إيغاد …هل تنجح قمة كمبالا فيما فشلت فيه قمة جيبوتي ؟
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
#الهدف_آراء_حرة
عبدالله رزق أبوسيمازه
تعتزم منظمة "إيغاد" إعادة قمتها الطارئة التي استضافتها جيبوتي، في كمبالا، في الثامن عشر من يناير الجاري.ومع أن موضوعها هذه المرة، لا يتقصر على السودان وحده، إلا أن القمة شكلا تستجيب لشرط الجنرال محمد حمدان دقلو، "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع، للقاء الجنرال عبدالوهاب البرهان، القائد العام للقوات المسلحة.
وتبرز الدعوة الجديدة، على خلفية فشل المنظمة الإقليمية، في جمع الجنرالين، اللذين حصلت على موافقتهما على اللقاء، لغرض إنهاء الحرب، خلال قمتها التي استضافتها جيبوتي في التاسع من ديسمبر . ففي المرة الأولى، تم تأجيل اللقاء، الذي كان مقررا له الثامن والعشرين من ديسمبر الماضي، لأسباب وصفت رسميا بالفنية، لكن لم يتم الإفصاح عنها.وإن رجحت اجتهادات بعض المراقبين اشتراطات حميدتي، بحضور الرؤساء كافة، كسبب للتأجيل.فيما برزت اشتراطات مضادة من الجانب الآخر.
وفي الوقت ذاته، فشلت تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية،"تقدم"، التي يتزعمها الدكتور عبدالله حمدوك، في لقاء البرهان، بعد لقائها مع "حميدتي" ،في العاصمة الإثيوبية، أديس ابابا.وقد استبق البرهان اللقاء،برفضه اعلان اديس أبابا، الموقع بين "تقدم" "وحميدتي" ،والذي يتوقع أن يكون موضوع اللقاء معه.
وفيما بقى البرهان في خانة التعنت والممانعة، سعى "حميدتي" ،عبر جولة، منسقة إقليميًا ودوليا،فيما يبدو، شملت ستا من الدول الإفريقية، حيث استقبل استقبالا رسميا، إلى تقديم نفسه في الإقليم وفي العالم، بشكل مقبول ومتسق مع المزاج الإقليمي والدولي المهيمن.
وقال المتحدث باسم الخارجية الامريكية، ماثيو ميلر، الذي رفض التعليق على الجولة، في مؤتمر صحافي عقده بمباني الوزارة الأمريكية مساء الخميس : " إننا نأمل أن يرسل أي زعيم أجنبي يشارك في محادثات مع أحد قادة الجيش أو الدعم السريع رسالة واضحة جدا بأنه لا يوجد حلاً عسكريا مقبولا للصراع في السودان.وأننا نرغب في رؤية عودة كل الأطراف إلى طاولة المفاوضات.ونريد رؤية وقف لإطلاق النار يتم الالتزام به فعليا.ونريد رؤية توقف كل طرف في هذا الصراع عن هجماته الوحشية على المدنيين واتخاذ إجراءات تخدم مصلحة شعب السودان" .
