باحث فرنسي يحذر إسرائيل وحلفاءها من خطورة حرب غزة على مصالحهم
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
مر تأسيس إسرائيل بحملة لا رحمة فيها لتهجير الفلسطينيين ورسم حدود يمكن الدفاع عنها، ولكن العالم قد تغير، وترفض إسرائيل وحلفاؤها الغربيون أن يفهموا أن هذا النوع من العنف سوف يخلف تكاليف هائلة بالنسبة لهم، فإما أن يضطروا إلى الاستجابة للقانون الدولي الذي يزعمون أنهم يجسدونه أو أن ينتهي بهم الأمر إلى إنكار هذا الحق، وفي كلتا الحالتين ستكون النتائج كارثية على شرعيتهم وعلى مصالحهم أيضا.
تكاد هذه الفقرة تلخص ما توصل إليه الباحث بيتر هارلينغ مؤسس مركز أبحاث سينابس في بيروت، وذلك من خلال نقاشه في مقابلة مع موقع "ميديا بارت" مخاطر انتشار الحرب الإسرائيلية على غزة إلى حدود أخرى، وما سينتج عن ذلك من عواقب وخيمة على شرعية إسرائيل وداعميها.
بدأت المقابلة -التي أجراها جوزيف كونفافرو- بالسؤال: كيف تسمي ما يحدث أمام أعيننا في غزة؟ ليرد الباحث -الذي عمل طويلا في العالم العربي- بأن المشكلة برمتها في هذه الحرب هي أنها تخلط بين سجلات مختلفة، فهي الحرب ضد الإرهاب، وهي الانتقام الجماعي، وهي حرب الحضارات، والأزمة الإنسانية وإغراءات الإبادة الجماعية، وهذا يعني أن كل أحد يمكنه تفسيرها بطريقته الخاصة، مما يسمح بكل التجاوزات.
والغريب -كما يقول الباحث- هو أننا أمام صراع قديم ومألوف وسهل التعريف نسبيا، فهو صراع على الأرض بين طرفين يتمتعان بقوى غير متكافئة، ولم تتغير "جولاته" العديدة إلا قليلا، مما ساعد في دفن عملية السلام، ليصبح البحث عن حل قابل للتطبيق أقل أهمية.
سابقة غزة
ويوافق الكاتب على أن هذا الصراع القديم أعيد تشكيله من خلال منظور الحرب على الإرهاب باعتبارها هي المخرج السهل، خاصة أن "الإرهاب" يمكن أن يصف أعمال العنف التي تهدف بشكل أساسي إلى ترويع الخصم أو إضعاف معنوياته أو دفعه إلى ارتكاب جرائم في المقابل، لكنه بهذا المفهوم ينطبق على العديد من الأعمال العسكرية التي ليست حكرا على "الجماعات الإرهابية".
وعند السؤال: هل دخلنا مرحلة الختام؟ يرد الخبير بأن غزة توشك أن تظل جرحا غائرا وسط البحر الأبيض المتوسط، لأنه من الصعب للغاية أن نتصور كيف يمكن حل الأزمة الإنسانية دون إعادة إعمار هذه المنطقة المدمرة إلى حد كبير الآن، لأن أي عملية إعادة إعمار تتضمن مسبقا صيغة حكم مقبولة لدى إسرائيل، وإلا فإننا نتوقع أشكالا دائمة من الاحتلال وبالتالي حرب عصابات وإجراءات أمنية ومفاوضات لا نهاية لها وربما عودة الاستيطان.
وتوشك غزة أيضا أن تشكل سابقة من المرجح أن تعيد إسرائيل إنتاجها يوما ما في لبنان والضفة الغربية حسب العواقب الدولية لإستراتيجية القصف الشامل هذه، فإذا ظلت غير مكلفة بالنسبة لإسرائيل فسوف تكرر السيناريو نفسه.
