ناجي ظاهر اعتبر إبراهيم محمود الحاج ( 1943-2023)، ركنًا أساسيًا من اركان انتاج ونشر شريط الكاسيت في مدينتنا المشتركة- الناصرة ومطقتها، وقد ملأ الافاق كاسيتات الاغاني والأشعار العربية الاصيلة المُعبّرة عن ذات الحال، وكان يُقبل على انتاج كلّ ما هو جديد، مسلٍّ ومفيد، ضمن محاولة آمن بها منذ البداية لإثراء واقعنا وإغنائه بما احبه ومال اليه قلبه.
. وكان شقيقه ساهر، يده الثالثة التي مدّت إليه ساعد العون والمعاضدة، طوال الوقت تقريبًا رغم أن هذا الأخير انتقل مُبكّرًا لإصدار هذه الصحيفة أو تلك وأثناء هذا، انضم إلى اخوانه في الولايات المتّحدة الامريكية ليعمل معهم وإلى جانبهم، وليعود بعدها إلى الناصرة ليواصل محاولاته العاشقة للصحافة والاعلام وهذه حكاية أخرى. ربطتني بإبراهيم علاقة طيبة ابتدأت في السبعينيات الأولى وتواصلت حتى أيامه الأخيرة في الحياة، وقد كنت آنذاك في مطالع الشباب وغرته الأولى وكان إبراهيم يكبرني بنحو العقد من الزمان، غير أنه لم يُشعرني بهذا الفارق الكبير حينها بيننا، وإنما استقبلني طوال الوقت استقبال الأخ الحادب المُحبّ، وكنّا نتبادل الحديث في شتى الأمور هو يتحدث عن هوايته وعمله في عالم الكاسيت، انتاجًا، نشرًا وتوزيعًا وأنا اتحدّث عما كتبته وانتجته من كتابات، قصص وروايات تحديدًا، وما زلت أتذكر تلك الأحاديث الشائقة وكأنما هي ما زالت ولمّا تمضِ إلى مجاهلها. مما اتذكره أن إبراهيم كان يرفع التسجيلات الغنائية لأساطين الطرب العربي حينًا وحينًا آخر كان يرفع التسجيلات الشعرية التي شاع بعضها وانتشر بين هذا الوقت او ذاك، وكان بإمكان المارّ من جانب دكانه المحاذي لمبنى السرايا البلدي القائم في منطقة السوق في الناصرة القديمة، أن يستمع إلى صوت السيدتين اللتين أحبهما صاحب الدكان وأقصد بهما أم كلثوم(القلب يعشق كلّ جميل)، وفيروز( قلبي عليك)، إضافة إلى أسماء أخرى، أمثال نجاة الصغيرة(على طرف جناحك يا حمام)، وفايزة أحمد( غالي عليّ يا حبيبي يا اخويا)، وما اليها من اسماء أثرت الذاكرة الجمعية للأهالي في الناصرة ومنطقتها أمثال: أصوات وديع الصافي(يا مهاجرين ارجعوا- تحديدا)، محبوب أهل الناصرة المميّز، والصوتين المؤثرين عبد الحليم حافظ( احنا بنينا واحنا حنبني السد العالي)، وفريد الأطرش( آدي الربيع عاد من ثاني)، وطالما رأيت الناس، رجالًا ونساءً، يتوقّفون لحظة أو أكثر متلكئين قصدًا للاستماع الى هذه الاغنية او تلك مما احبها إبراهيم واحبها الأهالي أيضا. كما أتذكر وهل أنسى؟.. محبة إبراهيم للشعراء خاصة أحمد فؤاد نجم – بصوت زميله الثنائي الشيخ امام ( شرّفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووتر جيت- تحديدًا)،وعمر الفرا( قصيدة حمدة- تحديدًا أيضًا)، وهنا أتوقف عند محطة دالّة تمثّلت بتعامل إبراهيم