ينتظر ان تحشد" إيغاد" ،مرة أخرى،إلى جانب رؤساء الدول الأعضاء في المنظمة، ممثلين للأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، ودولة الإمارات، وأن تتسع القمة للقاء المؤجل بين البرهان وحميدتي،لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات، في فرصته الأخيرة .ويتعلق الأمر، بهذا الخصوص، وإلى حد بعيد، بقدرة "إيغاد" على إقناع الجنرالين أو حملهما للقبول بوقف الحرب.إذ ينتظر من قمة كمبالا تحقيق ما قصرت عن بلوغه قمة جيبوتي . إلا أن وزير الخارجية الأسبق ،السفير إبراهيم طه أيوب، شكك في ذلك، و قطع، خلال حديث لراديو دبنقا،يوم أمس الأول، "بأن منظمة الإيقاد لم ولن تحقق تقدما في ملف وقف الحرب في السودان." وقال :" أن" الإيغاد" ليس لديها صلاحيات ولا آليات لمحاسبة من يرفض الالتزام بأي اتفاق يأتي من جانبها، مشيرا إلى أن كلا من السعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لديها "بعض القوة" لكي تفرض ما تريده، حسب وصفه.وأشار كذلك إلى أن تلك الدول
(السعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)
لها مصلحة في استقرار السودان، خلافا لدول "الإيغاد" التي لا ترغب كلها في استقرار السودان، حسب وصفه. "
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
يا مثقفو السودان وعقوله النيرة … اتحدوا
في الفؤاد ترعاه العناية ... من بين أيدينا يتسرّب وطنٌ عظيم
يا مثقفو السودان وعقوله النيرة ... اتحدوا
تعددت التعريفات لمفهوم المثقف، ربطه البعض بحصيلته من المعرفة وبموقفه من الصراع الحضاري، وشريحةٌ أخرى قرنته ببعد النظر، وعمق البصيرة، والخبرة الذاتية، والحياتية. وربطه آخرون بحصيلته من الشهادات والمؤهلات الأكاديمية. وعلى الرغم من أن الباحثين لم يتفقوا حتى الآن على تعريفٍ محدد له، إلا أنهم اتفقوا على أهمية دوره في تنمية المجتمع بصفته "مهندس النفس البشرية"، "ضمير الأمة وصوتها"؛ صاحب القدرات المدهشة في التعبير عن أحلامها وطموحاتها ومخاوفها وأفراحها وأتراحها، وصاحب رسالة ريادية في تنوير العقول وتحفيز الشعور ونقد وتصحيح الواقع المعوج من خلال سعيه لتحقيق عدالة مجتمعية بالتوعية والتنوير والنزول إلى الشارع العام صحبة الجماهير دون استعلاءٍ أو تكبر، يسعى معها لتحسين الحياة الاجتماعية، يعلم ويتعلم منها حتى يصل أعلى مراتبه حين يكتسب منها صفة "المثقف العضوي".
في زمن الرويبضات الطفابيع، والمغنواتية المطاليق، تراجع دور المفكر المثقف، وكل من أوتي قدرًا من العلم والمعرفة ولسان فصيح وقلب ينضح بالحق، الإنسان المثقف الذي ينثر الوعي والتنوير ويتقن نقد انحرافات الواقع؛ مما جعل العالم من حولنا يتساءل عن دور المثقف السوداني تجاه قضايا الوطن والشعب في هذا الزمن الكئيب الذي يعلو فيه ضجيج الجهلاء وترتفع فيه أسهم التافهين من اللايفاتية ومدعي الخبرات الاستراتيجية.
في عصر الانحطاط هذا، وصناعة وتسويق الجهل، وفي ظل الاستقطاب الحاد والاصطفاف، تشظّى المثقفون وتفرّق الكُتّاب والأدباء، كلٌّ منهم يمسك برأيه ويسير منفردًا. منهم من يقاتل ضد الاقتتال والحرب، ومنهم من انحاز وهو مطمئن لأحد طرفي الاقتتال. كما أن بينهم فئة آثرت الصمت، وانزوت تبحث عن طوق نجاة بعيدًا عن ويلات الحرب.
تتداول وسائل التواصل الاجتماعي قائمة من اثنين وأربعين إعلاميًا يشكلون قمة الهرم المهني الإعلامي السوداني، متهمين بالعمالة والخيانة، على رأسهم الأستاذ محمد لطيف، والأستاذة رشا عوض، والأستاذ فيصل محمد صالح، والدكتور مرتضى الغالي، والأستاذ محمد محمود راجي، والأستاذ عبد الرحمن الأمين. وعلى الرغم من اختلاف أطيافهم السياسية، إلا أن ما جمع بينهم هو موقفهم المبدئي الثابت ضد الحرب منذ انطلاق شرارتها الأولى. وهم لا ينادون فقط بـ"لا للحرب ... العسكر للثكنات، والجنجويد اتحلّ..."، بل يطالبون بعزم وصلابة بالعودة للمسار الديمقراطي والحكم المدني، ورفضهم القاطع لعودة الجماعات المتأسلمة للسلطة من جديد. ولمواقفهم تلك مورست ضدهم أشرس أنواع الإرهاب وهو الإرهاب الفكري.
