أغنية على الممر.. المواجهة بالفن بين المسرح والسينما
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
ما بين الهزيمة والنصر، جاءت مسرحية أغنية على الممر، وتألقت كنقطة ضوء باهر أشاعها المؤلف الراحل الذكي علي سالم؛ عبر كتابته عن استشهاد أحد أشقائه في حزيران/ يونيو ١٩٦٧، فعندما أدرك أن المسرح المصري وجمهوره، يتشوق إلى عمل يختلف إن لم يتناقض مع البكائيات السائدة عقب حرب ١٩٦٧، اختار بفطنته الدرامية تذكير اليائسين بأن ثمة بطولات منسية، تتمثل في صمود الإنسان المصري وصلابته برغم ما حدث.
اختار علي سالم أحد المواقع العسكرية، يدافع عنه خمسة جنود في قلب سيناء، لم تصلهم أوامر الانسحاب، فكان عليهم الصمود برغم تناقص الماء والطعام والذخيرة، وتحت قصف دبابات وطائرات العدو يتمسك الجنود بمكانهم، يواجهون مصيرهم بشجاعة.
لا يحتاج عرض المسرحية لمعدات أو امكانيات، فقط ستارة خلفية سوداء، ولأنها تخلو من العنصر النسائي الذي لا يتوفر في النجوع والقرى، لذا شقت المسرحية طريقها إلى عمق البلاد، ليقدمها الهواة في أي ساحة أو فضاء، فوق مناضد أو كنبات، تحت ضوء الكلوبات.
أحد المواقع العسكرية، يدافع عنه خمسة جنود في قلب سيناء، لم تصلهم أوامر الانسحاب، فكان عليهم الصمود برغم تناقص الماء والطعام والذخيرة، وتحت قصف دبابات وطائرات العدو يتمسك الجنود بمكانهم، يواجهون مصيرهم بشجاعة
أما عن السينما، فلم يكن المخرج السينمائي الكبير علي عبد الخالق، واحدا ممن استسلموا لتلك الحالة اليائسة، بل عرف منذ اللحظة الأولى وبعد أن استوعب الصدمة، أن المواجهة بالفن هي السلاح الوحيد، فحمل كاميرته على كتفه، هو وأبناء جيله من جماعة "السينما الجديدة" الذين صرخوا جميعا "سنواجه ولن نتوقف".
وأعتقد أن مخرجنا المبدع الكبير صاحب الإنجازات المتنوعة ظل مواجها للحظات الأخيرة، فجاء فيلمه "أغنية على الممر" الذي أنتج عام ١٩٧٢، مقدما للحالة الإنسانية والسينمائية الخالصة، والقدرة الباهرة لرواية الحرب والبشر، عبر هذا الممر الضيق الذي انعزل فيه خمسة جنود مصريين عن باقي الجيش المصري بعد الانسحاب من سيناء في حرب ١٩٦٧، وكيف عزفوا تلك الأنشودة الحزينة، وكيف كان ذلك الممر الضيق يشبه خشبة مسرح مليئة بالحركة والصخب والهدوء، وبنفس السلاسة نراه شريطا سينمائيا شديد الثراء والغنى.
وعندما نقول إن الفيلم "متفرد"، فإن ذلك ليس فقط لتميزه على المستوى الدرامي والبصري، ولكن أيضا لظروف إنتاجه وتفاصيل عرضه، فنحن أمام نص مسرحي لعلي سالم من فصل واحد، ملامح أبطاله أقرب إلى أبطال الملاحم، والظروف التي يجدون أنفسهم فيها هي أجواء ملحمية دون مبالغة.. خمسة جنود من أبطال الجيش المصري: محمود مرسي، محمود ياسين، أحمد مرعي، صلاح قابيل، وصلاح السعدني، يجدون أنفسهم في مواجهة العدو بعد أن تقطعت بهم سبل الاتصال، ولم تصلهم أوامر الانسحاب فكان عليهم الصمود، رغم تناقص الماء والطعام والسلاح، وتحت قصف دبابات وطائرات العدو، يتمسك الجنود بمكانهم، يواجهون مصيرهم، وكل ما يملكونه في سبيل تلك المواجهة أرواحهم ودماؤهم يقدمونها طواعية وحبا لأرض الوطن.
تشريح كامل للمجتمع، وتساؤلات حول أسباب الهزيمة، أفكار فلسفية حول: الحياة والموت والتضحية والفداء، دون لحظة ملل واحدة، إيقاع لاهث ولحظات من الصمت تضع أبطال العمل في مواجهة مع أنفسهم وبعضهم البعض، تلك الوجوه الخمسة التي باتت تشبه صخور سيناء المقدسة، وكأنهم تماهوا معها وأصبحوا جزءا منها، ففضلوا أن تروي دماؤهم تلك الصخور
هو تشريح كامل للمجتمع، وتساؤلات حول أسباب الهزيمة، أفكار فلسفية حول: الحياة والموت والتضحية والفداء، دون لحظة ملل واحدة، إيقاع لاهث ولحظات من الصمت تضع أبطال العمل في مواجهة مع أنفسهم وبعضهم البعض، تلك الوجوه الخمسة التي باتت تشبه صخور سيناء المقدسة، وكأنهم تماهوا معها وأصبحوا جزءا منها، ففضلوا أن تروي دماؤهم تلك الصخور.