مع الشاعر العراقي مظفّر النواب طابت ذكراه، مُتذكّرًا كيف كان، إبراهيم، يرفع تسجيلاته الشعرية الغاضبة إلى أقصى ما يتحمّل الموقف هائبًا بالأمة العربية أن تنهض وأن تتعلّم درسًا في الحياة، متوسّلًا بوتريات ملأى بالمحبّة والغضب والدعوة لإنقاذ القدس، بلغةٍ مستفزة ترفض الذل والخنوع وتتطلّع إلى غد جدير. طالما فكرت حينها بما أراده من رفعه لهذه الاشعار الثورية، وطالما رأيت فيه وتصوّرته إنما يريد أن يهيب بأحبابه من أبناء شعبه وأمته.. أن أفيقوا كفى نوما.. اصحوا فقد تعالي النهار وأشرقت المش.. أو كادت. مما اتذكره وأرى أنه يستحق التوقّف، بعد رحيل إبراهيم الحاج-أبو عطا، قبل أيام ( الاثنين الثالث من تموز الجاري )، أنه طالما كان يذكر إخوانه المهاجرين إلى الولايات المتحدة الامريكية، قائلًا وفي عينيه ظلال آسية، إنه يفكر في السفر إليهم هناك، ومتسائلًا لماذا لا يعودون إلى هنا؟.. وبقي يتساءل إلى أن حان وقت عودة إخوانه .. فعادوا.. يومها قال لي آه لو يعود جميع الغائبين.. فضممت صوتي إلى صوته. تمضي الأيام برفقة إبراهيم والكاسيت سنوات تتلوها سنوات وعقود تتلوها عقود، إلى أن تظهر الأقراص المُدمجة، وبعدها الهاتف الذكي، وتتوقّف أهمية الكاسيت رويدًا رويدًا، إلى أن يختفي نهائيًا، ويحاول إبراهيم وأخوه ساهر أيضًا إنقاذ هذا المُدّخر الهام، غير أن عجلة الحياة تمضي غير عابئة.. فيبتعد التوفيق عنهما جاريًا وراء ما أحدثته الأيام من تغيرات وتبدلات لا بّد منها، وينصرف صاحبي عن عمله رويدًا رويدًا أيضًا، إلى أن يتوقّف نهائيّا. في السنوات الأخيرة كنّا نلتقي في المجمع التجاري “دودج سنتر”، ونواصل الحديث في مختلف الأمور في مقدمتها الأوضاع .. التغيرات والتبدلات المتسارعة.. كما كنّا نواصل الحلم..
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
إلى أن
إقرأ أيضاً:
حسين الجسمي يودّع شقيقه بكلمات مؤثرة: “وداعك جرح لا يندمل”
متابعة بتجــرد: عبّر الفنان الإماراتي حسين الجسمي عن حزنه العميق في وداع شقيقه جمال الذي رحل يوم الخميس الماضي، متقبلاً واجب العزاء من المحبين والمقربين.
وفي رسالة مؤثرة نشرها عبر حسابه الرسمي، قال الجسمي: “وداع شقيقي جمال ألم لا يمحوه الزمن، فراق الأخ يشبه السهم الذي يخترق القلب ويترك جرحاً لا يندمل بسهولة”.
ذكريات لا تُنسى
استحضر الجسمي ذكرياته الجميلة مع شقيقه الراحل، متحدثاً عن لحظات الطفولة وذكريات الصيد والمغامرات المشتركة. وأضاف: “كنت دائماً نعم السند، ومعنوياتك العالية كانت تدفعني دائماً للأمام.”
وداع بحب وامتنان
اختتم الجسمي رسالته بكلمات مليئة بالحب والامتنان، قائلاً: “كنت جميلاً في كل شيء، وكان لاسمك نصيب في روحك وابتسامتك وتعاملك.”
رحم الله الفقيد وألهم أسرته الصبر والسلوان.
main 2024-11-22
Bitajarod