هذه القلة الشجاعة من الإعلاميين وقفت بشراسة ضد الحرب، وظلت تنادي وتطالب بوقفها وترصد تجاوزات أطرافها، مما جعلها هدفًا مشروعًا لطرفي الاقتتال. وهم الأعلى صوتًا والأكثر نجاعة وشجاعة وسط عدد لا يُستهان به من سدنة منارة الوعي من مثقفين وأدباء وكُتّاب وفنانين، صدحت برأيها وقالت: "لا للحرب".
لكن هناك قلة من المثقفين، بعلل وحجج مختلفة، اختارت الانحياز لأحد طرفي الحرب، بعضهم عن قناعة والبعض تجارة، باعوا أقلامهم وانحازوا لأحد أطراف الصراع، وآخرون انحازوا عن خوف أو ابتزاز بعد تعرضهم لإرهاب وتهديدات الأجهزة الأمنية.
الذين باعوا أقلامهم ومواقفهم في سوق النخاسة، والذين استسلموا للخوف والإرهاب والابتزاز، ليسوا معنيين في هذا المقال بعد أن صنّفهم الشعب ضمن السفهاء والتافهين.
ما يهمنا هو توحيد وتنظيم أصحاب المواقف الوطنية النبيلة من المثقفين الذين يؤمنون بضرورة وقف الحرب واستهداف المدنيين، وتوصيل الإغاثة للمتضررين والعالقين بسبب الحرب، وعودة النازحين، ومحاسبة المنتهكين.
المثقفين من كُتّاب وأدباء وفنانين قرروا بإرادة حرة الانحياز لأحد طرفي الحرب لحجج وقناعات مختلفة. فمنهم من انحاز للجيش اعتقادًا منه بأنه بعد دحر قوات الدعم السريع، التي يعدها غزوًا خارجيًا وعنفًا بدويًا، وبعد استعادة بيوتهم التي انتُهكت، وشوارعهم التي اغتُصبت، ستكون معركتهم أسهل مع الإسلامويين وميليشياتهم. فقد سبق للشعب هزيمتهم ولا غضاضة في تكرار مشهد قطار عطبرة من جديد بعد أن يصطف الشعب في ثورته لبناء سودان جديد خالٍ من الفساد والاستبداد شعاره: "عندك خُت، ما عندك شِيل".
وهناك مجموعة أخرى قررت الانحياز لقوات الدعم السريع ظنًا منها أنها القوة الوحيدة المؤهلة لهزيمة الإسلامويين وميليشياتهم عسكريًا، بل والقضاء عليهم؛ حيث لا مستقبل لهم في سودان ما بعد الحرب في ظل وجود هذا الوباء المدعو بالإخوان المسلمين. ولأن في مفهومهم السفسطائي المثالي (ما في مليشيا بتحكم دولة)، ستقوم قوات الدعم السريع بتسليم السلطة للمدنيين لإقامة الدولة الديمقراطية التي يحلمون بها.
لكن الحقيقة أن كلا الطرفين جانبهما الصواب؛ حيث أسسا قناعاتهما على أمانيّهما ورغباتهما، أي اتبعا تفكيراً رغبوّياً (Wishful Thinking) لا يستند إلى العقلانية ولا الواقعية، وكلاهما ينطبق عليه حال المستجير من الرمضاء بالنار. فلا الدعم السريع سيقضي على التيار الإسلاموي، ولا الجيش سيقضي على الجنجويد. وهناك عدة عوامل داخلية وخارجية تؤكد ذلك، وكل المؤشرات تقول بأن دائرة الحرب آخذة في الاتساع، وكرة النار ستظل تضطرم في ازدياد طالما الوقود متوفر، والأهداف لا زالت قيد التحقيق، سواء أهداف القوى المتصارعة أو القوى الإقليمية المتداخلة والمشاركة في الحرب أو الدولية المتعاطفة.
