عُمان.. التي لا تقبل القسمة على اثنين
تاريخ النشر: 15th, January 2024 GMT
مسقط-أثير
إعداد: د. أمل الحرملية
لم يعد ممكنًا على الإنسان الطبيعي أن يعبر هذه الأيام الثقيلة خفافًا، أو ينظر في مرآته ويكرر: ينتظرني يومٌ جميل، كما كان يفعل في الأيام الخوالي قبل أن تفلت الشياطين من الجحيم القابع في أرواح بعض الذين يشبهون الإنسان ولا يشبهونه، ويتحرر أسوأ ما في هذا المخلوق الضئيل الضعيف من بغي وجبروت، فيطغى في البلاد، ويُكثر فيها الفساد.
في العقد الثالث من عمري، وجدتُ نفسي أستذكر تاريخ الصراع الدموي في هذه البقعة من العالم التي نقطنها والمدعوة بـ”الشرق الأوسط”، ذلك الفرن الساخن الملتهب الذي يطبخ فيه جبابرة العالم سائر مخططاتهم وأطماعهم وقذاراتهم، وكأنما على العالم أن يتفرج فينا على برنامج الواقع بنسخته العربية، مع دماء حقيقية هذه المرة، والكثير من الموت والاغتراب والجوع والامتهان.
ولا يمكن للناظر لهذه المدة القصيرة أن يتجاهل التاريخ الوحشي الأسود الذي اكتنفها، طُمرت تحالفات وبرزت أخرى، وماتت سياسات ووُلدت أخواتها، تشرذمت الصفوف مرات ومرات وأعيد اصطفافها من جديد، لغة المصالح الرخيصة وحدها البوصلة وما تُمليه من رهانات واتفاقيات وألاعيب، فأصبح الأعداء أصدقاء، والأخوة أعداء، وبيع الإنسان في سوق نُخاسة، وبيعت معه حريته بثمنٍ بخس؛ عروش معدودة، يُصبح الساسة على رأي ويمسون على نقيضه، فعشعشت الطائفية، وانقسم أبناء الأرض الواحدة، وسقط صنم القومية العربية الذي كان يُتغنى به في أوبريت شاعري جدًا كبُر معنا: ده حلمنا.. طول عمرنا.. حضن يضمنا كلنا كلنا! وفي وسط هذا اللغط سقطت عروش، وأقيم على أنقاضها عروش أخرى، بُنيت بجماجم المدنيين العُزّل الذين كان مبلغ همهم في هذه الحياة أن يجدوا رغيف خبز يقيهم بأس الحياة، لا شأن لهم بالسياسة، فهي على أية حال بالنسبة لهم مجرد ترف مغالى فيه، لا يحق له الحديث حولها أو مجرد الإشارة بإصبع مرتجف إلى اشمئزازه من جوعه وتعبه ولهاثه وكدحه للحصول على حقوقه البسيطة كإنسان، وخلال ذلك كله، رأينا كيف تتلون مبادئ الدول تلوُّن الحرباء، وكيف حارب العربي أخاه، فقتله وهجّره وشرّده، باسم التوسع والهيمنة، ربهم الجديد.
وبقيت فلسطين، شعرة معاوية، تجمع هؤلاء العرب، الخصوم والأعداء والمنافسين والأصدقاء، وعشنا وكأننا لن نعيش لنشهد هذه الزمرة من الأعراب والمستعربين وقد انقسموا إلى فريقين: واحد في الجنة وآخر في السعير، ولم يخطر على بال أي حُر أن يولد من أرحام العربيات ثلة من الجبناء والمنهزمين والخونة، الذين يخرجون على الملأ للتشدق بأن فلسطين ليست قضيتهم، وأن السلام مع المحتل ممكن، وأن التطبيع ضروري لتقبُّل استشراء هذا السرطان في جسد الأمة.
