بقتل والي ولاية غرب دارفور الجنرال خميس أبكر، منتصف يونيو/حزيران الماضي وأعلنت نفض يدها من الاتفاق الإطاري. ومن شأن ذلك أن يدفع حركات التمرد السابقة في دارفور للدخول في حرب جديدة مع الدعم السريع، على غرار تلك التي اندلعت في 2003، ما سيؤدي إلى توسع القتال لأطراف جديدة. فالفاشر، أكبر مدن إقليم دارفور وعاصمة ولاية شمال دارفور، والتي يوجد بها أكبر مطار وقاعدة جوية بالإقليم، ما زالت تقاوم محاولات قوات الدعم السريع السيطرة عليها. إلا أن الوضع بولاية غرب دارفور يبدو خارج سيطرة الجيش، فالولاية كانت آخر معاقل حركات التمرد في الإقليم، لكنها اليوم تتعرض لهجمات عنيفة من الدعم السريع والمجموعات القبلية الموالية لها ضد قبيلة المساليت وقبائل إفريقية أخرى، ما أجبر مئات الآلاف من أفرادها على النزوح غربا أو اللجوء إلى دولة تشاد، بحسب وسائل إعلام، ومنظمات أممية. وزيارة قيادات من الحركات المسلحة في دارفور الموقعة على “اتفاق جوبا” العاصمة التشادية نجامينا للقاء الرئيس محمد إدريس دبي، يعكس أن الأوضاع في دارفور تقترب من التدويل بعد أعوام قليلة من الهدوء النسبي. أما في ولايتي جنوب دارفور وشرق دارفور، ذات الغالبية العربية، والتي تقطنها قبائل المسيرية والرزيقات، مع أقلية من القبائل الإفريقية، فالأوضاع تتجه لتصعيد أكبر من جانب قوات الدعم السريع. فبعد نحو ثلاثة أشهر من إخفاق الدعم السريع بالسيطرة على الخرطوم، تتجه نحو تركيز جهدها للسيطرة على ولايات دارفور الخمسة، التي تتصاعد فيها الاشتباكات باستثناء ولاية وسط دارفور وعاصمتها الضعين. بينما يسعى الجيش لحشد معظم قواته في الخرطوم، باعتبارها معركته الرئيسية دون أن يسحب قواته من دارفور وكردفان. كردفان.. السيطرة على خطوط الإمداد أما في إقليم كردفان، الذي يضم ثلاث ولايات (شمال كردفان، وجنوب كردفان، وغرب كردفان)، فالأوضاع عادت لتشتعل مجددا، خاصة وأن مدينة الأُبَيِّض، عاصمة شمال كردفان، تضم قاعدة جوية استراتيجية يمكن للجيش السوداني من خلالها مراقبة كامل المنطقة ما بين الخرطوم ودارفور، وقطع خطوط إمداد قوات الدعم السريع الطويلة. وهذا ما دفع قوات حميدتي لمحاصرة الأُبيض بهدف السيطرة على قاعدتها الجوية وفتح طريق الإمداد بين دارفور والخرطوم، بينما يحاول الجيش فك الحصار عنها عبر الغارات الجوية. جنوب كردفان، ولاية أخرى شديدة الاحتقان ليس لتواجد الدعم السريع بها، ولكن لمحاولة الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال، جناح عبد العزيز الحلو، استغلال انشغال الجيش في قتال وجودي، للهجوم على وحداته المحلية في مدينة كادوغلي، عاصمة الولاية، بهدف تحقيق تقدم ميداني بها. لكن هذا التحرك لا يحظى بدعم دولة جنوب السودان الداعم الرئيسي لحركة الحلو، ولا الجناح الآخر في الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال، بقيادة مالك عقار، الحليف الجديد لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان. لم يوسع جناح الحلو عملياته العسكرية ضد كادوغلي، لكن مقاتليه الذين يسيطرون على أجزاء من ولاية جنوب كردفان، يمثلون تهديدا مستمرا خاصة مع انشغال الجيش بالقتال في أكثر من جبهة. بينما ولاية غرب دارفور، ورغم أنها تعيش هدوءا حذرا، إلا أنه يتواجد في جنوبها منطقة آبيي، الغنية بالنفط، والمتنازع عليها مع دولة جنوب السودان. وإذا طالت الحرب لأشهر أخرى وربما لسنوات، فإن ذلك يفتح المجال لتمدد الصراع خارج حدود البلاد، ما يهدد بانقسامها مجددا.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
قوات الدعم السریع
السیطرة على
فی الخرطوم
فی دارفور
إقرأ أيضاً:
السودان يتهم المنظمات الأممية بتوزيع المساعدات في دارفور للدعم السريع
السودان.. اتهم حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ، ومفوضة مفوضية العون الإنساني سلوى آدم بنية، الإثنين، وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية أمام الصحافة، بالصمت عن انتهاكات الدعم السريع بحق المدنيين وتوزيع الإغاثة لمقاتليه.