وبشأن امتداد الحرب إلى الشرق الأوسط، يرى هارلينغ أن احتمالات اندلاع "حريق إقليمي" أمر مبالغ فيه، مشيرا إلى أن خطر التصعيد الرئيسي في هذه المرحلة يتعلق بلبنان، حيث كان حزب الله يستعد منذ فترة طويلة لحرب حاسمة مع إسرائيل، ولكنه لا يريد أن يطلقها في السياق الحالي.
مواقف العرب والغربأما موقف الحكومات العربية فيلخصه الباحث في أنها غير مهتمة بالقضية الفلسطينية مثل أغلبية الحكومات في الغرب، لأنها بالنسبة لها قضية خاسرة وبقايا من الماضي، وصرف للانتباه عن الأولويات الأخرى الأكثر واقعية وإيجابية، وعلى هذا الموقف تراهن الإدارة الأميركية لاستئناف عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية عند انتهاء حرب غزة.
وطالما أن معاناة الفلسطينيين تحشد الرأي العام العربي أثناء الأزمات فقط فإن الحكومات العربية تستطيع أن تكتفي بالمواقف الخطابية في انتظار أن تهدأ المشاعر، لكن السؤال الحقيقي بالنسبة للباحث هو "هل سيتغير وضع إسرائيل في هذه الحرب؟"، وهو ما ليس مستحيلا إذا تواصل التحرك نحو المزيد من الفظائع.
وعند سؤاله عن دعم الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل وأنه يمكن أن يؤدي إلى خسارته في الانتخابات القريبة، وضع الباحث الأمر في سياق أوسع من السلوكيات الهستيرية حسب وصفه، مثل ترحيل بريطانيا المهاجرين إلى رواندا وتمويل الاتحاد الأوروبي مليشيات ليبية تعذب وتبتز السكان، وسآمة أوروبا من الحرب في أوكرانيا، وتنديد المؤسسات الألمانية باليهود الذين ينتقدون بعض السياسات الإسرائيلية، ليرد ذلك إلى غياب البنية السياسية، كالأيديولوجيا والأحزاب السياسية الحقيقية واحترام المؤسسات والأخلاق والثقافة.
واعتبر هارلينغ في محاضرة له أن الشرق الأوسط هو "جوارنا المباشر في منطقة البحر الأبيض المتوسط التي تمثل البوتقة الحقيقية لهويتنا، ويشكل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جزءا لا يتجزأ من تاريخنا الأوروبي، وبالتالي فإن مساره لا يمكن إلا أن يتردد صداه بقوة في مجتمعاتنا".
لكن الشرق الأوسط أيضا -حسب الباحث- منطقة تود حكومات الغرب أن تنظر إليها باعتبارها منطقة أجنبية، كما تميل إلى فهمها من خلال تصورين متناقضين يحجبان عنها حقيقتها، التصور الأول قاتم يصورها مناطق تعاني من صراعات لا يمكن حلها ولا تجاوزها، بل يجب احتواؤها أو تجاهلها.
أما التصور الآخر فهو متفائل للغاية، فهي أماكن الأمل حيث يمكننا التحدث عن التقدم والابتكار والتمويل والاستثمارات والأرباح والشباب والرياضة والطاقة، والاندماج المثالي في العولمة كما هو الحال في دبي والسعودية، ومشاريع البنية التحتية للطاقة الشمسية في تونس، وحقول الأفوكادو في المغرب.
أما الشرق الأوسط الذي يهمنا حقا -حسب تعبير الباحث- فهو ذلك الشرق الذي يعيش فيه نصف مليار من جيراننا المغلوبين على أمرهم، والذي يجب أن علينا استكشاف ما يربطنا وما يوحدنا معهم، خاصة أن العالم العربي مليء بالديناميكيات التي نعرفها أيضا في أوروبا، وطموحات مجتمعاته هي طموحاتنا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
باحث علاقات دولية: إسرائيل تمد قوات الدعم السريع بأسلحة ومعدات التجسس
قال الباحث في العلاقات الدولية، حامد عارف، إن انضمام قائد قوات "الدعم السريع" سابقا في ولاية الجزيرة السودانية أبوعاقلة كيكل إلى الجيش السوداني أثار جدلاً واسعاً، ولا يزال مستمراً حتى اللحظة، بسبب الإمدادات الإسرائيلية من الأسلحة و"معدات التجسس" إلى قواته عن طريق قوات "الدعم السريع".
