#مبتدأ_وخبر د. #هاشم_غرايبه
المبتدأ: رأيت مرة قطة كانت تحمي صغارها، تهاجم كلبا هائل الحجم بشراسة أذهلته، لدرجة أنه ولى هاربا.
لا شك أنها تعلم أنه لا يمكنها التغلب عليه في ميزان التفاضل في القوة، لكن شجاعتها كانت هي الفيصل في هذا الصراع، فعندما وجد الكلب بأنها صامدة حتى النهاية، أيقن بأنه سيدفع ثمنا غاليا لعدوانه فانسحب.
الخبر: يسود اعتقاد على نحو واسع، بأن أية إجراءات قانونية تبذل لوقف العدوان وإدانته ستبوء بالفشل، كون المنظمات القضائية الدولية مرتهنة للإرادة الغربية، حيث أن مصطلحات مثل (العدالة الدولية) و(الشرعية الدولية) مفرغة من معانيها، ولا توظف إلا لمصلحة الدولة العظمى وأتباعها الأوروبيين.
هذه المعلومة هي التي تتذرع بها الأنظمة الحاكمة للشعوب الإسلامية والعربية، لتبرير التقاعس عن التقدم بالشكاوي ومقاضاة المعتدين على الأمة في كل مرة تتعرض للعدوان، وآخرها العدوان على القطاع، فإن كانت ذريعتها بالتخلي عن واجب نصرتها لأمتها هي عدم تكافؤ القوى (وهي حجة أقبح من الذنب ذاته)، فما هو تبريرها للتقاعس عن تقديم الدعاوي الى المنظمات الحقوقية الدولية المعنية!؟.
الحقيقة الظاهرة للجميع أن سبب ذلك التقاعس هو الرضوخ للإملاءات الغربية بتجنب نصرة أهل القطاع ولو حتى إعلاميا ناهيك عن مقاضاة المعتدي، وهذه المعلومة ليست سرا، فقد أعلنها رئيس وزراء الكيان اللقيط على الملأ، لذلك وجدنا كل الأنظمة العربية والاسلامية آثرت السلامة فاستجابت وصمتت، فلم يجرؤ أي منها حتى على استنكار العدوان، ناهيك عن التقدم بالشكوى.
حتى سلطة عباس التي يفترض أنها تملك الولاية، ويفرض الواجب عليها ذلك، نأت بنفسها ولم تعلن حتى مشاركتها مع جنوب أفريقيا بالشكوى.
هذا التهديد والتخويف للأنظمة يدل على أن الكيان اللقيط وحماته يخشون المقاضاة، وذلك للأسباب التالية:
1 – بالرغم من سيطرة أمريكا على مدعي عام الجنائية الدولية “كريم خان”، مما أخرسه عن الاضطلاع بمسؤلياته التي توجب عليه التحرك العاجل عند حدوث انتهاكات للقانون الدولي باستهداف المدنيين في الحروب، إلاّ أن مجرد تقديم نظام سياسي الى المحكمة الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، ومن قبل أن يحكم بنجاحها أو بفشلها، هو بحد ذاته عقوبة لكيان يدعي أنه الأكثر ديموقراطية في منطقته، ولجيش يقول عن نفسه أنه الأكثر أخلاقية.
هذا ما دعا الكيان اللقيط الى تهديد من يفكر بالتقدم بدعوى مقاضاة ضده، لأنه يريد إبقاء هذه الصورة الكاذبة المصنعة في الغرب المنافق، لأن انكشاف كذبها سيحدث تحولا كبيرا في الرأي العام للشعوب الغربية، وبالتالي سيخسر ذلك التأييد الغربي الكاسح، الذي ناله بسبب غفلة تلك الشعوب وانسياقها وراء الإعلام المضلل بلا تفكير.
2 – تشكل هذه القضية ضربة موجعة للإعلام الغربي، الذي اتبع أسلوب “غوبلز” في تكرار الكذبة مرة بعد مرة لكي ترسخ في ذهن المتلقي وكأنها حقيقة، مما يضع المليارات التي صرفت على ذلك في مهب الريح، لأن هبة خفيفة من رياح الحقيقة تذهب بأكوام من الكذب الى المزبلة.
3 – هكذا ورغم كل التحوطات والقيود التي ربطت أمريكا بها الزعامات الإسلامية، جاءهم الله من حيث لم يحتسبوا… من دولة تبعد آلاف الأميال عن الحدث، وليست دول اسلامية، بل ولا يربطها رابط مع المنطقة، سوى رابط الأخوة الإنسانية، ووحدة المصاب، فقد اكتوت بنفاق الغرب وتحيزه للظلم إبان نظام التفرقة العنصرية، ونالها الكثير من ويلات الإبادة العرقية، فلما رأت شبيها لها مما يحدث في القطاع، هبت لإنسانيتها، ولم تفلح كل الضغوط والإغراءات بثنيها عن عزمها.