وقال مناوي خلال الاجتماع، إن المنظمات الإنسانية صمتت عن انتهاكات الدعم السريع التي ارتكبتها بحق المدنيين خارج مناطق الحرب – حسب تعبيره
واتهم مناوي خلال الاجتماع المجتمع الدولي والمنظمات بالصمت عن انتهاكات الدعم السريع، “خوفا أو خجلا”، مشيرا إلى أن الدعم السريع في الجنينة عاصمة ولاية غرب استهدفت المدنيين في بداية الحرب عوضا عن الجيش واستمرت في ذلك حتى الآن كما يحدث في شرق الجزيرة.
وأكد أن قوات الدعم السريع حاصرت الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور ومنعت عنها الغذاء، سواء كان مصدره المنظمات أو التجار، ما يعد إبادة جماعية، طبقا لوصفه، فضلا عن قصف المواقع الحيوية والبنية التحتية بالمدينة.
وأشار مناوي إلى أن قوات الدعم السريع أيضا نهبت وحجزت شاحنات تحمل مساعدات إنسانية في عدة مناطق من دون أن تدين وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية هذه التصرفات – وفقا لقوله -.
وأورد أمثلة لحوادث مشفوعة بتحديد أزمان ومواقع حدوثها في عدة مناطق بدارفور، جرى خلالها نهب وحجز شاحنات تحمل مساعدات لعدد من الوكالات مثل يونسيف وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية وغيرها.
أدلة تثبت بأن المنظمات وزعت لقوات الدعم السريع
في ذات السياق قالت سلوى آدم بنية مفوضة العون الإنساني إن الحكومة لديها أدلة تثبت بأن المنظمات وزعت لقوات الدعم السريع مئات الأطنان من المساعدات التي دخلت عبر معابر برية في إقليم دارفور.
وتابعت قائلة “المنظمات أدخلت عبر معبري الطينة وأدري أطنان من المساعدات بينما الفاشر محاصرة وبقية سكان دارفور إما نازحين أو لاجئين فلمن وزعت الإغاثة”.
وأوضحت سلوى بنية أن المنظمات بتسليمها المساعدات لقوات الدعم السريع تكون قد عملت خارج تفويضها، كما أنها صمتت ولم تصرح بأن هذه المساعدات نزعت عنوة.
وذكرت أن المنظمات رغم كل ذلك تحتج على صعوبات تقول إن الحكومة تضعها أمام أنشطة الوكالات.
وتابعت”هذا غير صحيح. ربما المنظمات ترفع تقارير غير صحيحة وبدلا من إدانة الجهات التي تعترض الإغاثة والصمت وعدم ادانتها تأتي وتنتقد الحكومة”.
وشددت المسؤولة على أن الحكومة السودانية أحرص على شعبها حتى في مناطق سيطرة الدعم السريع لكن غير مسموح بتسليم الإغاثة للدعم السريع الذي لديه خطة الآن للتجويع، وزادت “بالتالي المجتمع الدولي يقول إن هناك مجاعة، فبأي معايير ومن أجرى المسح ؟.. هناك خطة ممنهجة للتجويع عبر الدعم السريع”.
واتهمت المفوضة بعض المنظمات بتجاوز تفويضها وارتكاب مخالفات مثل دخول موظفين بلا تأشيرة وابدت استعدادها للتعاون مع المنظمات لكن وفق المعايير المعروفة.
وأشارت إلى أن ثمة مطلوبات لا بد من توفرها لاستمرار فتح معبر أدري بين السودان وتشاد، منها تشكيل آلية مشتركة بين الأمم المتحدة والسودان وتشاد، وتوفير بوابات إلكترونية وآليات تفتيش تجنبا لتدفق السلاح إلى السودان.
وتسألت “لماذا التركيز على معبر أدري الذي فتح لثلاثة أشهر رغم وجود 12 معبرا آخر ؟. يجب توفير مطلوبات استمرار معبر أدري قبل توقفه في 15 ديسمبر”.
من جانبها دافعت ممثلة للمنسق المقيم للأمم المتحدة للشئون الإنسانية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالسودان بأن المنظمات والوكالات مهتمة وملتزمة بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وأضافت أن اهتمام وكالات الأمم المتحدة منصب على إيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين في ظل تحديات كبيرة في المعابر منها تحديات أمنية وأخرى تتعلق بانقطاع الطرق والجسور بسبب الأمطار والسيول ما يتطلب من الحكومة فتح جميع المعابر.
وتساءلت ممثلة وكالات الأمم المتحدة عن الكيفية التي يراقبون بها وصول المساعدات بينما المنظمات بعيدة الأمر الذي يتطلب الاستمرار في منح الأذونات.