وأضاف عارف، أن بعض المحللين السياسيين لاحظوا اهتمامًا ليس بجديد بشأن إمكانية تعاون بين إسرائيل وقوات "الدعم السريع" بعد ظهور معلومات من مصادر متعددة عن إمدادات من الأسلحة و"معدات التجسس" الإسرائيلية لقوات كيكل، وانتشرت في الأشهر الأخيرة على شبكات التواصل الإجتماعي صور للأسلحة التي تلقتها قوات كيكل، وتفيد تصريحات أعضاء قوات كيكل الذين انشقوا مؤخرًا وانضموا للجيش السوداني بأن إسرائيل تمد حميدتي بالأسلحة والذخائر، والتي يُقال إن الجيش الإسرائيلي استولى عليها خلال المعارك البرية في غزة وجنوب لبنان.
وتابع عارف، أن نائب رئيس المجلس السيادي السوداني، محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي"، حصل على أجهزة تجسس متطورة، وقد تم نقل الشحنة إلى الخرطوم عبر طائرة مرتبطة ببرنامج التجسس الإسرائيلي، وتحتوي على تكنولوجيا مراقبة من الاتحاد الأوروبي، وتم توصيل هذه الشحنة بسرعة إلى منطقة جبل مرة في دارفور، التي تسيطر عليها "قوات الدعم السريع" بالكامل، ومع ذلك، نفت "قوات الدعم السريع" في بيان لها جميع الأخبار التي انتشرت في الإعلام المحلي والعالمي حول حصولها على تقنيات تجسس حديثة من "إسرائيل".
وأكد عارف، أن السودان ضمن الدول "الصديقة" لإسرائيل بحسب خريطة نتنياهو، وسبق أن تم مناقشة هذا التعاون بعد 27 سبتمبر، عندما ألقى بنيامين نتنياهو كلمته أمام الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قدم خارطتين بعنوان "الخير" و"الشر"، وشملت خارطة "الشر" دولًا مثل إيران والعراق ولبنان وسوريا واليمن.
وأوضح عارف أن إسرائيل تدرس إمكانية التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والذي قد يؤدي إلى نفي قادة حركة حماس إلى السودان، ومع ذلك، فقد نفت كل من حركة حماس والقوات المسلحة السودانية هذه المزاعم، في حين لم تدل قوات الدعم السريع بأي تعليق حول هذه المعلومات.
وأشار إلى أن السودان قام بتطبيع علاقاته مع إسرائيل في 23 أكتوبر 2020، وكان أحد شروط رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب هو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأنه في عام 2023، وقبل فترة قصيرة من اندلاع الحرب الأهلية في السودان، قام وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بزيارة الخرطوم.
ولفت إلى أنه بعد اندلاع الصراع العسكري في السودان، حرصت إسرائيل على الحفاظ على علاقاتها مع كلا الطرفين. وقد كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية تميل إلى الحفاظ على علاقاتها مع الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، بينما حافظ جهاز الموساد على اتصالاته مع حميدتي.
وأوضح أن دعم حمدتي كاستراتيجية يعتبر خطوة منطقية للغاية بالنسبة لإسرائيل. فإنتصار الجيش السوداني في أي نوع من الصراعات المسلحة لن يعود بأي فائدة لإسرائيل.
ولفت إلى أن إسرائيل تعمل اليوم على تسليح حمدتي، مما سيمكنهم من مواجهة القوى الإسلامية الموالية، وزيادة الضغط على الدول الشقيقة.