هذه الفئة من المثقفين ظلت تصارع وتناضل لنشر الوعي ودق ناقوس الخطر على المستقبل، وتقول إن هذه الحرب العبثية مهما طال أوارها فلن تُحسم بالبندقية، بل بطاولة المفاوضات، وأن المحاسبة على الانتهاكات، أو الدعوة لانعقاد "لجان الحقيقة والمصالحة" أسوة بما جرى في رواندا وجنوب أفريقيا، لن يتم إلا في ظل سودان مدني ديمقراطي. لا بد من جيش مهني واحد يوحد كافة القوات والحركات والمليشيات المسلحة مهما كان دورها أو موقفها في هذه الحرب. يجب أيضاً النظر للصراع الإقليمي حول الموارد بعين الاعتبار لدوره في إشعال واستمرار الحرب، ولما يمكن أن يسهم به في استقرار السلام وإعادة التعمير.
هذه القلة من المثقفين التي تغزل بفكرها حبال لإنقاذ الوطن، للأسف، مستهدفة من الطرفين المتحاربين وأجهزتهما القمعية في الداخل والإعلامية في الخارج.
ومن هنا جاء نداء المثقف العضوي الدكتور حسن الجزولي، حيث دعا في بيانٍ له يستنكر فيه مذبحة شباب لجان الخدمات بالحلفايا إلى التكاتف والتحالف والتوقيع على بيان يدين الانتهاكات من طرفي الصراع. وأقتبس من بيانه: "ندعو لإصدار بيان استنكاري بتوقيع المثقفين الوطنيين - كُتّابًا وشعراء وأدباء وتشكيليين وصحفيين ومسرحيين وموسيقيين وفنانين - شجبًا للمجزرة ومطالبة الجهات العدلية الدولية بالعمل من أجل حماية السودانيين من بطش مصاصي الدماء في البلاد."
وانطلاقًا من بيان الدكتور حسن الجزولي وعطفاً على حالة الوطن الجريح، أقترح تشكيل جبهة عريضة من المثقفين الوطنيين - كُتّاباَ وشعراء وأدباء وتشكيليين وصحفيين ومسرحيين وموسيقيين وفنانين - الذين يمثلون فئة مستهدفة في هذه الحرب لتشكيل جبهة متحدة ضدها.
أما طرفا القتال ومن يدعمهم، فقد يتصالحون عاجلاً أم آجلاً. حتى الأحزاب التي تقف الآن ضد الحرب قد تساوم وتقبل بالمشاركة والمصالحة واقتسام المكاسب، باستثنائكم أنتم ... وربما لهذا السبب أنتم غير مرغوب فيكم. فلا عجب أن الأطراف كافة تستهدفكم ما دمتم غير مروضين، غير خانعين، ما دمتم أحراراً متمسكين بأهداف ثورة ديسمبر المجيدة. فأنتم مستهدفون من الأطراف المتصارعة ومن داعميهم في الداخل والخارج. لن يستقر لهم بال إلا بإقصائكم عن المشهد، سواء بالقتل أو التهجير، كما حدث حين استولت الجبهة القومية الإسلامية على السلطة في عام 1989. كان هدفهم الأول هو تجريف البلاد من أمثالكم، والعالم المتواطئ فتح أزرعه غير مصدق ليتلقاكم كأعظم هدية تمثلها هجرة جماعية للعقول المستنيرة.
لذا، أتمنى صادقًا أن نتوحّد في جبهة عريضة، نواتها قائمة الشرف الإعلامي التي تضم الاثني والأربعين الذين تم تخوينهم. لنقف سداً منيعاً ضد عودة دولة الفساد والاستبداد، ولنرفع عالياً راية ثورة ديسمبر المجيدة. ولنهتف معا حتى يصل صوتنا لكل العالم ((... العسكر للثكنات والجنجويد ينحل ... ومدنياااااااااا.))
عاطف عبدالله
23/11/2024
atifgassim@gmail.com