هكذا رأينا بأعيننا كيف يقيض الله من يشاء لنصرة عباده المخلصين، فكل ما في الأرض والسموات جند له، ومثلما سخر “النجاشي” في فجر الدعوة لنصرة عباده المستضعفين وإيوائهم، كذلك سخر الأحرار في جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية لنصرة من لم ينتصر لهم إخوتهم وأهلوهم رغم قدرتهم على ذلك.
وليتعلم البشر أن القوة العسكرية لا تفرض الحق، بل إن الحق يعلو ولا يعلى عليه، ومهما كان خصم الظالم صغيرا أو ضعيفا، فعندما يكون الحق معه تتضاعف قوته، فالحق وصاحبه اثنان.
وقديما قال المتنبي: لَا تَحْقَرَنَّ صَغِيْرًا فِيْ مُخَاصَمَةٍ … إِنَّ البَعُوْضَةَ تُدْمِيْ مُقْلَةَ الأَسَدِ.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
الأفعال العمليّة المُجدّية التي تُوقِف الحرّب
نضال عبدالوهاب
أي تحرُّكات لوقف الحربّ الحالية في السُودان يلزمها أشياء مُحدّدة ومُباشرة مع إرادة و عمل مُخلِص داخلياً وخارجياً لوقفها ، وساتناول في هذا المقال أهمّ هذه الخُطوات والأشياء العمليّة والمُجدّية في رايي والتي تتوقف بها هذه الحرّب الحالية ، ووقف إبادة وتشرّيد و مُعاناة السُودانيين ، ومن ثمّ من بعدها الذهاب للخُطوات التي يستدّيم معها السّلام و ضمّانات عدم عودتها ، ومن الضرّوري والهام جداً هنا تفهُّم عدّم تخطِي تلك الخُطوات والمراحل أو القفز عليها ، مع العمّل الجمّاعي المُخلِص لأجل ذلك.
لن تتوقف الحرب طالما هنالك أجندة تخدّم إستمرار الحرّب ، أو محاولة الوصول لأهداف من ورائها وعلي رأسها الصرّاع علي السُلطة أو النفوذ ، ولن تتوقف طالما سيُحاول أي طرف فيها ربط توقفها بتحقيق إنتصار عسكري يحسم به الحرّب لصالحه ، و لن تتوقف كذلك طالما هُنالك أطراف وقوي خارجية تدّعم بالسلاح أطرافها وتقدّم لهما الدّعم السياسِي والفني كذلك لإستمرار الحرّب ، أو تغض الطرف عن جرائم الطرفين وإنتهاكاتهما ، ولن تتوقف الحرّب طالما هنالك تحشيّد لها وإصطفاف لطرفيها ، ولن تتوقف طالما هنالك بث متواصل وتغذيّة لخطابات الكراهيّة والتفريق بين السّودانين ولخدمة أجندة لاعلاقة لها بالوطن ومصالح جميّع شعبه ، ولن تتوقف طالما لم تتوحد إرادة جمّيع السُودانيين لوقفها والإنتقال لعهد جديد مع الإحتكام التام لصوت العقل والحِكمة في ذلك.
من جميّع ما ذكرت أُلخص الخطوات العمليّة والمُجدّية لوقفها في الآتي:
١/الضغط علي الأطراف الخارجية التي تمّد بالسلاح وتواصل إشعال الحرّب ، والتحدث مُباشرة مع تلك الأطراف ، وعلي رأسها الإمارات الداعمّة لمليشيا الدّعم السرّيع ، وعلي المجتمع الدولي تحدّيداً ومؤسساته أن يكونوا أكثر مباشرة في ذلك.