سيناريو الفيلم الذي صاغه المخضرم الراحل مصطفى محرم بشكل جديد ومختلف عما كان يقدم في السينما المصرية والعربية في ذلك الوقت، قام بالربط بين "الفلاش باك" وما يحدث داخل كهف الممر وخارجه، والتناقض ما بين حياة هؤلاء الأبطال الذين بدوا وكأن الزمن قد توقف بهم عند تلك اللحظة، والمجتمع الذي يسير بشكل عادي وطبيعي.. لم يختل إيقاع الفيلم لحظة واحدة، خلال الساعة والنصف من الزمن؛ الأحداث تسير بالتوازي، كاشفة الكثير عن حاضر هذه الشخصيات وماضيها.. هذا إلى جانب المونتاج المتقن والتمثيل الباهر، والصورة السينمائية المختلفة والكادرات النابضة بالحركة، رغم سكون المكان، وزوايا الكاميرا وضيق الكادر في تأكيد معنى حصار أبطاله، سواء الحصار المكاني أو النفسي، ومعها شريط صوت شديد الغنى والإبداع، قياسا بظروف السينما المصرية التقنية في ذلك الوقت.
وتعيشي يا بلدي.. يا بلدي تعيشي
وتعيشي يا ضحكة مصر.. تعبشي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المسرح المصري مصر الفن المسرح يونيو 1967 مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة خمسة جنود
إقرأ أيضاً:
من جلاكسي الى لينكولين
من بعدها اتخذت الأمور مسارات أبعد وأعمق ودون أن نقصد سوى الانتصار لغزة وأصبحنا ببركة طوفان الأقصى نواجه كل قوى الشر والظلم والطغيان في هذا العالم .
تواصل الإسناد ووصلت الطائرات المسيرة والصواريخ الى عمق فلسطين المحتلة وتوقف ميناء أم الرشراش المسمى ايلات نهائيا وتوالى ضرب سفن العدو الصهيوني وتطورت الأمور بعد أن دخل الأمريكان والبريطانيين في تحالف الشر الشيطاني الذي أمريكا كعادتها تعطيه مسميات عكسية وآتت البوارج الحربية والمدمرات وحاملات الطائرات وكل هذا لم يهز شعرة بالموقف اليمني وتطورت المواجهة ولم يكن الأمريكي والبريطاني والقوى الغربية عموماً يتوقعون أن المواجهة ستأخذ هذا المنحى الذي بين أن القوى العسكرية الغاشمة يمكن هزيمتها متى ما توفرت الإرادة والانتصار لقضية عادلة .
إلى الآن القطب الأوحد والقوى العظمى لم تستوعب ضرب حاملة طائراتها – ايزنهاور التي فرت هاربة من البحر الأحمر وهاهي ابراهام لينكولن تسحب من البحر العربي تجر اذيال الخيبة والهزيمة - وبوارجها الضخمة المزودة بأحدث التقنيات ولم تستوعب أمريكا الى لأن حقيقة وطبيعة هذه المواجهة .
تقديراتهم كما هو حال الصهاينة مبنية على القوة التي يعتقدون أنها قادرة على إرهاب الشعوب وإخضاع العالم كله وهي كذلك عدا اليمن وهذا أصبح معروف للأعداء قبل الأصدقاء.
بين جالكسي ليندر وحاملة الطائرات إبراهام ليكولين ما يقارب العام وفي هذه الفترة الزمنية لم تتوقف حرب الإبادة التي يشنها الصهاينة على غزة والضفة الغربية وفلسطين عموماً وانتقلت إلى لبنان .. الأمريكان والصهاينة سفكوا الدماء .. دمروا وقتلوا واغتالوا لكنهم لم ينتصروا وهم مهزومين ولن ينتصروا وهذه إرادة الله ووعده ووعيده للظالمين .
البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي صار خالياً من السفن المرتبطة بكيان العدو الصهيوني وصارت القوات البحرية اليمنية تبحث عنها أينما كانت في مسرح العمليات ولا تتردد في ضربها إن لم تخضع للقرار اليمني بحصار الكيان الصهيوني .. ويبقى الأهم في أن هذه المواجهة مع كل الصهاينة في العالم تكتسب أهميتها من أنها كشفت أن الصهيّنة لا ترتبط بالديانة اليهودية فقط ولا بالقومية العبرانية بل هي عابرة للأديان والقوميات فهناك المسيحية الصهيونية وهناك الأعراب الصهاينة وهؤلاء قدموا أنفسهم كمنقذين للكيان الصهيوني من حصار اليمن وفتح الطرق البرية لإيصال سلاسل الأمداد عبر طريق تبدأ من دويلة ساحل عمان المسمى الأمارات مروراً بالأراضي الواقعة تحت حكم بني سعود وصولاً إلى مملكة الخيانة المتوارثة الأردن.
قطر سفينة جلالكسي لنيدر من عرض البحر إلى ميناء الحديدة يوم تاريخي وهو يوماً استثنائيا في الصراع مع اليهود الصهاينة وكل من حالفهم ولا فرق بين عربي وغربي وشرقي فالجميع بهذه المواجهة بين فسطاطين أما أن يكونوا مع الباطل أو مع الحق.. مع الصهاينة أو مع الشعب الفلسطيني ولا توجد منطقة وسطى أو رمادية في صراع واضح بين شر وخير كهذا.