د. شذى جرّار يعيش عبد الهادي وحيدًا مع والدته، المرأة الصالحة التي تحاول باستمرار تهذيب سلوك ابنها العاثي فسادًا بوسائل التواصل الشيطانية المتقِن استخدامها. حاولتْ غير يائسة لجْمَهُ، رغم أنها لم تكن تدرك كلّ ما تقترفه يداه. كان عبد الهادي بارًّا بأمه حنونًا، يحبّ قضاءَ عطلة نهاية الأسبوع مع أولاد أخوته في بيت العائلة، يلاعبهم كطفل، وما إن يغادروهما وحيدين حتى يعود لكرسيه الهزّاز، وجوّاله بيده، يتنقل من وسلية تواصل إلى أخرى، لا على سبيل التثقّف أو التسلية، ولكن ليخلعَ عباءة التقوى التي ألبسته إياها أمه، ويلبسَ بزة الشيطان! – هداك الله يا ولدي، ستفوتك الصلاة! هو لا يعصي لأمه أمرًا، يؤدي الفريضة على عجل؛ ليعود لكرسيه الهزّاز، يتأرجح، ويكتب رسالة تقطر عسلًا عن الرجل المناسب الذي اُختِير ليكون في المكان المناسب، يرسلها إلى مجموعة العمل في “الواتس آب” لزميله الذي ترقّى قبل أن يسبقه أحد إلى التهنئة.
يهزُ كرسيه، ويغمض عينيه ويهمس: لعنة الله عليك وعلى من ارتضى ترقّيك، لكنه زمن الغاية تسوّغ الوسيلة الذي هيّأ لك الصعود على أكتافنا! تتّسع حدقة عينه وهو يتصفح “الفيس بوك”، فيصرخ: أمي، أسرعي، اتصلي بخالتي وهنئيها، سيقولون إنّ عبدَ الهادي مغتاظٌ إن لم تفعلي. ابن أخيك اختار زميلته عروسًا، بعثتُ له رسالة على الخاص أبارك له وأسأله عن راتبها فلم يجب! وبنبرة استهزاء أردف: بالرفاء والبنين! – هداك الله يا ولدي، ادعُ لهما بالتوفيق، ولك مثله! هزّ كرسيه وهمس: لا بارك الله لهما، ولا جمع بينهما بالخير! يقلّب مسرعًا الصفحات بعد أن تعكّر مزاجه… يا إلهي، والدة زوج ابنة عمّه تُوفيّت. أيتها الدجّالة، صنعتِ منها ملاكًا الآن! كنتِ تدّعين أنها سبب مشاحناتك المستمرة مع زوجك! هزّ كرسيه بسَكينة، وكتب رثاء فيها يمجّد ذكراها. ودعا لابنة عمّه بالصبر على فراقها! انتقل بعد ساعات أمضاها وهو ينافق كتابةً، ويشتم شفاهةً إلى”تويتر” ليقرأ تغريدةً لزميل آخر يعرّض فيها بشبهةِ فساد في عملهما. هزّ كريسه بحماسة وهمس: جاءتك تهرول بساقيها يا عبدالهادي! التقطَ صورةً للتغريدة، وأرسلها على الفور لمديرهما. قرار نقلك إلى المركز الرئيسيّ بحوافز مجزية كان على منضدته اليوم؛ فليعرف وجهك الحقيقيّ! وبعد ساعات مضت، نادى أمه من جديد…قاطعته أمه: أي بنيُ، هداك الله، من راقب الناس مات همًّا، اقرأ كتابًا يزيدك معرفة، فالوقت كالسيف، وأنت تهدر وقتك وأعصابك وحسناتك على هذا الكرسي، كفاك يا بنيّ ظلمًا لنفسك، فالله لا يحبّ الظالمين! هزّت كلماتها وجدانه، فتذكر ما فعله البارحة بصديق الطفولة المتألق عندما أثبط عزائمه بتعليق له على منشوره، أراد للنجم أن يأفل حتى قبل يسطع في سماء المجد! هزُ كرسيه بغضب، كيف لي أن أكبح نفسي عما أدمنت عليه؟! _ يا سيدة قلبي، اطمئني، أنا أقرأ مقالات اجتماعية ودينية وصحيّة، وأشاهد برامج تثقيفية حول البرمجة العصبية والتنمية البشرية! هزّ كرسيه بتؤده، وهمس بيأسٍ مُسْتَسْلِمٍ: صدقتِ يا أمي، هدانيَ الله! دكتوراه اللغة العربية/ اللغة والنحو. البرازيل
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
السعودية تدين بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي وقع في جامو وكشمير
أعربت وزارة الخارجية عن إدانة المملكة العربية السعودية بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي وقع في (باهالجام) في جامو وكشمير، والذي أسفر عن وفاة وإصابة العشرات.
وقالت الوزارة في بيان لها: «تؤكد المملكة موقفها الثابت في نبذ كافة أشكال العنف والتطرف واستهداف المدنيين، وتعرب عن صادق التعازي والمواساة لأسر الضحايا، ولحكومة وشعب جمهورية الهند».