٢/اللجوء إلي العمل الدُبلوماسي أولاً في التعامل مع الأطراف الخارجيّة الدّاعمة لإستمرار الحرّب دولياً وإقليمياً ، سواء عن طريق الوساطة أو عن طريق مجموعة السّودانين العاملين لوقف الحرّب من القوي السياسية أو المدّنية أو من يمثلونها
٣/تفعيّل كافة أنواع الضغط الخارِجي والعُقوبات التي يُمكن أن توقف تدّفق السلاح ضد الدّاعمين الخارجيين للحرّب
٤/الضغط والتعامل المُباشر علي طرفي الحرّب لوقفها سواء عبر الحديث المُباشر أيضاً داخلياً وإقليمياً ودولياً عبر الوساطة ، أو عبر آليات الضغط المختلفة وسلاح العُقوبات “الخارجية”
٥/الحوار المُباشر مع الإسلاميين ورموزهم الذين يقفون وراء الحرّب ويدعمّون إستمرارها ، ليس وفق أجندة سُلطة أو تقاسمها ، وإنما من أجل مصالح البلاد وجمّيع السُودانيين و بناء علي الواقع الحالِي ، أساس هذا الحوار هو إعترافهم بالثورة التي كانت ضد نظامهم ، وبأهدافها المُعلنة وعلي رأسها إنهاء التمّكين والمحُاسبة علي كافة الجرائم وفق عدالة حقيقية ، علي أن لايكون هذا عائقاً في المُشاركة السياسِية لاحقاً وبعد توقف الحرب وحرية التعبير والتنظيم لمن لم يثبت تورطهم في أي جرائم أو إنتهاكات تحقيقاً لمبدأ العدالة ، وأي حديث عن مُصالحات أو عفو لايرتبط بمبادئ الحوار معهم أو تحقيق العدالة لن يكون له أساساً
٦/الإسلاميين أو أي فصيل سياسِي من المؤمنين بوقف الحرّب ، والعاملين لأجل ذلك تصبح مُشاركتهم في أي حوار يقود لوقفها والضغط في إتجاه ذلك ضرورية بإعتبارهم سُودانيون أصحاب مصلحة في البلاد والمُحافظة عليها وعلي إستقرارها و علي وحدتها
٧/التعامل مع الواقع الحالي للحرّب بإعتباره وضع شدّيد الخُطورة وكارثي علي حاضِر ومُستقبل السُودان والدولة والشعب نفسه ، وهذا يستلزِم تقديّم التنازلات الضرورية المطلوبة لأجل توقف الحرّب دون التمترُّس أو التخندّق في المواقف التي لاتتوقف بها الحرّب ، أو تُساهم في تمزيّق السُودان وإبادة شعبه وتهجيرّه وإطالة أمد مُعاناتهم ، وهذا يعني وبشكل مُباشر الإنفتاح علي حوار لايستثني أحداً من السّودانيّن من أجل الذهاب لمُستقبل لتأسيس سُودان خالي من أخطاء الماضي ، وعلي هدي ثورة ديسمبر وللإنتقال الديمّقراطي ومُعالجة مُشكلاته من جذورها.
الخُطوات العاجلة لوقف الحرّب:
١/مُشاركة الجميّع في الحوار السُوداني السُوداني ولكل المؤمنين بوقفها والمُمهد له العمّل الجماعي التحالُفي أو التنسِيقي وتوحيّد الرؤية المُشتركة لأجل أهداف وقف الحرّب و الوقف التام لإطلاق النار و ووقف الإبادة و كافة الإنتهاكات والتشرّيد وعودة الإستقرار
٢/العمّل الجمّاعي المُخلِص في الداخل والخارج لتقدّيم كافة أنواع العون الإنساني والإغاثة لكافة السُودانيين وتقليل أضرار الحرّب وإفرازاتها
٣/تهئية الأجواء التي تُساعد علي العمل المُشترك ، بوقف كافة أنواع العدائيات في الخطاب السياسِي والإعلامي وضبطها بين الجميع ، وعدم التصعيّد وتأجيج الخلافات ، مع النبذ التام للعُنف اللفظي والجسدّي ، و مُحاربة خِطابات التفرّيق والكراهيّة
٤/التوصُل لآلية تقود لحوار داخِلي جامّع للسُودانيين دون إقصاء يتم الإتفاق عليها سواء عبر “مائدة مُستديرة أو مؤتمر عام جامع” ، أو أي شكل يؤدي لنتيجة وقف الحرب والإنتقال لإستدامة السّلام والإتفاق السياسِي المؤدي للإنتقال الديمُّقراطي والحُكم الفدرالي المدّني ، وفق أهداف الثورة والتأسيس الجديد للدولة الذي يُحافظ عليها من التقسيّم والمؤامرات للسيطرة عليها وعلي ثرواتها.
٥/التركيز علي الحلول الوطنية السُودانية مع الإتفاق علي رؤية سياسِية مُشتركة في التعامل مع الخارج والمُجتمع الدولي وفق مصالح بلادنا العُليا وكامل سيادتها
ختاماً هذه هي الخُطوات اللازمة والعاجِلة والفاعِلة والمُجدّية من وجهة نظري ورايي التي تتوقف بها الحرّب وإبادة وتشرّيد السُودانيين ومُعاناتهم ، وتتحقق بها مصالِح أكبر مجمّوع منهم ، وتُحافظ علي الدولة نفسها وعلي وحدتها وأمنها وإستقرارها.
٢١ نوفمبر ٢٠٢٤
الوسومنضال عبدالوهاب