ووسط هذا الزيف والنفاق، وانتهاك القوانين والمواثيق بسائر أشكالها، واحتلال دول شقيقة والتآمر على شقيقات أخريات، والتخلي عن فلسطين أرضًا وتاريخًا وعروبة، لم يعد بيد العالم تمثيل دور الأعمى وهو يرى سلطنة عمان ثابتة الموقف راسخة المبدأ واضحة السياسة، تقابل كل هذه الالتفافات والاختراقات والتجاوزات بذات الرد: “لا نعتدي ولا نسمح بالاعتداء على شقيق أو جار عبر استخدام أراضينا”، وراهن المرجفون من الأعراب على أن تميل عُمان ميلهم، فتقتل حين يقتلون، وتخون حين يخونون، وتكف أيديها عن نصرة أشقائها كما يفعلون، لكن عُمان ليست حديثة نعمة ولا غضة خبرة، عُمان حفيدة امبراطورية امتدت شرقًا وغربًا لقرون، ودفعت بأساطيلها وجيوشها أسوأ محاولات استعمار شبه الجزيرة العربية ومناطق أخرى صديقة من العالم، فجاء موقفها اليوم استمرارًا لنهج العزة والإباء الذي ورثه سلاطينها كابر عن كابر، فمنعت طائرات إسرائيل من عبور أجوائها الملاحية فور عدوانها على غزة، ورفضت فتح المجال الجوي للعدوان الأمريكي البريطاني على شقيقتها اليمن، وقبلها بسنوات رفضت الانصياع للتحالف الذي نكّل باليمن حصارًا وقتلًا وتشريدًا، وبقيت صوتًا يدعو للسلام وينبذ العنف والتطرف والعدوان، الأمر الذي جعل الأشقاء والأعداء على حدٍ سواء، غاضبين من حيادها، ناقمين على ثباتها، فجيشوا للهجوم عليها ذبابهم النتن وأطلقوا ضباعهم القذرة، آملين من وراء ذلك إلى إضعاف موقفها وزجها في لُب الصفيح الناري الذي يرقصون فوقه، متناسين الحقيقة ناصعة النقاء: عُمان لا تقبل القسمة على اثنين، فلا يقرأ هؤلاء من التاريخ إلا بقدر ما يواري سوأة جهلهم، هؤلاء الذين قاطعوا مصر، ورفضنا مقاطعتها، وقاطعوا العراق ورفضنا مقاطعتها، وقاطعوا سوريا ورفضنا مقاطعتها، وقاطعوا قطر ورفضنا مقاطعتها، ليعودوا كلهم بعد آن صاغرين ويعيدون العلاقات المبتورة إلى سالف عهدها.
ومنذ النكبة، ومع تفجُّر طوفان الأقصى، يقف العمانيون حكومة ومفتيًا وشعبًا ببسالة مع إخوانهم في فلسطين، باسم العقيدة والأرض والعروبة وقبلها باسم الإنسانية، في وجه الغاصب المحتل، ونشط العمانيون في مواقع التواصل الاجتماعي نشاطًا ملحوظًا رآه القاصي وشهد عليه الداني – في وقت صمتت فيه شعوب مجاورة استجابة لسياسات حكومتهم المتخاذلة- مؤكدين وحدة الصف، مستميتين في الذود عن دماء الفلسطينيين الطاهرة، ومنددين بأي أسلحة صديقة أو عدوة تحاول أن تميت جذوة فلسطين في روح الأمة.
الحق بيِّن والباطل بيِّن وبينهما مشتبهات، وقد وقعت الكثير من الدول في فخ المشتبهات، فباعت نفسها للشيطان الذي زيّن لها سوء عملها، فتعالت واستعمرت وتمادت، حتى غدى القتل والتجسس والتآمر دينها وديدنها.
وفي وسط كل هذا القادم الغامض والمشؤوم من تقلبات على الساحة الشرق-أوسطية، إلا أننا كعمانيين ندرك بيقين مطلق لا يشوبه ريب ولا يخالطه شك بالحكمة المستنيرة لقيادتنا، والوعي التام لشعبنا وإدراكه لكل هذه الأرضية المائعة المهتزة في لعبة السياسة، ويقف بصلابة وثبات فوقها منطلقًا من تعاليم المدرسة القابوسية العظيمة، والإرث العماني النبيل، ورسالة التعايش والتسامح والسلام التي يبثها للعالم، كل العالم، أينما حلّ وارتحل، بكل مفخرة واعتزاز.
فالسلام على عُمان وأهلها والثبات
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
تشكيل فلسطين وعمان في تصفيات كأس العالم.. وسام أبو علي يقود «الفدائيين»
كشف مكرم دبوب، المدير الفني لمنتخب فلسطين، عن تشكيل لاعبيه لخوض مباراة اليوم أمام نظيره العُماني، ضمن مباريات الجولة الخامسة من التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026.
وجاء تشكيل الفدائيين بقيادة وسام أبو علي على النحو التالي:
حراسة المرمى: رامي حمادي.
خط الدفاع: ميشيل تيرمانيني - محمد صالح - عهيد محاجنة - محمد خليل.
خط الوسط: محمود أبو وردة - عدي خروب - عطاء جابر - مصعب البطاط.
خط الهجوم: عدي دباغ - وسام أبو علي.
وجاء على مقاعد بدلاء منتخب فلسطين أمام عمان كل من:
توفيق علي، براء خروب، ياسر حمد، موسى فيراوي، وجدي نبهان، عميد صوافطة، محمد باسم، محمد درويش، جوناثان زوريلا، علاء الدين حسن، زيد القنبر، مصطفى زيدان، عمر فرج.
تشكيل عمان أمام فلسطينفيما جاء تشكيل منتخب عمان للمباراة على النحو التالي :
في حراسة المرمى: إبراهيم المخيني
خط الدفاع: أمجد الحارثي- أحمد الخميسي- محمد المسلمي- على البوسعيدي
خط الوسط: جميل اليحمدي- حارب السعدي- أرشد العلوي- عبدالرحمن المشيرفي
خط الهجوم: صلاح اليحيى- محسن الغساني.
ويحتل منتخب عمان المركز الرابع، برصيد 3 نقاط، فيما يحتل منتخب فلسطين المركز السادس والأخير، برصيد نقطتين.